رواية تحفة الفصول من الحادي عشر للرابع عشر بقلم الكاتبة الرائعة بقلم ملكة الروايات

موقع أيام نيوز

المطعم الأقرب لقلبها فى الآونة الأخيرة وقبل أن تترجل إلى خارجها توقفت قليلا تتأمل عينيها المختبأتين وراء نظارتها الطبية لم تقاوم كثيرا تلك الرغبة الملحة عليها للتجرد منها والتى راودتها طوال طريقها وبالفعل كانت هذه العوينات فى الدقيقة التالية تتربع وحيدة أعلى تابلوه السيارة بإهمال دون صاحبتها ...
أعتلت طاولتهما المعتادة دون تفكير بل وكأن الطاولة كانت فى إنتظارها فكل شىء مرتب أنيق أعلاها بطريقة تبعث الإبتسام فى النفس على الفور ..
لكن تلك الإنقباضة ساورتها دون أن تشعر وهى تتأمل المنظر الخارجى فور جلوسها .. 
تذكرت رغما عنها دمعاتها المنهمرة وعذاب قلبها وهى تراه يبتعد عنها مغادرا بالأمس أنهالت عليها ذكرى كلماته التى نحرتها نحرا عن غير قصد تذكرت لمعة عينيه عند حديثه عن شقيقتها تذكرت شغفه أثناء وصفه لحبه الدفين تذكرت ......
تلك المرة لم تترك نفسها لعذاب الوجدان أكثر من ذلك لم تستسلم للحزن والكآبة بل نفضت رأسها بتصميم محاولة عدم ربط تلك الذكرى الأليمة بهذا المكان الذى طالما كان مصدر سعادتها وذهاب همومها فى كثير من الأوقات ..
تنفست بعمق قبل أن تطرد الهواء من بين شفتيها على هيئة زفرة حارة طويلة تصطحب فى طريقها كل الآلام المترسبه داخلها ..
أرتشفت قهوتها ببطىء بينما عدستيها مثبتتان على النافذة يشغلها التفكير فى تلك الورطة التى أوقعت نفسها داخلها بتهور فلم تلاحظ ذلك العاشق الذى وقف يتأملها بالخارج بقلب فرح يختلط به الشك ..
نظر إلى ساعته فى الوقت الذى رآها فيه تجلس أعلى مقعدها فهاهو قد أتى قبل الموعد المحدد بنصف الساعة فلم هى مبكرة هى الأخرى !
أشرأب بعنقة محاولا التأكد من جلوسها وحدها فلربما أتت برفقة إحدى صديقاتها أو ... ربما هشام !!
تلفت حوله من جديد باحثا عن سيارة صديقه وعندما لم يجدها أطمأن قلبه إلى حد ما وتوجه إلى الداخل بأقدام شبه مرتعشة باحثا عن رفقتها التى أرغمتها على التبكير ..
إلا أن ذلك المقعد المرتب الفارغ أمامها ساهم فى إظهار إبتسامته الجذابة من جديد مفكرا داخله بأمل يشق طريقه إلى النور .. 
هى فقط تجلس بإنتظاره ..
عند إقترابه فضحته عدستاه العاشقة المثبتة على وجهها الذى خلا من أى عوينات نظرتها الحالمة بدت أكثر إشراقا وجمالا وكأن عينيها تشعان بريقا غريبا يضىء المكان من حولها وجهها متورد أقل إجهادا من الأمس حتى أن حبات اللؤلؤ المنثور أعلاه ازدادت إحمرارا بصورة ملفتة وفى خضم تأمله تنبهت هى لوجوده فألتفتت إليه لتتقابل أعينهما وتقع سوداويته على رماديتها الضاحكة ..
قطعت هى ذلك الصمت قائلة بمرح  
_ هو أنت كل مره تدخل تتسحب كده وتخضنى
لم تفارق الإبتسامة محياه ولم تتزحزح عيناه عن خاصتها وهو يقول بخفوت اثناء جلوسه 
_ مش ذنبى إنك على طول سرحانة ..
كان قد أخرج هاتفه ومفاتيحه الخاصة يضعها أعلى الطاولة عندما توجهت نظراتها إلى النافذة من جديد قائلة بطريقة بدت حالمة إلى حد كبير  
_ بصراحة الفيو هنا تحفه والدنيا هادية لازم الواحد يسرح ڠصب عنه ...
وكأن عيناه كادت أن تشع قلوبا عند إستناده بمرفقيه أعلى الطاولة قائلا بعد تنهيدة طويلة  
_ ياريتنى كنت أنا الفيو ..
ألتفتت إليه بخجل قبل أن ترتفع ضحكاتها من نظراته المسلطة عليها قائلة 
_ مفيش فايدة فيك بردو ... 
وقبل أن يجيبها أستدركت هى بجدية 
_ قولى بقى .. أنت بجد معكش رقمى 
هز رأسه بالموافقة دون أن ينطق فتسائلت بإستغراب 
_ مخدتهوش ليه من هشام 
رفع كتفيه بلا مبالاه مبررا  
_ وأفرضى يعنى انتى مش عاوزانى اخده .. مينفعش أتطفل عليكى كده ..
صدرت ضحكة صغيرة خافته من بين شفتيها معلقة 
_ لا وأنت الشهادة لله مبتحبش تتطفل ..
أتسعت إبتسامته هو الآخر من ضحكاتها البشوشة قائلا  
_ لا هو مش حكاية تطفل بس كنت حابب اخده منك أنتى تدهولى برضاكى وتبقى عاوزانى أكلمك ..
ثم اضاف بعتاب 
_ اديكى شايفة كنتى بتعاملينى إزاى .. سبحان مغير الأحوال ..
ظهرت علامات الندم أعلى وجهها قبل أن تجيبة بجدية مقترنة بالخجل 
_ كريم أنا عارفه إنى دبستك امبارح باللى قولته ده ..
أجابها دون تفكير 
_ ومين قال إنك دبستينى
أجابته مكملة دون الإلتفات لكلماته  
_ يمكن لأول مره هكلمك بصراحة بس أنت من حقك تعرف كل حاجة .. 
زفرت بقوة قبل أن تستطرد موضحة 
_ أنا فعلا أعجبت بهشام فى أول مرة شوفته فيها .. والإعجاب ده فضل يتطور جوايا السنين اللى فاتت من غير ماأصارحه بحاجه ولا حتى أحاول أعرف شعوره ناحيتى .. 
وكنت مجهزة هدية عيد ميلاده عشأن ألمحله وفكرت أن هنا كمان ممكن تساعدنى فى إنى اوصله إعجابى ده ...
فى وسط نظرات كريم المضطربة صمتت هى لبضع ثوان قبل أن تكمل 
_ بس اللى حصل أنهم قربوا لبعض وهشام صارحنى بحبه ليها ... 
تسائل كريم بهدوء 
_ واختك تعرف موضوع إعجابك بيه .. 
ترددت هى لبعض الوقت قبل أن تجيبه 
_ انا محكتلهاش عن حاجة بس معرفش هى حست ولا لا ..
تسائل كريم من جديد عقب أن تأمل ملامحها التى أنطفأت قليلا  
_ وده سبب الحالة اللى كنتى فيها امبارح ! 
هزت فرح رأسها بضعف موضحة  
_ أكيد أنا أتصدمت لما هشام قالى الموضوع بشكل مباشر.. رغم إنى كنت حاسة إن فى حاجه بينهم خصوصا بعد تلميحات هنا قبلها بيوم .. بس الحقيقة بعد كلامه عن حبه الحقيقى ليها وأنه عاوزنى أنا بالذات أقنعها أنها تتجوزه .. مقدرتش أستحمل كل الضغط ده ..
كريم بتفهم  
_ وعشان كده طبعا قولتى إننا كوبل لما بلغونا بخطوبتهم بليل .. عشان تحفظى كرامتك ..
هزت فرح رأسها نافيه وهى تقول بصدق  
_ بص ياكريم أنا مش عارفه انت هتصدقنى ولا لا .. بس أنا حقيقى مقولتش كده عشان أغيظ هشام او بردهاله زى ماأنت متصور ..
قبل أن يتسائل هو أردفت 
_ أنا لقتنى بقول كده عشان هنا .. كنت حاسة فى عينيها بالشماتة وهشام بيقول الخبر ..
حسيت ..حسيت أنها مستنية منى رد فعل معين وفى عنيها نظرة إنتصار كأننا كنا فى مسابقة ..
ده اللى أكدلى إنها كانت حاسة بإعجابى بيه ورغم كده بردو قربت منه ووافقت تتخطبله .. وده اللى خلانى محبتش إنى أبان ضعيفة أو مکسورة ..
لأول مرة يشعر بذلك الحزن على حالها دون أن تشعر هى أو يبدو عليها سمة من سمات الألم بل بعكس ذلك هى بدت أكثر قوة وصلابة وألتمعت عيناها بطريقة جذابة وهى تقول 
_ بس عارف إيه الغريب فى الموضوع ..
لم يعلم سبب تسارع دقات قلبه فى تلك اللحظة وكأنه يشعر بذلك الحدث العظيم الذى على وشك الحدوث بل بتلك المعجزة التى ستنهال من بين شفتيها وهى تقول بملامح أرتسمت أعلاها الإمتنان والتقدير المختلط بالقليل بل فى الحقيقة بالكثير من الإعجاب وهى تقول أثناء تأملها ملامحه 
_ الغريب إنى لما أدعيت إرتباطى بيك مخوفتش .. بالعكس حسيت كأنى أتحاميت ورا سد عالى أوى بيخبينى وراه من نظراتها
تم نسخ الرابط