رواية مهمة زواج بقلم دعاء فؤاد ج3

موقع أيام نيوز

قام بفرد سجادة الصلاة ليؤدي صلاته و بعدما انتهى تمدد بجوارها ثم أخذ يتأملها قليلا و صديقه آسر و فقدانه لحبيبته مازال يحتل تفكيره واتته مشاعر غريبة لم يختبرها من قبل حين تخيل أنه يمكن أن يفقدها شعر بأن قلبه يكاد ينخلع من موضعه ان حدث معه ذلك... فأغمض عينيه يستعيذ بالله من تلك الوساوس.. و دعى ربه بألا يذيقه مرارة الفقد... فمذاقها أمر من الحنظل. 
مسد على شعرها الذي لم يعشق منها سواه حتى الآن ثم انحنى ليزيح تلك الغرة الكثيفة التي غطت جبينها حتى حاجبيها ليظهر له ذلك الچرح الصغير ثم لثم جبينها ببطئ وأخذ يتمتم بهمس و هو مازال يمسد على شعرها 
ربنا يخليكي ليا يا ندى.. 
ترك شعرها ثم عاد لينام بالطرف الآخر تاركا بينهما مسافة مناسبة احتراما لرغبتها... أو يمكننا القول رأفة بخجلها... فهو يدرك جيدا مدى حيائها و أنها لم تعتاده بعد.
انقضى يوما حافلا بالأحداث المصيرية ليأتي يوما جديدا ينتظر أبطالنا ربما تنقلب به الموازين...
في محافظة سوهاج.... 
استيقظ معتصم بعد ليلة قضاها في نوم متقطع لا يشبع ولا يسمن من جوع فقد سيطرت ريم على تفكيره و احتلت كيانه بالكامل... رغما عنه كان يتذكر أحداث تلك الليلة حين كانت بين ذراعيه و حين نزل على ركبتيه أمامها.. شخصيته الصارمة التي تحولت إلى شخص آخر لا يعرفه.. لا يدري متى ظهر ذلك الجانب الحنون منه.. و لما ظهر لها هي بالذات!.. لم تكن الأولى بحياته... فقد مررن به الكثيرات و من هن أشد منها جمالا... فحتى زوجته رغم جمالها الفتاك و قوامها المثير لم تحرك فيه ما حركته تلك القطة المتمردة...ماذا فعلت به و من أين ألقاها عليه القدر... 
كنتي مستخبيالي فين يا ريم.... أنا كنت عايش و مزاجي حلو ولا كان في دماغي حب و لا شوق ...جيتي قلبتيلي كياني كله.... يا ريتني ما شوفتك ولا عرفتك.
و كانت تلك آخر فكرة واتته ثم بعدها غفى حتى أشرقت الشمس و تسلل نورها عبر ستائر غرفته لتداعب جفنيه اللذان استجابا سريعا لها و استيقظ و كأنه لم ينم قط.
بعد حوالي نصف ساعة كان معتصم يجلس بجوار أمه بأريكتها المفضلة يقص عليها ما حدث ليلا أثناء نومها و بالطبع أخبرها بوجود ريم و مارتينا بالمضيفة.. 
أباااه يا ولدي... كيف جلبهم طاوعهم يسرجوا ضيوف الكبير...كانهم مفكرين راح ينفدوا بعملتهم الواعرة.. 
ربت معتصم على فخذها و هو يقول 
باينهم أغراب يامايا...ماهو محدش من البلد يتچرأ يعمل العملة دي...بس أني هعرف كيف أتوبهم. 
قاطع مجلسهم الخفير سمعان مقبلا عليهما و هو يلهث و بيده حقيبة سوداء ثم قال بنبرة مفتخرة 
ربطهم في مزرعة المواشي مع البهايم كيف ما أمرت يا كبير. 
حانت من معتصم ابتسامة واثقة ثم هتف بقوة 
و فين اللي سرجوه! 
ركض سمعان اليه واضعا تلك الحقيبة على الطاولة الرخامية أمام كبيره 
دياتي يا كبير... الدهبات و الفلوسات و حتى التلفونات... كله رچعته يا كبير. 
أومأ معتصم بفخر 
عفارم عليك يا سمعان... انت اكده صوح دراعي اليمين... عدي ع المزرعة انت و الرچالة اللي كانو امعاك و كل واحد فيكم يختارلو نعچة على كيفه.. و خود الفلوسات دي فرجوها علي بعضيكم.. 
قالها و هو يستخرج رزمة من المال من جيب جلبابه فأخذها سمعان و هو يقبل يد معتصم فسحبها سريعا و هو يقول 
استغفر الله.. دي حجك انت و الرچالة اللي تعبت.. يلا روح و متنساش تسيب
حد عينه على الكلبين دول.. و فيشي أكل ولا شرب لحد ما افكر هعمل ايه وياهم.
أومأ سمعان و هو يكاد يطير من الفرح بتلك الغنيمة التي حصل عليها بينما السيدة ام معتصم أخذت تتطلع الى ولدها بفخر و اعجاب ثم ما لبثت أن قالت بتأثر 
كاني شايفة الحاچ حمدان البدري الله يرحمه هو اللي جاعد جدامي دلوق... مخابش ظن ابوك يوم ما جالي انك خليفته من بعده في البلد دي. 
ابتسم معتصم تأثرا بإطراء أمه ثم انحنى يقبل ظهر كفها و هو يقول 
ربنا يخليكي ليا يامايا...أني دايما أجولك هذا الشبل من ذاك الأسد.. و بعدين أني من غير وچودك چاري مسواش حاچة.. 
مسدت على شعره بحنو ثم أخذت تدعو له بدعواتها التي تدمع العين من شدة اخلاصها و خشوعها و هو يؤمن خلفها. 
عم عليهما صمتا وجيزا قطعه معتصم بقوله 
بجولك يا امايا... يعني لما الضاكتورة ريم تصحى واچب تجعدي وياها و تعزميها هي و زميلتها على شبكة حمد و صافية الليلة طالما هيشرفونا في الدوار اليامين دول. 
ابتسمت السيدة بمغذى فهي قد لمست اعجابه بها رغم عدم اظهاره لذلك ثم قالت بجدية 
من غير ما تجول يا ولدي.. اني كنت ناوية على اكده.. زي ما جولت ده واچب.. و احنا الواچب ميفوتناش واصل. 
تنهد بارتياح ثم استل هاتفه لكي يوقظ شقيقه... فاليوم حافل و لا بد من تجهيز الدوار استعدادا لتلك المناسبة الهامة. 
بدأت ملامح والدته بالعبوس و كأنها تذكرت شيئا سيئا ليهتف بها معتصم بقلق بعدما استشعر حزنها المفاجئ 
مالك يامايا!... انتي شربتي دوا الضغط النهاردة! 
أومأت و هي تقول بملامح واجمة 
مټخافيش يا ولدي... أني زينة. 
لاه يامايا... شكلك ميطمنش واصل. 
تطلعت إليه و قد غشت الدموع عينيها الأمر الذي جعل قلبه يكاد ينخلع من موضعه ثم قالت بصوت متحشرج 
كان بدي الخطوبة دي تكون خطوبتك انت... انت ولدي البكري و أول فرحتي.. كيف يعني الصغير يتچوز جبل الكبير.. اني مخبراش راسك اللي كيف الحديد دي عتلين ميتى يا معتصم. 
أغمض عينيه يهدئ من ضربات قلبه التي تسارعت من فرط القلق ثم أخذ نفسا عميقا بعدما رسم بسمة مصطنعة على شفاه ثم قال بمزاح 
يا ولية وجعتي جلبي في رچليا.. بس اكده!... بجى هو ده اللي خلى الهم يغير ملامحك الزينة دي! 
تطلعت إليه بحنق فهو دائما ما يقلل من أهمية ذلك الأمر فضحك اثر تلك النظرة المغتاظة ثم حاوط كتفيها بذراعه و هو يقول بنبرة مقنعة 
ياما انتي خابرة إني مفاضيشي للچواز و مسؤلياته... أني ملاحجش على المزارع و الاراضي و مشاكلها اهنيه دا غير مشاكل أهل البلد و الجعدات العرفية اللي كل يوم و التاني بنعملوها في المضيفة.. غير بجى شركتي و مصنعي اللي ف بحري... مين اللي هتحمل دي كله يامايا...
همت لتقاطعه بينما هو سبقها ليقول 
اني خابر ان دي مش حچة.. بس على الأجل استني هبابة يكون حمد اتچوز و اهو بدأ يشيل عني كتير في الشغل اهناك... يعني خلاص هانت يامايا. 
جففت عينيها ثم تحدثت بنبرة جاهدت أن تبدو صارمة 
هستنى هبابة يا معتصم... بس مش راح استنى كتير... نفسي أشيل ولدك جبل ما أجابل وچه كريم.. 
احتضنها بحب و هو يردد 
بعيد الشړ عنيكي يامايا.. و الله جريبقريب... جريب جوي يا تاچ راسي. 
وعدها و حينها تمثلت أمام عينيه صورة ريم و كأنها أتت لتقول له أنا قدرك فابتسم بحالمية شاردا بها و مازال يسند رأس أمه الى صدره.
بعد قليل ترك أمه و ذهب الى المزرعة حيث اللصان اللذان احتجزهما هناك... 
قام بجلدهما على ظهرهما العاريان بالسوط بقسۏة حتى أخذا يعتذران منه بتوسل و لكنه أبى أن يطلق سراحهما ثم تركهما مربوطي الأيدي و عاد مرة أخرى إلى الدوار ليجد ريم تجلس بمكانه بجوار أمه و مارتينا تجلس بكرسي قريب منهما. 
أقبل عليهم محاولا الحفاظ على صرامته أمامها فيبدو أنه قد فقد الكثير من هيبته أمامها بالأمس الأمر الذي أثار ضيقه البالغ.. 
بمجرد أن اقترب منهم هبت ريم واقفة لتقول برقة قبل أن يتفوه بأي شيئ 
معتصم بيه أنا متشكرة أوي على ضيافتك لينا و انك رجعتلنا الحاجات اللي اتسرقت مننا... بس بعد اذنك عايزة الموبايل بتاعي عشان أكلم أدهم عشان أعرفه اني راجعة القاهرة النهاردة. 
قطب جبينه باستنكار ثم سألها بثبات 
و مين جال انك هتعاودي القاهرة النهاردة! 
بدأت أعصابها تثور فيبدو أنه سيعاندها أو سيجبرها على أمرا لا تريده ثم صاحت بحدة طفيفة 
أنا اللي قولت..و افتكر قولتك امبارح اني مش هقعد في البلد دي تاني..
رد عليها بنفس نبرة صوتها 
و انا مجولتش انك هترچعي القاهرة... أنا استجبلتك اهنيه في الدوار لحد ما أرچعلك حجك.. و شغلك في الوحدة هتكمليه. 
مش من حقك تقرر اذا كنت أكمل شغلي ولا لأ. 
لا من حجي... أني كبير البلد دي.. و مفيش حاچة بتتم من غير موافجتي..
أنا لا يمكن ادخل المكان دا تاني...بعد اللي حصل مستحيل. 
معناته ايه الكلام ده!..مفيش مخلوج في البلد عرف باللي حوصل... و مش هسمحلك تشوهي شكلي وسط ناسي... انتي لو سيبتي الوحدة الكلام هيكتر في البلد.. عايزة تچرسيني وسطيهم!.. عايزاهم يجولو الكبير مجادرش يحمي ضيوفه!
ربعت ذراعيها أمام صدرها لتقول بنبرة ذات مغذى 
آاااه قول كدا بقى... انت كل اللي هامك شكلك و منظرك في البلد.. انما أنا عايزة ايه أو هكمل شغل ازاي في مكان مش حاسة فيه بالأمان دي مش مشكلتك... مش كدا! 
سكت معتصم يريد أن ينفي ما تقوله.. يريد أن يقر لها بأنه يخشى فقدانها... أنه سيفتقدها بعدما امتلكت قلبه... أنه سيشتاق لها ان ابتعدت عنه.... و لكن نهوض أمه من مكانها أنقذه.. فقد قامت تربت على كتف ريم تهدئها و هي تقول 
يا بتي احنا اتعودنا عليكي و فراجك يعز علينا.. و بعدين لو على الأمان معتصم هيأمن الوحدة و هيدج حديد على الشبابيك و الابواب و هيسيبلك هناك غفر يحرسوها كمان بالليل و بالنهار. 
همت لتعترض لكن مارتينا لم تعطيها الفرصة فقد أحبت وجودها معها في الوحدة لتقول باستعطاف 
خلاص بقى يا ريم... أنا واثقة و متأكدة ان اللي حصل دا مش هيتكرر تاني.. معتصم بيه قد الدنيا و استحالة يسمح بحاجة زي دي تتكرر... و بعدين انتي عايزة تمشي و تسيبي اختك الغلبانة لوحدها!
عبست ملامحها بضيق لتقول
مارتينا أدهم لو عرف اللي حصل استحالة يوافق اني أكمل هنا...هو أصلا من الأول مكانش راضي أستلم شغلي في الصعيد و كان بمعارفه قادر ينقلني في أي مكان أختاره بس أنا اللي أصريت أخوض التجربة...و يا ريتني كنت سمعت كلامه من الأول.
ضړبت ام معتصم على صدرها بخفة لتقول بعتاب
باه يا ضاكتورة...و هو احنا جصرنا وياكي يا بتي!..دا احنا الود ودنا نشولوكي فوج راسنا.
عادت لتقول باعتذار
لا طبعا يا حاجة انتو مقصرتوش أبدا..أنا بس خاېفة أخويا ياخد مني موقف لو عرف.
تدخل معتصم ليقول بنبرة قاطعة
مالكيشي صالح بخيك.. أني هكلمه اعتذرله عن اللي حوصل وياكي ليلة امبارح و متحمليشي هم حاچة واصل.
تنهدت ريم بقلة حيلة لتهز رأسها بإيماءة بسيطة كناية عن استسلامها لكلامهم فاتسعت
بسمة الحاجة ام معتصم و كاد معتصم
تم نسخ الرابط