رواية مريم القصول من 31+35
المحتويات
لم تغفل عن رؤية بصيص من الڠضب بعينيه رغم إنه تظاهر بالعكس لكنها لم تنخدع و في نفس الوقت تركته لعله يفصح لها من تلقائه كما يفعل أحيانا
لكنه جلس معها و مع الصغار و انشغل قليلا بمجالسة إبنة أخته و التهوين عليها لفراق أمها ثم جاء ليقوم و يصعد إلى شقته استوقفته أمه
على فين يا ادهم
إلتفت أدهم ناحية أمه حيث رأها تهدهد صغيره المفضل إليه عبد الرحمن.. عبس قليلا و هو يرد عليها
هزت أمينة رأسها و أعربت عن ترحيبها بطلبه على الفور
لأ يا حبيبي أقدر عليهم كلهم ماتقلقش. لمى بقت كبيرة و بتسمع كلامي. و الولاد كمان مش بيتعبوني خالص. هما أول مرة يباتوا عندي ! .. و ابتسمت قائلة بلهجة ذات مغزى
لاحظ أدهم ما ترمي إليه أمه تماما لكنه تركها تظن ما تريد و ابتسم لها بخفة ثم استدار ماشيا للخارج ...
صعد إلى شقته في غضون دقيقة واحدة أقفل الباب ورائه و استنشق نفسا عميقا ثم توجه صوب الرواق المفضي إلى الغرف أستل مفتاح غرفة النوم من جيبه و دسه بالقفل دون تردد
لم يضطر للبحث مباشرة فقد رآها تجلس بمنتصف الفراش ضامة ساقيها إلى صدرها ما إن أطل عليها حتى وثبت قائمة لكنه تعمد الإعراض عنها كليا حتى عندما مر من جانبها ماضيا نحو الخزانة فتحها و أخرج منها بعض الثياب له بينما تراقب ما تفعله باستغراب ...
أدهم. انت بتعمل إيه ! .. سألته بصوت مثخن بآثار البكاء
الولاد هايقضوا الليلة دي مع أمي و انا هانام في أوضتهم. من بكرة هالم كل حاجتي من هنا و هافصل نفسي عنك !
برزت حدقتاها بشدة و هي تقول بجزع واضح
يعني إيه هاتفصل نفسك عني. هاتروح فين يا أدهم و تسيبني !
شقتي فيها 3 أوض غير مكتبي. الليلة دي هانام في أوضة الولاد و من بكرة في أوضة المكتب لغاية ما أجهز الأوضة التالتة و أنقل فيها. انتي بقى اعتبري الأوضة دي هي مساحتك الخاصة. أوعدك إني مش هقرب من خصوصياتك
بعد إنهاردة و لا هازعجك !
و أقفل الخزانة موليا إلى خارج الغرفة ذهب رأسا إلى غرفة مكتبه و أشعل الضوء فكانت سلاف في إثره تماما تمشي خلفه و هي لا تكف عن الهتاف
يلقي أدهم بكومة ثيابه فوق إحدى الطاولات و يفرك ما بين عينيه بارهاق واضح و هو يقول ببرود
من فضلك اطلعي برا. أنا تعبان و عاوز أنام عندي شغل الصبح بدري !
لم تستجيب لطلبه بل و جاءت لتقف أمامه مخضبة الوجه و قالت بشيء من الانفعال
مش هاطلع. انت بتعاقبني يعني. مع إنك انت الغلطان. انت مديت إيدك عليا. القلم إللي نزل على وشي من إيدك ده أنا عمري هنساه. أنا محدش عملها معايا قبل كده و لا حتى بابا. جيت انت إنهاردة و أهنتني بالطريقة دي !!
نظر إليها الآن شادا على فكيه بشدة بذل جهدا كبيرا ليكظم غيظه نتيجة كلامها المستفز من الذي تلقى الإهانة
هي أم هو
من الذي أهان الآخر يا ترى !!
خلاص ! .. دمدم أدهم بحدة سافرة
أنا بعتذر لك على الإهانة. و عشان تضمني إنها مش هاتحصل تاني. بكرة هانقعد و هانصفي كل إللي بينا. لو عاوزة تطلقي هاطلقك. و ماتقلقيش هاتاخدي كل حقوقك حتى حقوقك في الولاد. مش هاظلمك نهائي ...
تجعدت قسماتها بتعابير الصدمة و هي تنظر إليه غير مصدقة ما قاله غمرها خوف عظيم لأول مرة منذ النهار الذي فارق أبيها فيه الحياة شلت حركتها حتى تتمكن من استيعاب كلماته عبثا
بينما يضيف أدهم ملقيا بنفسه فوق أحد كراسي المكتب
و دلوقتي اتفضلي برا. وخدي الباب في إيدك لو سمحتي !
كان الموقف چنونيا بالنسبة لها لم تقدر على التحمل من داخلها حتى برزت الدموع بعينيها ...
استدارت نحوه بغتة ركعت بجوار الكرسي الذي يجلس عليه حبت على ركبتيها خطوتين لتقترب منه أكثر حضنت ساقه و أراحت رأسها فوق قدمه تاركة لدموعها العنان و هي تقول بلهجة کسيرة
أنا آسفة. أنا غلطانة. سامحني أنا ماكنتش أقصد اقولك كده. أنا لو عيشت عمرين فوق عمري مش هالاقي راجل زيك.. أدهم. انت حبيبي !
طال صمته بينما تبكي في هدوء تلتمس منه العطف و هو لأول مرة يبخل عليها فترفع وجهها المغطى بالدموع إليه لعل قلبه يرق لها
لكنه لا يحرك ساكنا نفس النظرة القاسېة من عينيه الحادتين يسددها إليها ثم قال أخيرا بصوت أجش
هاستعمل نفس جملتك.. ابعدي عني يا سلاف !
إنقبض قلبها و تضخم حلقها سادا الطريق لمرور الكلمات لكنها كافحت لتقول و هي تقبض على يده الملقاة في حجره بشدة
يبقى انت عمرك ما فهمتني يا أدهم. عمرك ما فهمت حبيبتك إللي كنت دايما بتهتم بيها و بتراضيها. إللي كنت ماتسيبهاش تنام زعلانة مهما حصل ...
و حنت رأسها ثانية لتقبل يده مطولا ثم عاودت النظر إليه عبر دموعها و هي تضيف بصوت يمزقه النحيب
أنا عمري ما قصدت كده. كل مرة كنت بقولك أبعد. كانت معناها ماتبعدش. كانت معناها قرب. و انت كنت بتفهم ده.. لأول مرة ماتفهموش يا أدهم !!!
في هذه اللحظة لم تؤثر فيه معاناتها إذ تجسدت أمام عينيه المشادة بينهما و ترددت أذنيه كلماتها المهينة لرجولته فمد جزعه للأمام و التقت يده اليمنى بمؤخرة رأسها أخذ حفنة من شعرها الأشقرو شدها
برفق حتى برز وجهها كله أمام عينيه القاسيتين ...
و عندما فتح فمه مرة أخرى لم يشفق عليها و هو يقول
مين قال إني مافهمتش. لكن المرة دي غير يا سلاف. المرة دي انتي قولتيها في وشي. و مش هاتتمحي من الذاكرة أبدا.. أنا إنهاردة عرفت إني بالنسبة لك مش الزوج المثالي. عرفت إني مش مكفيكي. و مش بعرف أسعدك و كمان خانق عليكي.. بعد كل إللي قولتيه ده. أبقى مش راجل فعلا لو خليتك على ذمتي !
و أفلتها فجأة لتسارع قائلة بدفاع
لأ. أنا ماكنتش أقصد كل إللي بتقوله ده. أنا كنت عصبية بس. و أي كلام قلته ماكنتش مركزة فيه !!
بس طلع من جواكي. يعني ماقولتيش غير الحقيقة !!!
و قام واقفا لتقوم بدورها و تحاول القبض على نظراته لكنه لا يسمح لها فتلقي بذراعيها من حوله مطوقة عنقه بقوة و هي تقول بنبرة متوسلة
لأ يا أدهم. دي مش الحقيقة. و انت عارف كده كويس. أنا بحبك. مقدرش ابعد عنك لو بعدت عنك أموت !!
أغمض عينيه بشدة و فك ذراعيها من حوله بحزم قائلا
اطلعي برا يا سلاف. أنا مش قابل منك أي كلام. مش عايز أشوفك أصلا قصادي. بكرة نبقى نتكلم.. اطلعي برا لو سمحتي !
أحست بالهزيمة الآن و كان آخر شيء تريده أن تتركه لكنها أذعنت لأمره و استدارت خارجة من مكتبه مطأطأة الرأس أقفلت بابه كما أشار إليها و فجأة صارت وحيدة تماما ...
وقفت بمنتصف الرواق تنظر في ثلاث جهات.. غرفة نومها غرفة أطفالها غرفة المكتب !
لعلها كانت فكرة خاطئة مكوث الصغار الليلة عند جدتهم فأمهم بحاجة إليهم الآن في غياب والدهم من عساه يخفف عنها وطأة الهجر !
إنها تخاف الآن لا تعرف شيئا سوى الخۏف.. الخۏف ...
ما أسرع خروجه من ملابسه و ما أبطأها هي إنه يقف الآن نافذ الصبر نصف عاريا بسروال أسود عند غرفة تبديل الملابس المجاورة لحوض السباحة الكبير ينتظرها لأكثر من خمس دقائق
زفر مراد مطولا و اقترب من وحدة القياس ليتفقد درجة حرارة المياه فعلى الرغم من إنهم بفصل الربيع و لكن الجو هنا بهذه البلاد في شيء من البرودة و خاصة في الليل لذلك شغل نظام التدفئة بحوض السباحة و ضبطه على معدل متوسط
يتناهى إلى سمعه الآن صوت فتح باب فليتفت خلفه ليراها.. اخيرا !!!
إنه بالتأكيد لم ينظر لعينيها كما جرت العادة دائما أكثر ما كان يحبه فيها عينيها و لكنه الآن يرى أشياء فيها تعادل جمال عينيها لا يمكنه إلا أن ينظر إليها ...
واو ! .. همس مراد و هو يقف يحدق فيها مبهورا
و كأنه يراها على هذه الشاكلة للمرة الأولى إنه بالفعل تجاوز الحدود معها مرتين حتى الآن و كان بينهما تاريخ من الغزل الصريح و التلامس العرضي و أيضا المباشر
لكن هذه المرة يشعر بأنها جديدة عليه و لكنها جديدة بشكل يفوق العقل
هل هذه امرأة تزوجت لأربع سنوات و أنجبت مرة
هل هذا حقا جسد امرأة خاضت تلك الحياة !
لو تعلم زوجته إن لها جسدا كالچحيم و تبدي أمامه بعض الخجل الآن !!!!
إيمان ! .. تمتم مراد و هو ينظر بطول جسمها من أسفل حتى لاقى عيناها
انتي إزاي عندك بنت !!
كان سؤالا غير متوقع حقا و ما جعلها تسترخي قليلا أمامه ضحكت بهدوء و مشيت إليه متهادية بأنوثتها التي أفتقدتها لسنوات طويلة و قالت
كنت ضعيفة جدا
و أنا حامل فيها. لدرجة ماكنش باين عليا الحمل. و الولادة كانت صعبة كمان.. أنا فاهمة قصدك ! .. و وصلت عنده
أمسك يدها و وضع الأخرى فوق خاصرتها بينما تستطرد محدقة بعينيه الرماديتين
أنا عشت سنين طويلة مش حاسة بنفسي. مش حاسة بأي حاجة... انت الوحيد إللي تقدر تخرج المشاعر دي من جوايا !
لا يعرف لماذا بدا من الصعب عليها جدا قول ذلك صوتها تردد نحو النهاية كأنما تحاول منع نفسها من إنها الجملة
زوى ما بين حاجبيه و لا يزال متواصلا معها بالنظرات رغم إنها لا تنفك تذكره بنذالته معها و تحميله الزمن الذي قضته في عڈاب مقيم ...
أوعدني إنك مش هاتسيبني تاني !! .. قالتها بتعبير فزع و كأن تلك إحتمالية واردة الحدوث بالفعل
أوعدني إنك مش هاتتخلى عني ولا تمشي زي ما عملت. أوعدني يا مراد !!!
ابتسم لها و هو يعتصر يدها مطمئنا
إهدي يا
متابعة القراءة