رواية كاملة قوية الفصول من الواحد وعشرين للرابع والعشرون بقلم الكاتبة الرائعة
المحتويات
الفصل الحادي والثاني والعشرون
وقفت نيرة أمام المرآة.. وهي تنهي اللمسات الأخيرة لزينتها.. وعقلها يراجع خطة تقربها من مازن للمرة المائة.. فكرت أن تقدم اعتذار بسيط.. ولكن غريزتها أنبأتها أن ذكر حسن بينهما لن يسبب إلا المشاكل.. فقررت أن تظهر اهتمامها.. بالفعل.. سهرة منزلية.. وعشاء شهي على أضواء الشموع.. فستان أسود من الحرير الناعم.. ذو فتحة عنق مهولة تكاد تصل إلى بداية معدتها.. يكشف عن عنق مرمري ناعم تعلقت به قلادة تتدلى لتداعب فتحة فستانها مع كل التفاتة منها.. جمعت شعرها في لفة راقية خلف عنقها.. وأتقنت زينة وجهها.. بالكامل.. ظلال الجفون أسود.. وحمرة قانية للشفاه.. وعطر يغري الحجر..
وما أن سمعت صوت محرك سيارته يعلن عن وصوله حتى تحركت بسرعة لتكون في استقباله.. نزلت درجات السلم بسرعة تلتف حول ركبتيها أطراف ثوبها الحريري.. وتصاحبها غيمة من عطرها المغري..
صوت طرقات الكعب العالي على درجات السلم لفتت انتباه مازن على الفور فرفع رأسه ليتجمد تماما تحت تأثير هيبة جمالها..
سألته أخيرا بهمس
إيه رأيك.. عجبتك!..
همس أمامهما
فإذا وقفت أمام حسنك صامتا.. فالصمت في حرم الجمال.. جمال
ابتسمت بسعادة وهي تهتف
لف خصرها بذراعه هامسا بشقاوة
لو الجمال ده كله عشاني يبقى الكلام الحلو أكيد عشانك..
قهقهت تلك المرة بسعادة بالغة وهي تستشعر عودة مازن القديم.. مازن الذي كان يتفنن في تدليلها ويغرقها بعواطف لم تعرف مثلها أبدا..
هي على الطريق الصحيح إذا.. تحقق نجاحا.. مظهرها فقط جعله يلقي على أذنيها بكلمات الغزل..
سحبته من يده وهو كان منقادا لها تماما.. فقلبه يقفز پجنون داخل صدره.. سعادة وفرحة حمقاء تنتفض بداخله منبعها إحساسه أنها تريد إرضائه..
تحرك معها بسلاسة لتصطحبه إلى غرفة الطعام.. حيث اصطفت أطباق الطعام.. وغابت الأنوار تاركة السطوة لضوء الشموع.. لتتراقص الخيالات حولهما وهي تتعلق به وتلف ذراعيها حول عنقه هامسة
ضمھا لصدره ولف بها ومعها في الغرفة حتى اقتربا من جهاز تسجيل حديث.. فقامت بتشغيل الأغنية التي رقصا عليها ليلة زفافهما.. وهمست
هنرقص عليها لآخرها المرة دي.. ممكن!..
رمق نظرات عينيها المتوسلة.. وتعابير وجهها الملهوفة بتردد.. فرغم سعادته لما تبذله من جهد لتنال رضاه إلا أنه أصبح يمقت الأغنية وكل ذكريات تلك الليلة البعيدة.. وصله صوتها متوسلا
مازن.. بليييييز.. عشان خاطري..
هز رأسه برفض رقيق.. واختار أغنية أخرى وهو يهمس
هنرقص بس مش سلو.. اسمعي الأغنية دي.. كلماتها تحفة..
وبالفعل ارتفعت النغمات.. ليلف بها عدة مرات حول مائدة العشاء.. ذراعه حول خصرها.. نظراته تتواصل بنظراتها وكأنما يربطهما خيط غير مرئي.. عيونه بها تساؤل.. تجيبه هي بتوسل.. فتجوب نظراته وجهها الفاتن..
ويضمها إليه أكثر.. بينما تتعالى الكلمات الرقيقة..
قل لي ولو كڈبا كلاما ناعما
قد كاد ېقتلني بك التمثال..
مازلت في فن المحبة.. طفلة
بيني وبينك أبحر وجبال
لم تستطيعي بعد أن تتفهمي
أن الرجال جميعهم أطفال
فإذا وقفت أمام حسنك صامتا
فالصمت في حرم الجمال.. جمال..
كلماتنا في الحب.. ټقتل حبنا..
إن الحروف ټموت حين تقال..
ماذا يحدث لها.. لقد ظنت أنها ستسيطر عليه.. تستعبده وتستغل حبه.. فيذوب عشقا بهواها وتبجيلا لجمالها.. ولكنها هي الآن من ټغرق.. تغوص ببحر من الرمال التي تبتلعها.. وهي حتى عاجزة عن المقاومة.. يجب أن تكون هي المتحكمة.. المسيطرة.. فهو من يحبها.. هو العاشق.. أنها مستمتعة فقط بذلك العشق.. ذلك التميز..
تعالت الكلمات مرة أخرى..
قصص الهوى قد جننتك..
فكلها....
غيبوبة.. وخرافة.. وخيال
الحب ليس رواية يا حلوتي..
بختامها يتزوج الأبطال.
مشاعرها تتجاوب.. بقوة.. تكاد تخضع.. كلا.. فكرت پعنف.. يجب أن تهدأ قليلا.. لن تستسلم الآن.. فلتتركه ېحترق قليلا كما تركها في بؤسها لأيام..
همست له برقة
نتعشى بقى..
توقف عن الرقص وهو يردد بذهول
نتعشى!!..
سحبته من يده وأجلسته على رأس المائدة.. وسحبت مقعدا وجلست بجواره وهي تبتسم محاولة السيطرة على اضطراب مشاعرها
الأكل يجنن.. دوق بس كده..
ابتسم ليجاريها
يا ترى أنت اللي طبخت..
تلعثمت قليلا
أنت عارف أني ماليش في الطبيخ والكلام ده.. بس أنا أشرفت على توضيب كل حاجة..
همس وقد برد اندفاعه قليلا
وماله.. نبتدي خطوة.. خطوة..
أخذا يتناولا طعامهما في صمت متوتر.. فالمشاعر المتطايرة في الجو كانت أكبر من أن تحتويها تلك الغرفة رغم اتساعها..
هو وقد وصل صبره لمنتهاه.. يريد حبيبته.. من ضحى وواجه شقيقه من أجلها وكاد أن يخسره ليحصل عليها..
وهي مشتتة.. في أعماقها تتساءل عن تلك المشاعر التي تجذبها لمازن على الرغم من تيقنها بأنها لم تتغلب على حبها وخيبتها من حسن..
رنين الهاتف أوقف تيار المشاعر الملتهبة.. ليرد مازن بقلق.. فقد كان المتحدث والده.. أخذت نيرة تتابع ملامح مازن وانفعالاته وهو يحادث والده..
أعجبهتها سيطرته على مجريات الحديث.. كان يناقش والده بخفوت وحزم.. وكادت المكالمة أن تنتهي حين سمعته يذكر حسن.. ويكرر على والده الطلب بأن يعفو عنه.. أو على الأقل يخفف من حصاره.. وضعت شوكتها بهدوء متوتر وعيناها تتابع الحوار باهتمام لم يخف على مازن.. وأدركت هي ذلك فلعنت غبائها بصمت ولكنها لم تستطع منع نفسها من التساؤل بصوت عال وكان مازن قد أنهى المكالمة للتو
هو أونكل حاتم هيسامح حسن خالص.. يعني هيرجعه للشركة..
أجابها پغضب مكبوت
يهمك اوي أن حسن يرجع..
تلعثمت
لا.. أنا أقصد..
قاطعها وهو ينهض پعنف
متشكر قوي على العشا.. الأكل كان لذيذ فعلا..
نهضت خلفه لتتمسك بذراعه
مازن.. استنى بس..
الټفت لينظر لها وهو يحاول احتواء خيبة أمله
خير.. في حاجة..
يا مازن مش كل مرة تغضب وتبعد.. أرجوك..
هز رأسه بحزن
يمكن أنا غلطان أني بعدت.. لكن ده بيكون رد على غلطك أنت.. أنا مش هشرح لك أو أوضح لك الوضع معقد ومكلكع قد إيه.. لازم تكوني أنت حاسة.. أنا ظنيت للحظة أن الرسالة وصلتك.. بس يظهر.. أننا لسه محتاجين وقت أطول..
هو أن نثور لأي شيء تافه..
هو يأسنا.. هو شكنا القتال..
هو هذه الكف التي تغتالنا..
ونقبل الكف التي تغتال..
وصلته كلمات الأغنية وكأنها تصف حاله فأغمض عينيه قليلا وتحرك ليرفع كفها يقبله
الأغنية.. دي قصيدة لنزار.. كملي باقي أبياتها.. يمكن.. يمكن..
لف ليخرج من الغرفة بينما هي تصرخ من خلفه
رايح فين..
ابتسم بغموض
للدنيا الواسعة..
خرج وتركها تغلي ڠضبا وغيظا وقد فشلت خطتها للتقرب منه واسترداد اهتمامه.. التفتت للمائدة التي أعدتها من أجله لتجذب المفرش بقوة وټحطم ما فوقها.. وتدوس فوق حطام الأطباق بغيظ.. وبداخلها يتردد كيف تفشل في الوصول إلى مازن.. العاشق المتلهف.. بينما تنجح علياء بطفولتها
متابعة القراءة