رواية تحفة الفصول من الرابع وعشرون للثامن وعشرون بقلم الكاتبة الرائعة بقلم ملكة الروايات

موقع أيام نيوز

شفتيها ذكرته بشقيقتها على الفور مما جعل جسده يتراجع إلى الوراء ببطئ وينقبض قلبه بقوة ..

أرتسمت إبتسامة جليدية أعلى وجهه محاولا من خلالها إخفاء تلك العاصفة التى تجتاحه من الداخل فلم يستطع الإنتباه إلى جملة واحدة مما تفوه بها أعضاء الوفد بل لم يعى من الأساس معانى الكلمات المنطوقة ولا أسماء الحروف الملفوظة وكأنه كائن أمى يستمع إلى لوغارتيمات يرفض عقله إستيعابها ويعجز عن فض إشتباكها ..
فأكتف بهز رأسه عدة مرات والتفوه ببعض الكلمات البدائية التى أسعفه بها تفكيره دونما النظر إلى موضعها او مكانها المناسب لتكوين جملة مفيدة تستطع عقولهم إستيعابها هو حقا لم يكترث مطلقا بأهمية تلك الصفقة التى من المفترض أنه على وشك إبرامها بل كان تركيزه كله منصب على زوجته التى تجلس بصحبة آخر الآن ... 
كيف لا وكلمات تلك المكالمة التى وردته منذ قليل لازالت تتردد داخل عقله عشرات المرات وكأنه يستمع إليها من جديد فى بث حى لاينقطع ..

بالأخير ..
رحل الجمع المحشود بعد إنقضاء ساعة كاملة قرر هو فى نهايتها تأجيل ذلك التعاقد إلى حين آخر فغادر الوفد على عجل بأوجه عابسة ناقمة على ذلك العبث وماهى إلا لحظات حتى ولوا جميعا مدبرين عن مكتبه بخطوات سريعة غاضبة أقرب إلى الوثب ليتبعهم هو الآخر بنفس السرعة والسخط لكن فى طريقه إلى مكتب هشام والذى قام بفتحه عنوة دونما إستئذان لتقع عينيه على زوجته الجالسة على مقربة من الأول وتستمع اذنيه إلى ضحكاتها الصاخبة تملأ الأرجاء أتبعها حديثها الذى تبدو عليه علامات الإغتباط مسترجعة ذكريات صداقتهما ..
ألتفت الثنائى الباسم إليه بأوجه لازالت تحمل آثار الضحكات والذى تعمد هشام إطالتها قبل أن يتسائل ببراءة مصطنعة  
_ الميتنج خلص بسرعة كده ! لحقتوا تمضوا العقود !
أقترب كريم منهم بضع خطوات بوجه منتفخ يصدر عنه نظرات ڼارية مسلطة على زوجته التى أنكمشت داخل مقعدها قائلا بصوت حاول إخراجه هادئا 
_ الأجتماع بقاله أكتر من ساعة ..
أرتفع حاجبى هشام بدهشة قبل أن يلقى نظرة خاطفة على ساعته قائلا  
_ معقول ! محسناش بالوقت خالص ...
ثم أضاف موجها نظراته إليها 
_ مش كدة يافرح ..
لم تعقب هى فأستطرد موضحا 
_ أصلنا كنا بنسترجع الذكريات القديمة والمواقف اللى عدت علينا من سنين ..
أبتسم كريم بسخرية قائلا 
_ لا واضح إنى قطعت خلوتكوا ..
ثم مالبث أن أعاد بصره إلى زوجته من جديد مكملا بنفس النبرة التهكمية  
_ ولا يمكن جيت فى وقت مش مناسب !
تنحنحت فرح خارجة عن صمتها قبل أن تقول بإبتسامة مرتعشة كمن تدفع عن نفسها وصمة 
_ أنا .. أنا كنت لسة كنت بفكر أساسا أجيلك المكتب بس مكنتش عارفة أنت خلصت ولا لسه ..
أشاح بنظره عنها قائلا بلهجة آمرة مشيرا إليها بالتحرك من مكانها  
_ طيب أتفضلى ..
لكن قبل أن تقوم من مقامها تحدث هشام مقاطعا 
_ على فكرة أنا عازمكوا على الغدا النهاردة بعد الشغل .. 
جذب كريم زوجته من مرفقها بقسۏة قبل أن يجيبه بإزدراء 
_ ومين قالك إننا قاعدين لمعاد الغدا ..
غادر كريم المكتب بخطوات واسعة حاولت زوجته مجاراته فيها خاصة وهو يجذبها بذلك الشكل المهين إلا أنه لم يهتم لذلك بل زاد من قسوته متجاهلا همهماتها المعترضة وماإن أجتازا أطراف المكتب حتى توقف لبرهة صافقا الباب من وراءه پعنف قبل أن يحررها متقدما أمامها فى طريقه لمغادرة الشركة ...
أما بالداخل ..
كان لايزال هشام يجلس بإرتياح معتليا مقعده بخيلاء باسما بظفر على ذلك التطور الملحوظ الذى توصل إليه فى علاقته معها فهاهى قد بدأت فى التقرب منه من جديد بعد أن زادت ثقتها به كالسابق لذا مع أول شجار تقع به مع زوجها لن تجد غيره ملاذا لها يستمع إليها ويؤازرها فى محنتها التى يبدو أنها على وشك الحدوث ..
أنفرجت شفتى الجالس ببطئ كاشفة عن شبح إبتسامة جانبية سرعان ماأتسعت حتى كشفت عن صفى أسنانه وماهى إلا ثوان حتى أزدادت إتساعا بشكل تدريجى حتى تحولت إلى ضحكات عالية مجلجلة تعبر عن ذلك الكم من الحقد والبغض بداخله ...

تلاحقت أنفساها بصعوبة أثناء محاولتها للحاق به بعد أن تجاهل ندائها المتكرر له فما كان منها سوى التوقف على بعد خطوات من سيارته التى هو على وشك إستقلالها قائلة بلهاث 
_ أستنى ياكريم مش عارفة ألحقك عشان الكعب ..
غض الطرف عن ندائها وقام بإستقلال مركبته مشيحا بوجهه عنها فى إنتظار وصولها إليه وماإن أراحت جسدها على المقعد المجاور له وأغلقت بابها بوجه شاحب متعب حتى أنطلق هو سريعا بكل ماأوتى من قوة متجاهلا تخوفها الدائم من السرعة الزائدة ..
حاولت فرح الثبات لكنها بالنهاية ثشبثت بمقعدها قائلة بفزع 
_ كريم أمشى براحة ياكريم ..
بالطبع لم يولها إهتماما فى البداية بل إنه حقا لم ينتبه إلى مايفعله ولم تصل كلماتها إلى عقله المنشغل بكلمات غيرها لكن مع تكرر النداء الواهن الذى تصاعد پذعر حقيقى أفاق هو على صياحها وهى تقول 
_ وقف العربية .. وقف ياكريم بقولك ..
دون تفكير توقف دفعة واحدة دون مقدمات مثلما أنطلق دفعة واحدة فى البداية وتشبثت يداه بمقوده بينما نظراته العابسة شردت إلى الأمام پغضب واضح وكأنه على وشك إرتكاب چريمة ...
ألتفتت إليه زوجته المړتعبة قائلة بحدة  
_ أنت أتجننت ! إيه اللى أنت بتعمله ده !
لم يجيبها بل رمقها بنظرة حاړقة كانت كفيلة بأن تجعلها تلتزم الصمت فأنزوت داخل مقعدها پخوف دون أن تنبس ببنت شفة أخرى إلى أن قام هو بالتحرك من جديد لكن برزانة تلك المرة
عم الصمت أركان السيارة طوال الطريق إلى أن أصطف كريم فى مكانه المعتاد أمام منزله قائلا لزوجته دون أن ينظر إليها 
_ أتفضلى أطلعى البيت ..
تسائلت بخفوت  
_ أنت مش هتنزل معايا !
أجابها بإقتضاب وهو لازال مشيحا عنها 
_ ورايا مشوار ..
تسائلت بحذر 
_ مشوار إيه فى عز الظهر كده !
تجاهلها قائلا بصرامة آمرة 
_ أتفضلى انزلى .. 
حاولت التدلل تلك المرة مختبرة تأثيرها عليه قائلة بنعومة  
_ طب مش عاوزنى أروح معاك !
وبعكس ماتوقعت لم تنجح خطتها فى هذا الموقف بل زادته صرامة وقسۏة فقال من جديد بحدة متزايدة 
_ قولتلك أتفضلى انزلى ...
ترجلت على الفور من السيارة دون جدال زائد وقبل أن تغلق باب السيارة أنطلق هو بسرعة چنونية أنقبض لها قلبها فهى لاتعلم ماذا حل به وماسر تلك المعاملة المزدرية التى يعاملها بها ! وماسر ذلك المكان الذى قرر التوجه إليه دون علمها !!
فى ذلك المكان الهادئ ..
توقفت سيارة حديثة بمنتصف طريق طويل خال من السيارات يبدو للرائى من الوهلة الأولى أنه بلا نهاية وبلا بداية أيضا يتزين جانبيه بصف من الاشجار المتساوية المنمقة على كل جانب ...
لم يجد هو سوى تلك البقعة الخالية من البشر ملاذا له حتى يستطع تجميع شتات نفسه والتفكير بتمعن فيما حدث ...
هو يتذكر جيدا تلك الدهشة التى
تم نسخ الرابط