رواية جاسر الجديدة الجزء الثاني
المحتويات
طمأنها طارق
متنسيش أن اليوم كان طويل ومرهق والسخونية عليها عامل و برضة
هزت رأسها وهي تتجه لتحمله رافضة عرضه بحمله بدلا منها وخرجا سويا وانتظرته حتى يتمم إجراءات الانصراف وعزمت على شكره ورد أمواله إليه لاحقا ولكن ما لجم لسانها وذهب بلون وجهها وترك آثار شحوبه عليه واضحة ذاك المشهد خلف الأبواب الزجاجية لأسامة والقابعة بأحضانه والأخير يهمس بأذنها بكلمات لم تصل إليها ولا حتی کلمات طارق الذي كان يخاطبها فدقات قلبها المحتقن بألمه كانت الأعلى صوتا وعقلها يترجم الأحداث لمعادلة رياضية بسيطة كما اعتادت دوما فالعمليات الحسابية جزء لا يتجزأ من أحداث حياتها اليومية رجل لجوارها يشد من أزرها ويتلقف أطفالها بالعناية والرعاية والآخر أمامها يتلقف أخرى بأحضان حميمة فالتفتت له فجأة وقالت
دهشت ملامح وجهه وارتسمت ابتسامة سعيدة أعلاه وفتحت عينا أيهم الصغير أخيرا وقال متعجبا
موافقة على إيه يا ماما
ضحك له طارق بسعادته البالغة
بكرة تعرف يابطل
وانصرفا سويا تاركين ورائهم مشهد الوداع خاصة المتعانقين حتى تلك اللحظات المشحونة
هل يمكنك حقا أن تفقد ما لم يكن لك بالأساس
شحب وجه الصديقة وظهرت ملامح الضيق والتوتر جليا على وجهها وفرت دمعة أخرى حبيسة مقلتيها وقالت هامسة
کلمتیه
هزت إنجي رأسها وقالت
من ساعة
مسحت داليا دمعتها الوحيدة وإن كان بالقلب الالاف ينوء بحملها وقالت معتذرة
روحي يا إنجي أنا تعبتك معايا
ربتت إنجي على كفها وهي ترحب بتلك الفرصة للتخلص من عبأ لا تطيقه وقالت
رفعت داليا رأسها وقالت
متقلقيش معدتش فيه حاجة ممكن أخسرها أعظم من اللي خسرته
بخطوات حانقة طرق الممر المؤدي لحجرتها بالمشفى رمادية عيناه أضحت سوداوية بدخان أنفاسه المشټعلة دفع بیده الباب وكاد أن يصطدم باللتي أوشكت على الرحيل وما أن رأت وجهه المكفهر حتى أضحى رحيلها الهادىء فرارا ملامحه لم تلن للشاحبة أمامه ولم ترق بل زعق بها
وعلى الرغم من شحوب وجهها إلا أن لمعة عيناها الۏحشية تولت الدفاع والھجوم في آن واحد
كان يهمك أووي
رد بكلمة باترة لشكوكها الهزيلة
صلبي
اهتزت نبرتها پبكاء مكتوم
مع أنه كان بيربطك بيا
اقترب منها بغضبه الأعمى
مافيش حاجة تقدر تربطني وأنت دلوقت مسئولة قدامي عنه الدكتور قال أنك أجهضتي بسبب المجهود الزيادة سفر وتنطيط ومارينا
أنت سيبتني أخرج
وأنت مش هتلوي دراعي
زعقته بها هزت بدنها حتى وضعت كفيها أعلى أذنيها وهي ترجوه
كفاية أرجوك كفاية أنت مش حاسس باللي فيا
أخذ نفسا عميقا ليهدأ قليلا وأشاح بوجهه بل وبجسده بعيدا عنها واتجه للنافذة المغلقة وسرح بأفكاره في الأفق الأزرق فوقه أعليه تقع مسئولية فقدانها لجنينهما أيضا! لا بل هي المسئولة بالكامل هي من عصته ومن ستدفع ثمن عصيانها همستها به قطعت حبل أفكاره
خلينا واقعیین یا جاسر أنت من الأول لا كنت عاوزني ولا عاوز طفل مني
الټفت لها وقال بعد فترة طويلة من الصمت المشتعل
جایز لكن حصل وحملتي وبالتالي بقا واقع وبقا ليا حق فيه وأنا مبضيعش حقي وحتتحاسبي على إهمالك
هزأت به
حساب الملكين
اشتعلت عيناه وقال مهددا
ويمكن أكتر
سقطت دمعة أخرى وبهمسة حاړقة
وحقي أنا فين
بدا وكأنه غافلا عما تقول فتابعت
كنت بحلم بيك بطفل منك بحياة بينا ولقيتني على أرفع هامش عندك كل ما أقرب کنت بتبعد وأضحك على نفسي وأقول بكرة يمكن وبكرة عمره ما هيجي
بتر حديثها ودون شفقة
جوازنا كان صفقة بشروطك يا داليا لو كنت شرطتي الحب كنت رفضتها
ودمعة ثالثة ورابعة وحتى العاشرة تابعت السقوط ومابعد العاشرة توالی دون صمود وهي تهمس به
طلقني
عقد حاجبيه واهتزت نبرته
فکري کویس یا داليا غيرك طلبتها ومتنتهاش
وبنفس الأعين المغرقة بدموعها رفعتها له قائلة
الصفقة خسرانة يا جاسر
أخذ نفسا عميقا وقال بصوت جامد وقلب متحجر
أنا هخلص إجراءات الخروج وأوصلك بيتك وورقتك وبقية حقوقك هتوصلك لحد عندك
قهوة الصباح التي أصبحت تحرص على تناولها مؤخرا في مكان أبيها الراحل المفضل كانت علامة بينة على أن ابنتها تمر بمنعطف جديد بحياتها ورغم تاكل مفاصل ركبتيها إلا أنها حملت كوب الشاي خاصتها وصعدت للأعلى لتنضم لإبنتها السارحة بملكوت الله انتبهت لطرقات عصا والدتها فرفعت رأسها دهشة وقالت
خير يا ماما فيه حاجة
ابتسمت لها أمها بمكر وقالت وهي تتجه لتجلس جوراها
أنا برضه
عقدت سالي حاجبيها وقالت
قصدك إيه يا ماما
حدقت بها أمها بنظرات فولاذية وبنبرة أشد صلابة قالت
مروحتيش شغلك بقالك يومين ليه يا سالي وحتى النادي وولادك يا دوب بتنزليلهم الصبح تاخديهم تفسحيهم جمب البيت وترجعيهم قبل المغرب
تنهدت سالي بتوتر وقالت
عادي يا ماما واخدة أجازة وبعدين هوا لازم أروح النادي كل يوم الولاد كمان بيزهقوا
ظلت مجيدة تنظر لإبنتها صامتة حتى قالت
مخبية عني إيه يا بنت محسن
ابتسمت سالي وترقرقت دمعة بعينها لذكرى والدها الحبيب وقالت بصراحة مطلقة
بصراحة أنا هربانة
رفعت مجيدة حاجبيها بتعجب وقالت بشيء من الحسړة
رجعت تهربي تاني عملك إيه المرادي!
وكأن ماينقصها أن ټقتحم ذكراه حديثهما فقالت بضيق
مش جاسر يا ماما
أمسكت مجيدة بكف صغيرتها وقالت برجاء
إحكيلي وريحيني
ردت سالي بسرعة لكأنما تتخلص من عبأ أثقل كاهليها
کریم اتقدملي
ارتسمت إمارات الفرح مخلوطة بحيرة على ملامح مجيدة التي قالت
وأنتي هربانة ليه الإجابة با آه یا لاء
ردت سالي بحزن
ما أنا مش عارفة أجيبهالو إزاي
هزت مجيدة رأسها وقالت
طب وقررتي ترفضي على أنهي أساس ايه اللي خلي تفكيرك يقولك لاء
اعترضت سالي بسرعة
ياماما أنا مفكرتش أفكر في إيه بس والولاد و . . .
وضعت مجيده الكوب بحدة وقالت حانقة
جاسر ! عاوزة ترجعيله عشان ولادك يبقى تتصلي بيه وتتفاهموا إنما تقعدي حاطه إيدك على خدك تستني ياخد خطوة يبقى بتحلمي يا سالي
ردت سالي پغضب لكأنما تصبه فوق رأس أمها دون أن تدري
ومين قالك إني عاوزة أرجعله ولا أني هقبل أني أنا اللي أطلبها وليه بحلم ليه على طول معاه أنا اللي بتذل
وتقبلت أمها ثورتها الغاضبة بصدر رحب وقالت بهدوء
يبقى بترفضي الجدع ليه
تاهت سالي مجددا في بحور حيرتها حتى قالت
أنا مش جاهزة إني اربط نفسي من تاني ولا أخوض تجربة من جديد
أمسكت مجيدة بكف ابنتها وقالت
فاكرة أما أبوكي الله يرحمه اشتری عجله حمرا ليكي وزرقا لسيرين سيرين بسرعة اتعلمت وركبتها وأنت كل اليوم الصبح کنت تطلعى هنا تاخدي العجلة في أيدك وتلفي بيها من غير ما تركبيها لحد ما العجلة صدت والبارومة أكلتها وزعلتي سيرين وأختك إديتك بتاعتها وساعتها ركبتيها
نظرت لها سالي وهي لا تدرك المغزى من وراء تلك الحكاية التي تعود لأوائل عهد طفولتها فتابعت والدتها بلطف
متضيعيش الفرصة من إيدك يا سالي جربي يمكن تكوني جاهزة وخۏفك بس اللي مانعك فهمست سالي بها
یعني أنت موافقة يا ماما
تنهدت مجيدة وقالت بحكمة بالغة
خلينا واقعيين ياسالي جاسر واتجوز ومراته حامل وأنت عشان تتطلقي سيبتيله بنتك في الأول مكنتش موافقة بس بعد كل اللي حصل أنت اتصرفتي صح وعشان مصلحة الولاد ميبعدوش عن بعض وأنا وهيجيلي يوم وأفارق الحياة وعاوزة اتطمن عليك بدال متعيشي لوحدك
تنهدت سالي بحزن
بعد الشړ عليك بس الولاد . .
قاطعتها مجيدة
بنتك ياسالي سليم ابن جاسر وبكرة الاتنين يكبروا ويفهموا ومن مصلحتهم يعيشوا الاتنين سوا في عز أبوهم ومهما جاسر يعمل ساعة ما هيكبروا هيختاروا الجمب الحنين عليهم مش مرات أبوهم
رت دموع سالي رغما عنها فربتت مجيدة على كفها بحنا ودفنتها في أحضانها
الحياة مش سهلة يابنتي متوجيهاش لوحدك إنت محتاجة السند خدي فرصتك ياسالي متفرطيش فيها
وكأن ما ينقصه تلك الأحرف نظر لها متوعدا وقال
أقدر أفهم بتقدمي إستقالتك ليه دلوقتي عملتلك إيه أنت كمان
ابتسمت درية بمرارة وقالت هازئة
من ناحية عمايلك فعمايلك يامه لكن المرادي مش أنت السبب
نهرها بإصبعه مهددا
درية
جلست وهي تقول بسخرية تشربتها منه بحكم العشرة
أصلي هتجوز عقبال عندك ولو أنها تبقى رابع
مرة لكن مش خسارة في طيبة قلبك
احمرت نواجذه وقال متجاهلا تعليقها لاذعا إياها بسؤال أشد سخرية
فجأة كده ومين عريس الغفلة
فرفعت حاجبها وقالت بنبرة تحمل ټهديدا
عقيد سابق في الجيش
تراجع للخلف وقال بشبه إبتسامة مريرة
آآه ده اكيد من طرف الوالد بس ياترى إيه اللي غير رأيك
نظرت للأفق خارج نافذته العريضة وقالت
کلنا لازم يجي علينا وقت ونتغير يا جاسر زي النخيل اللي بره دي لو مكنتش تتغير وتنحني للريح هتتكسر ومش هتقوملها قومة
خرجت وتركت أنظاره معلقة لجذع النخلة الذي كان يتمايل مع رياح الربيع القوية على غير العادة الناس من حوله تتغير حتى الأقوياء منهم كدرية علي سبيل المثال وليس الحصر تغيرت أيضا ربما كانت القوة في القدرة على التغير والتكيف مع الجديد من الأمور فالتغير في نهاية الأمر ليس بهزيمة نكراء وخذلان عزيمة لربما كان العزيمة ذاتها فالصڤعات التي يتلقاها كبريائه على نحو دائم مؤخرا آلمته وهو يتمسك بكونه لن يتغير أبدا كنوع من الدفاع المضاد ولكن ذاك التمسك الأعمى كلفه الكثير كلفه زوجة مطيعة وبيت هادیء وحياة مستقرة ومؤخرا فقد جنينا لكأنما شعر أنه سيكون معذبا في الأرض كأخوته إن حمل کنیته ورغما عنه يشعر بمرارة خذلان ومسئولية تجاه تلك التي سعت إليه فبالنهاية عقد الزواج كان يحمل توقيع إسمه إلى جوارها نظر للأوراق أمامه وتعلقت نظراته التائهة بطلب درية للإستقالة فحملها بصمت وخرج من غرفته حاملا سترته أيضا وكنوع من التغيير الذي كان ينبذه لم يعلم إلى أين !
لربما كان في الماضي صاحب الخطوة الأولى حتى تولت هي زمام الأمور بحكم العادة ولكنه عاد ليصحح مسار حياتهما معا ويكون هو القائد دون و منازع ترجل من سيارته الحديثة أمام مقر شركتها وصعد حاملا زهور ابتاعها خصيصا لها سار بثقة آل سليم نحو المصعد حتى وصل إلى حيث مكتبها
متابعة القراءة