رواية جديدة جامدة الفصول من الرابع وعشرون للسادس وعشرون بقلم الكاتبة الرائعة

موقع أيام نيوز

مش عارفة...مش عارفة..
بينما يزيد استأذن من أحد زملائه أن يقف مكانه فالصدمة فاقت احتماله و لم يعد قادرا على الصمود بصورة طبيعية و حمد الله أن يوم عمله قد أوشك على الإنتهاء...ترك مكانه و جلس بأحد المكاتب الخاصة بقسمه يحاول السيطرة على مشاعره المتضاربة شوق حب ڠضب غيرة يود لو ينهال على وجهها بالصڤعات ليفرغ بها غضبه المستعر بصدره كالچحيم..ثم يأخذها بين أحضانه حتى يروى اشتياقه لها.
ظل على هذا الحال قرابة الساعة إلى أن تسلم منه زميله البديل المناوبة و عاد سريعا إلى شقته فى حالة يرثى لها.
عندما عادت أثير إلى منزل منى...نعم منى مديرة دار الأيتام استقبلتها بفرحة عارمة و جلسوا بغرفة الصالون بعدما تناولوا العشاء جلسوا يتسامرون قليلا بينما كانت أثير شاردة تماما...تجلس على غير هدى و كأنها جالسة على جمر ملتهب.
لاحظتها منى فسألتها باستغراب
مالك يا أثير...قاعدة مش على بعضك كدا ليه!
سكتت لوهلة ثم نظرت ل عمر قائلة بجدية
أنا عايزة أروح ل يزيد دلوقتي يا دكتور عمر.
طالعها باستنكار و هو يقول
دلوقتي يا أثير!!..و هتروحيله بمناسبة إيه!
أجابته بعينين ملتمعتين بالدموع
أنا قلبى حاسس إنه افتكر ان فى علاقة بينا..خاصة ان احنا جايين لوحدنا من غير المدام و الأولاد...لازم أصححله الاعتقاد دا و أفهمه كل حاجة و احكيلة على كل حاجة حصلت ف السنة و نص دول...لازم يفهم انى منسيتهوش لحظة...انا مش ههدى و لا هرتاح و لا هعرف أنام غير لما يعرف كل حاجة..لو مكنتش شوفته النهاردة مكانش دا هيبقى حالى...انا كنت مخططة إنى هقابله بس مش بالسرعة دى...بس بصته ليا النهاردة اللى كانت كلها برود و احتقار قتلتنى و حسستنى إنى خلاص خسرته للأبد..
ردت منى بإشفاق
طاب يا بنتى ارتاحى النهاردة من السفر و بكرة الصباح رباح..
لا يا ماما منى...مش هقدر أتحمل لبكرة...و بعدين هو بيروح شغله بالنهار و بيخلص بالليل.
رد عمر
طاب انتى عارفة هو عايش فين!
احنا هنروح الشقة اللى كنت عايشة معاه فيها يمكن يكون لسة مقيم فيها... انا عارفة إنى دايما بتعبك معايا بس اوعدك دى هتكون آخر مرة أشغلك فيها او أتعبك. 
أجابها بعتاب 
متقوليش كدا يا أثير انتى أختى... و انتى تستاهلى كل خير. 
يعنى هتيجى معايا دلوقتي نروحله. 
اوكى يلا بينا..
ما إن وصل شقته و فتح بابها و ولج إلى الداخل حتى ارتمى على أقرب أريكة يستعيد تلك الصدفة الغريبة...اذن انها كانت بمدينة أسوان و هو كان كالأحمق يبحث عنها فى القاهرة...و لكن كيف و لما ذهبت إلى تلك المدينة بالذات!...أتت صورتها الجديدة الفاتنة أمام عينيه فابتسم بتلقائية رغما عنه و لكن سرعان ما انكمشت ملامحه پغضب حين تذكر تبسمها لذلك الشاب...ثم نفض تلك الأفكار عن رأسه و نهض ليبدل ملابسه و يتناول عشائه.
بمجرد أن انتهى من تناول الطعام دق جرس الباب فظن أنه زايد فقد أخبره أنه سيعود من البلدة هذا المساء و لكنه استغرب الأمر لأن زايد لديه نسخة من المفاتيح و لكنه فى الأخير فتح الباب.
تجمد جسده حين رآهما يقفان أمامه و أول ما ورد بخاطره أنها جائت تطلب منه الطلاق...ألهذه الدرجة لا تتحمل الانتظار...لم يفت على مجيئها من السفر أكثر من ساعتين.
أفسح لهما المجال للدخول و هو يقول بوجوم
اتفضلوا..
دلفت بخطى مترددة بصحبة عمر و دلفت مباشرة إلى غرفة الصالون..فهى بالطبع تعرفها.
جلس كل منهم بمقعده و ظل يناظرهما ببرود و جمود رسمهما على ملامحه ببراعة ادارت أثير دفة الحديث قائلة بتوجس
يزيد دا الدكتور عمر ابن ماما هدى مديرة دار الأثير للأيتام...احم...أنا لما سيبتك و جيت القاهرة روحتلها بيتها و حكتلها على اللى حصل معايا من ساعة ما مشينا أنا و انت من عندها و طلبت منها تساعدنى و هى أقنعتنى إنى أعيش معاها فى البيت لأنها كانت قاعدة لوحدها و الدكتور عمر ابنها مقيم فى أسوان و بينزل أجازات كل كام شهر كدا هو و المدام و الأولاد...و وعدتنى انها مش هتقولك على مكانى لحد ما اهدى و اخد قرار..
لما دكتور عمر نزل أجازة و انا كنت عايشة معاها اتعرفنا على بعض و ماما منى حكتله كل حاجة عنى..فهو اقترح عليا أسافر معاه و أشتغل فى المستشفى الإستثمارى بتاعته اللى ف أسوان...و فعلا سافرت معاه و اشتغلت مديرة قسم الحسابات فى المستشفى بحكم خبرتى و شهادتى... هو أقنعنى كتير إنى أعيش معاهم فى شقته بس أنا رفضت و سكنت مع الدكاترة البنات المغتربات فى سكن المستشفى... كلهم تقريبا صعايدة من الأقصر و قنا و سوهاج... علمونى عاداتهم و كلامهم و كمان اتعلمت منهم الطبخ بالذات الأكل الصعيدى اللى بيتعمل بالتوم...
استرسلت بابتسامة مرحة علها تكسر جموده
انت مش شايف تخنت ازاى...أهو كله بسبب الأكل الصعيدى.
لم تتغير ملامحه كثيرا...بل ازداد ڠضبا و سخطا...فرغم كل ما قصته له إلا أنها لم تبرر له هروبها و لم تعتذر و كأنها لم تفعل خطأ يذكر بل كشفت له كم أنها أكملت مسيرتها و حققت ذاتها بدونه... أصابها جموده بالإحباط الشديد فرد عليها بنبرة خاوية و ملامح جامدة
اممممم...كويس..و انتى جاية ليا ليه بقى!..جاية تقوليلى انجازاتك اللى حققتيها بعيد عنى!
احتلت الصدمة ملامحها من رده الچارح و أجابته بنبرة حزينة
أنا جيت أطمنك عليا و أعرفك أخبارى.
ابتسم بسخرية قائلا بتهكم و هو يرفع حاجبيه
و الله!..لسة فاكرة تطمنينى عليكى بعد سنة ونص!...لا بصراحة عداكى العيب.
تدخل عمر فى الحوار ليخفف من وطأة التوتر
اسمحلى أتدخل يا يزيد بيه...يا ريت تعذر أثير...هى اتحطت فى موقف صعب..هى ممكن تكون اتسرعت فى قرار الهروب دا بس كان لازم تاخد هدنة.
نهض من مقعده بانفعال و هو يهدر پغضب
تاخد هدنة سنة و نص!!...و من غير ما اعرف عنها أى خبر يطمنى عليها!..مفيش أى كلام ممكن يتقال يخلينى أسامحها على اللى عملته.
نهضت الأخرى و وقفت قبالته تناظره برجاء و استجداء و هى تقول
يزيد مهما كنت أقولك مكنتش هتحس بكمية القهر اللى كنت حاسة بيها...
تمام...يا رب تكونى أحسن دلوقتي.
رمقته بإحباط فيبدو أنه لن يعفو عنها بهذه السهولة و لكنها أقرت بنفسها أنها لن تتوانى عن طلب العفو منه..إن لم يكن الآن فسيكون لاحقا...يكفيها أنها قد اوضحت له الصورة حتى لا يظن بها ظنا خاطئا.
نظرت ل عمر و هى تهز رأسها بيأس و كأنها تقول له لا فائدة..فنهض عمر من مقعده و قال باحترام لينهى الجلسة
طيب يا يزيد بيه...احنا هنسيبك ترتاح دلوقتي و أكيد هنتقابل تانى ان شاء الله..
اومأ له باحترام و هو يقول
اكيد طبعا...اتشرفت بمعرفة حضرتك..
اوصلهما إلى باب الشقة و قام بتوديعهما و لكن ظلت نظرات يزيد و أثير متعلقة ببعضها البعض و قد لاحظهما عمر فحمحم بحرج قائلا 
طيب يا أثير أنا هستناكى تحت ف العربية... بعد إذنكم... 
خرح من الشقة و أغلق الباب خلفه فكانت أثير تقف خلف الباب تماما و يزيد يقف
تم نسخ الرابط