رواية كاملة قوية جدا الفصول من الحادي والثلاثون للخامس وثلاثون بقلم الكاتبة الرائعة

موقع أيام نيوز

مني بيعصبني .. أنا مش فريدة اللي هتستحمل لمستك ليها بالرغم من إنها كانت مش بتحبك .. أنا مش قادرة اسامح ولا استحمل باختصار لأن حتى أنا مش بحبك
رأته ساكن تماما أمامها ونظراته ثابتة بالرغم من الدمار التي خلفته كلماتها المسمۏمة داخله إلا أنه أظهر لها عدم تأثره وبقى صامدا كالصخر يكتفى بصمته وقناع جموده المزيف الذي يخفي ورائه دماءا ټنزف وقلبا ېتمزق أربا ...
وكأنها أدركت قساوة الكلمات بعدما خرجت منها أو بالمعنى الأدق بعدما هب الطوفان وقضى على الأخضر واليابس .. ابعدت نظرها عنه واندفعت مسرعة نحو الحمام تختبأ به من كل شيء حتى من نفسها تاركة العنان لدموعها بالاڼهيار فوق وجنتيها بحرية ! .
بعد ما يقارب النصف ساعة بدلت ملابسها بالحمام وغسلت وجهها وهدأت ثم خرجت من الحمام فوجدت الغرفة فارغة لا أثر له بها .. تسمرت بأرضها للحظات في تفكير .. وكان أول مكان حثها عقلها على الذهاب إليه هو الشرفة .. فهرولت إليها مسرعا ووقفت تتطلع إلى الأسفل تتفقد الحديقة تحديدا مكان سيارته .. وحين لم تجدها أصدرت تأففا مرتفعا في خنق وندم على ما تفوهت به بعدم وعي منها ! ....

يقود بسيارته وسط منازل تلك المنطقة الشعبية .. لا يعرف كم عدد المرات الذي دخل فيها تلك المنطقة .. كانت الشوارع هادئة والمنازل مظلمة ولا يوجد أحد سوى القليل جدا أما أحد عائد من عمله أو شباب يجلسون مع بعضهم يقضون سهرتهم .
وأخيرا توقفت سيارته أمام منزلها وكان السكون التام يهيمن على الشارع الذي تقطن به بالأخص حيث نزل من السيارة متلفتا حوله بتعجب من هذا الهدوء بينما هي فنزلت من ورائه وتحركت نحو بنايتها تدخلها بخطواتها الضعيفة .. فلحق هو بها للداخل .
وقفا أمام باب الشقة فأخرجت المفتاح ووضعته في القفل ثم فتحت الباب ودخلت أولا ثم تبعها هو .. وعيناه جعلت تتجول بجميع أرجاء المنزل الصغير والبسيط .. الأثاث كان كلاسيكيا أقل من درجة البساطة حتى والوان الحوائط بيضاء مائل لونها للأصفرار قليلا .
استفاق على صوتها المبحوح والضعيف  
_ خمس دقايق بالكتير وهرجعلك استناني هنا
هز رأسه بالإيجار في ابتسامة لينة بينما فهي فابتعدت وسارت تجاه غرفتها حتى دخلت وأغلقت الباب .. تحرك آدم نحو تلك الأريكة الصغيرة نسبيا وجلس فوقها وبقى يحدق في اللاشيء أمامه بصمت حتى وقعت عيناه على صورة موضوعة داخل حافظ الصور الزجاجي .. فاستقام واقفا والتقطها يحدق بها بابتسامة ساحرة .. كانت الصورة تجمعها هي وسيدة متقدمة في العمر وأدرك أنها جدتها المړيضة .. كانوا أمام شاطيء البحر وهي ترتدي بنطال جينز ومن الأعلى كنزة بحاملات عريضة وتترك شعرها يتطاير حولها بفعل نسمات الهواء ويديها تلفهم حول رقبة جدتها تضمها منها إليها بشكل لطيف .
انتهت مهرة من تبديل ملابسها وخرجت من الغرفة تتجه نحو الحمام لتغسل وجهها .. كانت بحاجة لحمام دافيء وكامل لكنها لا تستطيع أخذه بوجوده معها بالمنزل .. هي أساسا جاءت شبه مجبرة بعدما أصر عليها بأن تذهب للمنزل وتبدل ملابسها وتأكل وترتاح قليلا ثم تعود مرة أخرى للمستشفى .. ورفض تركها بمفردها بهذه الحالة المزرية فجاء معها حتى يطمئن .
تقدمت تجاهه بعدما خرجت من الحمام وابتسمت بأسى وعينان دامعة حين رأته يمسك بصورتها هي وجدتها  
_ دي تيتا ! 
الټفت برأسه لها وابتسم بحنو ثم غمغم في ثقة  
_ إن شاء الله هتقوم بالسلامة اطمنى 
اقتربت منه أكثر حتى وقفت بجواره تماما وتطلعت بالصورة التي بين يديه تهتف في مرارة وألم  
_ تفتكر ! 
آدم بجدية وحزم بسيط بعدما رأى عيناها تمتلأ بالدموع من جديد  
_ أنا متأكدة مش افتكر يا مهرة .. بعدين احنا مش اتفقنا هنمسك نفسنا ومفيش عياط تاني .. إنتي من شايفة عينك بقى شكلها إزاي من كتر العياط !! 
مهرة بضعف يراه بها لأول مرة منذ تعارفهم  
_ ڠصب عني يا آدم كل ما اتخيل إنها ممكن متفوقش منها مش بقدر استحمل .. أنا مليش غيرها 
بتلقائية مسك كفها كموع من بث الطمأنينة والقوة في نفسها  
_ هتفوق بإذن الله مټخافيش .. ولو محصلش أي تطور في حالتها الصحية لغاية بكرا الصبح هخليهم ينقلوها مستشفى تاني خاصة عشان تكون تحت عناية واهتمام افضل 
رفعت أناملها الواهنة تجفف دموعها وتتطلعه بلمعة مشاعر مختلفة وابتسامة ممتنة هامسة  
_ متشكرة أوي بجد يا آدم أنا مش عارفة اشكرك إزاي على وقفتك جمبي 
ضغط على كفها متعمدا يبتسم بعبث بسيط ويغمغم في مداعبة جميلة  
_ أنا مش بعمل كدا عشان تشكريني .. ومكنتش هقدر اسيبك أصلا في الظروف دي الصراحة .. معرفش ليه بس أول ما عرفت إنك في المستشفى جيت فورا 
سارت باتجاه الباب هامسة في ابتسامة منطفئة 
_ مكنتش اعرف إني مهمة أوي كدا !! 
رفع يده يحك عنقه بتفكير ثم يسير خلفها متمتما بمداعبة لطيفة حتى يخرجها من مود الحزن قليلا  
_ لا مش اوي يعني .. ممكن تعتبريها جدعنة مني 
اكتفت بتلك الابتسامتها المنطفئة التي تظهر فوق ثغرها دون أن تجيب وفتحت الباب حتى يغادروا وفور خروجه أغلقت الباب جيدا ثم نزلوا واستقلت بالسيارة معه من جديد ليعود بها لجدتها ! ...

بصباح اليوم التالي .......
كانوا جميعهم حول طاولة الطعام أخيرا بعد غيابه لسنوات عنهم هاهو يعود ويشاركهم الطعام من جديد والحديث والضحك وكل شيء كما اعتادوا .
لكن منذ أن عاد بالأمس واستقبلته أمه وشقيقته بالسعادة والعناق والترحيب الحار وسط بكائهم وفرحتهم بعودته لهم إلا أنهم شعروا بأن به شيء غريب وكأنه شيء عكر مزاجه وانتشل البهجة من على وجهه .
والآن يجلس فوق مقعده يتناول الطعام بصمت .. بالواقع بل هو يعبث بصحنه دون أن يأكل ..مما أصاب أمه بالدهشة والقلق التي تبادلت النظرات مع ابنتها بحيرة ثم قالت تسأله باهتمام  
_ هشام ياحبيبي مش بتاكل ليه !! 
لم يرفع نظره عن الصحن إلا حين أجاب على سؤالها بسؤال آخر كان له أثره عليهم هم الاثنين  
_ خبيتي عليا ليه أنها اتخطبت يا ماما !
توقفت شقيقته عن مضغ الطعام الذي بفهمها وثبتت نظرها على أخيها بدهشة وقلق من ردة فعله بينما أمها فابتلعت ريقها بتوتر وغمغمت بخفوت 
_ محبتش ازود همك ياحبيبي احنا عارفين كويس إنت سافرت ليه أساسا فمكنش ليه داعي اقولك وازيد ۏجع قلبك 
هشام پغضب بسيط وصوت مرير  
_ أنا راجع عشانها .. كنت هسيب كل حاجة ورايا ومش ههتم بأي شيء .. وكنت ناوي اطلب أيدها .. وامبارح لما عديت عليهم وشوفتها شوفت الدبلة في أيدها .. فكرك كدا إني ارتحت بالعكس حسيت بسكاكين في قلبي ياريتك قولتيلي قبل ما آجي
انفلعت أمه وصاحت پغضب وألم 
_ آه اقولك عشان تغير رأيك ومتجيش .. إذا كان إنت بنفسك بتقول رجعت عشانها .. مقولتلكش ياهشام وخبيت عنك ولو رجع بيا الزمن هعمل كدا تاني
ثم استقامت واقفة وهرولت مسرعة للداخل
تم نسخ الرابط