رواية نهي الجزء التاسع

موقع أيام نيوز

تعابير وجهها وكأنها تحولت لتمثال شمعي.. تمثال جميل تلتمع عينيه بالدموع.. وترتسم معالم الفجيعة على وجهه..
اقتربت منه ببطء ممېت لترفع يدها
يشعر بأنفاسه تتردد بصدره ولكنه مېت.. هو مېت بدونها.. برغم الهجر والخصام والبعاد.. حتى وهما يقضيان سويا دقائق معدودة.. حتى وجرحها مازال ېنزف بأعماقه.. برغم كل القسۏة.. برغم الشك والغيرة.. إلا أن لا حياة بدونها.. لا حياة على الإطلاق..
أمسك إياد بقدح من القهوة المرة وتأمل المكان الذي كانت تحتله منذ قليل لوحة علياء.. وابتسم بسخرية وهو يلتفت لفريدة متسائلا بتقرير_
أصر ياخد لوحة مراته صح..
ابتسمت فريدة بهدوء_
ايوه.. أنت كنت عارف أنه عايز اللوحة..
أومأ موافقا_
أكيد.. هو راجل غيور.. وبيحبها فعلا..
ثم هز كتفيه بتعبير غامض ليردف_
أنا لو مكانه هعمل كده..
سألته فريدة_
عشان كده خرجت أول ما وصلوا..
أجابها بهزة رأس وهو يردد_
ما فيش داعي لصدام معاه.. وعامة البنت اللي في اللوحة مش هي الزوجة السعيدة الفخورة بحب جوزها اللي شوفتها في مطعم حسن.. ملامحها في اللوحة للحظة فكرتني بهمسة.. فاكرة يوم ما شوفتها في مصر
ايوه.. يوم ما خبطت عربيتها وروحت معاها المستشفى..
ردد بحزن_
كانت حزينة.. مقهورة.. ومکسورة.. عمري ما شوفت همسة كده.. دايما كانت قوية وجريئة.. هو كسرها.. دمرها.. حبها له قهرها..
سكت للحظة ليردف وهو يسلط نظراته على فريدة_
ساعات كتير بندم أني ما صارحتهاش بحقيقة مشاعري.. أحيانا بفكر وأقول لو كنت اتجرأت وطلبت ايدها لما سيف خطب كريمة أول مرة كانت حاجات كتير اتغيرت.. كانت بقيت مراتي وكنت هعرف أعلمها تحبني وتنسى اسمه حتى..
سألته فريدة بعتب_
بتلومني يا إياد.. بتلومني أني قلت لك تصبر وما تتسرعش..
تنهدت پألم لتخبره_
مشاعر همسة كانت وقتها مع سيف حتى وهي بتشوفه بيخطب غيرها.. بس كانت متورطة معاه.. وقتها ما كانش ينفع أنك تتدخل.. ما كنتش هتقدر تملكها.. أو تملك مشاعرها..
سألها ساخرا_
ودلوقت.. بعد ما داقت جنون مشاعرها ومشاعره.. بعد ما داقت غدره وجبنه وضعفه ورغم ده كله.. لسه معاه.. لسه مراته.. هربت وبعدت.. سافرت لآخر الدنيا لأنها مش قادرة تكون معاه وهو مع غيرها..
ترددت فريدة للحظة قبل أن تخبره بحسم_
همسة رجعت مصر.. رجعت.. وطالبة الطلاق من سيف..
صړخ بعجب_
ايه!!
ده اللي عرفته من سميحة في آخر مكالمة.. هو رافض طبعا.. بس هي مصرة..
انقبضت ملامحه بقوة وقبض بيده على قدح القهوة حتى ټحطم بين أصابعه ليمتزج السائل الساخن بدمائه التي تغلي ترقبا وصړخت فريدة بهلع وهي تجفف يده وتعالجها بينما سؤالها يتردد بقلق_
أنت ناوي ترجع مصر..
تهالك إياد على أحد المقاعد المريحة وبدأ هو بمعالجة چروحه وهو يخبر فريدة بحسم حزين_
مش إياد منصور اللي يتدخل بين واحدة وجوزها.. حتى لو كانت الواحدة دي همسة.. حتى لو كانت الست الوحيدة اللي قلبي دق لها.. مش أنا اللي اعمل كده يا فريدة.. طول ما هي على ذمته.. أنا هفضل بعيد..
وعاد حسن إلى مصر!
من يصدق!.. أنه رحل للحب وعاد أيضا للحب!..
رحل ليحمي حبا صافيا ناعما.. وعاد بحثا عن جنون عبث بقلبه بلا استئذان..
رحل يحمل ڠضبا وبغضا لنيرة وعاد بداخله شفقة خالصة عليها..
رحل بمشاعر.. وعاد للمشاعر..
رحلة مريرة أسكنت قلبه بغيبوبة صناعية حتى كاد أن يعلنه مېتا لتأتي هي وتمنحه قبلة المحاياه.. وتجعله يرتعش.. بل ينتفض متسائلا حائرا..
وهل بقيت مشاعر.. وهل للقصة تتمة..
ابتعد.. وابتعدت هي بل هربت.. طارت عائدة إلى مصر.. وهي تعلم أنه لن يتبعها.. استمعت له ونفذت كلماته حرفيا لتبتعد نهائيا..
وهو.. هو حمد ربه لقوتها.. لقدرتها على الابتعاد التي منحته فرصة ليقاوم.. ويبتعد هو الآخر.. ليفكر.. يفكر طويلا.. ويقرر الابتعاد وانهاء القصة ويختم كلمة النهاية التي خطتها بخطوط حمراء عريضة ويتناسى وجودها تماما.. ذلك ما أملاه العقل وأيده الواقع.. وخالفه القلب الذي صړخ متوسلا فرصة للحياة.. للنبض..
وأخيرا قرر.. أخيرا حسم أمره.. سينسى ويبتعد ويستمع لصوت العقل.. و...
ها هو.. ها هو يذرع أروقة المشفى يبحث بعينيه عن شقيقه وبقلبه عنها.. مثبتا حقيقة واقعة طالما أدركها.. إن للقلب صوتا منفردا.. خاڤتا.. ناعما.. ولكننا لا نملك إلا الخضوع له طائعين مستسلمين تدفعنا سعادة أليمة لا يعرفها إلا عاشق.. عاشق حائر.. عاشق تائه في ملكوت الحب..
أخيرا لمح مازن بل خيال متهالك لما كان عليه مازن.. وجده ملتصقا بنافذة غرفة العناية المركزة.. وعيناه ثابتتان على جهة معينة وكأنه تمثال.. أو هيكل خشبي لما كان عليه شقيقه..
هتف بقلق_
مازن!!..
سمع مازن هتافه ولم يصدق واقعه.. فحسن لن يعود.. هو أخبره بذلك.. لا يوجد ما يعود له.. ولكن تكرر الهتاف واقترب أكثر.. ليلتفت مازن ببطء ويواجه حسن وجها لوجه.. ليتجمد الكون حولهما للحظات وهما يتبادلان النظرات ثم يندفع مازن إلى ذراعي حسن المفتوحتين وهو يهمس پألم_
معقولة رجعت يا حسن..
حسن بقوة وربت على كتفه مؤازرا_
يزيد قالي على اللي حصل.. ليه ما كلمتنيش يا مازن..
دعك مازن عينيه محاولا مسح دموع ترقرت
تم نسخ الرابط