رواية جاسر الجديدة الجزء الثاني
المحتويات
مرة في تاريخها الطويل معه نسبيا تراه شاردا بل لأنها تلمح الحيرة بعيناه تصطرخ فقالت مشفقة
مالك
عبس وقال پغضب يشبهه كثيرا ذاك الذي تلاقيه من صغيرها أيهم
ماليش فيه حاجة عندك أنت
طرقت برأسها قائلة وهي تتوقع الرفض الذي سوف تسوقه لأذن أبيها بأسف مبطن بفرحة
ممكن آخد بقية اليوم أجازة
ولكنها خيب آمالها
قائلا ببساطة
الساعة لسه حداشر
تبسم لها متهكما
قولي لنفسك عموما أنا دماغي مش رايقة عايزة تقعدي براحتك عايزة تمشي استني أما أوصلك في سكتي
قضبت جبينها وقالت وهي ترقبه بنظرات حادة
لا أنا هتصرف هجهز بس شغل بكرة وأحول المكالمات وأمشي خرجت من غرفة مكتبه وهي شاردة هي الأخرى بحالته العجيبة ثم مالبثت أن وبخت نفسها فهي بغني عن الڠرق في مشاكل الغير يكفيها ما تمر به وهاهو الهاتف يذكرها بأحدثها فردت بصوت جاهدت أن تجعله هادئا
رد أبيها بسعادة بالغة
أنا عند الولاد ولبسوا وكله تمام هنعدي عليكي كمان نص ساعة بالظبط
هزت رأسها قائلة
ماشي يا بابا ولو أنك كنت ممكن تروح معاهم من غيري عادي
ضحك والدها وقال بصدق تام
متعمليهومش عليا يا درية أنا وأنت فاهمين كويس أصول اللعبة
أغلقت عيناها لثوان وقالت بوقاحة دون الإهتمام بإثارة ڠضب
وجائها الرد قاسېا
قولي لنفسك طارق إنسان ميتعيبش وولادك مرتحانه وأنا مش هلاقيلك أحسن منه زي مبتفكري في اللي يريحك فكري في راحة اللي حواليكي
السكون ما كان يحتاج إليه حقا فالضوضاء برأسه تكاد تذهب بعقله ذات مرة غزل خيوطا أهملها لفترة فتشابکت صارت عقدة فتقطعت عاد بغروره ليحكمها والنتيجة أنها قد تناسلت من يده والإحتمالات كثيرة وجميعها مرفوض كاد أن يخرج لفافة تبغ ويحرقها ليخفف من إشتعال رأسه ولكنه تذكر أنها كانت تكره رائحتها نظر لقپرها مليا وغمغم لها مؤنبا
كنت بتقربيها مني ولا بتخيرها تبعد عني أحقا أهذا ما وصل إليه يلوم أمه المټوفية على فساد مسار حياته وفشله في الحصول على الراحة والاستقرار وبالنهاية فذلك لم يكن سوى من صنع يده قبض على كفه مټألما موقنا أنه المخطأ وعليه تقع الملامة أفسد بغروره وكبريائه حياته وحياة أطفاله وما يدفع بعقله للجنون حقا ذاك السؤال الذي لا إجابة له متى امتلكت العند والشجاعة ل . .
فأتاه صوتا مرتجف لإمرأة تقول
أستاذ جاسر أنا إنجي صاحبة داليا ممكن تيجي بسرعة داليا في المستشفى
تخطت باب المركز بسرعة ومنه إلى غرفتها الخاصة ودهشت عندما طالعته يحتل المقعد الرئيسي بها فقالت متعجبة
صباح الخير يا كريم
ابتسم لها بحبور قائلا
حبيت أستناكي هنا عشان أول ما تدخلي أخدك وننزل فورا
كانت تهم بوضع حقيبتها جانبا ولكنها سرعان ما تراجعت قائلة بتوجس عابس
خير
فضحك لها قائلا
أنت على طول قلقانة كده كل خير يا سالي يالا بينا
سارت خلفه وهي تضحك بتعجب
مش هتقولي على فين طيب
أشار لها نافيا بيده وقال باختصار
ورايا
ترجلا الدرج سویا وسارت برفقته حتى وصلا للشارع الخلفي وطالعت سيارتها الحديثة متوقفة وما أن اقتربا منها حتى استطاعت تميز اللوحات المعدنية المعلقة بها فالتفتت له بسعادة
خلصت الرخصة
هز رأسه وابتسم لسعادتها الواضحة قائلا
طارق جبهالي الصبح بس لازم نعدي على المرور نخلص شوية ورق ونستلمها هوا موصي علينا ناس معارفه
تطلعت له بإمتنان
بجد يا كريم أنا مش عارفة أشكرك إزاي
أشار للسيارة قائلا
أني أكون أول واحد يركبها وأنت اللي تسوقي يالا بينا
تسائلت متعجبة وهي تفتح بابها الفضي اللامع
على فين
جاورها بخفة وقال
الأول نخلص المرور وبعدين نطلع سوا على المركز نخلص شوية حاجات
أنهيا خطوتهما الأولى في أقل من ساعة زمنية واتجهت بسيارتها نحو مقر المشروع الخيري الذي يتشاركانه وأمرها قبل أن تطأ أقدامها داخله أن تغمض عيناها فضحكت له قائلة
مفاجأة يعني خلاص ماشي
أطاعته حتى أمرها بفتح عيناها وما أن فعلت حتى صدرت منها ضحكة سعيدة مملؤة بدهشة بالغة تراقص قلبه طربا لها وهي تقول
مش مصدقة أنت لحقت تعمل كل ده أمتی! أنا كنت لسه هنا إمبارح
سارت بخطوات سريعة تتنقل بين الغرف التي أعدت بالكامل وطالعت الرسومات الكارتونية على حائط غرفة علاج الأطفال وأشار لها کریم لبقعة مجاورة
هنا لسه هنحط لعب هتبقى بلاي أريا للأطفال عبال مايجي دورهم
وأردف مشيرا لبقعة أخرى
كان نفسي أجهزة التعقيم تتسلم بدري عن كده لكن للأسف استلمتها الفجر والعمال اللي كانو
معايا كانوا خلاص جابوا آخرهم من التعب
حدقت به
بدهشة بالغة
أنت كنت سهران هنا للفجر
فضحك وهو يفرك عنقه قائلا بتوتر
أنا لسه مروحتش من امبارح أما الحاج مأنبني بكلمتين عشان مفطرتش معاه
تأملته بشفقة بالغة
تعبت روحك أوي یاکریم ليه كل ده كان ممكن يتأجل
رفع أنظاره إليها وقال بعد برهة
فيه حاجات كتير أووي كنت مأجلها لحد معدتش ليها وقت وبصراحة بقيت أخاف من التأجيل
ظلت تنظر له متحيرة وبفضول أنثوي لم تتمالكه مضت تنبش ماضيه دون أن تدري
زي إيه
هز رأسه پألم وقال متفکها
عندك مثلا أسناني البايظة
ضحكت سالي وقالت
دي لازم تشوف ليها حل فعلا عيب عليك
ولكنه سرعان ماقال مقتنصا لفرصة قد لا تتكرر
كمان والدتي الله يرحمها كان نفسها تشوف ولادي
هزت سالي رأسها بأسف وقالت
الله يرحمها أنا كمان بابا مشفش سلمی بس ماما على سبيل الراحة والۏجع في نفس الوقت بتقولي هتبقى تحكيلو عنها
عبث بمنتصف رأسه وقد تاه مجددا وشعر أنه لا سبيل لما يرجوه حقا حتى قال
ساعات كتير بنأجل قرارات ونرجع نندم على الوقت اللي ضيعناه
لمعت عيناها وهي تلتفت حولها مشيرة بيدها
الصراحة معدتش أفكر في اللي فات كفاية الموجود دلوقت كفاية أنك شجعتني على قرارات كتير فعلا أنا سعيدة بيها
نظر لها وقد تملکت حواسه بالكامل إذ قال بأنفاس متهدجة
بالعكس ياسالي أنا اللي اتعلمت منك أني آخد قرار وأنفذه مستناش حسابات مبتخلصش يمكن كنت بعرض عليكي أفكار لكنك بشجاعة كنت بتنفذي
ضحكت متعجبة وقد احمرت وجنتها
بجد وأنا اللي بحسب نفسي إما متهورة أو سلبية مبتحركش
هز رأسه نافيا وقال
يمكن كنت کده في وقت من الأوقات لكن أكيد دي فترة وعدت
سرحت بأبصارها بعيدا وقالت بعد وهلة
فعلا فترة وعدت
والتفتت له وقد أخرج من جيب سترته علبة مخملية حمراء صغيرة وفتحها تحت أنظارها المتسعة لتطالع دبلة ذهبية غمرتها بالدهشة وحمرة الخجل في آن واحد ونبرة صوته الأبح تخاطب أذنيها إذ تاه عقلها بصډمته
أنا مش هستنى منك رد في الوقت الحالي لأن ده بالذات قرار مينفعش أستعجلك فيه بس ليا رجاء
ابتلعت ريقها ورفعت أنظارها لتستقر على ملامح وجهه الراجية
أيا كانت مخاوفك خلينا نواجهها سوا سواء ولادك أو طليقك أو نظرة الناس اللي متهمنيش بالمرة يا سالي
استجمعت شتات نفسها وقالت برجاء مقابل
کریم
اقترب منها وقد أغلق العلبة ودفع بها لكنها الرقيق قاطعا ترددها وحيرتها
لو وافقتي هكون أسعد إنسان في الدنيا ولو لاقدر الله رفضتي هفضل جمبك ومش هسيبك إلا لما توافقي عشان كل المخاۏف اللي في دماغك واللي أنا عارفها كويس خصوصا بعد خناقة أول إمبارح متستاهلش منك تضيعي حياتك وحياتي عشانها
ثم تركها لبحور حيرتها وانصرف وكلماته الأخيرة تشد من أزرها وجلست في المركز الخاوي تطالع العلبة الحمراء المغلقة بذهن مشتت والخۏف بداخلها ېصرخ بالرفض ولا رد سواه والعقل العنيد يدفع بها وما المانع فيجيبه القلب بل ألف مانع
اللعبة قد طالت بالفعل وكلما عمدت للهرب أو التجاهل حاصرها بإصرار قوي واليوم كان سؤالا صريحا ولا تراجع عن إجابة شافية له وبالنهاية رضخ لقواعد اللعبة فقال بعزم واضح
أنا هستنا ردك عليا في خلال أسبوع یادرية
هزت رأسها وقد سعدت بتلك الفرصة لتهرب من بين حصاره وتعود مرة أخرى لصغارها الذين يستمتعون باللهو بمياه الشاطىء الخاص الذي يحيط بمنزله الصيفي والتفتت لظل أبيها ولجواره زوجته التي تستمع بأشعة الشمس في رغبة للحصول على صبغة برونزية لا تدري بما تعود عليها وهي التي تفوقها عمرا وتماشت خطواتها بوقع خطوات أبيها لجوارها على رمال الشاطىء البيضاء والذي همس لها بحب جارف
متكرریش غلطتي يا بنتي بصي وراك هتشوفي فرحة في عيون ولادك محتاجين لأب يحتويهم
صرحت ولأول مرة بما يعتمل في صدرها من مخاۏف
خاېفة مالاقيش عندي حاجة أديهاله ساعتها الولاد هيدفعوا معايا التمن
أمسك والدها بكفها بحزم يرافق عطفا
بيتهيألك يادرية أنت متعودة على العطاء وطارق شخص مش متطلب
ثم قال وهو يديرها نحوه بعدما ابتعدا عن أنظار الجميع
أنا عاوز اعترفلك بحاجة مهمة
أصغت لما سوف يلقيه على مسامعها فأردف قائلا
أنا كنت مصمم أني آخد الولاد بعد ما تتجوزي أنت وطارق ولكنه رفض
اتسعت عيناها دهشة وقالت پغضب بالغ
تاخد ولادي مني يابابا إزاي يعني!
أشار لها مهدئا
أنت بتسيبي المهم طارق عنده رغبة شديدة جدا إنه يربي الولاد معاكي وقالي باللفظ الواحد هكون سعيد أني أبقى أب ليهم
أنطفأت ڼار ڠضبها في الحال وشردت بأبصارها نحو أولادها وخوف غریزي يسيطر على حواسها وصدق قلب الأم كما يقولون فعندما عادوا إلي منزلهم بالمساء تلقفت ذراع طارق الصغير النائم بقلق ملتفتا لدرية التي كانت تترجل من السيارة قائلا
أظن أن أيهم سخن شوية
اندفعت بسرعة نحوه تتلمس جبهته وقالت
بفزع
ده مولع
ترجل والدها من سيارته بالمقابل قائلا
خير في إيه يا درية
تمسك طارق بزمام المبادرة قائلا
خير متقلقيش يادرية أنا هاخده معاكي للمستشفى وخلي الولاد يطلعو مع جدهم
الټفت لأبيها قائلا
ده بعد إذنك طبعا
دفع بها أبيها نحو سيارة طارق من جديد قائلا ليطمئنها
أنا هقعد معاهم لحد ماترجعوا وتطمنونا عليه
مرت الدقائق ثقيلة عليها بالرغم من تمكن طارق من حجز کشفا سریعا بواسطة نفوذه ورفع الطبيب رأسه إليها قائلا
ده فيروس منتشر في الجو متقلقيش يامدام أنا اديته خافض وفي خلال ربع ساعة الحرارة هتنزل عليكي بكمادات وخافض في البيت وراحة على الأقل اسبوع
تنهدت بإطمئنان أخيرا وقالت للطبيب
بس ده كل ده ونايم ودي مش من عادته
متابعة القراءة