رواية تحفة الفصول من التاسع والعشرون للثالث والثلاثون الاخير بقلم الكاتبة الرائعة

موقع أيام نيوز

حاجة عشانها ...
دون تفكير تجاوزت الأم عما قام به هشام وقامت بإستضافة ثلاثتهم بقلب مثقل بالهموم يتلهف لسماع أخبار تعيد إليه الحياة وهذا ماقام به أيمن حيث شرع فى سرد الأحداث بإيجاز شديد منتهيا بتلك المعلومات التى أخبرهم بها الطبيب المعالج بلندن قبل أن يقوم بسؤالها 
_ عشان كدة محتاج أعرف من حضرتك إيه اللى حصل فى لندن بالظبط خلاها توصل للمرحلة دى من الصدمة !
لم تتوقف دمعات الأم عن الإنهمار بغزارة دون شعورها بذلك هى فقط حاولت جاهدة منع جسدها من التحرك والركض إلى إبنتها فى الحال لكنها فى النهاية فشلت فى التحكم بإنفعلاتها وهبت واقفة برجاء قائلة بشهقات متعالية من فرط البكاء 
_ يعنى أنا بنتى بجد لسة عايشة .. أنا لازم أروحلها.
إلا أن أيمن أجابها مطمئنا 
_ هتروحيلها وتشوفيها وتطمنى عليها بس هى لسة فى غيبوبة مش حاسة بحاجة .. 
ثم أضاف موضحا 
_ لازم الأول تقوليلنا اللى حصل عشان نقدر نساعدها ..
أراحت الأم جسدها المتهالك أعلى مقعدها بعد أن فشلت فى الوقوف مسترجعة بذاكرتها ما حدث منذ عدة أشهر فى ذلك البلد المشؤوم صمتت لبضع لحظات قبل أن تخرج منها تنهيدة ضعيفة قائلة برأس مطأطأة 
_ أول ماوصلنا للندن عرفنا نوصل لدكتور كويس يعمل للمرحوم العملية وفعلا العملية نجحت الحمد لله وبعد حوالى ٣ أسابيع خرج من المستشفى بعد ماصحته أتحسنت وصمم أنه يرجع مصر أول ماالدكتور يسمحله بركوب الطيارة وفى الفترة دى هنا أقترحت نتفسح شوية فى البلد قبل مانسافر وقالتلنا على رحلة جبلية نغير فيها جو ويبقى لينا ذكريات فى لندن غير المړض والمستشفيات ..
رفعت الأم رأسها بعدما مسحت وجنتيها الممتلئتين بالدمعات بأطراف أصابعها قائلة 
_ الرحلة دى هى اللى قلبت حياتنا كلنا ..
كانت الأعين الستة مسلطتين عليها بإنتباه شديد بعد أن أحتبست الأنفاس بترقب فى إنتظار سماع تلك الطامة الكبرى والتى لفظتها هى قائلة بحسرة 
_ ماتوا وسابونى ... ياريتنى روحت معاهم .. 
أنخرطت فى بكاء حار حاول كريم إخراجها منه قائلا بنبرة تحمل الكثير من الأمل بعد أن ربت عليها برفق 
_ مش كلهم .. لسة فى واحدة ..
تأملته لعدة لحظات قبل أن تهدية إبتسامة أتبعها هو بمد إحدى يديه إليها تحمل منديلا ألتقطته منه بإمتنان مردفة 
_ قبل الرحلة دى بيوم تعبت شوية فقررت إنى هقعد فى البيت أعملهم الأكلات اللى بيحبوها لحد مايرجعوا خصوصا إنهم قرروا يبدأوا رحلتهم بدرى جدا ...
فى تلك اللحظة ظهرت إبتسامة مرتعشة أعلى شفتى الأم مستدركة 
_ مش قادرة أنسى فرحة البنات وهم خارجين إيديهم فى إيد بعض وكأنهم رجعوا تانى صغيرين وخارجين فى رحلة تبع المدرسة علاقتهم وقتها كانت قوية جدا .. تقريبا أكتر وقت كانوا قريبين فيه لبعض من ساعة ما هنا رجعت من السفر مكانوش بيفترقوا لا صبح ولا ليل ..
كتمت إحدى شهقاتها بمنديلها معقبة 
_ ياروحى كأنهم حاسين إن ده آخر وقت ليهم مع بعض ...
بعكس ماسبق .. فى تلك اللحظة آثر الجميع الصمت إحتراما للحظة الحزن تلك التى شملت الأم وشملتهم أيضا حتى ذلك الحاقد الباغض مس قلبه حزنها ورق لحالها حتى كادت عيناه أن تدمع دونما أن يشعر ..
بعد وقت ليس بالكثير تماسكت الأم ولملمت رفات حزنها مكملة 
_ وقفت على باب البيت أشاورلهم وراقبتهم لحد ماأختفت العربية خالص ومع كل متر يبعدوه كنت بحس بقلبى بيشدنى ليهم ويقولى روحى معاهم كنت مقبوضة جدا من جوايا بس مرضتش أركز مع إحساسى ده ..
بس للأسف إحساسى ده كان بيزيد مع كل ساعة تعدى لحد ما الليل ليل ولقيتهم أتأخروا عن معادهم عدت الساعات وأنا قاعدة فى البيت مش عارفة أكلم مين ولاأروح فين أسأل عنهم .. مش هبالغ لو قولت إنى أتصلت بيهم أكتر من ألف مرة بس كل موبايلتهم كانت مقفولة لحد ماأخيرا رقم أبوهم فتح ورد عليا شخص قالى إنهم فى مستشفى وعملوا حاډثة ..
عقب كلماتها تلك أغمضت عينيها بقوة وكأنها تريد جاهدة محو هذه اللحظات من ذاكرتها قبل أن تضيف 
_ جريت زى المچنونة مش دارية باللى حواليا ووصلت المستشفى مش عارفة أزاى بس كل اللى أعرفه إنى أول ماسألت عنهم لقيتهم بيبلغونى إن الأب أتوفى قبل مايوصل .. قلبه مقدرش يستحمل الحاډثة ..
وقتها رجلى مشالتنيش وآخر حاجة أفتكرتها جسمى وهو بيخبط فى الأرض وبعد مافوقت لقيتنى فى أوضة مقفولة ومتعلقلى محاليل ..وعلى ماأستوعبت المكان اللى أنا فيه قعدت أشيل كل الحاجات اللى داخلة فى إيدى پهستيريا وأنا پصرخ إنى عاوزة بناتى .. 
طبعا محدش فهمنى ولا كنت فى حالة تسمحلى إنى أركز وأتكلم بلغتهم لولا إن كان فى دكتور عربى ساعدنى أعرف اللى حصلهم ...
تنهدت بعمق مكملة وكأنها تلفظ آخر أنفاسها 
_ قالولى إن فى بنتين وصلوا فى الحاډثة وبعد وصولهم بدقايق ماتوا ..
ثم مالبثت أن أضافت شاردة 
_ روحت أتعرف عليهم وأنا كلى أمل إنهم ميكونوش بناتى خصوصا إنى عرفت إن كان فى بنات تانية غيرهم أتصابوا من العربية اللى خبطوا فيها ..
بس فى الأول كان لازم يعرضوا عليا چثة بباهم عشان يتأكدوا من هويته حاولت أمسك نفسى على قد ماأقدر وأنا شايفاه قدامى بالشكل ده بعد مافارقته الروح .. 
كان وشه سليم مفهوش چروح .. عينيه بس مقفولة كأنه نايم وعلى وشه إبتسامة بيحاول يطمنى بيها .. 
بوست كل حتة فى وشه وودعته بكل الحب اللى جوايا ليه طول السنين اللى فاتت دى ولو كنت أعرف إنى مش هشوفه تانى إلا وهو چثة ..كنت طولت فى سلامى ليه قبل مايمشى .. كنت حضنت كل حتة فيه وشبعت من ملامحه كنت طولت النظرة لعينيه وصورت إبتسامته كنت سجلت صوته وصوت ضحكته ..
حاولت التماسك رغما عنها مكملة 
_ وبعديها جه دور البنات .. قربت منهم وأنا ساندة على ممرضة بقاوم حالة الدوار اللى جاتلى وبفتح عينى بصعوبة وأنا واقفة قدام جثتين متغطيين بملاية بيضا جوايا دعيت ألف مرة ميكونوش هم بس أول ماشالوا الغطا عن أول واحدة عرفتها .. رغم وشها المتغطى بالچروح المتخيطة إلا إنى عرفت إنها هى .. ضړبت قلبى بقبضة إيدى بترجاه إنه ميوقفش دلوقتى غير لما أشوف أختها اللى كانت باينة أطراف شعرها من تحت الغطا وفعلا أول ماكشفوا وشها ولمحت حتة منها روحت أنا فى دنيا تانية وكأنى مت معاهم ..
كان نفسى مقومش منها تانى بس للأسف بعد وقت كبير معرفش مدته لقيتنى لسة عايشة !
مقدرتش أحدد الوقت اللى قضيته فى حالتى دى بس اللى استوعبته إنى فضلت على الوضع ده لأيام .. لا لأسابيع كنت فيها فى دار رعاية معرفش مين اللى جابنى فيها ..
حاولت أعرف اللى حصلهم بعد ماأتاكدت إنهم راحوا منى كلهم وطلبت أستلم جثثهم وأرجع بيها مصر .. بس كان فات الأوان وأتدفنوا هناك عشان صعب يفضلوا فى التلاجات كل الوقت ده ..
تم نسخ الرابط