رواية جاسر الجديدة الجزء الثاني
المحتويات
أشهر ويبدو كمن كبر عشرون عاما فتقدمت هامسة
البقاء لله یا زیاد
انتصب قائما وتقدم منها بخطوات واثقة وتلقى كفها برحابة صدر قائلا
متشكر إنك جيت يا آشري
فقالت آشري مستنكرة
ده واجب عليا يا زياد هز زیاد رأسه پألم وقال مؤكدا
طول عمرك صاحبة واجب
وساد الصمت بينهما وخفقت صدورهم بالكلمات المحتبسة لا صرح هو عن ندم يغتال لياليه ولا صرحت هي عن شوق تأن به أضلعها فقالت في محاولة لجذب أطراف الحوار
هز رأسه بإيجاب وقال مصرحا بذنبه الذي أدمى قلبه
استقريت في القاهرة فتحت مشروع کده صغير كافية مع واحد صاحبي معرفة وكنت مشغول شوية الفترة اللي فاتت أول ماعرفت الخبر جیت بس كعادتي متأخر
فقالت آشري وهي تشد من أزره
بس المهم أنك جيت في الآخر
هز زیاد رأسه بإيجاب
لحقت الډفنة بس كان نفسي .
کله مكتوب ومقدر یا زیاد
ضحك زیاد من بين دموعه المنهمرة وخفقات صدرة العشوائية الإيقاع رغما عنه وقال وهو يبتعد عنها
اسمها مقدر ومكتوب أنا هفضل أعلم فيكي لحد أمتي!
رفعت آشري كفها بلا مبالاة ساخرة
مهما تعمل وبعدين ما أنت خلاص سيبتني
أنت تستاهلي الأحسن مني
حدقت فيه بقوة من بين دموعها وعيناها تصرخ أنها لا تريد سواه ولكنها بعزة نفس رفعت رأسها بكبرياء وقالت
أشوف وشك على خير يا زياد
خرجت آشري مسرعة لتستوقف مرة أخرى أمام الرجلين فحيت جاسر قائلة
البقاء لله يا جاسر شد حيلك
منجلكيش في حاجة وحشة آشري
فهزت آشري رأسها بتحية وانصرفت نحو السيارة التي تقل سالي والأطفال مما جذب إنتباه جاسر الذي الټفت لأخيه الساكن الجواره وقال
هيا سالي أخدت الولاد
هز أسامة رأسه وقال بعند
أيوة هيا طلبت مني أقولك بس ده أمر مفروغ منه مش مستحب يقعدوا في أجواء زي دي
کده أفضل فعلا
أنا آسفة
اتسعت عيناها متعجبة واقتربت منها لتربت علي ذراعها وهي تتأمل رأسها المتدلي بذنب
آسفة علي إيه آشري
تنهدت الأخرى الغارقة في بحر من الندم والضياع وما يسحب الهواء من صدرها بحق ذاك الشعور بالإثم
أنا اللي شجعتك على الخطوة دي لولا زني كان زمانك معاه
كنت فاكرة أن الطلاق ده بيس أوف كيك
لو لم يكن اليوم مأساويا بامتياز ولو لم تكن عاصرت مشاعر وأحاسيس طاحنة مزقتها وأعادت ترتيب أشلائها على نحو جديد وغريب عليها لأطلقت الضحكات المتعالية وسط جنوح الليل ولم تبالي لأعراف ولا لتقاليد اقتربت منها ورفعت رأسها لتواجهها ومزقت ذنبها الفاضل بعناق طاحن ووضعت على وجنتها وسط ذهول بقية معالم وجهها
بالعكس ده أنا اللي بشكرك حقيقي ومن كل قلبي أنت أنقذتيني من نفسي
ولازالت الدهشة تقتات على أنفاس صدرها المتلاحقة
أنا ! أنا حاسة إني ضيعتك زيي
لم تظن أنه قد يأتي اليوم وتتبدل فيه الأدوار ولكن اليوم أضحى أعظم معلم عرفته منذ سنوات اليوم حملت من كانت تحمل لها دوما الحقد والعداء إلي قپرها راضية داعية لها بالخير واليوم أيضا تقف أمام من دفعتها دوما لتدفعها هي بالمقابل
أنا مضعتش یا آشري بالعكس أنا لقيت نفسي اللي توهت عنها من زمان أنت اللي دلوقت محتاجة تفصلي بين حالتك وحالتي
أومأت بالموافقة
فعلا زیاد مش جاسر بس أنت حملك أكبر مني ولادك .
ضحكة خاڤتة انفلتت منها ليست ساخرة بقدر ما كانت مريرة
هيبقالهم أخ أو أخت المدام حامل كان زماني قاعدة أسمع منها عن تعب الوحم وتقوليلي آسفة
فاتسعت عينا آشري پذعر وهتفت بإنجليزية خالصة
he is an idiot
التفتت سالي لتطالع وجوه أطفالها المتعبة التواقة وبشدة للخلود للفراش والنوم وقالت
معدتش تفرق أنا هروح إبقي طمنيني عليكي سلام
رفعت كفها لتودعها وقد اطمأن قلبها أنها لم تكن مذنبة بحقها أنها لم تدفعها دون قصد لتعيش تلك المرارة التي تذوقتها مؤخرا ولم تدري أنها كالعلقم لإختبار كسر أقوى ما يكون على ظهر المرأة وبالأخص عندما تفقد أبنائها فالكسر يكون مضاعفا
ودعت درية آخر النسوة اللاتي كن يتسامرن حتى ظهور السائق الخاص بإبتسامة صفراء فيما كان رنين هاتفها يتصاعد إلحاح مزر فأخرجته من حقيبتها متأففة لتجيب بصوت جاهدت لتجعله لطيفا قدر الإمكان
أيوه يا بابا أنا خلصت نص ساعة وأكون في البيت
رد والدها منفعلا
متتحرکیش من غير طارق هوا جايلك في السكة
اشتعلت النيران في عروقها فأبيها أصبح يفرضه فرضا بين أدق خطوط حياتها اليومية وبالتالي أصبح الرسم الذي كانت تتعامل معه سابقا شاذا غير مألوف لعيناها
يا بابا مکنش له لزوم تتصل بيه تكلمه يجي
فقال الأب مدافعا بمكر
یعني أسيبك تيجي لوحدك في أنصاص الليالي
نظرت درية مرة ثانية لساعة معصمها وقالت وهي تجز على أسنانها الأمامية بغيظ
الساعة عشرة إلا ربع
تنصل والدها سريعا من التبريرات التي لا طائل منها وقال
خلاص اللي حصل حصل وهوا جاي استنيه ميصحش الراجل ياخد المشوار على الفاضي
وما أن أنهى إتصاله حتى رن هاتفها مرة أخرى فتمتمت درية بغيظ
طبعا ما أنت كمان لازم تديله نمرة تليفوني
خرجت درية للحديقة الواسعة ولمحت أضواء سيارته تشق عتمتها وفيما كانت تتجه نحوها سمعت إسمها يتردد خلفها فالتفتت له ولاحظت إقترابه العابس نحوها قائلا
أنا كلفت عم عيد السواق يوصلك أنت ومدام هدی
ولكن بدلا من أن تتعالی موجاتها الصوتية الرقيقة بإعتذار تصاعدت نغمة صوته الخشنة بتحية المساء مقاطعا
مساء الخير يا درية
التفتت أسامة ليطالع الرجل الفارع الطول والمرتسمة على وجهه إبتسامة مضيئة خصها فقط لدرية بشيء من الحيرة ردت درية تحية المساء بخفوت قائلة لأسامة
مافيش داعي سيادة العقيد هيوصلني متشكرة
وعند ذكره مد يده مصافحا أسامة معرفا بنفسه
عقيد طارق الأسمر خطيب مدام درية
وعندما لمح الذعر المرتسم بعيناها قال مصححا
أقصد بإعتبار ما سيكون
تقبل أسامة مصافحته بإقتضاب وعيناه لا تفارق درية التي هربت بأنظارها بعيدا وداخلها فعليا تخطى مرحلة الغليان وسارت إلى جوار طارق بعدما تمتمت بوداع وشبه کلمات تقبلها أسامة شاكرا لجهدها في تلك الليلة العصيبة وظلت طيلة الطريق صامتة فقط لأنها تدرك جيدا أن الكلمات ستكلفها إڼفجارا مأساوي النتائج حتى وصلا للشارع الذي تقطنه وتوقف بسيارته أمام العقار الذي تسكنه فتمتمت بتحية لتنصرف ولكنه أستوقفها قائلا بنبرة
إعتذار
أنا آسف إن كنت دايقتك لكن .
فالتفتت له وقد حان موعد الإڼفجار بتوقيت درية المسائي بعد مهازل تلك الليلة التي يبدو أنها غير منتهية
اللي حضرتك يا سيادة العقيد صرحتله بخبر الخطوبة واللي أنا معرفش عنها حاجه ده يبقى رئيسي في العمل حضرتك فاهم ده معناه إيه
هز رأسه مذعنا وقال راجيا
درية أنا بقالي كتير بحاول أقرب منك وآخر مرة كنا في المزرعة سوا أظن إني وضحت رغبتي في القرب ده ويكون بشكل رسمي
همست غاضبة
وأظن إني وضحت إني ما بفكرش في الارتباط نهائي
فاعترض طارق
لكن والدك .
قاطعته بحزم
والدي ! أعتقد إني أنا صاحبة القرار وأنا مش لسه عيلة صغيرة
اقترب منها وعيناه مركزة على ملامح وجهها الغاضبة وقال بإفتتان
أكيد أنتي صاحبة القرار لكن أنا طمعان أنك تغيري رأيك وتديني فرصة
فتحت باب السيارة وقالت قبل أن تنصرف
كان ممكن تطلب قبل ما تصرح بحاجة بإعتبار ما سيكون وعموما أنا متشكرة على تعبك
ترجل هو الآخر واقترب منها بخطوات مسرعة وقال بإنفعال ملح
أنا آسف وبعتذر منك حقيقي لكن أرجو أنك فعليا تديني فرصة لينا إحنا الأتنين
نظرت حولها بتوتر فالوقت قد تأخر وليس من المناسب أن تطيل الوقوف برفقته فهزت رأسها وانصرفت مسرعة نحو الدرجات التصعد للأعلى
حد الإنهاك حد الألم حد الفقد حد الوحدة حد البعد رغم القرب حد الذنب رغم الكبرياء حد الإشتياق حد الكرامة حد النهاية حد البداية حد المجهول حد الأمل حد الظلام الذي يقبع به منذ ساعة بعد إنصراف الجمع الغفير يبكي بصمت دموع قهرت عزيمته وانسابت لتعلن معها حد الضعف وبسنوات عمره التي تخطت الأربعون ضعف يختبره ولأول مرة ضعف يجده ساکنا بأضلعه أليفا ترتاح له نفسه أليس من حقه أن يشعر ولو لمرة بالحرية في كونه ضعيفا لقد رحلت من كانت ترفض ضعفه تحاربه قبل أن يعد هوا نفسه للحرب تركته رغم أنها تركت له دوما مؤشرات بقرب الرحيل ربما منذ سنوات ولكنه كان عنيدا لدرجة ظن معها أنها لن ترحل أبدا هل كان عنیدا لا بل كان غبيآ كما نعتته مؤخرا رحلت ورحل معها اليوم الأخير ليبدأ من جديد وليست له أي رغبة في تلك بداية خطوات تسحق الحصى من خلفه ولم يحتاج أن يلتفت ليعرف هوية صاحبها فقال
قريت كل في الأظرف وأديت أخوك بتاعه
جلس وافترش الأرض إلي جواره
أخده بس أظن مش هيقراه دلوقتي
فالټفت له جاسر
بس لازم علي الأقل يعرف محتوى الباقي ده حقه
نظر له أسامة وشعور بالشفقة مثير للإشمئزاز والحنق داخله يتصاعد نحوه رغم غضبه الشديد منه مشاعر مختلطة ارتسمت على معالم وجهه فڤضحت ما هو مختبأ بين حنايا صدره حتى قال جاسر منزعجا
مالك
أنت مفكر أني قولتلها تعمل كده
هز رأسه نافيا وبشدة
أكيد لاء لأنه ده مش في مصلحتك
تنهد وقام فقد سأم الجلوس والتراخي
لا مصلحتي ولا غير ولا هيفرق معايا
فرفع أسامة قامته هو الآخر وقال مؤنبا بغيظ
واضح ولا يفرق معاك حتى أن يكونلك من كل ست مرت في حياتك ابن ولا بنت يشيلوا عاهات تفكيرك
حد الڠضب ومشاعر أخري على الجانب الموازي خېانة وكشف وتوقيت سيء والأدهی تورط
وأنت عرفت منين
والضحكة الساخرة دقت أجراس الليل والظلام ورغم أنف التقاليد كانت من نصيبه
هوا أنا بس اللي عرفت!
فكان حد الإنتقام وذراعها القابع بين قبضته پصرخ ألما ولسانها يصطرخ
جاسر أنت اټجننت
وهسیس صوته المنبعث من بين إصطكاك أسنانه الدامي أثار ذعرها
أنت إزاي تجرؤي تقلبي عزا أمي لصوان تهاني أنت مبتحسيش
امتقع وجهها وغادرت الډماء ولا رجعة قريبة لها على مايبدو
بيبي أنا مقصدتش
أخرسي أنا مش بيبي أنا جاسر سليم وإن كنت نسيتي مين هوا جاسر سليم يبقي أنت محتاجة اللي يفكرك
هل ظنت أنها سترى الشيطان يوما رؤى العين بوجهه المتجهم هل ظنت أنها ستكون يوما على مقربة من أبواب الچحيم بأنفاسه الملتهبة هل ظنت أنها ستفقد أنفاسها رغم أن كل ما يحتبسه بين أنامله غليظة الملمس والقوة ذراعها الأيسر والسبب نظرة عيناه وفقط
أنا آسفة حقيقي أنا آسفة صدقني أنا آسفة
همست
متابعة القراءة