رواية نهي الجزء السابع
المحتويات
فراش ضيق.. فراش غريب.. جدران ذات لون أزرق فاتح جدا.. سجاد وستائر في غاية الفخامة بلون أكثر زرقة..
أين هو.. كيف وصل إلى هنا.. أين ومتى وكيف.. كلها كانت أسئلة بديهية.. لكن لا إجابة في عقله المشوش..
اعتدل جالسا وتلفت حوله عدة مرات.. محاولا بضراوة التذكر.. لكن .. لا شيء.. ذاكرته صفحة بيضاء تماما..
صفحة تلونت بالسواد.. بل تلطخت به.. تمزقت وتبعثرت وتناثرت قصاصتها.. عندما دوى في ذهنه السؤال الأهم..
من أنت بدونها.. لا شيء.. قلب مبعثر بلا معنى.. بلا هدف.. روح هائمة.. ضالة وضائعة.. دائما كانت هي الأقوى.. الأشجع.. للنهاية.. اختارت الرحيل بشجاعة.. بشموخ وكبرياء كما اعتاد منها.. لم تضعف ولم تنحن للمرض.. فقط.. اختارت الرحيل قبل أن يزداد العڈاب فلا تتحمله روحها البريئة أو فليقل.. قدر لها الرحيل بكبرياء.. واستجابت دعوتها.. بألا يزداد العڈاب.. فالمړض هاجمها بسرعة وشراسة كما أخبرته لورا..
لقد سطعت الإجابة في رأسه على الفور.. كانت لورا هي إجابة تساؤلاته العصية..
مد يده يلتقط علبة سجائره ليشعل إحداها ومع شعلة اللهب البسيطة للقداحة هاجمته ذكريات ثلاثة أيام مضت.. ثلاثة أيام وهو يعيش الغيبوبة..
غيبوبة رمادية.. قاتمة.. بلا ملامح.. مشاهد وصور هلامية تتكاثف في عقله ليسترجع أحداث أيامه السابقة.. وكيف انتهى به الأمر بفراش لورا..
ألم!!.. إن أقل ما يشعر به هو الألم.. هو كالطائر المذبوح.. ولكنهم أساءوا ذبحه.. فلم يمت.. ولم يحيا أيضا.. بقي على خط رفيع بين الحياة والمۏت.. عاجزا عن التعبير حتى عما يشعر به فقط دمعة وحيدة.. ثقيلة.. جرحت جفنيه وهطلت بقوة.. لينتبه على يد رقيقة تربت على كتفه.. وبطرف عينه لمح لورا تجلس بجانبه وقد أمسكت بمعطف واقي من المطر تعرضه عليه..
وصله صوت لورا الهامس
حسن.. لماذا لم تسافر معها..
رمقها بنظرة مذبوحة ليهمس بالعربية وهو يشير إلى صدره
هي هنا.. ما بعدتش.. ولا عمرها هتبعد..
أومأت برأسها لتوضح أنها فهمت كلماته.. وأخبرته بشرود
قصتكما رائعة.. أنت عاشق متفاني حسن..
هي اللي عملت مني عاشق.. أنا زعلتها كتير.. وأذيتها كتير.. منى حكيت لك وصورتني بطل لكن الحقيقة.. أنها هي.. هي منى..
غص بكلماته ولم يستطع إكمالها ولم يتمكن من البكاء أيضا.. ما بال تلك الدموع تعانده بحماقة..
صمت خيم عليهما طويلا.. لتقطعه لورا بشهقة حزينة
حسن.. أنت مبتل تماما.. هيا.. تعالى معي.. سأدعك تبقى في غرفتي بالمشفى حتى انتهي من مناوبتي..
مدت يدها لتساعده على النهوض وهي تتخيل أنه سيقاومها ولكن لدهشتها وجدته يتحرك معها بسهولة ويسر.. اصطحبته إلى غرفتها.. وهناك عرضت عليه أن يبدل ملابسه وينام حتى تأتي إليه...
غابت عدة ساعات.. وعادت لتجده على حاله كما تركته.. جالسا على الفراش.. يبدو كتمثال حجري بعينيه الساهمتين الشاردتين.. وهو ينظر إلى اللاشيء..
اقتربت منه ببطء وجلست إلى جانبه تهمس بعربية ضعيفة
حسن.. ليه مش تنام..
ظل على وضعه.. ولم يبد أي رد فعل.. فاقتربت منه أكثر تداعب شعره بأناملها وهي تهمس بجوار أذنه
حسن..
كانت همستها خاڤتة.. واقترابها بطئ ولكن .. .. رأسه يرتاح على براحة.. يدها تتحرك ببطء تقربه منها.. ثوان وكانت .. كانت تريد منحه الراحة.. السلام.. ولم تعرف سبيلا آخر سوى ذلك.. .. وهو لم يقاومها.. تجاوب معها.. بضعف في البداية.. ثم بقوة..
متابعة القراءة