رواية تحفة الفصول من الثامن للعاشر بقلم الكاتبة الرائعة

موقع أيام نيوز

بمرفقيه أعلى الحامل المعدنى محاولا الخروج بجذعه إلى الفراغ لإختصار تلك المسافة بينهما قدر الإمكان قائلا برقة  
_ طيب بتعملى إيه دلوقتى ماتيجى ننزل نتمشى شوية ..
أجابته بآلية وهى تستعد للدخول 
_ معلش ياكريم تعبانة ومحتاجة أنام خليها يوم تانى .. يلا تصبح على خير ..
كعادته منها أصابته خيبة الأمل والتى أصبحت الشعور الرسمى له فى معظم الأوقات فزفر بضيق ناظرا إلى الطريق الخال من المارة إلا من صورتها المرتسمة أعلى صفحته بداخل مخيلة الرائى الذى تطاير النوم من عينيه مفضلا التفكير بها ..

على الرغم من كل تلك الأحاسيس المؤلمة التى مرت بها بالأمس وعلى الرغم من چرح قلبها الذى مازال ينبثق منه الډماء بغزارة وعلى الرغم من وجهها الشاحب الذى يبدو عليه الأرهاق والإنهاك كحال جسدها ..
إلا إنها حاولت التأنق لملاقاته تجاهلت الخذلان والإضطراب الذى يملؤها ولم يشغل تفكيرها طوال اليوم إلا تلك اللحظة التى سيجلس بها أمامها كانت تحصى الدقائق والثوانى حتى ينتهى يومها وتراه ..
واخيرا هاهى تجلس فى ذلك المكان الذى أعتادت المجىء إليه اليومين السابقين قبل موعدها بنصف ساعة كاملة ..
أعتلت نفس الطاولة فى ذلك الركن الهادىء لا تدرى السبب وراء جلوسها فى نفس المكان المفضل لكريم على الرغم من تواجد الكثير من الطاولات الفارغة حولها لكنها وحتى لو رفضت الإعتراف إلا أنها تشعر بالراحة والألفة فى ذلك المكان بالتحديد لقد أصبحت تلك هى طاولتها المفضلة بغض النظر عن تواجد كريم من عدمه ..
لم تعلم هى أو لربما علمت بداخلها أن ذلك الشعور بالراحة والألفة ينتمى إليه هو لتواجده لإبتسامته لكن مالاتعلمه حقا هو أنها على وشك تلويث ذلك الشعور بالألفة داخلها إلى آخر يملؤه الحزن والكآبة عقب إحتلال آخر مقعده ..
بعد طول إنتظار تصارعت فيه ذكرياتها المتعلقة بهذا المكان مع أخرى يشوبها الأمل والترقب لذلك اللقاء المنتظر أشرق وجهها فور رؤيته يدلف إلى المكان بطلته الأنيقة الكلاسيكية المعتادة يتلفت برأسه يمنة ويسارا بحثا عنها لوحت له بيدها مع إبتسامة واسعة تملأ فمها ..
وماهى إلا لحظات وكان يحتل المقعد أمامها ليقول أثناء تأمله للمكان من حوله 
_ لذيذ المكان .. معلش أتأخرت عليكى
فرح متأملة قسمات وجهه التى أشتاقتها بشدة  
_ لا ولا يهمك 
تصفح هشام لائحة المشروبات والطعام الموضوعة أمامه قبل أن يقول 
_ تحبى تشربى إيه
لكنها سارعت قائلة بحماس  
_ إيه رأيك نتغدى أو نطلب ديزرت .. الديزرت هنا حلو أوى
شملها بنظرة طويلة جادة يشوبها بعض الإستغراب لكنها تسائلت بحيرة  
_ فى إيه مالك بتبصلى كده ليه ..
وجه نظراته مرة اخرى إلى اللائحة ليقول دون إهتمام 
_ اول مرة أعرف إنك بتحبى الحلو ..
هزت فرح كتفيها بدون تفكير قائلة  
_ عادى يعنى بس هنا بيعملوه كويس أوى..
هز رأسه متفهما قبل أن يغلق لائحته بضجر قائلا  
_ معلش يافرح معنديش وقت يسمح إنى أطلب اكل واستناه..
ثم أضاف بجدية وحزم  
_ أنا هاخد قهوة بس لو انتى عاوزة ممكن أطلبلك عادى متربطيش نفسك بيا ..
ابتسمت فرح بحزن قائلة وهى تتطلع إلى النافذة بجوارها  
_ لا خلاص ملوش لزوم هطلب عصير برتقال ..
عقب عدة لحظات .. انتهى فيها هشام من طلب المشروبات بينما هى أنشغلت بتأملها المنظر الخارجى عندما وقعت عيناها على تلك الزهور الحمراء من جديد فتذكرته رغما عنها لاحت إبتسامته أمام عينيها وكأنه يربت بها على حزنها مطمأنا فأبتسمت هى الأخرى دون تفكير ..
بينما الجالس أمامها نظر فى ساعته قبل أن يقاطع ذلك الصمت متسائلا 
_ ها إيه بقى ياستى كنتى عاوزانى فى إيه !
ألتفتت إليه تتأمله مطولا محاولة إستبدال ملامح كريم التى شغلت تفكيرها فى تلك اللحظة بصورته هو الجالس أمامها فأجابته بإبتسامة عذبة  
_ مش متعودة كل ده مشوفكش كنت مشغول بإيه ..
أراح هشام مرفقيه أعلى الطاولة مجيبا 
_ معلش أنا عارف إنى مقصر بس أنا كنت بتطمن عليكى من هنا ..
انكمشت الإبتسامة وأبتلعت هى لعابها بصعوبة قبل أن تملأ وجهها علامات التردد معلقة 
_ آه هنا ..هو فعلا انتوا بتتقابلوا كل يوم 
أومأ هشام برأسه عدة مرات قبل أن تظهر أعلى ملامحه إبتسامة حالمة وهو يقول 
_ هى حكتلك عنى أو قالتلك حاجة ! 
تمالكت مشاعرها كى تحافظ على هدوئها وهى تستند بذراعيها على الطاولة تاركة كفاها يعبثان بأدوات المائدة الموضوعة أمامها بتوتر متسائلة  
_ وهى المفروض تحكيلى عنك إيه ! هو فى بينك وبينها حاجة 
تردد هو لبضع لحظات قبل أن يجيبها 
_ بصراحة أنا كنت عاوز أكلمك فى الموضوع ده بس مكنتش لاقى وقت مناسب..
علمت جيدا المغزى وراء كلماته لكنها تصنعت البلاهة متسائلة 
_ موضوع إيه !
خرجت منه زفرة حارة قبل أن يبدأ الإسترسال مجيبا بأعين ملؤها العشق 
_ موضوعى أنا وهنا .. 
بصراحة أنا من ساعة ماشوفتها وأنا معجب بيها حاولت ألمحلها أكتر من مرة بس هى كان ردها إنها مش جاهزة للإرتباط دلوقتى ومحتاجة إننا نتعرف على بعض أكتر ..
تسمرت عيناها عليه دون أن يرمش لها جفن محاولة إرغام قلبها على الهدوء بينما هو أردف 
_ أنا مقدر خۏفك عليها بس أنتى عارفانى جد ومليش فى جو التسلية أو الصحوبية وناوى فى أسرع وقت أخد خطوه رسمية وأتقدملها بس هى توافق ..
أومأت برأسها دون أن تنبس ببنت شفة فأضاف هو موضحا 
_ عشان كده كنت عاوزك تساعدينى
أطرقت برأسها كى لاتفضحها عبراتها المتجمعة جانب مقلتيها بينما خرجت كلماتها مرتعشة وهى تتسائل 
_ أساعدك فى إيه 
تفاجئت بكفيه الدافئتين يزحفان أعلى الطاولة ويحتضنان خاصتها دون مقدمات فرفعت رأسها إليه بأعين مذهولة جفت بها العبرات فى ثوان بينما أرتعشت يداها بداخله كعصفور حاوطه الدفىء بعد بلله فى نفس الوقت الذى أرتعش به فؤادها ظنا منها أنه حان وقت الڤرج وبمعجزة إلهيه تبدل قلبه إليها فهاهو يحتوى يداها بشغف حقيقى ناظرا بداخل عدستيها أبتسمت بخجل منتظرة كلمات العشق والهوى تنبثق من بين شفتيه أعتدلت فى مجلسها بثقة بعد أن كان جسدها منحنيا مخذولا كقط يتوق إلى خانقه أقتربت منه مغمضة عينيها إستعداد لتصريحه بحبها وكأن ماقاله منذ بضع لحظات ماهو إلا دعابة سخيفة اما الآن حان وقت الإعتراف بالحقيقة ..
لكن يبدو أن الأحلام الوردية والأمل الزائف قد نالوا منها بالقدر الكاف لهدم المعبد فوق رأسها فهاهو يقول برجاء حقيقى 
_ تساعدينى بإنك تكلميها عنى أكتر اكيد هى بتثق فيكى وصليلها قد إيه انا بحبها ومستعد اعمل أى حاجة عشان أوصلها أكديلها أن حياتها معايا هتبقى كلها سعادة وهنا على اسمها كل أحلامها أوامر عندى هنفذلها كل اللى تطلبه ..
أيتها الحمقاء أفيقى ازيلى عن قلبك تلك الغشاوة أم هل ادمنتى الألم  
لقد تجاوز الخذلان حده وتتابعت الخفقات تباعا أتسع الچرح بداخلك حتى كاد أن يشق قلبك نصفين كفاك مثابرة وعناد واجهى قدرك وأعترفى بهزيمتك هو ملكا لها من البداية .. بل لم يكن يوما ملكا لك
تم نسخ الرابط