رواية جاسر الجديدة الجزء الثاني

موقع أيام نيوز

هل بإمكانها المساومة تمنحه الخمسة ملايين مقابل الاحتفاظ بسليم وسلمی وعند تلك الخاطرة الحمقاء انفلتت ضحكتها الساخرة فما قيمة الخمسة ملايين بنظره وأبطأت من سرعتها حتى توقفت لا شيء لا شيء بالمرة فهو لن يتخلى عن أطفالهما أبدا لا لشيء سوى العند القاټل والمتحكم بدمائه تحية الصباح المألوفة لها أخرجتها من دوامة أفكارها البائسة فالتفتت لمصدرها لتطالع وجهه المتبسم الذي قال
هوا على طول كده أنت شايلة الهم
ابتسمت دون حيلة وقالت
لا والله بس أنت حظك كده معايا 
اقترب منها قائلا بزهو
بالعكس ده حظك أنت لأني معروف عني إني حلال المشاكل 
هزت رأسها بتقدير وقالت
أنت بالفعل حليت أكبر مشكلة كانت بتواجهني
عقد حاجبيه وقال جادا
بجد إيه هيا 
بسطت كفيها وقالت بخفة
اشتغلت 
قال بتقدير
ده من حسن حظي كنت هلاقي زيك دكتورة شاطرة مع الأطفال فين!
صمتت وابتعدت بعيناها عنه بخجل فقال ليتجدد الحوار بينهما
بس مش من عادتك تيجي النادي الجمعة 
هزت رأسها نافية
الصراحة لاء بس الولاد شجعوني عندهم تمرین إستثنائي النهاردة وأنا محتاجة أغير جو 
وأردف ليكمل
وتفكري 
هزت رأسها بالموافقة وكررت خلفه
وأفكر 
قال بإلحاح
في إيه 
ودون أن تدري قصت عليه قسما كبيرا مما كانت تفكر به فبطبيعتها الثرثارة التي لا تجد غضاضة في البوح بما يختلج بصدرها بصوت مرتفع استمع لها وقال دهشا
إنت إزاي ترفضي وأنت تقدري تعملي حاجات كتيره بالمبلغ ده تنفعي بيه نفسك وتنفعي الست دي الله يرحمها 
عللت موقفها
مقدرش أقبل ده مش طبيعتي 
توقف عن السير والټفت ليواجها قائلا بحزم
النفع مش شرط يكون مادي يا سالي هيا آه فلوس بس أنت تقدري تحوليها لمسار تاني تغير كل حياتك فكري كده إذا أخدتي الفلوس وعملتي بيهم مركز أسنان خيري شوفي النفع اللي ساعتها هيعود عليكي وعلى حماتك الله يرحمها وعلى الناس طاقة إيجابية هتغير كل حاجة في حياتك 
وكأنما بعث هو بالطاقة في أوصالها وانتعشت أورتها وأزدادت دقات قلبها بها وقالت بحماس منقطع النظير
تصدق معاك حق 
ابتسم وتحولت بسمته لضحكة مرتفعة ونظر لها بتقدير بالغ
أنت طيبة أوي ياسالي مجرد فكرة أنك تاخدي الفلوس ليكي كنتي رفضاها ولما اتقلبت لمصلحة غيرك وافقتي فورا 
هزت رأسها وهي تبتعد بعيناها عن نطاق حصاره
لاء أنا في دي بتاعة مصلحتي يمكن الخير يعود عليا باللي بتمناه 
قال مقرا بهدوء
لازم عموما أنا في الخدمة وقت ما تنوي هتلاقيني معاكي 
ثم أردف ممازحا
وبحذرك محدش هيدير المشروع ده غيري دي فكرتي من الأول 
ضحكت سالي وقالت بلطف
بس كده أنا هتعبك معايا فهز رأسه نافيا
بالعكس أنت لو تعرفي أنا كان نفسي أد إيه من زمان في عمل خيري زي ده هتعرفي أنك بتعملي فيا معروف
عادت لمنزل والدتها منذ ساعتان وساعدتها بإعداد طاولة الطعام بهمة ونشاط فائقين حتى قالت مجيدة متعجبة
وأنا اللي كنت فاكرة هترجعي تعبانة 
ضحكت سالي وقررت مصارحة والدتها بأمر الوصية والأموال الطائلة التي ستحصل عليها فاصطحبتها لغرفة الصالون الهاديء وعرضت عليها الأمر منذ بدايته حتى قرارها الأخير بالاحتفاظ بالأموال وعلى عكس ماتوقعت سالي كان رد أمها بالرفض معللة
أنا خاېفة يابنتي يكون عنيه على الفلوس دي وتدخلي في مشاكل معاه 
ضحكت سالي لبساطة أمها
ماما 5 مليون مش مبلغ عند جاسر زائد أن المحامي أكد عليا إصراره بتنفيذ وصية أمه الله يرحمها بحذفيرها 
اعترضت مجيدة بإصرار
وعليكي من ۏجع الدماغ ده بایه ما تاخدي الفلوس وتشيليهم في البنك وخلاص 
رفضت سالي بإصرار
يا ماما أنا فكرت في كلام کریم الفلوس دي أنا مسئولة عنها قدام ربنا ولما اقدمها في عمل خیر بإذن الله ربنا يجعله في ميزاني وييسرلي حياتي 
عبست مجيدة متوجسة
ومین کریم ده كمان 
ابتسمت سالي لأمها بهدوء
ده الدكتور صاحب المركز اللي بشتغل فيه إنسان محترم أوي 
ضاقت عينا مجيدة وهي تقول بهدوء حذر
یعني هوا مستغني عنك كده يقترح عليكي مشروع أنت تكوني صاحبته 
هزت سالي كتفيها بعدم فهم
وده هيضره في إيه وبعدين الدكاتره على قفا من يشيل غير أنه أصر يشاركني في المشروع ده عشان نفسه هوا کمان في مشروع خيري 
تنهدت مجيدة بمكر
آه قولتيلي هيشاركك طيب 
احمرت وجنتا سالي وهي تراقب نظرات أمها الماكرة المتفحصة لها وقالت بإعتراض وهمت بالانصراف لبقية شؤونها المتأخرة
على فكرة الموضوع مش زي ما أنت فاكرة خالص وأنا رايحة أشوف الل ورايا قبل ما عصابة سيرين تهجم علينا 
راقبت أمها خطوات ابنتها الصغيرة الهاربة بقلب راجف وهي تدعو الله أن يسد خطاها وتهمس
ربنا يبعد عنك ولاد الحړام يابنتي 
وقفت أمام الباب لا تصدق ناظريها تطالعه لكأنما كان غائبا عنها عشر سنوات وليس فقط بضعة أيام تحاشت فيهم الاقتراب منه بأي شكل ألقي عليها التحية بصوته الواثق وعيناه تلتهم تفاصيلها القديمة لقد فقدت الكثير من وزنها وعاد جسدها لطبيعته التي ألفها سابقا عادت ضئيلة كما كانت بلمحات أنوثة طاغية اكتسبتها مع مرور السنون قصيرة لازالت ترفع ناظريها له فرأسها لا يتجاوز كتفيه فتنحنحت وبصوت مرتجف أدركت أنه أتي لإصطحاب إبنائها وهي التي لم تشبع من صحبتهم فعقدت حاجبيها غاضبة وردت عليه التحية فقال بوجه عابس وصوت لائم
إيه يا سالي هنفضل واقفين على الباب كتير
تراجعت للخلف خطوتان لكي تفسح له الطريق وقالت بهمس مكتوم
اتفضل 
وعندما دلف إلى الداخل لاحظ على الفور ظل أختها وأطفالها ومن خلفهم تتسابق خطوات صغاره نحوه فتلقفهم بصوت مرح وقبل رؤوسهم قائلا
وحشتوني كده برضه متتصلوش تسألو عليا 
ابتسم الصغيران بخجل وقالت سلمى ببراءة
ما أنا معرفش نمرة تليفونك 
الټفت للساكنة وراءه قائلا بمكر
ماما تعرفها 
ثم رفع جسده مرة أخرى ليستقيم ويلقي التحية على سيرين التي كانت تنظر له شزرا ومن خلفها مجيدة التي خرجت من غرفتها وقابلته بعيون لائمة ورغم ذلك قالت بصوت هادىء يمليه عليها الواجب
البقاء لله يا ابني 
هز رأسه بحرج وقال بصوت متحشرج
البقاء لله وحده 
أشارت مجيدة لسالي قائلة
أدخلوا أقعدوا في أوضة الصالون ميصحش تخلیه واقف کده 
أشارت له سالي بصمت فتقدم بخطوات واسعة حتى وقف بمنتصف الغرفة وهمت سالي بالانصراف لتتركه وحيدا مع أطفالهما فاستوقفها قائلا بحزم
استني ياسالي أنا عاوز أتكلم معاكي 
الټفت إلى صغيره قائلا
سلیم خد أختك ورحوا اقعدوا مع تيته دلوقت عاوز أتكلم مع ماما راقبت 
انصراف الصغار ودون أن تدري شعرت بالخۏف لكونها بمفردها معه بين جدران أربع بالرغم من أنها جدران منزلها قاطع جاسر شرودها بإقتراب قائلا بصوت جاهد ليمحي عنه آثار الغيرة
معتصم هنا 
عقدت حاجبيها بتعجب والتفتت له قائلة
لاء بتسأل ليه 
تنحنح قائلا
أبدا فضول مش أكتر 
كټفت ذراعيها بدفاع قائلة
وأديك عرفت الإجابة خیر کنت عاوز إيه 
ابتسم لها دون حيلة عصفورته الصغيرة عادت للمشاكسة ثم قال بصوت رصین
مجدي كلمني قالي أنك رفضتي الوصية 
أخذت نفسا عميقا ورفعت حاجبيها وقالت بتوتر
إحنا اتفقنا إني هبلغه قراري النهائي النهاردة 
هز رأسه واقترب منها قائلا بصوت حميم
کویس وأنا جاي أأكدلك إن معنديش إعتراض أنا
مکرهلكيش الخير يا سالي 
زمت شفتيها وقالت هازئة بكبرياء
وفكرك حتى لو اعترضت أنا هيهمني وعموما أنا قررت أني هاخد الفلوس 
عقد حاجبيه وقد تفاجىء لا فقط بذاك القرار الذي سعى للحضور لإقناعها بالموافقة عليه بل ومساعدتها للتصرف بتلك الأموال الطائلة وليظهر هو بمظهر ملائكي بل لتلك النظرة الڼارية بعيناها فقال
وأنا سعيد بقرارك ده ومكنتش ناوي أقف قصادك وأمنعك من حقك 
اقتربت منه وقالت بقوة
بس أنت فعلا مانعني من حقي 
هتف مستنكرا
أنا هزت رأسها ورددت بإصرار
أيوا حقي في أولادي 
رفع رأسه بخيلاء سطر له وحده دون البشر قائلا
أنت اللي اخترتي
قالت تحمله الذنب
ده مکنش موضع اختیار یا جاسر 
اقترب منها وداخله يعتمل پغضب
أنا الأول خيرتك ووافقتي وتكوني معايا لآخر الطريق وجيتي في النص ورفضتي واخترتي تمشي وأنا مأجبرتكيش على حاجة 
احمرت وجنتها بنفس الڠضب وربما الضعف
وكنت عاوزني أعمل إيه أشوفك بتتجوز وأكمل معاك وأنا اللي أسميلك مولودك التالت ولا كنت أعمل أيه 
قال بهمس بارد جمد الڠضب بعروقها حتى شعرت بالقهر
ليه أم تسميه 
كتمت دموعها بصعوبة بالغة وقالت بصوت ينهار ألما
ربنا يخليهالك 
رفع رأسه بعد وقال
أنا أهم حاجة عندي ولادي مش هيفارقوا حضڼي يا سالي 
اقتربت منه بتحدي وقالت بعزم باد بقسمات وجهها التي أنارت مرة أخرى
ولا هيفارقوني 
ولمعت عيناها بإنتصار وهي تلمح إهتزاز شفتيه ورفعت صوتها لتنادي صغارهما للجلوس مع والدهما وانصرفت عنه بعيناها وهي تستمع لصوته الذي يحاول التحلي بالهدوء وهو يخبر صغاره أنه سيمر عليهم بعد غد لإصطحابهم مرة أخرى للقصر 
أظلم محيا الصغيران فقال جاسر متوجسا
ولا أنتوا لسه عاوزين تقعدوا مع ماما
هتف سليم
أيوا بابا با سیبنا هنا حبه كمان 
زم شفتيه وقال بصدق
بس أنتو بتوحشوني يا سلیم 
شعر سليم وأخته بالذنب ناحية والدهما فأقبلت سالي عليهم مرة أخرى لتنفي عنهم ذاك الشعور فهما المذنبان بحقهما وليس العكس قائلة بثقة
انتو هترجعوا مع بابا بعد بكرة وأحنا هنرجع لنظامنا القديم ويوم الخميس هتيجوا تباتو معايا 
نعم هو لا يحبذ التعاطي مع المتغيرات وما كان يبقيه واثقا ثوابت الحياة ولكن بعد تلك الزيارة القصيرة أدرك إنقلاب موازين الأمور فالمتغير أصبح ثابتا والثابت أضحى ماضيا ولعبته قطعت خيوطها وباتت حرة دونها تتحرك كيفما اتفق هواها وخطواتها لم تعد متعثرة بل هي واثقة بدربها والأدهى أنه درب يجهله.
تتعاقب الفصول والأزمنه وكذلك المشاعر ينقلب السخط إلى رضا والحزن إلى فرح والتوق إلى زهد وماكان مستحيلا بالأمس القريب يكون واقعا ملموسا بجوانبه تعملت أن تخوض دروب الحياة وتحصد ما تقدمه يديها بلحظة إنهارت حياتها وأطاحت بكل ما هو ثابت لها بيت وزوج وأسرة صغيرة باتت شبه وحيدة كما تحب أن تفكر وتعلمت أيضا أن تأخذ بالجانب الإيجابي فقط من الأمور كما أخبرها کریم ذات مرة أنهت آخر حالة وودعها الطفل الصغير بإبتسامة عريضة وهو يردد لوالديه محستش بحاجة خالص فابتسم له کریم بالمقابل ودلف إلي العيادة ليحادثها مازحا
خلاص كل الأهالي بقت بتطلبك أنت بالذات للأطفال 
ابتسمت سالي ومازحته
ربنا يبعد عنا بس العين 
ضحك کریم
أنا مش بقر أنا بنق بس المهم فاضية النهاردة على ستة كده 
عقدت سالي حاجبيها قائلة
يعني ممكن نخليها سبعة خير 
قال كريم بجدية
السمسار كلمني وبيقول لقى موقع خرافي 
ابتسمت سالي هازئة
على الله يكون صادق المرادي بقاله يجي شهرين ملففنا وراه 
رفع کریم يده قائلا بحزم
لا أنا آخر مرة كلمته جامد وأكد عليا المرادي أنه فيه كل المواصفات 
قالت سالي
خلاص بس خليها سبعة أكون لحقت أقعد مع الولاد شوية 
اقترب منها كريم قائلا بلطف
هوا باباهم لسه مش موافق يعيشوا معاك 
تنهدت
تم نسخ الرابط