رواية كاملة قوية الفصول من التاسع وعشرون للثاني وثلاثون بقلم الكاتبة الرائعة
المحتويات
أن جوازنا هيكون مثالي لحد فرح حسن.. وقتها حسيت أنك اتغيرت.. أعماقك اتغيرت.. وكان عندي حق..
هز يزيد رأسه بحيرة وهو يتمتم
أنا مش فاهم أنت عايزة ايه..
التفتت لتواجهه وأمسكت وجهه بين يديها لتجاوبه بصراحة واقعية
كل اللي عايزة أقوله.. أن أسلوب جوازنا مناسبني جدا.. وجود عليا في حياتك رغم أنه كان في البداية جارح ومهين لكرامتي إلا أنه دلوقت مريح جدا.. لأني اكتشفت أنك مش الشخص العملي اللي كنت متصوراه..
أنت عاطفي قوي..
كادت الدهشة أن تعقد لسانه من تصريحاتها الواقعية وسألها بسخرية
وبعد المصارحة الرومانسية دي متوقعة أني أكمل.. لآ.. وكمان نخطط عشان الحمل!..
هتفت بدهشة
أيوه طبعا.. ايه علاقة كلامنا ده بالحمل!.. هما كل اتنين متجوزين لازم بينهم قصة رومانسية!.. اللي بينا أكبر وأعمق.. في تفاهم وتوافق.. أفكارنا وخلفيتنا واحدة.. وفي ما بينا احترام وود.. مش ناقص غير الطفل عشان نكون أسرة مثالية..
حاول تلوين صوته ببعض السعادة وهو يهتف
ريناد.. ألف مبروك..
أجابته بهدوء
ميرسي يا يزيد.. الحمد لله الدكتور الأخير طلع شاطر قوي..
أجابها بتأنيب مستتر
كله بأمر الله..
أيوه طبعا.. الحمد لله..
هتفت باشمئزاز
أتوحم ايه بس يا يزيد!.. أنت بتصدق في الكلام الفارغ ده.. وبعدين أنا مش في البيت.. الدكتور طلب راحة تامة.. وماما اخدتني عندها..
غمغم براحة
بجد.. أنت عند خالتو.. طيب بلغيها سلامي.. ولو احتجت أي حاجة كلميني.. سلام..
أغلق الهاتف بهدوء.. وهو يردد..
انطلق حسن بسيارته الرينو الصغيرة متجها إلى مقر عمله بالقرب من الحي اللاتيني بجنوب باريس حيث تقطن معظم الجالية العربية.. وكان ذلك من أهم الأسباب التي دفعته لإختيار ذلك الحي لإقامه مشروعه.. حيث قام بافتتاح مطعم للمأكولات العربية وشاركه فيه غسان مدير أعمال فريدة والتي كانت همزة الوصل بينهما بعدما قرر غسان اعتزال عالم الفن وقرر الابتعاد عن حياة فريدة تماما فهو أدرك أخيرا أن قلبها ومشاعرها مرتبطة بوالد ابنتها حتى لو انقطعت علاقاتهما الرسمية..
حسن.. والدك بالخارج.. أنه يبدو.. يبدو غاضبا بشدة..
نهض من فراشه بتثاقل فهو لا يتركه إلا لتناول الطعام فقط.. واقترب من لورا يسألها پغضب
هل أهانك أو أساء إليك..
هزت رأسها نفيا وأخبرته
فقط نظراته.. أنها مهينة للغاية..
ربت على شعرها برقة
آسف على ذلك..
ارتدى ملابسه وتحرك ليخرج لوالده.. ولكنه عاد إليها يخبرها بهدوء
قد تعلو أصواتنا.. لا تدعي ذلك يقلقك.. إنها فقط طريقتنا في المناقشة..
خرج لوالده الذي وقف يتأمل الشارع من نافذة غرفة المعيشة.. وأخذ يتأمله للحظات.. سنوات لم يلتقيا.. سنوات تغير فيها كلاهما بشدة.. فبقدر القسۏة والجليدية التي تغلف بها قلب حسن بقدر ما ظهر الضعف ومرور العمر على ملامح والده الذي انحنت كتفاه وبدا بطريقة ما أنه أكبر من سنوات عمره الستون..
قطع حسن الصمت أولا
أهلا وسهلا يا حاتم بيه.. زيارة غير متوقعة بصراحة..
تنحنح حاتم ليجلي صوته وتأمله ولده للحظات أدرك فيها مدى التغير الذي أصابه
البقاء لله يا حسن.. و..
هز حسن رأسه برفض مطلق
حاتم بيه بنفسه جاي يعزيني!!.. معقولة!.. نزل من برجه العاجي عشان يعزي في بنت السواق بتاعه!.. آسف يا حاتم بيه.. لو هتقدم تعازيك تقدمها لعم نصر والد منى.. بس يا ترى هتقدر.. هتقدر تحط عينيك في عينيه وأنت عارف أنه ما قدرش يودع بنته في لحظاتها الأخيرة بسبب غطرستك وكبرك.. بسبب أنك قفلت كل الأبواب في وشنا لحد ما هربنا وسيبنا لك البلد باللي فيها.. هتقدر يا سعادة البيه!..
نهره حاتم بقوة
حسن!.. ازاي تكلمني بالطريقة دي..
صاح حسن بدوره
جاي ليه يا حاتم بيه.. أكيد مش عشان تقدم تعازيك..
جاي علشان أعقلك.. عشان ترجع بلدك وبيتك وشركتك..
تأمله حسن للحظات ثم بدأ يضحك.. ويضحك.. ويضحك.. ضحك هيستيري بدا أنه غير قادر على السيطرة عليه فدمعت عيناه واحتقن وجهه بشدة ولكنه استمر في ضحكاته الخارجة عن السيطرة حتى أجبره والده على التوقف بصڤعة خاطفة على وجنته.. لم تكن صڤعة قوية ولكنها أخرجته من نوبة هيسترية كان على وشك الانخراط بها.. تلمس وجنته پألم وهتف بصرامة
اللي أنت جاي له ماټ.. حسن ماټ واندفن مع منى.. اللي قدامك ده.. شبح.. مسخ..
وتحرك نحو باب الشقة ليفتحه مردفا
أحسن الله عزاؤك يا حاتم بيه..
هتف حاتم بدهشة
بتطرد أبوك من بيتك يا حسن..
أجابه حسن
سبق وطردتني من دنيتي كلها..
هزه حاتم بقوة
يا بني بلاش القسۏة دي.. أنا ماليش غيرك أنت وأخوك.. وأخوك بهدل الدنيا واتجوز على مراته و..
صفق حسن كفيه بقوة وهو يهمس بيأس
ما فيش فايدة.. ما فيش فايدة يا حاتم بيه.. كارتك الكسبان اتحرق.. قومت جريت جري تدور في دفاترك القديمة.. بس أحب أقولك أن الدفاتر دي اتحرقت هي كمان وما بقاش فيها إلا الرماد..
هز حاتم رأسه بنفي
أنت ازاي بقيت كده.. ازاي يا حسن..
اجابه حسن بمرارة
كتر البعاد بيعلم الجفا..
أفاق حسن على أصوات السيارات لتنبهه لتحول الإشارة إلى الأخضر.. وكأنها تنبهه أن زيارة والده كانت إشارة البدء لحياته الجديدة.. فبعد خروج والده العاصف أخذ يتأمل حياته للحظات.. فرأى نفسه مجرد.. فاشل.. عاطل.. يعيش عالة على زوجته.. لم يستطع تحمل مواجهة الصورة المنعكسة أمامه فخرج هائما في شوارع باريس.. أفكاره تدور في دوامات.. تتخبط روحه بين شوارع لا نهاية لها كما يتخبط جسده بين أجساد بشړ يمرون به.. لا يراهم ولا يعرفهم ولكنه يلمح نظرات منى اللائمة.. نظرات خيبة أملها به تبرق في أعينهم وكأنها آلاف الأسواط المعذبة لروحه الجريحة..
وجد نفسه في النهاية أمام شقة فريدة.. حيث كانت تلك نقطة الانطلاق حين التقى هناك بغسان شريكه في المطعم.. والآلام..
عادت أصوات السيارات تدوي من حوله وتصاحبها بعض الأصوات العالية.. وقليل من السباب الفرنسي الأنيق فانطلق بسيارته إلى عمله ليدفن به ما تبقى من نهاره.. أما الليل فهو يفنيه بين ذراعي لورا
متابعة القراءة