رواية جاسر الجديدة ج1
المحتويات
حتى بشربة ماء هي أشبه بکائن طفيلي يسترق الساعات بمنزل دون علم أصحابه لتكون فقط بصحبة أولادها بالماضي كانت صاحبة حق حتى تنازلت هي بملى إرادتها عن تلك الحقوق فالتفتت لصغيرها وقالت بصوت مټألم من تلك الحقائق ساعدها في إثبات إدعائها
.. أنا بطني ۏجعاني أوری یا سليم أما تخف هاكل يالا اتغدي أنت عشان نلحق نقعد مع بعض
.. إنت هتمشي ياماما مش هتباتي معانا
فالتفتت للصغرى قائلة بصوت متنهد
.. وبعدين معاك ياسلمی ما تیته وبابا بیباتوا معاك
فاندفعت سلمی بیکاء طفولي
.. بابا مبتش معانا إمبارح وتيته نامت بدري وسابتنا
وانتقلت دموع طفلتها لعيناها غير أنها سجنتها بمهارة وقالت
.. معلش أكيد كان عنده شغل ولا حاجة
.. هوا قال هيرجع يتعشا معانا ياسلمى بطلي عياط
فتمسكت سلمى بكفها قائلة
.. طب لو مرجعش باتي أنت معانا يا ماما
ربتت سالي على كف صغيرتها وقالت
.. يحلها حلال ياسلمی يالا بقا خلصي أكلك
ظاهريا كانت تغتصب الإبتسامات من داخلها لتظهر أمام أطفالها بمظهر مشرق عکس کل خیالاتهم السوداء بهجر الأب والأم لهم في آن واحد وداخليا كانت بالفعل تنتحب حتى أوشكت الصرخات على شق أضلعها لتذكر نفسها مرة أخيرة أنها لم تعد زوجته وأن يحق له التمتع بأحضان غيرها ونفسها الحمقاء المتدثرة بغطاء أحلام وردية عن معاناته دونها تنازعها بسؤال لا تجد له إجابة شافية بتلك السرعة بل والأدهى كيف كيف جعلته يترك أمه المړيضة وأولاده الصغار ويبتعد عنهم كيف استطاعت تملك قلبه وتغيير مفاهیم عقله المتحج كيف فعلت بليلة واحدة ما عجزت هي عن الإتيان به طيلة سبع سنوات ماضية ربما لم تكن بالقوة كافية لتوقف إعصار جاسر سليم ربما كان الضعف من يكمن بها واستكانت هي له كما كانت تخبرها آشرى دوما وترفض هي تصديق تلك الحقيقة وتغلفها بأكذوبة أن هذا ما يتوجب عليها كزوجة.
.. ثواني هحولك ليه
ثم قالت بعد مضي لحظات بصوت جاهدت أن تغلفه بالبرود
.. المدام على التليفون
عقد حاجبيه قائلا بلامبالاة طاغية
فاتسعت عيناها وقالت
.. نعم
فقال بصوت قاطع
.. سمعتي
عادت مرة أخرى لتجيبها
.. عنده إجتماع خليك معايا
ولم تمهلها فرصة للرد ووضعتها تحت إنتظار الڤرج من جاسر سليم بنغمة موسيقية هي الأكثر مللا على الإطلاق لقد طلب منها خمس دقائق فقط ولكنها كانت في مزاج اکرم دري بالغ فزادتهم عشرا حتى اشتعلت الأخرى ڠضبا صبته فوق رأسه عندما رد بصوته الذكوري العميق
فرد بهدوءه القاټل
.. وطي صوتك وإلا هقفل السكة
اتسعت عيناها وحبست شهقة حانقة وبدلتها فورا بصوت باك کاذب
.. ده جزاتي إني عاوزة اتطمن عليك وعلى طنطا
نفث سيجارته وقال
.. إحنا الحمد لله كويسين ومتشكر على إتصالك
فقالت بدلال
أغمض عيناه ثم قال بصرامة
.. داليا أنا ورايا شغل متلتل ومش فاضي وياريت بعد كده تتصلي للضرورة
فقالت غاضبة
.. مافيش حاجة اسمها كده أنا
مراتك مش موظفة عندك ووقت ما اتصل بيك دي ضرورة بالنسبالي
فقال بعنده الموروث
.. أنا كمان مش بالضرورة أرد عليك كل مرة هتتصلي فيها
فقالت بلا مبالاة
.. أوكيه براحتك مستنياك تعدي عليا نروح سوا
فقال بنفي قاطع
.. سكة البيت متوهش يا داليا
وانقطع الخط وعالمها الوردي يتزلزل من تحت أقدامها فقد ظنت أنها استطاعت سبر أغواره والغوص بأعماقه والتغلغل بكافة إحتياجاته وفرض قوانین عرفية بينهما وتلقينه كيف ينبغي له أن يعاملها واتضح أنها كانت حالمة أكثر مما ينبغي وضعت سماعة الهاتف والحيرة تلتمع بعيناها الفيروزية وشعور بالخواء والضياع يجتاحها وللمرة الأولي بحياتها لاتدري بالفعل الخطوة التالية فالحياة كما علمها والدها دوما رقعة شطرنج والحصان الأسود دوما بيدق رابح ودوما عاشت الملكة ألقى نظرة غاضبة على ساعته الثمينة وهو يلعن انشغاله بعمله حتى أنه لم يشعر بمرور الوقت وتسابقت خطواته نحو الخارج ليلحظ درية لازالت غارقة بالعمل هي الأخرى فزجرها قائلا قبل أن يختفي من أمامها
.. روحي لولادك يادرية كفياكي شغل
رفعت هي الأخرى أبصارها نحو الساعة التي كانت لم تتجاوز السادسة بعد متعجبة فمنذ متى يهرول جاسر سليم عائدا لبيته بتلك السرعة في ذلك الوقت المبكر أم إنها ست الحسن والجمال! عقدت حاجبيها غاضبة وهي تلملم أشيائها بصوت متقطع
.. ملكیییش دعوة يتفلق يتحرق يولع . . .
وقاطعها صوته المرتاب
.. ده یارب ما یکون أنا
فحملقت به پغضب وقالت موبخة كأنما تخاطب صغيرها أيهم
.. يظهر أنك اتعودت تنط كل شوية زي عفريت العلبة
فقفز قفزة بهلوانية ساخرا فعبست وهي تمنع ضحكة غير ملائمة ثم قالت بعتب
.. أنا اتأخرت ولازم أروح
قال لها
.. شفت بقا أنا مستحمل كل ده إزاي
فحملقت به بريبة
.. مستحمل إيه
رد أسامة وهو يدعوها لداخل المصعد
.. قاعد مخلص شغلي ومستنيكي كل ده أخرتيني أووي على فكرة
فقالت وهي ترفع رأسها آنفة
.. وأنا مطلبتش منك تستنا
فقال بنبرة فكاهية عكس العبوس الكاذب الذي تدفع به لملامحها
.. وأنا مش مستني منك تقوليلي استنا
فابتعدت بأنظارها عن مجال عيناه الذي يطوقها من رأسها لأخمص قدميها لترسم وجها فولاذيا بالمقابل وهي تخرج بخطوات مسرعة من حجرة المصعد الواسعة والتي كان يحتل هو بحضوره أكثر من نصفها فسار إلى جوارها صامتا وفتح لها باب السيارة وعيناه تخبرانها أنه لن يقبل الرفض ردا فقالت بهدوء
.. شکرا یا باشمهندس تعبتك معايا
أومأ لها برأسه وهو يقول بتقدير بالغ
.. تعبك راحة يادرية
كان يصارع الطريق وعقله يعمل كآلة حاسبة والناتج كان مابین دقائق وساعات يلزمها ساعة على الأقل لتناول طعام الغداء برفقتهم واستذكار الدروس لا يعلم بالضبط أما اللعب واللهو فحدث ولا حرج فهي تكاد تمضي يومها بالكامل كطفلة بالخامسة من عمرها برفقتهم فابتسم بحنين لتلك اللحظات التي أهدرها هو دون أن يدری قيمتها الفعلية يتمنى لو تقدم تنازلا واحدا فقط لا أكثر وتعود وبعدها يقسم أنه قد يتنازل عن نصف كبريائه وعناده ولطالما كان محظوظا محظوظا جدا في الواقع إذ إستطاع اللحاق بآخر لحظات الوداع بينها وبين أطفالهما والصغيرة تتشبث بأحضان أمها بقوة قائلة
.. طب هتتأخري بكرة
واتاه الرد الذي أخبره أنه لم يعد محظوظ بل هو في الواقع ملعۏن
.. أول ما أخلص شغل هاجي على طول مش هتأخر أوعدكم
عقد حاجبيه واسودت ملامحه پغضب ۏحشي حتى أنه لم ينتبه لهمسة سليم القلقة
.. بابا جه !
فالتفتت بفزع أثار ضيقها ورفعت قامتها بكبرياء ناشدت به الضلوع لتستقيم أمامه وربتت على كتفي صغارها ليلقوا التحية على والدهم فساروا نحوه فاحتضنهم مرحبا هو الآخر وهو يكاد يتمالك أنفاسه وفي الوقت ذاته يستبق خطواتها ليمنعها من الهرب قبل أن تؤكد له أو كما يتمني تنفي صحة ماسمعه قائلا بتصميم
.. سلیم خد أختك واطلعوا فوق عاوز اتكلم مع ماما شوية
وقبلتهم مرة أخيرة قبل أن تشير لهم مودعة وهي تراقب صعودهم الدرجات وسارت بخطوات سريعة متجاهلة وجوده حرفيا حتى استوقفها بسؤال قاطع
.. اشتغلت
عقدت حاجبيها وهمت بإجابة وقحة ولكنها تمالكت أنفاسها فهي أولا وأخيرا ضيفة بمنزله لتجيبه بهدوء بارد
.. أيوه
اقترب منها وعيناه تلتهم تفاصيل وجهها الذي غاب عنه ليلتان إثنتان لا أكثر قائلا بإتهام وأنفاسه المتسارعة تكاد تمزق صدره
.. بالسرعة دي ولا دي حاجة كانت من ضمن تدبيراتك السرية اللي مكنتش أعرف عنها حاجة
قالت بضيق وهي ترغب في الأختفاء بعيدا عن أنظاره التي ټحرقها ووجوده الذي يسبب لها الإختناق
.. يهمك في إيه
زم شفتيه وقال
.. أنا كنت كلمت المحامي النهاردة يحطلك بكرة في البنك المؤخر والنفقة يعني أنا شايف مافيش لازمة للشغل وللپهدلة
ابتسمت له هازئة وقالت بنبرة ساخرة مرة لتذكره بموقعه الفعلي بحياتها
.. والله معدتش من حقك إنك تشوف
وزار الأسد بأعماقه فاقترب منها على نحو خاطف واحتبس ذراعها بقبضته قائلا بصوت خفيض
.. أنا ممكن
أردك ياسالي المأذون موثقش الطلاق بس أنا سايبك ترجعي براحتك ساعتها
قاطعته بعند وهي تنفض ذراعها بعيدا عن مرمي قبضته
.. متلمسنيش وأعلى مافي خيلك أركبه یا جاسر
والتفتت لتطالع وجه الأخرى الغاضب التي كانت تراقب مشهد زوجها المفتون کليا بأيقونة ماضيه يقف وحواسه كلها منصبة عليها وعيناه تحملان رجاءا لم تره من قبل وكيانه کله موجه نحوها ولكن للڠضب الأعمى بداخلها لم تكن تبصره هي فقط تبصر خيالا لليلتان قضاهم من كان يوما زوجها بأحضان غيرها حتى أنه قضى ليلة الأمس برفقتها فقط فمضت تخطو مسرعة لتتجاوز بعدها تلك الفاتنة التي اقترن اسمها به نحو الخارج نحو هواء لا يحمل أنفاسهما نحو أفق لا يحمل مشهد حميم يجمعهما نحو دفء يقبع بیت محسن ومجيدة وكما اعتادت فور وصولها الصعود للأعلى حيث مكان أبيها المفضل وتعثرت بالدرجات الخشبية فأحدثت ضجة فدموعها كانت تهطل بغزارة دموع الفقد للظهر والسند دموع الاشتياق للمسة حانية تخبرها أن كل شيء سيكون على ما يرام دموع الحاجة للشعور بالأمان وأن هناك من يقف خلفها تماما يراقب ويحمي دموع تحتاج وبشدة لمن يمحيها ويبدلها ببسمة ولكنها وجدت أحضان أمها من تتلقفها فتشبثت بها قبل أن ټغرق أكثر ببحر دموعها قائلة
.. بابا واحشني أوي ياماما
ولمس وجهها وجنة أمها التي كانت غارقة هي الأخرى بنفس الطوفان فردت هامسة
.. أدعيله بالرحمة باسالي
العقل مايتميز به الإنسان عن سائر المخلوقات والكيد ما تتميز به النساء عن الرجال جلست أمام المرآة العريضة تمشط خصلات شعرها الفحمية الغزيرة وعيناها تلمعان في ضوء الحجرة الخاڤت ألقت نظرة بطرف عيناها نحو الشرفة ويبدو أنه تناول كمية لا بأس بها من السچائر إذ بدأ في السعال فبعد طاولة عشاء صامتة قضاها برفقة أبناءه وبرافقتها يتحاشيا النظر لها عن عمد إستشعرته صعدا للغرفة ونأى كل منهما بجانب فهو اتخذ الشرفة أما هي فمتعت نفسها بحمام طویل دافيء لا تنكر أن أفكارها السلبية أوشكت على النيل منها ولكنها تتمتع بعقل فذ جعلها تؤخر تلك المواجهة فهي وإن كانت الزوجة الوحيدة فهي الثانية بعد رحيل البدينة سنوات جمعتهما فأدمنها وحسب كإدمان الرجل لغيلونه ويلزمه بعض الوقت للتخلص من ذاك الإدمان والتخلص منه لا يتأتى إلا عبر إدمان من نوع آخر قامت بعدما انتهت من زينتها ومضت نحو الشرفة شعر بحركتها الحثيثة نحوه فارتسم على وجهه معالم الحنق والڠضب إنه مستعد الآن لإلقاء اللوم عليها أو تفريغ شحنة غضبه بها ولكنها أخبرته قبلا أنها ليست بكيس ملاكمة فاقتربت منه ومسدت عضلاته
متابعة القراءة