رواية تحفة الفصول من التاسع عشر للثاني وعشرون بقلم الكاتبة الرائعة بقلم ملكة الروايات
المحتويات
فرح قامت بتناول ذلك المهدىء الخاص بها والذى أعتادت عليه فى الفترة الاخيرة بينما أنشغل تفكيرها بمصير والدها داعية الله أن يرده إليهم سالما معافى فهى لاتتصور حياتها بدونه
عقب عدة ساعات وعندما أسدل الليل ستائره لمحت هى تلك الأضواء المنبعثة من بعيد معلنة عن قرب وصولهم إلى مدينة الضباب فزفرت بضيق عقب تلك الإنقباضة التى سيطرت عليها فهى لاتعلم متى ستسطع إستقلال طيارة المغادرة من تلك البلاد أم انها لن تستقلها يوما !!!
وكما قال كافكا
فأنت تنتمين إلى حتى ولو قدر لى ألا أراك ثانية على الإطلاق
حاول هو إستعارة الكثير من مستقبله عند تناوله الكافيين بصورة مكثفه فى العديد من الليال التى قټله الشوق فيها إليها متمنيا لقائها أو حتى سماع صوتها
فخاصم النوم والنوم جفاه خوفا من أن يباغته إتصالها أثناء ثباته لكنه رغم ذلك فى النهاية لم يجن سوى الخيبة لذا أنقلب حاله للنقيض حيث النعاس المستمر والغفوات المتصلة والذى فر بداخلها من واقعه المؤلم
أرتعد جسده بضعف إثر رياح خريفية خفيفة أصطدمت به وهى فى طريقها لإحدى الأشجار التى أصفرت وشحبت أوراقها كشحوبه وذبلت كذبوله فتساقطت محتويات الأغصان فى الحال عند ملامستها لتلك الرياح وامتلأت الأرض من أسفلها بالعديد من الوريقات الذابلة الجافة لتتعرى الأفرع من كسوتها فتصبح قاحلة جافة يابسة فى إنتظار هطول أمطار الشتاء كى تعيد إليها الحياة من جديد كإنتظاره هو الآخر لمن تعيد إليه نفسه
نعم هى مازالت خالية حتى بعد مرور ثلاث أشهر على رحيل قاطنتها والتى لم تعد إلى عاشقها حتى الآن بل ولم تراسله منذ أشهر
أيضا كريم لم ينتظر كثيرا عند إنقطاع أخبارها بل سافر إليها بعد أقل من أسبوع من إختفائهن لكنه أيضا لم يستطع التوصل إلى أى شيء رغم صلاته وعلاقاته المتشعبة فى تلك البلاد فلم يجد مفرا عقب شهر كامل من البحث الجاد المضنى من أن يعود إلى وطنه من جديد فى إنتظار عودتها فى أى وقت
الجدير بالذكر أن فى تلك الفترة القصيرة تضاخمت أعمال ذلك المكتب الصغير الخاص بهما وتحول من مجرد مكتب هندسى إلى شركة متماسكة تشق طريقها داخل مجال المقاولات حتى أصبحت وبسرعة مذهلة جديرة بالمنافسة داخل السوق المحلى
سرعان ماأنشغل هشام بمسؤولياته الجديدة فى عالم المقاولات والعقارات فأصبح لايبارح شركته إلا ليلا منغمسا بالأعمال التى لاتنتهى ساعيا لإرضاء طموحه وشغفه للوصول إلى المكانة التى يستحقها أما كريم فكان هو المسؤول عن العلاقات الخارجية وإبرام الصفقات والتعاقدات مع بعض الشركات الأجنبية حيث أستطاع بذكاءه وخفة ظله وإبتسامته الجذابة إستقطاب العديد من المستثمرين وزياده حجم أعمال الشركة
بالطبع لم تخل تلك التعاقدات فى معظم الأوقات من معجبات مختلفى الجنسيات فهناك الأوروبيات ذوات البشرة ناصعة البيضاء والملامح الدقيقة والأعين الزرقاء وهناك أيضا اللبنانيات التى أكتست ملامحهن بالحمرة إلى جانب الشعيرات الذهبية الطويلة الناعمة والقوام الملفوف أما المصريات فكان لهن النصيب الأكبر فى تلك الإجتماعات يظهرن متمتعات بسواد العينين والشعيرات تسيطر عليهن الروح الخفيفة المرحة الجاذبة لأى رجل إلا أنه رغم كل تلك الجميلات التى تحاوطنه لم يلتفت يوما إلى إحداهن متجاهلا محاولتهن المستمرة للحوذ على إهتمامه فلم يشغل تفكيره يوما سوى تلك الغائبة التى لم يمل من إنتظارها يوما
أما عن هشام
فقد أستطاع تخط الأمر سريعا حيث سيطر عليه الملل من كثرة الإنتظار وأقنع نفسه بأنهن هن من فضلن الإختفاء بتلك الصورة وإذا ماأردن الظهور فى أى وقت فلهن مطلق الحرية فى ذلك وجد فى ذلك القرار المبرر اللازم لحياته التى أنقلبت للنقيض فمن شاب جاد وقور لم يسبق له الدخول فى حياة عاطفية مكتملة إلى آخر يحاوطه الفاتنات والمعجبات اللاتى لم يبذلن جهدا للوصول إليه
فبعد توسع شركته ونجاحه السريع فى عالم الأعمال تجمعت حوله النساء كالذباب ممنيات أنفسهن بالسيطرة على قلبه وشركته أيضا وبعكس المتوقع تجاوب هشام مع جميعهن بلا إستثناء فلم يفكر حتى فى التصدى لإحداهن أو الإكتفاء بأنثى
وبمرور الأيام تحول ذلك الشخص الدؤوب الذى كرث وقته وحياته إلى عمله فقط ذلك الوقور الرزين الخجول نوعا ما والذى لم يسبق له الدخول فى أى علاقات نسائية بغير مقدمات أصبح شخصا يشبه كثيرا تلك الهيئة التى كان عليها كريم من قبل وإلى جانب ذلك لم يتردد ولو مرة فى حضور تلك السهرات الليلية الخاصة على شرف بعض الشركات الأجنبية التى تم التعاقد معها والتى لم تخل من العربدة والمجون والتى رفض كريم طوال الوقت المشاركه فيها لعلمه بما يجرى بداخلها
رغم كل ذلك فهذا العابث الجديد لم ينجرف تماما فى حياة اللهو إلى النهاية بل ظل متيقظا لأعماله وطموحاته التى كان لها الأولوية لديه خاصة بعد إزدهار شركته أكثر وأكثر فلم يرد أن يفقد ماتوصل اليه خلال تلك المدة القصيرة
رحل فصل الخريف سريعا تاركا الأشجار قلحى والأراض عطشى فى إنتظار هطول أول حبات المطر لتستسق بها تلك الكائنات الجافة اليبسة فلم تمهلها السماء الكثير من الوقت إلا وقد أزعنت لإحتياجها معلنة عن حلول الفصل الجديد ببركاته وأمطاره الغزيرة فأطرقت حبات المطر الخفيفة التى تسارعت فى دقائق على وجه ذلك الجالس داخل شرفته والذى أفاق على إنهمار الأمطار فجأة دون مقدمات مصحوبة برياح عليلة باردة معلنة عن بدىء الوقت الرسمى لهبوط الحرارة ممهدة لقدوم العديد من الغيمات الداكنة
متابعة القراءة