رواية كاملة قوية الفصول من التاسع للثاني عشر بقلم الكاتبة الرائعة

موقع أيام نيوز

 الفصل التاسع
أنا حسن حاتم حسين العدوي قبلت زواج موكلتك الآنسة منى نصر الدين عبد الله البكر الرشيد على كتاب الله وسنة رسوله ومذهب الإمام أبي حنيفة النعمان وعلى الصداق المسمى بيننا..
رفع المأذون المنديل الأبيض من فوق يدي حسن ونصر المتعانقتين وهو يبارك لهما الزواج الميمون وشرع في اكمال بيانات كلا العروسين بينما تقدم يزيد ومعه أحد أعمام منى ليمهرا وثيقة الزواج بتوقيعهما كشاهدين للعقد..

وتعالت الزغاريد في أرجاء البيت بل في أرجاء الحارة التي تسكنها منى وقد شاركت سيدات المنطقة بالفرحة التي انبعثت من منزل العروس الذي قام حسن بتزيين واجهته بعناقيد ملتفة من الأنوار الملونة كما اعتاد أهل المنطقة في أفراحهم.. وأقيمت خيمة كبيرة في وسط الحارة.. اصطفت بها عشرات المقاعد وتلألأت بداخلها الأنوار الباهرة وتناثرت باقات الزهور.. وفي صدر الخيمة أقيمت كوشة للعروسين وقد زينت بأكملها بوريقات الفل الأبيض وعدد لانهائي من المصابيح المتلألئة الصغيرة.. وقد تعالت الأغاني الخاصة بالأفراح وامتزجت مع أصوات الزغاريد المتناثرة من بيوت الحي..
ما أن انتهى المأذون من اجراءات الزواج وأغلق دفتره ليصطحبه يزيد للخارج حتى نهض حسن بقوة حتى بدا وكأنه يقفز من مكانه وتوجه نحو عم نصر مخاطبا اياه برجاء
عمي.. هي منى هتتأخر.. كنت عايز أبارك لها.. و..
قطع جملته ارتفاع صوت الزغاريد مرة أخرى وابتسامة السعادة والفخر ترتسم على وجه نصر وهو يتجه نحو ابنته التي وقفت على عتبة غرفتها وقد ارتدت ثوب الزفاف الذي اختاره لها حسن وأرسله لها صباح اليوم..
أخذ حسن يتأملها وهي تتقدم نحوه وقد تأبطت ذراع والدها.. وهي ترفل في ثوبها الخلاب الذي احتضن صدرها والتف حوله في ثنايات رقيقة من قماش التول الأبيض وزين خصرها حزام من الألماس لتسترسل تنورة الثوب في طبقات عديدة من نفس التول الأبيض الرقيق الذي تناثرت عليه العديد من حبات الألماس البراقة.. كان الثوب عاري الصدر والذراعين ولكن منى تمكنت من وضع شال من الشيفون الأبيض لتغطي به ما ظهر من صدرها وظهرها..
تحركت قدما حسن بلا إرادة منه لتتجه نحو ملاكه الرقيق.. حلمه الذي كاد أن يفلت من بين أنامله.. لم يصدق نفسه وهو يقف أمامها.. ووالدها يسلمها له.. وهو يوصيه بالمحافظة عليها... لم تكن أي من كلمات نصر تصل إليه.. فهو كان هائما في عيون مليكته بعد أن رفع الطرحة عن وجهها وظل لثوان عديدة يتأمل جمالها النقي والرقيق.. فقد التزم طاقم التجميل الذي اتفق معه بكل أوامره ولم يسرفوا في زينة وجهها.. بل اهتموا بإبراز روعة وجمال عينيها بالكحل العربي الأسود.. فاظهروا اتساع عينيها الفاتن وهام هو في براءة نظراتها التي التقت بنظراته للحظات قبل أن تخفض عينيها أرضا هربا من الشوق العاصف بعينيه.. وطليت شفتيها بطبقة رقيقة من أحمر الشفاه الوردي والذي أضاف براءة لشفتيها اللاتين كانت تمضغهما بتوتر فجذبا نظره كالمغناطيس وهو يحلم بامتلاكهما تلك الليلة.. وسرح بصره نحو خصلاتها الداكنة التي أنطلقت على كتفيها وظهرها في تعرجات خفيفة تناديه ليجري أنامله بها... وكاد أن يضمها لصدره پجنون لولا صوت نصر الذي أخرجه من هيامه
مش هتبارك لعروستك ولا ايه يا حسن يا بني!
الټفت إليه بإحراج ثم اقترب ليطبع شفتيه فوق جبهة منى هامسا
مبروك علي يا منى..
توردت وجنتيها بشدة تحت وطأة نظراته العاشقة والتي كانت تلتهم ملامحها الرقيقة حتى لكزه يزيد بخفة وهو يهمس له
خف شوية يا بني.. الناس عينيها عليكوا..
تنحنح حسن ليخرج نفسه من حالة الهيام التي أصابته وتحرك ليتأبط ذراع منى ويتحركان معا خارج الشقة وسط الزغاريد والأغاني حتى وصلا إلى الكوشة المعدة لهما في صدر خيمة الزفاف..
أمسك حسن بيد منى وهو يضغط عليها برقة
مبروك يا حبيبتي.. أنا مش مصدق نفسي..
تلعثمت منى وتعثرت الكلمات على شفتيها ولكنها كانت تريد أن تسأل.. أن تعرف.. فأخرجت نفسها من حالة الخجل التي تصيبها بها نظراته وسألته بصراحة
حسن.. ايه اللي حصل مع ني...
وضع إصبعه على شفتيها
هشششش.. خلاص الليلة دي بتاعتنا.. مش عايز أفكر في أي حاجة..
أزاحت أصابعه برفق وهي تهمس بتوسل
عايزة أفهم..
تفهمي ايه بس..
وأخفض عينيه قليلا
أنا عملت اللي كان المفروض يتعمل من زمان.. حتى أقل من اللي هي تستحقه على اللي عملته معاك.. بس للأسف في ظروف قيدتني..
قال كلمته الأخيرة بخفوت وهو يتذكر نظرات الألم في عيني شقيقه وهو يتابع ما كان يدور على مائدته هو ونيرة..
همس لنفسه..
اللعڼة.. لولا نظراتك تلك يا مازن لنالت تلك المتكبرة ما تستحقه.. آه لو أعلم ماذا بها لتعشقه..
أفاق على لمسة بسيطة من منى وهي تسأله
ووالدك..
هز رأسه
ما تشغليش بالك يا منى.. أرجوك خلينا نعيش أحلى ليلة.. ده أنا ما صدقت..
أخفضت منى عينيها بخجل وهمست
عايزة أطمن..
ضغط على يدها برقة
اطمني.. طول ما أنا معاك اطمني..
جلست علياء على السور العريض لشرفة غرفتها وهي تمسك دفتر الرسم الكبير.. وأخذت أناملها تتحرك بمهارة لتشكل لوحة لملامح يزيد..
حيرتها تلك النظرة التي تلمحها بعينيه مؤخرا.. خليط من الڠضب والتوق والذنب والشوق مع عاطفة أخرى لم تستطع تحديدها ولكن أناملها سجلتها بمهارة لتبدأ معالم وجهه في الظهور على الصفحة البيضاء.. فأخذت تحرك أناملها عليها بحب وتتلمس الدمعة الماسية المعلقة بعنقها بيدها الأخرى.. 
منذ أسبوع كامل..
أسبوع كامل لم يحاول رؤيتها أو الاتصال بها..
تساءلت بحيرة إن كان يشتاق لها أو يفكر بها كما تتحرق هي شوقا حتى لسماع صوته الذي ضن به عليها فهو حتى لا يجيب على أي من مكالماتها..
لا تعرف بماذا تفسر ما يصدر منه نحوها.. فهو يقربها ليعود لإبعادها مرة أخرى ولكنه تلك المرة إلتزم بكلمته تماما وابتعد نهائيا ولم يحاول رؤيتها ولو مرة..
هل رخصت نفسها له.. وسلمت بسهولة لذلك أقبل لينال كل ما تمنحه له بسخاء.. هل صحيح سيتمم زواجه بريناد مثلما أخبرها..
لقد صدمها في الواقع فهي لم تتخيل بعد تلك العواصف التي يثيرها بها أن يصمم على اتمام زواجه.. هل كان يتلاعب بها.. أم أنها كانت تسلية متاحة.. هل سيعود مرة أخرى ليغوص بها لبحار حبه.. أم أنه ابتعد تلك المرة إلى الأبد...
أخذت أناملها تداعب ملامحه المرسومة وهي تتساءل بحيرة عن مشاعره.. وإن كانت نظرة التوق التي تلمحها في عينيه حقيقية أم لا..
تكاد تجزم أنها لم تلمحه ولا مرة واحدة يرمق ريناد بتلك النظرة.. ولكن ماذا تعرف هي عن لحظاتهما المنفردة معا..
لم تعرف أن في تلك اللحظة بالذات كانت ريناد ترمق يزيد بتأمل وهي تسأله
مالك يا يزيد.. أنت متغير اليومين دول..
أنا متغير!!.. لا أبدا بيتهيألك... أنت عملت ايه في الفيلا.. خلصت ولا لسه..
شهقت بقوة
خلصت.. خلصت ايه.. أنت مش عارف أني طول الأسبوع ده كنت مشغولة بحفلة حسن صاحبك.. وبعد كل التعب والمجهود اللي عملته.. يطلع كان عامل الحفلة عشان يفركش خطوبته..
ازدرد
يزيد لعابه بتوتر
ايه اللي أنت بتقوليه ده.. هي مش نيرة رمت له الدبلة قدامك وقدام الناس كلها..
هتفت به
تم نسخ الرابط