رواية نهي الجزء التاسع
المحتويات
بجوارها وقد تجمدت دموع الراحة في مقلتيه وهو يتأمل ملامحها الجميلة الشاحبة وقد بدا عليها معالم الحياة.. فعينيها الجميلتين تبرقان مرة أخرى.. فقط تلك اللمعة المميزة التي تأسر دقات قلبه.. وعلى شفتيها ترتسم ابتسامة غريبة تبدو كاعتذار أو ربما حرج.. لا يهم ولا يهتم.. فقط هي تتتنفس.. هي بين ذراعيه وبصدرها تتردد الأنفاس أو ربما تتردد أنفاسها .. هي حية وكفى..
حمد لله على سلامتك..
أبعدت نفسها عنه قليلا قبل أن تجبه_
أنا آسفة يا مازن.. أنا..
وضع إصبعه على هامسا_
أنا مش هعاتب ولا أنت هتعتذري.. أهم حاجة أنك بخير.. أنك رجعت لي تاني وبخير..
عاد يستمع لدقات قلبها يستشعر أنفاسها الدافئة وبداخله يقين بعدم قدرته على تركها تختفي من حياته.. قد تكثر خلافاتهما.. قد تتزايد نوبات شجارهما إلا أنهما يجب أن يحاولا البدء من جديد...
هما محتاجين يكونوا لوحدهم.. واحنا لسه محتاجين نتكلم...
وسحبها خلفه ليجلسا سويا على أحد المقاعد العريضة بحديقة المشفى.. هي شاردة في كل شيء ماعداه وهو جلس خافضا رأسه ومستندا بكفيه على ركبتيه.. ظلا لفترة على هذا الوضع.. ليهمس أخيرا_
الټفت نحوه وهي تتأمل ملامحه الوسيمة.. تسأله بحيرة_
مش فاهمة.. أنت..
قاطعها_
لأ فاهمة.. فاهمة كويس.. وعارفة ليه أنا رجعت.. رجعت لك.. لصبا.. لأن اللي تخيلت لسنين أنه مستحيل يحصل..
حصل..
هتفت به_
كفاية ألغاز..
هز رأسه بلوم_
لو كلامي ألغاز للناس كلها لازم تفهميه أنت.. لأن كل كلمة.. كل حرف.. يقصدك أنت.. أنا تعبت يا صبا.. تعبت..
تنهد بحړقة ليردف_
أنا.. أنا..
قطع كلماته ليقف وهو يضحك بتوتر ويذرع المكان أمامها جيئة وذهابا ليهتف أخيرا_
أنا عمري ما كنت متوتر زي دلوقت..
رفعت له عينين بريئتين رغم كل ما يظهر بهما من محاولات واهية للسيطرة وادعاء الڠضب ليكمل هو_
وقفت بدورها لتصرخ مقاطعة_
ما يخصنيش كلامك ولا حياتك..
هتف بها وهو يتمسك بذراعيها يمنعها من الهرب_
هرجع مصر يا صبا.. هرجع أعيش في مصر..
ارتعشت شفتيها وهي تحاول الرد عليه ليهمس هو_
يمكن عندك حق.. لسه مش من حقنا نقول كل الكلام.. لكن كلامنا لسه ما انتهاش..
الفصل الخامس والثلاثون
وقف حسن صامتا يتأمل المفتاح اللامع بين أنامله ذلك المفتاح الذي دفعه شقيقه بين يديه رغما عنه منذ سنوات وهو يخبره بمؤازرة_
يمكن أنت مش متخيل أنك قادر تستخدمه دلوقت لكن هيجي اليوم وتقدر..
وها قد صدقت رؤية مازن وأتى ذلك اليوم الذي تنبأ به.. وها هو حسن يتحرك بتثاقل بل يجر قدميه جرا ليواجه البوابة المعدنية القديمة يرمقها بخشية وألم محاولا استجماع كل ما يمتلكه من إرادة ليحرك يده الممسكة بالمفتاح ويقوم بخطوة طال انتظارها.. خطوة لم يتخيل نفسه يوما قادرا عليها ولكنه سيفعلها.. من أجلها.. من أجلهما معا.. من سكنتا قلبه و.. ابتسم بحنين مصححا.. بل سكنته إحداهما برقة النسيم والأخرى أقتحمته كإعصار أنثوي طاردا مر الآلام وغصة الأحزان.. موقظا قلب غاب في سبات إرادي لسنوات طوال...
زفر پألم حتى ظن أن أنفاسه ستشق صدره شقا وهو يواجه اللوحة الرخامية التي نقش عليها اسم منى تعلوها تلك الآية الكريمة التي خطفت بصره وكأنه يتعلمها للمرة الأولى..
يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي..
الألم والخشية مع إحساس لا إرادي بالرفض كان ما يشعر به كلما حاول الترحم على منى.. وحتى الآن مازال الألم موجودا يشعر به في أعماقه.. ولكن تبدلت الخشية والرفض إلى إحساس آخر.. إحساس غير قابل للوصف..
وجد لسانه يعبر عنه بلا إرادة وهو يردد بلا انقطاع..
اللهم اجرني في مصېبتي واخلف لي خيرا منها..
وكأنه يرجع للحظة الفقدان الأليمة ولكن تلك المرة يصاحبها هدوء نفسي مغلف بشجن حنون..
اقترب ببطء يملس بيده على القطعة الرخامية الباردة وكأنه يلقي بتحية عطرة على تلك المختفية خلفها.. تحركت أنامله ببطء وتردد مغمضا عينيه لتتوالى أمامه عدة مشاهد متتابعة لحياتها القصيرة معه..
صړختها الرافضة بدلال عندما كان عيونها لتعترض هي بلاش في عينيه.. ملامح وجهها وهي ترتشف عصير الفراولة الذي أعده لها مستبدلا السكر بالملح يومها تجرعته بأكمله ولم تعترض ولم تنبهه إلى خطئه الذي أدركه مصادفة عندما شاكسها مختطفا الكوب ليقابله الطعم المريب للعصير.. صډمه مشهد آخر لهما وهو يعاملها پعنف تلبسه لفترة وتارة وهي تواجه ابتسام آكلة الرجال كما كانت تسميها.. و.. و.. تراكمت المشاهد واللقطات أمام عينيه حتى حان
متابعة القراءة