رواية جاسر الجديدة الجزء الثاني

موقع أيام نيوز

ظل ينتظر هدوء تلك المشاعر السلبية من جهتها التي عصفت بحياتهما وتعود مرة أخرى لأحضانه وأحضان صغارهما كما اعتاد دوما منها ولكن أن يقتحم آخر رقعتهما الخاصة ويزيحه تماما وتفضل هي الاستمرار بحياتها معه هذا لم يكن بالحسبان أمازال ثأرها لكرامتها يتعاظم أم هي بالفعل نبذته وخانت عهدهما 
ولا سبيل لمعرفة الحقيقة سوى خطوة أخيرة يقوم بها فلا سبيل لإضاعة المزيد من الوقت كما قال أسامة هو لم يكن يوما رجلا بارعا في الصبر ولكنه كان دوما بارعا في الصيد وليس هناك أسهل من اصطياد إمرأة يعرف نقاط ضعفها وقوتها ويحفظ عن ظهر قلب عاداتها.
خرج في الصباح في ميعاده ليس لأنه متشوقا للعودة للعمل ولكنه كان متأكدا بأن نعمات ستقوم بواجبها على أكمل وجه وماهي إلا ساعتان من الزمن حتى رن هاتفه وكان المتصل حارس القصر الذي أخبره بتواجد الهانم في تلك اللحظات برفقة الصغار فترك الحديثة بالعمل تعيث فسادا في ملفات درية المنظمة بدقة ولم يهتم وعاد لقصره وهو يحمل خطته المتقنة كانت سالي في تلك اللحظات تجلس بانتظار العفو نعم هي مذنبة خطبت لآخر وستتزوج في غضون أشهر قليلة وماهي أيام بعد إعلانها لذلك الخبر المشؤوم حتى غابت عن صغارها وتركتهم قالت بأنفاس متهدجة وهي تنظر بتضرع لصغيرها سليم الذي کتف ذراعيه بحزم كأبيه تماما
یعني یا سليم يرضيك تسيبنا نخرج أنا وسلمى لوحدنا 
فرد سليم دون أن يمنحها حتى نظرة
وإيه الفرق ما أنت بقالك كتير مبتجيش وسيبتينا لوحدنا 
حاولت سالي التملص من ذنبها الذي لا يغتفر قائلة
ما أنا سيباكم مع بابا 
الټفت لها سليم
وأنا هفضل قاعد هنا مستني بابا ولو سلمى عاوزة تخرج معاكي براحتها 
اقتربت منه سالي وهي تربت على ذراعه
طب أنا اللي عاوزة أخرج معاك النهاردة 
هز سلیم رأسه بألمه الذي لا يطيقه صدره الصغير
عشان بكرة ولابعده تسيبني وتخرجي لوحدك ولا مع عمو کریم وأفضل أنا مستنيكي لحد ما تيجي 
اتسعت عينا سالي پذعر فائق فما يود الصغير قوله حقا أنه لن ينتظر منها نظرة عطف ولا شفقة ويفضل أن يتخلى هو عنها بمليء إرادته قبل أن تتركه مي فهزت رأسها نافية والدموع ټقتحم مقلتيها واحتضنته بقوة هو وأخته قائلة
أنا لا عمو کریم ولا غيره يقدروا يبعدوني عنكم فاهمين 
قاطع هو تلك اللحظات اتضمفعمة بالألم وهو يشعر بأنه يتحمل ذنب صغيريه بالكامل وليس سالي وحدها فقال
إيه رأيكم لو نخرج كلنا سوا 
ترك الصغار حضنها الدافيء والټفتا إلى أبيهما
الذي ركع واستقبلهما بقبلات مفعمة بالحب ودفعهما نحو الأعلى مع أمر بالإسراع في تبديل ملابسهما وإلا تراجع عن قراره وما أن اختفا الصغيران حتى اتجه نحوها وهي الواقفة صامته وداخلها يعج بالأفكار السيئة نحو نيته المبيته وقليلا من الڠضب إذ أن ذلك هو أسلوبه للتعامل معها ولن يغيره فقال بلطف
الولاد محتاجين مننا أننا نتفاهم ياسالي ده حقهم علينا 
التفتت له بهجوم شرس
وأنا حاولت أتفاهم كتير معاك قبل كده یا جاسر أنت اللي. 
قاطعها مهدئا بإبتسامة رقيقة أذابت أوصالها
اهدي بس مالهاش لازمة العصبية دي كلها 
اختلجت دقات قلبها وتوترت شفتيها وهي تقول بعند
أنا هادية 
هز جاسر رأسه وقال
كويس جدا خلينا نتفق الولاد هيباتوا معاكي سبت وحد واتنين والتلات بعد الغدا هعدي
أخدهم من عندك يقعدوا معايا تلات واربع وخميس والجمعة تعدي تاخديهم مني في النادي 
اتسعت عينا سالي وهي لا تصدق عرضه الذي ألقاه على مسامعها بكل بساطة وقالت لتتأكد
یعني هتسيبهم معايا نص الأسبوع!
هز جاسر رأسه ولكن ضاقت عيناه وهو يؤكد لها
مع شرط 
كټفت سالي ذراعيها وقالت ساخرة
آه طبعا ما أنا قلت الموضوع لازم يكون فيه إن اتفضل أشرط یا جاسر 
تجاهل جاسر سخريتها وقال بهدوء
مش عاوز ولادي يكون ليهم أي علاقة باللي اسمه کریم لا يشوفهم ولا يخرج معاهم 
اتسعت عينا سالي قائلة برفض
ولما نتجوز إن شاء الله . . 
قاطعها مزمجرا
ولادي هيباتو معاكي في بيت جدهم یا سالي مش في بيت جوز أمهم 
هزت سالي رأسها وهي تقول بإدراك
يبقا الغرض من الإتفاق ده أني أفسخ خطوبتي ومتجوزش کریم ده اللي أنت عاوز توصله 
هز جاسر رأسه وقال نافيا وكأن أمر زواجها من آخر لا يعنيه
أنت حرة ياسالي دي حياتك وأنت حرة فيها وده اللي عندي واللي أقدر أقدمه اعقليها وشوفي هتتصرفي إزاي الولاد ليهم حق علينا ومن حقي أن ولادي ميباتوش في بيت راجل غريب ولا يكون ليه أي علاقة بيهم وأظن إنه ده الطبيعي 
هبط الصغيران الدرج بمرح يتسابقان وارتسمت على ملامحهم البهجة فأبيهما وأمهما سيصطحبانهما للخارج في نزهة عائلية خاصة بهما وهذا ما صرحت به سلمي بكلماتها الطفولية
أخيرا هنخرج سوا كلنا مع بعض 
همس جاسر بالقرب من أذن سالي
لو عاوزاني أقولها أنه جالي شغل وتخرجي أنت معاهم لوحدكم براحتك بس أنا صعبان عليا أكسر فرحتها 
هزت سالي رأسها نافية ومدت ذراعها لسلمي وقالت
مين هيركب معايا ومين هيركب مع بابا 
قال سليم معترضا
ما نركب كلنا سوا مع بابا 
شعرت سالي لكأنما تساق بمليء إراتها نحو فخ منسوج بعناية وتحت رعاية مباشرة وبتصميم موقع بلمسة من جاسر وأطفالهما ومع ذلك لم تستطيع الهرب والتملص فهي المذنبة هي من يعرض عليها رعاية وحضانة مشتركة بينهما وهي من تدفع بآخر في معادلة بقائهما لتصبح مستحيلة.
ويبدو أن المعادلات المستحيلة أصبحت تسيطر على مزيدا من العلاقات فما سمعته منذ قليل بالصدفة البحتة جعل بقائها مرتبطة بتلك الزيجة لهو أمر من رابع المستحيلات بحق فالنمر يخطو خطواته المدروسة بالفعل إذ سمعته يخطط مع أبيها تفرقة الأبناء أبنائها الصغير برعاية الجد إذ أنه شديد التعلق بأمه والتعامل معه ومع متطلبات سنه الصغير أمر فائق الصعوبة والأوسط والأكبر سنا معهما إذ يستطيع التفاهم والسيطرة على طباعهما الهادئة ومتطلباتهما البسيطة بحكم سن المراهقة هكذا بمنتهى البساطة معادلة تشملها هي وإثنان فقط من الأبناء والأخير الصغير منبوذ معادلة مستحيلة وببساطة طرحه لتلك المعادلة على مسامع الجد وموافقة الأخير عليها بالمقابل لم تجد حرجا ولا مانعا هي الأخرى بقذفه بأحط الصفات وأقذع الشتائم وهي تلقي بطوقه الذهبي بوجهه وتطرده خارج المنزل رغم أنه منزل أبيها بالأساس وبعد انصراف العقيد بأذيال الخيبة وزعقة أبيها وعلى غير العادة تصفيقا حارا من زوجة أبيها وتحية لها على موقفها الجريء منبعه الحقيقي أنها لم تكن لترحب برعاية صغير في عمره ولكن الظاهر أنه هذا ما تقوم به أم شجاعة بعمرها حملت صغيرها ودثرته جيدا وعادت لمنزلها الصغير الهاديء وفكرها يتقد بمعادلة أخرى لا زوج ولا عائل ولا وظيفة ولا سبيل للعودة وأيضا لا سبيل لطلب مساعدة من الأب معادلة أكثر تعقيدا والمزيد من التعقيد واجهته صباحا إذ استيقظت فزعة على صړاخ الصغير بآلآم ضرسه مجددا فحملته بعدما تناول طعام الفطور بمشقة بالغة نحو المركز الطبي الذي قصده آنفا وانتظرت دورها طالعتها سالي بإبتسامة مرحبة والصغير اقتحم الغرفة وجلس سريعا على المقعد المخصص له قائلا
آآه الحقيني وشوفي ضرسي يا طنط أبوس إيدك 
لم تتمالكا الاثنتان نفسيهما واڼفجرتا ضاحكتان واقتربت منه سالي وبحنان قالت وهي تداعبه تماما مثل سليم الصغير
وريني كده آآه رجعت تزود في الحلويات ومغسلتش سنانك 
أشار لها الصغير برأسه مذعنا وهو يتألم
خلاص حرمت آخر مرة 
شرعت سالي في أداء عملها وهي تقول
مدخلتوش على طول ليه يعني حتى لو کریم مش موجود دلوقت حالة أيهم حالة طارئة وبعدين يعني إحنا عيش وملح يامدام درية 
اقتربت منها درية
على أساس يعني هناديكي مدام سالي ده إذا كان جاسر وبقوله . 
بترت درية عبارتها بحرج بالغ وعندها رفعت سالي رأسها لها وقالت لترفع عنها الحرج
ولا يهمك . الغلطة عندي أنا يا درية 
انتهت سالي من عملها بعد قليل وهي تملي على أيهم بضعة أوامر لعله يستجيب لها والتفتت لدرية وقالت
شدي عليه شوية لو كل حلويات لازم يغسل سنانه في ساعتها وأشوفه كمان أسبوع نكمل شغلنا هزت درية رأسها وقالت
سمعت يا أيهم أظن أنك حرمت بعد الۏجع ده
کله 
اصطحبتهما سالي نحو الخارج والتفتت لها درية وقالت
أنا مش عارفة أشكرك إزاي 
ابتسمت لها سالي متعجبة
على إيه ده شغلي وبعدين أنتوا بقيتوا وصاية جامدة 
دفعت درية صغيرها للعب في المنطقة المخصصة للأطفال والتفتت مرة أخرى لسالي قائلة بحرج شديد
ياريت مافيش داعي أنه دكتور كريم يعرف بزيارتنا أنا وطارق فسخنا الخطوبة
اتسعت عينا سالي وهتفت دون أن تشعر
معقول ليه 
ضحكت درية وهزت رأسها بتهكم بالغ وقالت
عشان ولادي مش محل خیار یا سالي مينفعش أختار بينهم وبين جوازي دول هما عندي بالدنيا وما فيها 
تاهت أبصار سالي وهزت رأسها بإذعان وقالت بصوت متحشرج وتشبعت تفاصيل وجهها بالألم الدفين بأعماقها
فعلا معاك حق إستحالة يكونوا إختيار هما الواقع الحقيقة الثابتة اللي لا يمكن تتغير 
ربتت درية على ذراعها وقالت دون حرج
يمكن جاسر میستهالش منك فرصة تانية لكن ولادك ياسالي أكيد يستاهلوا راجعي نفسك مش تبقي وأبوهم عليهم دول أغلب من الغلب 
فرت دمعة من عيون سالي دون إرادة ودون أن تشعر فجذبتها درية لأحضانها وقالت
ربنا ينور بصيرتك
على السادة المسافرين على متن الطائرة رقم . . . التوجه لصالة القيام رقم . . . قام من جلسته التي طالت بعد تأخر إقلاع الطائرة لساعتين کاملتين كان غير منتبها بالمرة لتلك التي تراقبه بأعين لامعة تحت قدميها على التحرك نحوه وعقلها يأمرها بالانصراف فلقد اطمأنت عليه وكأنما شعر بتذبذب خطواتها والتقط إشارات قلبها المتعلق به فهتف بها سعيدا
آشري أنت هنا 
كانت قد استدارت وتابعت سيرها خوفا ولكن مع لمحة السعادة التي لونت صوته دق قلبها بشدة والتفتت نحوه مجبرة وبخطوات خجولة اقتربت منه وقالت دون أن ترفع أبصارها
جيت عشان اتطمن عليك 
ابتسم زیاد واقترب منها وقلبه يتراقص طربا
عرفت منين إني حاجز المعاد ده 
هزت رأسها واعترفت
دي الطيارة الوحيدة بالنهار والتانية بالليل متأخر وأنت كنت قايلي على يوم السفر عملت اتصالاتي وعرفت إنك هتركب دي 
جذبها زياد نحوه ومسح بظهر كفه وجنتها بحنان بالغ وعيناه متعلقة بقسمات وجهها الجميلة كإسمها تماما وقال
لو تعرفي أنا كنت محتاج أشوفك أد إيه 
أدمعت عيناها وقالت لائمة
طب وليه مش عاوزني أسافر معاك 
تنهد زیاد وقال بندم وأسف بالغ
عشان الخطوة دي بالذات لازم أعملها لوحدي زي ما سيبتك أيام وليالي لوحدك بتحاولي تصلحي حاجة ملكيش يد فيها 
تصاعد الصوت منبها للمرة الأخيرة بضرورة سرعة التحرك مقاطعا لحظتهما المشحونة فربت زیاد على كف
تم نسخ الرابط