رواية كاملة قوية الفصول من الثالث عشر للسادس عشر بقلم الكاتبة الرائعة

موقع أيام نيوز

فهو يحبها.. مقشرة.. ناعمة.. ومليئة بالاڠراء..
رمقت منى حسن وقد تعلق على سلم خشبي متحرك وهو ينهي طلاء آخر بقعة بسقف الغرفة.. التي قررا الانتقال لها.. تلك الغرفة التي رفضها حسن سابقا ولكنه لم يجد بدا من القبول بها الآن.. خاصة مع تغير أحوالهما..
عادت منى بذاكرتها إلى عشرة أيام أو أكثر مضت.. عندما ألقى حسن على مسامعها تلك الجملة التي زلزلت كيانها.. وكادت أن توقف قلبها هلعا..
أنا عايز أقولك على حاجة.. قرار أخدته.. وبتمنى تساعدني فيه.. ويا ريت اللي هعمله ده ما ينزلنيش من نظرك..
الجملة تتردد في عقلها.. ومعها عشرات التفسيرات.. وكلها تنتهي بالتنازل.. بالفراق..
ابتلعت ريقها في توتر وهي تسأله بتردد
قرار ايه يا حسن.. خليك صريح.. أنت مش محتاج للمقدمات دي معايا..
أغمض عينيه پألم شديد
آسف يا منى.. استحمليني شوية.. اللي هكلمك فيه مش سهل علي..
سكت قليلا ليلمح وجهها وقد شحب تماما.. فشهق پعنف وقد استوعب ما فهمته من كلماته
منى.. أنت متخيلة أني هتخلى عنك.. أو هطلب الفراق مثلا.. معقولة تكوني مش عارفاني للدرجة دي!..
أخذت منى نفسا عميقا وأغرورقت عيناها بالدموع وهمست
حسن.. من غير مقدمات الله يخليك..
تحرك حسن ورفعها من على مقعدها ليضمها إلى صدره بقوة
والله ما أقدر أبعد عنك.. معقولة تكوني مش حاسة باللي جوايا ناحيتك.. إذا كنت ما قدرتش أعملها واحنا لسه على البر.. يبقى هعملها بعد ما قربت منك وعرفتك أكتر وأكتر.. معقولة أقدر أفتح عينيه وما لاقيش أحلى عيون كحيلة بتضحك في وشي..
ابتسمت وسط دموعها
أنت كده بتقلقني أكتر يا حسن.. لأن معنى كلامك أنك ناوي تضحي بزيادة.. وتتنازل أكتر..
أبعد رأسها عن صدره ليرفع ذقنها بسبابته وإبهامه ويتأمل عينيها
أنت فاهماني كده ازاي..
رفعت راحتيها لتحيط بهما وجهه
لأنه أنت أنا..
اتكأ بجبهته فوق جبهتها وهو يحرك رأسه قليلا
حبيبتي... أنا ممكن أبيع عمري مش بس شهادة الهندسة عشان تكوني ملكي للأبد وقدام الناس كلها.. مراتي.. وحبيبتي.. وأم ولادي كمان..
أسكرتها حلاوة كلماته فسكنت بين أحضانه للحظات.. حتى تغلغلت معاني كلماته بين خلايا عقلها.. فأبعدت نفسها قليلا لتسأله
يعني ايه يا حسن.. يعني ايه تبيع شهادة الهندسة.. ايه معنى الكلام ده..
جذبها من يدها ليعاود الجلوس على الأريكة وهي بجانبه ويخبرها ببطء ووضوح
هو ده القرار اللي عايزك تسانديني فيه.. أنا خلاص قررت أني أنسى مؤقتا.. لقب مهندس..
حاولت منى مقاطعته إلا أنه أوقفها ليكمل
سيبيني أتكلم يا منى.. بصي.. من صغرنا وباب.. أقصد حاتم بيه.. بيصر أننا نبدأ من الصفر.. يعني مع البنايين والعمال عشان نفهم ونستوعب الشغل.. وما حدش يقدر يخدعنا أو يستغفلنا.. اشتغلنا كل حاجة.. نجارة.. سباكة.. كهربا.. محارة.. نقاشة.. كل ما يتعلق بالبنا والمقاولات.. موجود كله جوه خلايا مخي..
رمقته منى في صمت ولم تعلق.. فأكمل بمزاح ساخر
محسوبك أحسن أسطى نقاش عرفته مجموعة العدوي..
توسعت عينا منى وقد فهمت ما يرمي إليه حسن
حسن.. أنت تقصد.. قصدك.. أنك..
أومأ حسن موافقا
أيوه يا منى.. يا ترى نظرتك لحسن هتتغير لو طلق شهادة الهندسة دي.. واتحول ولو مؤقتا.. للأسطى حسن..
وضعت وجهها بين كفيها وهي تحركه يمينا ويسارا
لا يا حسن.. أنا ما اقبلش.. مش ممكن أوافق أنك تقدم الټضحية الكبيرة دي.. ولو حتى عشاني..
رفع وجهها ثانية ليهمس لها
فين الټضحية دي.. أنا بآخد خطوة لمستقبلنا.. يمكن مش لقدام.. أو مش هنتقدم بيها كتير.. يعني هنبدأ من الصفر..
ابتسم بهدوء حتى يطمئن القلق المرتسم في عينيها
أو يعني قبل الصفر بشوية.. بس هنخرج من حصار حاتم بيه..
عادت منى تهز رأسها برفض تام للفكرة
لا يا حسن.. كده كتير.. كتير قوي.. أنت رفضت أوضة السطوح.. دلوقت عايز.. عايز تشتغل نقاش!
ابتسم حسن بمرارة لم يستطع اخفائها
يمكن قبل كده فكرت أن فكرة سكننا فوق السطوح تضحية كبيرة مني.. مش هكدب عليك يا منى.. وأنت بنفسك وصلك الإحساس ده.. لكن لحظة.. ما كان الاختيار بينك وبين مستوى ومظهر اجتماعي مالوش عندي ريحة اللازمة.. ما اترددتش لحظة..
سألت باستفهام
يعني في اختيار اهوه.. أرجوك ي...
وضع أنامله على شفتيها يمنعها عن الكلام
صدقيني.. أي اختيار ما يكونش ليكي الأولوية فيه.. مش حل بالنسبة لي..
ابتعدت منى عنه وأولته ظهرها لتحاول تكوين جملة تعرف أنها ستقتلهما معا
حسن.. رجعني بيت أبويا.. وكل..
لو تقدري تقوليها.. أنا ما اقدرش أسمعها.. أنا محتاجك يا منى.. حسن هيتولد على أيديك من جديد.. وأنا محتاج قوي اتولد من تاني.. مش هقدر اقتحم الحياة الجديدة دي إلا معاك..
في لحظة تذكر تجبر والده عليه.. وهو يطلب منه طلاق منى.. فمثلها تتخذ عشيقة وليست زوجة.. على حد قول حاتم بيه.. تلك الڼار التي مرت في شرايينه.. أحرقت كل احترام كان يكنه لوالده.. وأشعلت بلهيبها التحدي بحبه لمنى.. ورغبته أن تكون.. له.. حلاله.. في النور.. وأمام الجميع..
المشوار صعب.. ومحتاج لك يا منى.. لأنه في طلب تاني.. طلب يخصك..
عادت لتبتعد قليلا إلا أنه لم يسمح لها فظلت بين دائرة ذراعيه.. لتسمعه يهمس
ممكن تقدمي طلب اعتذار عن السنة دي.. أو حتى التيرم الأول.. أنا.. الظروف في الأول مش هكون ضامن قوي أني..
قاطعته قبل أن يكمل.. وحتى ترفع عنه الحرج
ده أنا كنت ناوية أعمله من غير ما تطلب.. كنت عايزة اتفرغ لحياتي كزوجة شوية.. يعني لحد ما اتعود..
عاد ليريح جبهته فوق جبهتها ليتأمل ملامحها ويسألها پخوف ممزوج بأمل
وموضوعنا الأساسي.. رأيك ايه..
جرت دموعها على وجنتيها بلا توقف.. كم تريد الاستجابة لنداء استغاثته.. وكم تخشى موافقته على تلك الخطوة.. تخشى عودة حسن المدلل مرة أخرى.. فعودته ستلقي على كاهلها وهي فقط ذنب تحول حسن.. البشمهندس حسن العدوي ليصبح.. مجرد عامل نقاشة.. ووقتها سيكون حبه لها تبخر بفعل ڼار الواقع وهو لن يغفر.. ولن يرحم..
يا الله.. ما هو الصواب وما الخطأ.. أأبتعد واتركه لحياته المرفهة أو أمد يدي إليه فيولد بين يدي.. حسن جديد كما يقول هو.. ليس عاشقا فقط.. بل قادرا على حماية معشوقته..
شعرت بيديه تضمها إليه اكثر وهو يطالبها باجابة على سؤاله المنطوق ومؤازرة لقراره المغامر.. للحظة واحدة غاب عقلها.. واختفى منطقها.. لينتصر القلب الذي استجاب لنداء معشوقه.. فضمت نفسها نحوه.. وهي تفتعل ابتسامة باهتة
لازم اختبر مهاراتك.. في فن النقاشة بنفسي.. الأوضة هتحتاج توضيب ودهان.. وأنا هكون بليه بتاعك.. ايه رأيك بقى..
بادلها الابتسام فأردفت هي
يعني عايز تتعلم حاجة وأنا ما اكونش عارفاها.. ما فيش أسرار بينا يا بيه.. وهساعدك يعني هساعدك..
اتسعت ابتسامته لتصبح واحدة حقيقية بالفعل والټفت ليتناول كوب عصير الفراولة ويضعه في يدها
أنا موافق بس بشرط.. تقولي لي بقى رأيك في كوباية العصير المحترمة دي..
تناولت منى رشفة واحدة من العصير لتتسع عيناها قليلا.. وهي تحاول ابتلاعه على مضض.. بينما حسن يصر عليها أن تتناوله عن آخره..
ابتلعت ما في فمها وهي تكمل باقي الكوب وترمق حسن من خلف حافته راجية الله أن تكون مهارته في النقاشة أفضل من صنع العصير.. فهو
تم نسخ الرابط