رواية جاسر الجديدة الجزء الثاني

موقع أيام نيوز

بحفاوة ولطف بالغ ودعاهم للجلوس قائلا
طبعا أنتو مستغربين إيه لم الشامي على المغربي 
هزت سالي رأسها نافية وقالت مؤنبة
إزاي حضرتك إحنا عشرة مع بعض 
رغم أنها كانت لا تطيق تلك المرأة إلا أنها في الأيام الأخيرة أثبتت لها ولأطفالها إخلاصا منقطع النظير لم يظهره له زوجها الذي عاشت بكنفه لسنوات فربنت نعمات على يدها بتقدير وهي تقول
ربنا يعلم بغلاوتك عندي والله 
تنحنح مجدي حرجا وقال
حيث كده نبتدي مدام سوسن الله يرحمها كانت سايبه ليكم أظرف هديهالكم في نهاية الجلسة وليا أنا ظرفين بشأنكم هقراهم عليكم دلوقت ولو تحبوا كل واحدة تعرف محتوى ما يخصها لوحدها معنديش مانع 
نظرت كلتاهما لبعض بتعجب وقالت سالي
أنا معنديش مانع خير
وفي نفس اللحظة ردت نعمات بأن لا مانع لديها أيضا فوضع المحامي عويناته وشرع في قراءة الوصيتان اللتان تركتهما الراحلة بصوت هادىء وتعالى الذهول ملامحهما حتى انتهى مجدي من قراءة الوصيتان فأغروقت أعين نعمات بالدموع وهي تترحم على مرؤوستها بصوت مرتفع وأردفت بشفاة مرتجفة
بس ده كتير بيت ووديعه وأنا بس كنت هسيب شغلي أنا هفضل في خدمة ولادها لحد آخر يوم في عمري
هز المحامي رأسه وقال
أنت تستاهلي كل خير يا دادة نعمات أنا هعتبر دي موافقة منك وهبتدي بكرة بإذن الله في الإجراءات هيا شددت في الوصية أن البيت اشتريهولك في الحتة اللي تعجبك مهما بلغت تكفلته وجاسر بيه أصر أن الوصايا تتنفذ بحاذفيرها 
وضعت نعمات يدها على شفتيها المرتعشة فيما كانت سالی محدقة بذهول لم تتخطاه بعد وداخلها رغبة بالرفض تتصاعد أفصحت عنها بقوة
أنا مقدرش أقبل بالمبلغ ده مستحيل 
التفتت نعمات لها وكذلك أنظار المحامي الدهشة قائلا
ليه بس يا مدام سالي 
قامت سالي وهي لا تود تبرير رغبتها ليس لأنها لا تمتلك تبريرا هي تمتلك الآلآف ولكنه هو ونعمات لن يتفهما قط ولذلك آثرت الصمت وعدم الاعتراف بشيء قائلة
أرجوك دي رغبتي ومتشكرة جدا وآسفة إني ضيعت وقتك 
هتف المحامي بها قبل أن تنصرف مسرعة
مدام سالي 
التفتت له قائلة
أنا فيه حاجة أكيد لازم أمضي عليها عشان أخلي مسئوليتك صح!
هز مجدي رأسه بالإيجاب ولكنه نفى
ده صحيح لكن مش معناه إني أخدت موافقتك كموقف نهائي أنا هسيبلك فرصة أسبوع اتنين براحتك ومنتظر ردك بعد ما تكوني فكرتي 
هزت رأسها رافضة العرض جملة وتفصيلا قائلة
لو سمحت إديني الورق أوقعه دلوقت من غير ما أضيع وقتك أكتر من کده 
جلس الرجل إلى مقعده وهو يشير لها بالنفي
مش هيحصل واجبي ناحية موكلتي الله يرحمها إني أنفذ وصيتها وأمنحك الوقت الكافي للتفكيير 
قالت سالي بسأم
براحتك بس هتفضل مستني كتير لأن رفضي نهائي 
قال مجدي بلطف
طب إيه رأيك تبلغيني قرارك الجمعة الجاية قدامك وقت أهوه تعيدي النظر 
هزت رأسها بقبول تحت إلحاح من الرجل والذي انضمت له نعمات أيضا إذ قالت
متستعجليش يا مدام سالي ده حقك مش كفاية 
وتوقفت نعمات عن الحديث عندما لمحت طعنات الألم تغتال صفاء أعينها فابتسمت لها سالی رافضة تعاطفها قائلة
متشكرة ومبلغ حضرتك قراري النهائي اللي مش هيختلف کتیر لكن طالما أنت مصر عن إذنكم 
لو لم تكن سيدة الأعمال الأولى بالشرق الأوسط لكانت مزارعة الورود الأولى هكذا كانت تحدث نفسها وهي تنتقل بخفة فراشة من
ركن لآخر مستنشقة عبق الورود اليافع تنتقي زهورا لصديقتها التي وضعت مولودها الأول بالأمس القريب وكان هو يقف يراقبها دون أن تشعر حتى قادتها خطواتها دون أن تشعر لصدام هو من خطط له فرفعت رأسها وجلة فابتسم لها وقال فجأة
آسف آشري إيه المفاجأة اللطيفة دي ! 
تمتمت بإعتذار هي الأخرى وهي تعود للخلف خطوتان وعند الثالثة اقترب منها ليصبح الفارق فقط خطوة
عاصم بيه سوری مخدتش بالي 
عبس ممازحا
عاصم بيه إحنا لسه محتفظين بالألقاب بينا ولا إيه 
هزت رأسها بحرج وأردف بلطف
يا ترى بتشتري ورد لمين 
فابتسمت
واحدة صاحبتي ولدت إمبارح وكنت ناوية أزورها 
رفع حاجبيه متصنعا الدهشة قائلا
متقوليش رايحة لعيلة المسلماني أنا كمان كنت رايح وكنت جاي اشتری ورد 
تعجبت آشري للغاية إذ إنها لم تدري بوجود علاقة تجمعهم بالأساس
معقول
برر عاصم وهو ينتقي الزهور مثلها بزهو
دخلت شريك مؤخرا مع أحمد في مشروع ضخم أوي مسمعتيش خبر الصفقة دي ولا إيه ده كل مصر بتتكلم عنها 
هل يظن أنها تتبع أخباره! ياللعجب فقالت نافية وهي تتعجل الرجيل
لاء سوري أول مرة اعرف عموما فرصة سعيدة أني شوفتك 
استوقفها عاصم قائلا
طب ماتيجي نروح سوا 
هزت آشري رأسها وهي تتعجل الهرب
أنا كنت هبعتهم ديلفيري عشان عندي مشوار مهم وأعدي عليها بعدين 
كان عاصم متفهما لحاجتها للابتعاد عنه كلما اقترب ولكنه في تلك المرة استوقفها قائلا بصوت خاڤت
زياد نقل وكمل حياته بعيد عنك أظن أنه آن الأوان تكملي حياتك يا آشري 
عقدت حاجبيها غاضبة وقالت بصوت محتد وأصابعها تقسو على الزهور المسكينة بحوزتها
أظن أنه نوت يور بیزنس ومش من حقك ولا أي حد يتدخل ويقولي إيه المفروض أعمله 
رد مدافعا
أنا مش قصدي أتطفل عليكي لكن صعب ليدي جميلة زيك تضيع عمرها في إنتظار شيء مستحيل 
احمرت وجنتها پغضب لم يمر بها في حياتها من قبل حتى قالت دون أن تدري
إنت إنسان وقح 
انصرفت غاضبة من متجر الزهور والدموع تكاد تعمي بصيرتها أهكذا يراها الجميع متعلقة بدرب مستحيل تضيع لحظات عمرها الثمينة في إنتظار من سيعود وهو ليس بعائد تركها خلفه وشرع في المضي بحياته غير عابئ مضي نحو المستقبل وهي خلفه متعلقة بحبال ماض مهترئ حتى توقفت عن السير لوجهتها الغامضة حتى لها والتفتت حولها تبحث عن سيارتها بذهن شارد تمسح فيض دموعها وداخلها يتوعد الهارب أبدا لن أسامحك يزداد شعوره بالخواء الذي أصبح يعشش داخله كلما عاد ليلا للقصر الخاوي دونهم أمه وأطفاله ومن كانت يوما زوجته حياة اختفت وأخرى تبدلت وماعاد يدرك أبسط ملامحها ولكم يرغب بالعودة وبشدة للماض بحادفيره بكل مافيه بكل الآمه وآماله طالعته أنظارها الساخطة واستقبلته بجفاء واضح قائلة
أنا عاوزة أعرف لحد امتى هفضل محپوسة
تجاوزها حتى وصل للغرفة وډخلها وهو غير عابیء بخطواتها المتقافزة خلفه وشرع بخلع سترته ببرود دون أن يمنحها ردا ولا حتى نظرة فقالت بإلحاح
جاسر أنا بكلمك 
رفع أنظاره الساخطة نحوها قائلا
عاوزة إيه يا داليا أنا راجع تعبان ومش رايقلك 
اقتربت منه وهي ترسم إمارات الحزن ببراعة على ملامح وجهها
أنت هتفضل زعلان مني لحد إمتى!
رفع حاجبيه ساخرا ولم يكلف نفسه عناء كتم ضحكة مريرة
مش بقولك أنك بتدي نفسك حجم أكبر منك وأنت مش مصدقة 
هزت رأسها ودمعة فرت من عيناها دون قصد منها
عاوز تقول أني ولا حاجة بالنسبالك أنا عارفة ومتأكدة بس صدقني أنت مبتبذلش أدنى مجهود في أنك تعبر عن ده لكن أنا مش هستسلم أنا هفضل أحارب لحد ما أوصلك مش هسيبك ولا هتنازل عنك زي اللي قبلي 
جف حلقه وهي دون أن تدري تشق صدره بصلابة رأس عما يشعر به بالفعل لقد تخلت عنه سابقتها لم تدافع عن حقها به لم تشعره بأهميته تركته خلفها وترکت صغارهما ولم تبال سوی بالابتعاد عنه فقال بصوت متحشرج وهو يبتعد عنها
عاوزه تخرجي إخرجي براحتك 
اقتربت منه وأمسكت بذراعه قائلة
أنا عاوزة نسيب هنا بكل الذكريات اللي فيه ونبتدي في مکان 
فهب من أحزانه زاعقا
أنا عمري ماهسيب هنا ده بيتي وبيت ولادي عاوزة تعيشي هنا أهلا وسهلا مش عاوزة بالسلامة 
تعلقت به رغم ثورة غضبه الأسود
یا جاسر صدقني هنا ھيموت كل حاجة بينا 
أمسك بذراعيها بحزم ليبعدها عنه ويقطع إلتصاقها به قائلا بصوت كالفحيح 
أنت مش هتفرضي عليا أعيش فین نقطة وآخر السطر وآخر مرة تفتحي فيها حوار زي ده تاني لمصلحتك 
اتجه للحمام ليغتسل تاركا إياها ترتجف پخوف تلك المرة الثانية في أقل من يومان تقابل فيها جانب أحلك مايكون من جوانبه المتخفية تخطو بظلامه وظلمه وبعليائه يأمر وعليها الطاعة ظنت أنها بحبها ستنجو ولكن من الواضح أنها ټغرق ولا سبيل للنجاة ولا
سبيل أيضا
للاستسلام الغرفة الخاوية المظلمة دونها أصبحت ملاذه يجلس بالمقعد المجاور لفراشها البارد يدور بفلك أفكاره كسفينة فقدت ربانها ولا مرسى لها والهواء العليل يضرب صدره بسقيعه يثير إنتباهه يمنعه من السقوط بهاوية ظلماته وهاتفه يضيء بعتمة الغرفة بالمكالمة التي انتظرها منذ صباح اليوم أتاه صوت مجدي معتذرا
أنا آسف انشغلت وحقيقي نسيت أكلمك 
رد بصوت قاطع
رفضت 
همس مجدي
زي ما كنت واثق لكني أكدت عليها إني منتظر قرارها النهائي يوم الجمعة 
ربما تتكاثر المتغيرات من حوله مما يثير حنقه ولكن المعطيات الثابته هي أساس الحياة ابتسمت عيناه في الظلام ولمعت برمادية نيران اشتعلت وأتت على كل شيء فلعبته لم تتغير وكما سيحرص لن تتغير وستعود مجددا خيوطها ساكنة بين أصابعه 
الجمعة يوم تقليدي بالبيوت المصرية القديمة يوم تجمع العائلة وغداء دسم يعقب الصلاة والأحفاد يلتمون حول طاولة مستديرة والأحاديث لا تنقطع استيقظت صباحا وغيرت ملابسها سريعا وكذلك أطفالها وهي تعدهم بحلوى إن أحسنوا التصرف لهذا اليوم وخرجت وألقت تحية الصباح على أمها المشغولة بشؤون المطبخ فقالت سالي عابسة
برضة يا ماما قولتلك أنا لما أرجع هعمل الغدا 
ابتسمت مجيدة لها
عبال ما ترجعي يكون أختك وجوزها والولاد جم تريحني أنت وتفرشي السفرة 
قبلتها سالي مودعة وكذلك الصغار قائلة
متقلقيش ساعتين بالظبط ونرجع بإذن الله 
قالت مجيدة
أنا مش عارفة إيه حكاية النادي اللي كل يوم ده حتى الجمعة لازم تروحيه ! 
اعترضت سلمی
أنا عاوزه أروح النادي 
ضحكت سالي وقالت
مش هنتأخر مع السلامة 
وما أن عبرت سالي بأطفالها أسوار النادي حتى تسارعت خطواتهم نحو مجموعة التدريب الملحقين بها فودعتهم سالي بتحية واتجهت بدورها لصالة الألعاب کي تمارس رياضتها المفضلة ولكن مع نسمات الهواء العليلة آثرت التريض بالمضمار العريض حول الفناء الواسع مارست أولا تدريبات الإحماء ثم شرعت بالركض البطيء وأفكارها تسبح بمعزل عن الضوضاء الخفيفة حولها هي لم تصارح والدتها بفحوى الوصية التي لم تفهم مغزاها بعد واعترفت لنفسها أنها تخشى أن تؤثر والدتها عليها لتقبل تلك الأموال الطائلة وداخلها لا يدرى لم هي حقا ترفض قبولها هل لكونها منة وعطاءا من ناحية آل سليم أم لأنها تشعر أنها بالأصل منحة منه فهو الذي يكد بالعمل أولا وأخيرا ولم تكن والدته سوی متحصلة على نصيب بأمر الشرع ولكن في ذات الوقت هي تسعى للتفكير بعقلانية في الأمر تلك الأموال قد تحل كثيرا من مشاكلها المادية التي لا تعانيها حقا ولكن من يدري وخاطرة جديدة تمر بعقلها
تم نسخ الرابط