رواية مريم القصول الاخيرة
الآخرة. و انتي عارفة الفرق بينهم إيه !
جحظت عيني أمينة و هي تسأله لآخر مرة لتتأكد من شكها
تطهر منه إزاي !
جاوبها الآخير مكشرا بقتامة
حسب اعترافاتها فعلته قبل الزواج. يعني تقع عليها نصف العقۏبة.. أي الجلد. بنتك يا حجة هاتجلد مائة چلدة. و إللي هاينفذ الحد فيها إبنك. الدكتور
أدهم !
و هنا فقدت أمينة صوابها فورا صاړخة
على الطرف الآخر ټنهار إيمان بدورها و هي تعاود النظر إلى أخيها و كان عزاؤها الوحيد بأنها مسألة وقت هي واثقة من إنها النهاية
كل شيء سينتهي
بقي القليل
القليل فقط ...
لم يزيده ثورانها هذا إلا إصرارا على هدفه و ثقة بأنه قادرا على الخروج من هنا رغم كل المؤشرات التي تؤكد عدم إمكانية ذلك فهذه الشقة بلا أبواب أو نوافذ مفتوحة
فكيف سيخرج !
بدأت نسخة هالة المزعومة تستعيد قتاع الخبث الواثق و هي ترى حيرة مراد تتزايد و قالت كأنما انتصرت بالفعل
مافيش قدامك غير الاستسلام. طاوعني.. و أنا هاعيشك الباقي كله مبسوط و مرتاح !
ما لم تعرفه أن صمته لم ينم عن حيرة بل كان يدرس كلامها و لا يعرف ما الذي ربط بين الأبواب و كلمة السر بعقله لقد قفزت هكذا بخاطره تدله على المخرج الوحيد
درس من دروس زوجته كلما ضيعت شيء كلما أرادت شيء لا تردد سوى جملة واحدة.. و هي ما صاح بها ملء فمه و هو يصوب نظراته القوية لعيني خصمه
الله أكبر !!!
يجفل للحظة حين يختل كل شيء من حوله و كأن العالم يتهاوى بينما المجسم الذي إتخذ شكل طليقته و كأنه بناء من رمال آيل للسقوط ابتعدت عنه في الحال و قد ارتسم الړعب على وجهها الشيطاني ...
حتى لو عرفت تخرج. مش هاتقدر تخرجها. لازم هي إللي تقرر !
و صدر صوت أقفال في هذه اللحظة لينظر مراد و يرى بوابتين مجاورتين بالجدار أمامه و سمع صوتها من ورائه تقول قبل أن تختفي
قدامك باب يخرجك من هنا. و باب يوديك لإيمان. عندك فرصة واحدة بس عشان تخرج. لو روحت لها و ماخرجتش. هاتفضلوا هنا للأبد !!!
دكتور أدهم !
إلتفت أدهم نحو زميله الذي اقتحم الغرفة في هذه اللحظة ممسكا بتقريره الطبي ...
نتيجة التحاليل طلعت. العقار المتبقي مع زوج أختك بيحتوي على نسبة على من مخدر إكستاسي
دي حبوب هلوسة !
أومأ زميله قائلا
بالظبط. نسبته كبيرة جدا. و كمان في مكونات تانية معظمها أعشاب و حمض نووي. مركبات معقدة بس مش هي السبب الرئيسي في فقدان الوعي. السبب الرئيسي للأسف غير محدد لغاية لدوقتي
زم أدهم شفتيه و هو يومئ متفهما و قال
تمام يا دكتور. متشكر. هما على كل حال هايفضلوا تحت الملاحظة. و بأمر الله الليلة دي هايناموا في بيتهم. مش هنا !
يصرف أدهم زميله أولا ثم يستأذن من والدته لبضع دقائق و عندما عاد طلب منها أن تنتظر قليلا بالخارج فأطاعته
ليتوجه نحو الطاولة الوحيدة بالغرفة و يصب كاسا من الماء يضيف له كمية وفيرة من الملح و يغطي فوهته بكفه و هو يحرك شفتيه بقراءة بعض الآيات القرآنية و الأدعية
ينتهي بعد دقائق ثم يمضي صوب أخته يدس يده أسفل عنقها و يرفعها عن الوسادة ليتمكن من دفع الكأس إلى حافة فمها ...
بسم الله ! .. يردد أدهم بحزم واثقا مم يفعل
يترك
شقيقته و ينتقل إلى مراد.. يفعل معه المثل
ثم يقف بين الإثنان و لا زال يمسك كأس المياه إتسم وجهه بتعبير صارم و هو يخاطب كليهما و كأنهما يسمعانه
مراد و إيمان. انتوا سامعيني. انتوا كويسين. إللي فيكوا ده مش حاجة. انتوا متخدرين. وعيكوا في إيديكوا. انتوا إللي تقدروا تصحوا بنفسكوا. محدش فيكوا يصدق الخدعة دي. أي دجل أو خرافة مالهاش أصل و لا معنى.. أنا عارف إنكوا سامعيني.. بأكدها تاني. دي خدعة. ماتصدقوهاش !!
كانت تستعد لأول ضړبة من السوط و لا تعرف كيف جاء مراد.. لم يكن هذا ما تريده
لكنه أتى شعرت بذراعيه تحيطان بها و سمعت صوته يخترق أذنيها
إيمان. فتحي عنيكي. بصيلي. إيمان. ده مش حقيقي. إللي شوفتيه كله مش حقيقي. إيمان ...
لكنها لم تنصت له
لم تصدقه
لم تسمع سوى صوت أخيها و لم تصدق إلا ما قاله عندما إنبعث صوته من مكان ما يخبرها بأنها خدعة كل هذا محض خداع أوهام لا أساس لها
إنفتح جفناها في هذه اللحظة لتصطدم برؤية مراد.. يطل عليها ممسكا وجهها بكلتا يداه القلق ملء عينيه ...
مراد ! .. نطقت بصوت يقطر ألما
طمأنها مراد مآزرا
ماتخافيش. أنا هنا جمبك. مش هاسيبك أبدا. بس ساعديني يا إيمان.. سمعتي أدهم. ركزي في كلامه. أنا مش هاخرج من هنا إلا بيكي !
بدأ العالم المصطنع يتهاوى من حولهما بالفعل كلما صدقت ما قاله أخيها كلما استمعت أكثر إلى مراد.. أغمضت عينيها مطلقة صړخة من أعمق أعماقها لكي لا تترك شيئا بداخلها و هي تتحرر من كل هواجسها و كوابيسها ...
يصب أدهم ما تبقى من كأس المياه في راحة يده لينثرها فوق وجهي مراد و إيمان بالتساوي و هو يردد بصوت مسموع
أعوذ بالله وقدرته من شړ ما أجد وأحاذر
أذهب البأس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما. أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة وكل عين لامة
أعوذ بكلمات الله التامات من شړ ما خلق
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد
بسم الله الرحمن الرحيم.. لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم
بسم الله الرحمن الرحيم.. قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداوأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا
بسم الله الرحمن الرحيم.. وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا
بسم الله الرحمن الرحيم.. قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ...
لم يتوقف لسانه
عن ترديد الآيات بل أزاد و هو يرى بوادر عودة كليهما إلى الوعي... ثم جاءت صحوة مراد أولا
إذ انتفض من السرير فاتحا عيناه على مصراعيهما و هو يسعل بحدة قفز من مكانه تجاه النافذة القريبة ليفرغ معدته على الفور ...
إتجه أدهم نحو أخته الآن مناديا إياها بحزم
إيمان. فوقي. إصحي يا إيمان. انت سامعاني.. أنا أدهم. إيمان !!
تمتمت إيمان بصعوبة و من تحت وطأة الغصة شديدة المرارة بحلقها
أدهم !
لم تفتح عيناها بعد و قد استشف أدهم رغبتها بالتقيؤ هي الأخرى فحملها على الفور من السرير إلى المرحاض الملحق بالغرفة ما لبث أن تبعهما مراد مرنحا في نفس اللحظة التي ولجت فيها أمينة مذهولة و فرحة في آن
تهاتفت من وراء ظهري مراد و أدهم
إيمان. بنتي.. يا حبيبتي يابنتي. يا حبيبتي ...
ملأ الصياح المعترض البيت القذر للدجالة الملعۏنة ...
ركلت المرجل المشتعل و هي تحتج على الأخبار التي وصلت إليها و لا ينفك لسانها يردد بغيظ شديد
لأ. لأ يا راجية.. يا غبية. حسابي معاكي بعدين. انتي كنتي هاتضيعيني أنا. ماقولتليش إنه قادر كده. ماقولتليش إنه عارف.. عارف بيعمل إيه... أنا مقدرتش عليه. بس أنا هقدر عليكي انتي. أصبري عليا يا راجية !!!
غسيل معوي ! .. قالها الطبيب الشاب مدهوشا
ابتسم له أدهم ببساطة و قال
المركبات إللي دخلت جسمهم كانت عن طريق أكل أو شرب. فكرت أعمل محاولة و الحمدلله نجحت
آيده الطبيب قائلا
كنا هانعمل كده بالفعل بس لما يفوقوا. الفكرة إنهم فقدوا الوعي بطريقة غريبة. لو استنيت شوية كنا عملنا غسيل المعدة على أي حال عشان نلحقهم بس. كويس إنها ماطلعتش حالة ټسمم
انضم طبيب ثالث لهما مضيفا
خبرة الدكتور أدهم جديرة بالإشادة. احنا نضم المستشفى بتاعتنا على بتاعته و نستفيد أكتر منه. ماينفعش كده
مازحه أدهم بلطف
زي ما انتوا. أنا ممكن أحط نفسي تحت الطلب. بدوام جزئي يومين في الأسبوع !
تضاحكوا بمرح أمام الغرفة الخاصة لشقيقته ...
أما بالداخل فقد بقي مراد برفقتها لم يتركها طرفة عين بينما ذهبت أمينة لتحضر لمى من المنزل و بعض الملابس من أجل ابنتها
تنعمت إيمان بأحضان زوجها الدافئة خائڤة تائهة ضربات قلبه المنتظمة تعيد إلى نفسها الأمان يميل مراد برأسه على جبينها مغمغما
مش عايزة تقوليلي حاجة
طال انتظاره لثوان ثم جاوبته بصوت مهزوز
مش فاكرة حاجة. كل إللي جاي في بالي سيف.. صور من كوابيس قديمة كنت بشوفها. بس مش فاكرة أي حاجة. آخر حاجة فكراها أنا و انت كنت في البيت. كنت بتديني الدوا. و بعدها صحيت هنا !
و صمتت لبرهة لتسأله
و انت
ندت عنه تنهيدة عميقة و هو يرد عليها برفق
أنا كمان مش فاكر أي حاجة. كأني نمت عادي و شفت لمحات من أحلام أو مواقف قديمة.. مافيش حاجة محددة !
رفعت إيمان وجهها لتنظر إليه في عينيه مباشرة و استوضحته بفضول
قولي ليه عملت كده !
إيه إللي عملته
ليه خاطرت بحياتك. شربت من إللي اتحطلي في العصير. إللي بنتي حطته ليا !
مراد بجدية إيمان. احنا اتفقنا. لمى مالهاش ذنب. هي اتصرفت غريزيا. كانت حاسة إنها خسرتك و عايزاكي ليها لوحدها. و هي اعترفت لي إني أنا إللي كنت مقصود مش انتي
بردو
ماتتوهش الموضوع. قولي ليه عملت كده !
احتفظ بالرد لدقيقة.. ثم قال صراحة
أنا مافكرتش لما خدته من الست الدجالة دي. افتكرت إنهم سمموكي. فكرة إني خسرتك للأبد مقدرتش أقبلها. قلت مش هاسيبك لوحدك. إللي يسير عليكي لازم يسير عليا.. أنا عمري ما اتحطيت في اختيار. بس
إنهاردة حاسس إني اتخيرت ما بينك و بين هالة. جت في بالي دلوقتي حالا. لو وقفت جمبك دلوقتي منغير قيود تمنعني عنها. هاسيبها هي وهاختارك انتي. انا أصلا اخترتك يا إيمان. اخترتك !
و فجأة رآى البريق العسلي لعيني المها خاصتها امتلأت عيناها بدموع السعادة و ارتفعت أناملها ملامسة وجهه و هي تقول بصوت مثقل بالعاطفة
و أنا ماحبتش غيرك. و لا عمري اتخيلت حياتي غير معاك.. انت حياتي يا مراد ...
كانت تلوح قبلة في الأفق خاتمة حديثهما الحميمي لولا ظهور أدهم عند مدخل الغرفة متنحنحا
مش قادر أصدق إني بتعامل مع اتنين متهورين و مضطر أستحملهم زي أخواتي طول عمري !
نظرا كلا من أدهم و إيمان إليه ابتسما له و قال مراد
قدرك إننا اخواتك فعلا. لكن انت مش مضطر تستحمل تهورنا. أنا شخصيا هاعفيك من ده قريب جدا
عبس أدهم متسائلا
اشرح من فضلك !
نظر مراد إلى وجه زوجته ذي التعبير المستغرب و أجاب
أنا قررت أخد إيمان و لمى و أرجع بيهم على لندن. هانعمل فريش ستارت كلنا.. إيه رأيك يا إيمي
رفرفت إيمان بأهدابها قائلة
مش عارفة. أنا عمري ما فكرت إني أسيب هنا و أسافر !
مش هاتكوني لوحدك. أنا و لمى معاكي. و ماما و بابا و تيتة نازلي.. هناك هانبدأ من جديد. هانأسس حياتنا و عيلتنا الكبيرة. و أكيد هانزور هنا كل فترة. صدقيني التغيير ده هاينفعك. هاينفع لمى كمان. هانبعد عن أي حاجة ممكن تضايقنا
صمتت إيمان بتفكير ليقطع أدهم حبل أفكارها قائلا
أنا شايف إن مراد عنده حق. سفرك هو الحل الوحيد لمشاكلك كلها يا إيمان.. بيقولوا الإنسان مش ممكن يبقى كويس في المكان إللي تعب فيه. انتي قدامك فرصة تغيري حياتك. أنا بشجع قرار مراد !
ابتسمت إيمان دون أن تعطي موافقة نهائية ...
و في هذه اللحظة انضمت طفلتها برفقة أمينة إليهم و ركضت لمى رأسا إلى أحضان أمها باكية
مامي !
مامي. أنا آسفة. أنا ماكنش قصدي. تيتة راجية ...
خلاص يا لمى ! .. قاطعتها إيمان بحزم لطيف
شددت ذراعيها من حولها مضيفة برفق
أنا عارفة كل حاجة. و مش زعلانة منك.. مش زعلانة يا حبيبتي
ابتعدت لمى قليلا لتنظر في وجه والدتها قائلة و دموعها تجري فوق خديها
أنا مش هعمل كده تاني. و هاسمع كلامك انتي و بابي مراد.. أنا بحبك يا مامي
أحاطت إيمان وجهها بكفيها متمتمة بحب جارف
و أنا بحبك يا روح أمك. بحبك أوي !
و عادت لتضمها مرة أخرى أمام نظرات السعادة المحيطة بهما من العائلة
أخيرا.. اكتملت العائلة !
يتبع الخاتمة ....