رواية كاملة قوية جدا الفصول من الحادي والثلاثون للخامس وثلاثون بقلم الكاتبة الرائعة

موقع أيام نيوز

وجهها المبتهج دائم الابتسام وبات شاحبا تحيط بعيناها الهالات السوداء .. كانت ترفع شعرها لأعلى في تسريحتها المعتادة لتتركه ينسدل على ظهرها ذيل طويل .. مرتدية بنطاله الأبيض الواسع واعلان كنزة بحمالات عريضة وفوقها جاكت جينز واسع في الذراعين يعطيها شكل لطيف مقارنة بجسدها المتناسق .
كانت عيناها تائهة تحدق في الفراغ پضياع وشريط ذكريات حياتها المأساوية يمر أمامها كفيلم سينمائي .. وسؤال واحد يدور في ذهنها تستمر في طرحه هل سأفقدها هي أيضا !! .
فجأة التقطته عيناها .. لا تعرف كيف رأته هل ظهر من العدم أم أنه كان يقف منذ وقت ولم تلاحظه .. اتسعت عيناها في دهشة وړعب لكن اوهمت عقلها بأنها مجرد تخيلات ولا وجود له .. كان يرتدي بنطال جينز ضيق يناسب جسده الرفيع وفوقه جاكت أسود اللون يغلق سحابه حتى رقبته وفوق رأسه قبعة يرتديها كنوع من أنواع التخفي .. لكن تلك القبعة لم تخفيه عنها .. فتلك النظرة التي بعيناه لن تتمكن من محوها أبدا .. حتى تلك الندبة التي في يسار وجنته لا تتمكن القبعة من إخفائها .. وما أكد لها أنه حقيقة عندما عبر أحد من جواره واصطدم بكتفه .. لم يهتز ولم يحيد بنظراته الثاقبة والمخيفة عنها بل بقى ثابتا كالصخر بأرضه .
ابتلعت ريقها بتوتر وارتيعاد ملحوظ فوق قسمات وجهها ثم استقامت واقفة فورا والتفتت برأسها حولها تبحث عن آدم لكن لا وجود له .. ازداد خۏفها واضطرابها أكثر وباللحظة التالية كانت تندفع بين الطاولات تهرول داخل المستشفى لتختبأ منه وعيناها تستمر في التجول حولها بحثا عن آدم .
على حين غرة اصطدمت بجسدها به فارتدت للخلف وكادت أن تسقط لولا يده التي التقطتها واعادت توازنها .. كانت ستنطلق منها بين شفتيها صيحة عالية في هلع ظنا منها أنها اصطدمت بذلك الذي تحاول الهرب منه لكن هدأت أنفاسها المتسارعة ودخلت السکينة لقلبها فور رؤيته لتزفر بقوة وتهتف بزعر ملحوظ  
_ إنت روحت فين !! 
تفحص معالم وجهها باستغراب وغمغم بهدوء  
_ كنت برد على التلفون يامهرة .. حصل إيه مالك  
هزت رأسها بالنفي تجيبه بخفوت ورأسها تستمر بالتلفت حولها في خوف  
_ محصلش حاجة أنا جيت اشوفك بس لما لقيتك اتأخرت 
أمسك آدم بوجهها وثبته عليه في اتجاهه ليهتف في لهجة شصارمة  
_ بصيلي يامهرة في إيه مالك .. بتبصي حواليك پخوف كدا ليه !! 
علقت عيناها بخاصته الخضراء في لحظة وسرعان ما عادت لوعيها تقول بطبيعية مزيفة  
_ مفيش حاجة صدقني .. خليك معايا بس ومتسبنيش 
ابتسم آدم بساحرية وتمتم في خفوت جميل  
_ ما أنا معاكي أهو هو أنا سبتك !! 
بادلته الابتسامة بأخرى مرتبكة وبعد ثواني كان هو يتحرك نحو الطاولة بعد أن أشار لها بعيناه أن تأتي .. فهرولت مسرعة خلفه تسير بجواره شبه ملتصقة به كطفل صغير يحتمى بوالده وعيناها تتجول في كل بقعة بحثا عن صاحب القبعة لكن لا أثر له .
لاحظ آدم تصرفاتها الغريبة والتصاقها به كنتيجة لخۏفها من شيء لا يعلمه فانتظر حتى جلسوا فوق مقاعدهم حول الطاولة وهتف بجدية  
_ في حاجة حصلت وأنا مش موجود يامهرة .. شوفتي حاجة أو حد يعني !! 
لم تنتبه لكلماته بسبب انشغالها بالتجول بنظرها بحثا عنه في استغراب فقد كان يقف هناك للتو كيف اختفى بهذه السرعة .. عاد آدم يهتف في غلظة صوته القوى  
_ مهرة !!! 
انتفضت وعادت بوجهها لجهته تنظر له ببلاهة قبل أن يتمكن عقلها أخيرا من ادراك ما سمعه للتو فتهتف في نفى تام وثبات متصنع  
_ لا مفيش حاجة يا آدم صدقني 
_ امال بتبصي حواليكي وبتدوري على مين كدا ! 
مهرة مخترعة كڈبة حتى تستطيع الفرار من حصاره  
_ أصل شوفت واحدة صحبتي اعرفها ودلوقتي مش لقياها .. بس شكلي شبهت عليها ومش هي 
آدم بنظرة شبه مستنكرة وثاقبة كالصقر  
_ صحبتك !! 
أدركت أن كذبتها لم تجدي بنفع معه وأنه كشفها لكنها اكتفت بابتسامتها المضطربة واسرعت تلتقط مشروبها ترتشفه بهدوء وعيناها تتجول بكل مكان عدا وجهه تتفادى النظر إليه عمدا كأنها تتهرب من نظراته التي تخترقها ! .

سارت باتجاه غرفة مكتبه الخاصة تحمل بيدها كأس ماء ممتلئ وباليد الأخرى اقراص لعلاج الآم الرأس .
فتحت الباب في بطء ودخلت ثم أغلقت الباب خلفها واقتربت منه بخطواتها الرقيقة حتى جلست بجواره فوق الأريكة ومدت يديها بكوب المياه والاقراص .
كان هو يضع ذراعه فوق عينيه المغلقة بسبب الألم القاسې الذي يضرب برأسه منذ استيقاظه من النوم وعندما احس بوجودها أزاح ذراعه وفتح عيناه يحدق بها وبيديها الممدودة بالماء والعلاج .
جلنار في لطف  
_ خد العلاج ده هيخفف ألم الصداع شوية 
عدنان باستغراب ونظرات دقيقة  
_ وإنتي عرفتي منين إني عندي صداع ! 
جلنار ببساطة  
_ واضح ياعدنان وطبيعي جدا يجيلك صداع شديد بعد الحالة اللي رجعت بيها امبارح البيت 
مد يده يلتقط اقراص الدواء ليبتلع واحدة منها ثم يجذب كوب المياه ويرتشفه كله دفعة واحدة فوق الدواء ثم نظر لها وتمتم بنبرة لينة  
_ شكرا 
سكتت للحظات طويلة حتى تفوهت بهمس ناعم ورقة امتزجت بمعالم وجهها العابسة  
_ مكنتش اقصد
الټفت برأسه تجاهها وتطلعها بحيرة لبرهة حتى أدرك مقصدها فتنهد وابتسم مغمغما  
_ مكنتيش تقصدي في إي بظبط .. في إنك مبتحبنيش ولا ....
قاطعته وتابعت بخفوت  
_ في كلامي عموما ياعدنان .. يعني كنت متعصبة ومش عارفة أنا بقول إيه ! 
مال بوجهه عليها حتى لفحت أنفاسه الساخنة صفحة وجهها وتطلع في عيناها بتدقيق شديد هامسا في فحيح مربك  
_ ليه ! 

لم يبتعد رغم ملاحظته لتوترها .. بل اقترب أكثر ليتلذذ بذلك الاضطراب الذي نادرا ما يراه على وجهها وأردف بهمس رجولي يذيب البدن 
_ كنتي متعصبة ليه ياجلنار .. سألتك لو أنا عملت حاجة ضايقتك مني ومردتيش عليا .. فحابب اعرف كان إيه سبب عصبيتك !
توترت بشدة وفرت الكلمات من عقلها فلم يسعفها لسانها للتفوه بأي كلمة .. وتطلعت بعيناه البندقية الثاقبة في لحظات من غياب العقل المؤقت .. تبدو نظراته قاسېة لكنها تحمل الحنو والعاطفة في ثناياها .. تلك المشاعر تراها للوهلة الأولى بعينيه التي طالما كانت متحجرة وجامدة كمشاعره وقلبه .. لا تدري هل عقلها هو الذي يرسخ تلك الأفكار به بسبب ذلك الاعتراف أم أن ما تراه حقيقي بالفعل ! .
تم نسخ الرابط