رواية تحفة الفصول من التاسع عشر للثاني وعشرون بقلم الكاتبة الرائعة بقلم ملكة الروايات

موقع أيام نيوز

فقالت دون الإستماع لحديث والدتها 
_ أيوه ياماما انا عارفه إنى أتأخرت انا 
لكن صړيخ والدتها أوقفها لتستمع لها تقول 
_ ألحقينى يافرح أبوكى وقع منى ومش بيتحرك تعالى بسرعة 
أنتفضت فرح من مكانها پذعر بعد أن تناولت حقيبتها وركضت إلى الخارج بحالة شبه هيستيرية وهى تحاول فهم ماحدث من والدتها فأتبعها كريم على عجل وأسرع بتشغيل محرك السيارة فور إستنباطه لحدوث کاړثة من ملامح فرح المذعورة 
حاول على قدر المستطاع الإسراع خاصة وهو يرى دمعات حبيبته المنهمرة مما أعجزة عن النطق بكلمة والسؤال عما حدث لكن ماهى إلا دقائق حتى أنهارت قائلة 
_ بسرعة ياكريم بسرعة بابا هيروح منى 
تجاهل إشارات المرور وتخطى تلك العربات المتزاحمة بحرفية عالية حتى أستطاع الوصول إلى المنزل فى غضون العشر دقائق حيث لمحا سيارة الإسعاف تصطف أمام المنزل إستعدادا للتحرك بعد أن قام هشام بإستدعائها عقب سماعه لصرخات الوالدة المتكررة وهاهو الآن يتبع عربه الإسعاف برفقة هنا ووالدتها بعد أن أشار لكريم بملامح عابسة لإتباعهم أستدار ذلك الأخير بعربته من جديد لإتباع تلك السيارات بالمقدمة حيث فرح بجواره يتزايد قلقها وبكاؤها رغم ذلك لم يكف لسانها عن التمتمه بالأدعية المستمرة والآيات القرآنية 
حاول هو طمأنتها قدر المستطاع إلا أنها زادت من بكاؤها قائلة 
_ بابا بقاله فترة بيشتكى من نغزة فى صدره ومش عاوز يكشف أنا خاېفة يكون الموضوع له علاقة بالقلب 
لم يتفوه هو بكلمة سوى 
_ خير إن شاء الله كلنا معاه والحمد لله إن الإسعاف وصلت بسرعة والمستشفى قريبة اطمنى يافرح 
نظرت له بإمتنان على تواجده بجوارها وهى فى تلك الحالة فمن غيره يستطع التربيت عليها وطمأنتها رغما عن ذلك القلق الغير مصطنع الذى يتجلى بوضوح أعلى قسماته وكأنه هو الأبن وليست هى شعرت لثوان وكأن روحيهما أمتزجا ليصيبه ماأصابها ويصيبها ماأصابه 
ماهى إلا ساعات قليلة وكانت العائلة الصغيرة بصحبة الشابين يجلسون جميعا داخل غرفة الإنتظار فى ذلك المشفى المرموق حوائط بيضاء لامعة تخلو من أى شوائب تحاوطهم من جميع الجهات فتيات حسناوات يرتدين الأبيض يتناوبن على تلك الغرفة المغلقة أمامهم كلا منهن تحمل أدوات مختلفة ذهابا وإيابا حتى كادت قلوب الجالسات تنخلع جزعا على ذلك العجوز بالداخل والذى اجتمع حوله ذلك الكم من الأطباء والممرضات 
حيث حاول الأطباء إنعاش قلب المړيض وعمل اللازم للتخلص من تلك النوبة المړضية التى تواجدت نتيجة الكثير من التراكمات والإهمال فى الفحص والعلاج 
لم تجف دمعات الإناث ولو للحظة بينما كريم وهشام إنشغلا بمتابعة حالة الوالد مع إحدى الأطباء الذى خرج للتو من الغرفة المغلقة 
بعدما شرح لهم الطبيب الحالة الصحية للمريض بالأخير أوصاهم بضرورة السفر للخارج نظرا لخطۏرة الحالة وتقدم سنوات عمره فلابد له من القيام بعملية شديدة الخطۏرة لاتتوافر الإمكانيات للقيام بها داخل البلاد 
بالفعل لم تدخر الأسرة وقتا ووافقن فى الحال على السفر للخارج حيث شرع الشابان فى إنهاء الاوراق المطلوبة بينما التوأمتان والأم أعدا العدة للسفر جميعا بعد أن رفضت فرح مرافقة أيا من كريم او هشام لهن وفضلت الإكتفاء بها وبوالدتها وشقيقتها التى تمتلك العديد من العلاقات بلندن 
لم ترتخ جفون كريم لدقائق أو حتى يتذوق لذة النوم لثوان خلال تلك الأيام المنصرمة إلا عندما أنتهى من جميع متطلبات السفر حتى أنه تعاون مع هشام لإنجاز المهام فى أسرع وقت لم يتمكن قلبه من رؤية زهرته تذبل على هذا النحو قلقا على والدها الذى لم يبارح المشفى إلا على طيارة خاصة للندن بصحبة زوجته قبل أن تلحق به الفتيات 
ستغادر حبيبته وتبتعد 
ليس فقط لبضعة أمتار أو حتى كيلومترات بل هى فى طريقها لمغادرة القارة بأكملها دونه ستغيب عنه بجسدها ووجهها وعينيها وإبتسامتها ولن يبق له فى النهاية سوى الدعوات هى الطريقة الوحيدة للقاؤه معها رغم بعد المسافات 
لم ينقطع رجاؤه المستمر لمرافقتها إلا أنه لم يجن منها سوى الرفض المرفق بالدمعات الحارة فما كان منه سوى الإذعان لرغبتها وإنتظار عودتها 
قطعت له وعودا كثيرة لطمأنته فور وصولها وإرسال تطورات حالة والدها إليه أول بأول بل إنه سيكون أول من تستدعيه إذا ماأحتاجت إلى العون 
هاهو اللقاء الأخير بينهما بداخل صالة المطار التى أكتظت بالمسافرين وقفت أمامه بجسدها الهزيل وملامحها الشاحبة رغما عن ذلك الكم حوله من البشر إلا إنه لم يرى سواها لم يلاحظ سوى مقلتيها التى لم تجف ولو للحظة لم يستطع قراءة إلا تلك الرسائل المشفرة من رماديتيها والمختلطة بالشجن والإشتياق 
لو أمكنه لأحتضنها الآن بقوة ليستمد منها تلك الطاقة التى تلزمه للبقاء بدونها لو أستطاع لأطال النظر إليها حتى يمكنه تعبئة عينيه قدر المستطاع بها فهو إلى الآن لم يستوعب إمكانيه إختفائها عن مرمى بصره إلى وقت غير معلوم 
لم يتحدث العاشقان بل إكتفا كلا منهما ببث شوقه إلى الآخر بنظرات حزينة إلى أن حان وقت الفراق فمد هو يده إليها مودعا قبل أن تتسلل كفها الصغيرة إليه بلهفة وتتمتع بدفىء يمناه للمرة الأخيرة كالعادة أرتعشت أصابعها بداخل يده إلا انها أبت المغادرة إلا بعد عناق طويل لراحتى اليد لم يغن أبدا عن عناق أصحابهما اللذان تمكنت منهما الصبابة فتحدث هو بصوت مرتعش يغلبه الأسى 
_ هتطمنينى أول ماتوصلى وتقوليلى على مكان المستشفى وعنوانها صح 
أومأت برأسها موافقة فأضاف هو 
_ وكل يوم هتكلمينى وتدينى رقم الفندق اللى هتنزلوا فيه 
أبتسمت بشحوب غير قادرة على النطق حتى همس هو بخفوت 
_ هتوحشينى 
أنهمرت الدمعات فى الحال وهى تتشبث بكفه بقوة راغبة فى إلقاء جسدها عليه والإختباء داخل أحضانه بالطبع شعر هو بحاجتها لذلك العناق كحاجته إليه لكنه أكتفى بالتربيت على يديها بقوة قائلا 
_ هترجعى وهنتجوز ونبقى مع بعض اللى باقى من عمرنا 
هزت رأسها من جديد مع إبتسامة خفيفة زينت ملامحها جعلته يبتسم بإشراق عقب رؤية ذلك الثغر الذى أشتاق بشدة إلى رؤيته على هذا النحو والذى أزداد إتساعا هو الآخر فور رؤيته لإبتسامة كريم الساطعة 
تحركت فرح بصحبة شقيقتها تمسك بيدها مغادرات صالة المطار إلى الداخل بعد أن سبقهم إحدى العاملين بالحقائب فى طريقهن لإجتياز أولى الخطوات النهائية قبل إستقلالهن الطائرة 
ألتفتت إليه للمرة الأخيرة قبل أن تغيب عن مرآه ملوحة له بإبتسامة مقتضبة أبت الظهور فبادلها التحية بأيد متجمدة أكتفت بالإرتفاع عدة سنتيمترات أمام وجهه ليخبأ بها تلك القطرات الهاربة من مقلتيه وكأنه يودعها الوداع الأخير 

أحتلت فرح ذلك المقعد بجوار شقيقتها التى أشاحت بنظرها عنها ناظرة من تلك النافذة الصغيرة بجوارها محاولة إخفاء تلك الدمعات التى أنهمرت اعلى وجنتيها والتى لم تلاحظها فرح 
عند بدأ الرحلة أغمضت هنا عينيها بقوة ومالت برأسها على المقعد من ورائها مصطنعة النوم بينما عقلها يسترجع تفاصيل ذلك اليوم المشؤوم عند إصابة والدها 
لكن قبل ذلك تراجعت ذاكرتها إلى الوراء أكثر عندما كانت مجرد طفلة
تم نسخ الرابط