عاد لسابق عهده.. ابتعد عن التفكير فى مريم ووجه جام تفكيره فى الدراسة وتحصيل أفضل الدرجات.. كما ابتعد عن أصدقاء السوء وتقرب من محمد اكثر الذي قد أتم خطبته على حبيبته مى.. أما فريدة فكانت تعيش أيامها بسعادة شديدة.. تسافر الى العديد من البلدان وتتسوق كيفما تشاء.. ولم تكرس دقيقة واحدة للاعتناء بزوجها المړيض..
فى إحدى الأيام.. كانت مريم بغرفة يوسف كعادتها.. تقوم بما تفعله كل صباح.. تتلمس كل شئ بالغرفة بحنين وشوق شديد.. لم تنضب دموعها أبدا.. جلست على مكتبه الذى غطاه التراب.. وشردت فى ذكرياتهما.. تذكرت حين كانا يحضران الفطور كل صباح فى جو مرح.. تذكرت حين كان يفاجئها تذكرت حين لوثت وجهه بالشيكولاتة عندما رفض أن يأكل منها.. تذكرت حين دخلت الى غرفته فوجدته يجلس على مكتبه منكبا على أوراقه دون أن يوجه لها أى اهتمام.. فأخذت الأوراق ونثرتها على الأرض .. تذكرت حين كانت تتوسد صدره فتنام ملئ عينيها براحة شديدة.. تذكرت حين كان يؤمها بالصلاة ويتلو القرآن بصوته العڈاب.. تذكرت حين كان يسبح ويستغفر على يديها لتشاركه الثواب.. اندفعت الذكريات بعقلها تاركة أثرا فى قلبها يستحيل أن يمحى.. انهمرت دموعها ثانية حين تذكرت كل هذا.. هى لم تنساها من الأساس.. اتجهت الى خزانة ملابسه وارتدت آخر ما كان يرتديه قبل ۏفاته.. وضعت يديها بجيوب الجاكيت فتلمست يدها شيئا ناعما.. أخرجته فوجدت دفترا جلديا متوسط الحجم باللون الأسود محفور عليه اسمه.. وضعت أصابع يدها على اسمه وهى تقوله ببطء.. فتحت أولى صفحاتها فتجد ما خط بيده.. قرأت المكتوب اليوم الخامس عشر من مايو.. اليوم الذى يلى عقد قرانى على حوريتى الصغيرة.. هو نفس اليوم الذى علمت فيه أمر مرضى بورم فى الفص الأيمن من المخ.. يعلم الله أننى لست حزينا او غير راضيا.. كله خير من عند الله.. وسأصبر على هذا الابتلاء حتى أشفى منه على خير ازداد نحيبها وهى تتابع اليوم الواحد والعشرين من يونيو.. أول يوم بجلسات الكيماوى.. ياللعذاب الذى شهدته داخل تلك الغرفة المظلمة رغم أن حوائطها بيضاء.. ينتشر الألم فى جميع جسدى بقدر لا أستطيع تحمله.. كشخص يشق جسدى بمنشار حاد.. يا الله.. أنا لا أعترض على أمرك.. ارحمنى من هذا العڈاب انك على كل شيء قدير شعرت بقلبها المذبوح من كلماته التى خطها تقطع نياط القلب.. تجاهلت عدة صفحات حتى تابعت اليوم العاشر من يوليو.. يوم أن كنت مېت على قيد الحياة.. ذبحتنى من توقعت أنها لن تؤذينى يوما.. طعنتنى بدم بارد دون أن تلقى بالا لحبى لها.. اكتشفت خيانتها لى ولعل قد حدث الأمر وهى مجبرة.. أتمنى من كل قلبى أن يكون الأمر كذلك.. سامحك الله يا حبيبتى وضعت يدها على فمها لتكتم شهقتها المټألمة.. مررت عدة صفحات فوجدت اليوم الثالث والعشرين من يوليو توقفت عن متابعة القراءة.. إن هذا التاريخ قبل ۏفاته ب 4 أيام فقط.. يوم أن خرج من الفيلا مسرعا ولم يخبرها عن وجهته.. كان هذا آخر ما كتبه.. تابعت حبيبتى.. عانقينى لينتهى الخړاب الذى بداخلى.. أشعر بالضياع.. طعننى شخص بكلماته التى لم أتوقع يوما أن يقولها لى.. تعلمت دائما أن كما تدين تدان.. ولكن الخير الذى أثمرته بهذا الشخص رد لى بنكران الجميل والكره.. أثق كل الثقة بأن ثوابى عند الله لم تستطع التحمل أكثر من ذلك فأجهشت بالبكاء.. كان يحتاجها أكثر مما كانت تحتاجه.. كان يحتاج عناقها وأن تبث القوة به.. ولكنها خذلته.. كان يريدها أن تطمئنه.. أن تبقى بجانبه.. ولكن يا لسخرية القدر.. لقد فعلت العكس.. كان لها زوجا وأبا وأخا وصديقا وسندا وقوة ولم تكن له أيا من هذا.. كان يبدو قويا وصلبا أمام الجميع.. ولكنه كان هشا وضعيفا من الداخل.. يحتاج من يسانده ويشد أزره.. كان من المفترض أن تكون هى هذا الشخص.. ولم تكن كذلك يوما.. نعم.. لم تكن..
الفصل الخامس والخمسين
كانت عائلة الراوى تشهد ظروفا صعبة وأوقاتا عصيبة.. رحل بهجة العائلة من الدنيا.. فكيف الفرح .. ماټ بسبب صډمته فى عائلته وليس المړض.. كلما تذكر عبد الله ما فعله به تنهمر دموعه النادمة.. ولكن بما يفيد الآن.. فقد أصبح تحت التراب.. ماټ وهو غير راض عنهم.. هم عائلته وتخلوا عنه وأول من سانده كان صديقه.. أرأيتم سخرية القدر..
تأجل زفاف حمزة وحنين وخطبة ياسمين وخالد كذلك.. كان عبد الله بغرفته يرقد فى فراشه كعادته الأخيرة.. فلم يعد يذهب الى الشركة ويعتنى بها خالد.. سمع رنين هاتفه المتواصل دون كلل أو ملل.. التقطه بيده اليمنى فوجد المتصل هو محامى شركات الراوى.. فتح الخط فأتاه الرد من حسين قائلا ازيك يا بشمهندس.. البشمهندس يوسف الله يرحمه كان سايب معايا حاجات مهمة وقال لى انها لازم تتفتح فى وجود الجميع منهم صاحبه حمزة رد عبد الله بلهفة تعالى حالا يا حسين.. وانا هجمعهم عندى فى الفيلا كان يتمنى لو يبقى له أى شئ من رائحة يوسف.. بالتأكيد ترك وصيته.. وكأنه كان يشعر بقرب مۏته.. تنهد بحزن ثم اتصل بياسين وأخبره بضرورة مجيئه مع شقيقته وكذلك اتصل بخالد وحمزة ومريم.. بعد ساعة كان الجميع يجلس ببهو الفيلا الواسع.. عدا فريدة بالطبع فكانت فى باريس.. وحسين يجلس على الأريكة ويضع حقيبته على الطاولة التى أمامه.. كان الجميع يترقب ما سيحصل.. أخرج حسين بعض الأوراق.. كانت تشبه الرسائل القديمة الملفوفة برباط خشن.. أخرج العديد منها وكلها محفور عليها اسم شخص معين.. أعطى ثلاث رسائل لمريم وياسين وحمزة.. بينما أخرج رسالة أكبر منهم قليلا ثم أعطاها لعبد الله قائلا طلب منى ان حضرتك اللى تقرأها قصادهم كلهم ثم استئذن قائلا كدة انا سلمتكم الأمانة.. سلام عليكم ردوا تحيته ثم خرج.. بينما كل منهم ينظر لعبد الله بترقب ومريم تنظر الى يدها التى بها رسالتها بأعين دامعة.. فتح عبد الله الرسالة ببطء.. وكأنه يخشى قراءة محتواها.. قرأ حروفها بصوت عالى ليسمعه الجميع قائلا بسم الله الرحمن الرحيم والسلام عليك يا رسول الله.. اذا كنتم تستمعون الى تلك الرسالة الآن فهذا يعنى أننى أصبحت بين يدى الله وقد انتصر على المړض.. يشهد الله اني لم أحزن عند معرفتى بمرضى.. كنت صابرا وراضيا بقضاء الله.. لهذا أرجو منكم الصبر كما كنت انا وألا تحزنوا.. ادعوا لي بالرحمة والمغفرة ولا تيأسوا من روح الله.. فإنه لا ييأس من روح الله سوا القوم الكافرين.. أتموا خطبة وعقد قران خالد وياسمين ليعم بعض الفرح فى العائلة وذلك قبل مرور ثلاثون يوما من الآن.. سلامى لكم.. يوسف فور انتهاءه من القراءة انهمرت دموعه لتسقط على الورقة بينما أجهشت مريم فى البكاء.. وقد أدمعت عينى حمزة فخرج من الفيلا بخطوات متسارعة وكأن الشياطين تسابقه.. جلس بسيارته وتلمس رسالته بأصابعه.. فتحها وقرأ صديقى الوفى.. ممتن لك لكل ما فعلته معى.. مساندتك لى فى مرضى دون أن تيأس يوما