رواية جاسر الجديدة الجزء الثاني
المحتويات
حفلاتك البايظة والفستان اللي أنت ناويه تخرجي بيه ده وشوفي أنهي قاضي هيسيب حضانة طفل بريء لأم مستهترة زيك
ولكن تهديده لم يلقی صدا بداخلها إذ استيقظت شياطين أنثى شعرت ولثاني مرة بتاريخها معه بالدونية وعدم الأهمية فاتجهت نحوه بثبات وسحبت لفافة التبغ من فمه وألقتها أرضا ودعستها بحذائها المدبب قائلة بترفع
وسارت في طريقها نحو الخارج دون أن تلتفت نحوه مرة أخرى کابحة دموع لا تغفر ضعفها الذي تمكن منها أمامه لوقت طويل.
تأجيل المواجهة لن يمنع حدوثها كما أنها اشتاقت وبشدة لأحضان صغارها بذهن مشتت لملمت أشيائها وعزمت على التوجه لهم في الحال والاعتذار عن متابعة بقية الحالات التي قد ترد إليها استوقفها کریم قبیل انصرافها ببضع دقائق أثناء إجرائه مكالمة تليفونية قائلا بحزم
توقفت قدماها عن الحركة بتوتر بالغ وانتظرته حتى أنهى إتصاله وباغتته على الفور
أنا اعتذرت بقية اليوم وهبقى أعوضه بكرة إن شاء الله
كان ينظر لها متعمقا داخل خبايا نفسها وقال بصوت هامس
هتروحي للولاد
نظرت له بضيق متعجب لقد أصبح مطلعا على تحركاتها بالرغم أنها لا تخبر أحدا بها حتى أنها لم تعلم شيئا عن المواجهة التي حدثت منذ يومان فهزت رأسها صامتة فتنحنح کریم بإبتسامة مضطربة قائلا
هزت رأسها وهي تتحرك بتعجل نحو الباب الرئيسي
ولا يهمك
أنا كويسة
سار لجوارها مشيرا لهاتفه
على فكرة ده كان واحد معرفه وهيخلص ورق المرور بإذن الله على بكرة أو بعده أنا بس وقفتك يمكن يعوز مني حاجة تقوليهالي قبل ما تمشي فالتفتت له بإمتنان عميق وشعور داخلي بالخزي إذ أنها كانت جافة وقاسېة بردود أفعالها على مدار اليومين السابقين معه ولكن ذلك لم يمنعه عن التحرك لصالحها فقالت بأسف عمیق
الټفت إليها وظل صامتا لبضعة ثوان حتى قال
أنا مش عايز اسمع الكلام ده منك تاني يا سالي أنا ميهمنيش إلا أني أشوفك متطمنة
تنهدت وهزت رأسها فأين لها بالطمأنينة والراحة! وأشارت له بحركة من يدها مودعة وبالمقابل تلقت منه إبتسامة مشجعة كانت رفيق لها حتى وصلت القصر وتلقفت بأحضانها صغارها وقبلاتهم المتفرقة أشاعت في نفسها البهجة والسرور وأطفأت ڼار الاشتياق وبالمقابل أشعلت ڼار الحسړة والفقد وكأنما استشعر الصغار حاجة أمهم للهدوء والسکينة لم يلقوا إليها بكلمات اللوم والتقريع لغيابها عنهم بل جذبتها سلمى لتريها ما رسمته خلال الأيام الماضية فتلقفتها سالي بأحضانها وأجلست سلیم بالقرب منها وهي تطالع رسوماتها المضحكة قائلة
فقالت سلمى بطفوليتها المحببة
ده أنا وأنت وسلیم وتیته مجيدة
دغدغدتها سالي قائلة
وأنا مالي طويلة أوي كده
ضحكت سلمى وقالت
لاء ده عشان احنا وتيته قاعدين وأنت بس اللي واقفة
ضحكت سالي وقالت
آه قولتيلي بقا
ولكن سرعان ماغابت ضحكتها عندما أردفت سلمی
بصي دي كمان دي أنت وبابا على البحر وأنا بعوم مع السمكة
كفاية بقى يا سلمى خلي ماما تشوف عملت إيه بالمكعبات
وقفز ليريها ما خبئه بجوار فراشه وعندما طالعته سالي حتى تراسمت معالم الدهشة والفرحة جنبا إلى جنب على وجهها قائلة
برافو ياسليم جميل جدا عملته کله لوحدك
هز سليم رأسه بفخر إذ مضى وقتا طويلا في رص المكعبات ليشكل بها قصرا شبيها بالذي يسكنه وضحكت سالي وهي تقترب منه قائلة بذهول
ده أنت حتى الشجر عملته
قال سليم بعفوية
دي شجرة بابا تیته سوسن قالتلي عليها
تهرب من رسمة سلمى التي تحمل ذكري جاسر لتصطدم بمجسم سليم الذي يحمل بصمته وستظل تدور في دوائر لا نهاية لها ولا بداية إلا بجاسر نفضت عن رأسها أفكارها السلبية وقالت
ياله غيروا هدومكوا عشان أنا عازما کوا على الغدا بره
قفز الصغيران بسعادة وابتسمت سالی ولكن سرعان ما غابت عنها بسمتها إذ قاطعها صوته بحزم قائلا
وأنا اللي جاي اتغدا معاكوا خلاص نروح نتغدی کلنا بره سوا
التفتت له شاحبة وهي تطالع ساعة الحائط بضيق لمحه جاسر بسهولة بالغة وقال بنبرة ذات مغزى وقد ضاقت عيناه في إنذار صريح أنه لن يقبل بالرفض
ياريت لو نتكلم خمسه في مكتبي عبال ما الولاد يغيروا.
وبإحدى مميزاته التي لا يختلف عليها إثنان وبشجاعة المواجهة التي لازالت تفتقر إليها باغتها بسؤال حاد المقاطع في اللحظة التي أصبحا بمفردهما في غرفة مكتبه
مين ده اللي كنت واقفة معاه أول امبارح
ظلت تنظر له صامتة لوهلة وهي ترقبه بأعين واسعة حتى قالت بضيق بالغ
وأنت بأي حق تسأل وبأي حق أصلا تتهجم عليه
تسارعت خطواته نحو الباب وأغلقه پعنف أفزعها وقال وهو يشير بإبهامه محذرا
حذاري يا سالي أنا لحد دلوقت متمالك أعصابي معاك
توترت أوصالها وقالت بعند
هتعمل إيه ياجاسر هتضربني أنا كمان
زعق بها
متستفزنيش يا سالي عشان مترجعيش ټندمي وردي على السؤال مين ده وإزاي توقفي تضحكي معاه في الشارع!
اتسعت عيناها بفرط الدهشة وفغر فمها للحظات وهي تطالع نسخته الغاضبة حتى قالت بهدوء جم لا تعلم كيف استحوذت عليه بل وأيضا بإصرار مطلق
معدتش من حقك أنك تدخل في أي شيء يخصني يا جاسر واقفة مع مين بضحك مع مين بخرج مع مين حتى خلاص معدتش من حقك زي ما أنت عايش حياتك أنا كمان عايشة حياتي
اقترب منها وبأنفاس مشټعلة كاللهيب قال
كل شيء يخصك من حقي يا سالي ولمصلحتك متعمليش اللي
أنا مش راضي عنه عشان لحظة ما هترجعي هيكون حسابك عسير عن كل شيء خالفتيني فيه
وربما ظنت أنها لن تندهش من شذوذ أفكاره وتقازم تواضعه بعد ما حدث لهما ولكنها لم تتوقع أنه قد يصل به لمستوى أبعد! فضحكت برقة ولكنها لم تتمالكها كثيرا إذ اتسعت وتصاعدت نغمتها حتى قالت وهي تراقب أنظاره المستعرة بدهشته
أنا حقيقي مش فاهمة إزاي متوقع أني أرجعلك وأنت زي ما أنت متغيرتش لاء وبتهددني كمان !
فرد فورا
وعمري ماهتغير
هزت رأسها وهي توافقه الرأي
ده صحيح أنت زي ما أنت فعلا جاسر بشركاته بفلوسه بمراته الحامل بحياته اللي عایشها بالطول والعرض من غير ما يفكر في اللي بيدوس عليه
عشان يكمل هوا طريقه
واقتربت منه بتحدي أعظم وهي تلكزه بأصبعها فوق صدره
لكن أنا اللي اتغيرت ياجاسر أنا معدتش أقبل بأقل من الحياة اللي دلوقت عيشاها وتسارعت خطواتها للخلف في إشارة واضحة للإنصراف ونهاية الحديث بينهما وهي تقول
ومع الأسف أنت غير مرحب بيك في الغدا اللي أنا عازمة ولادي عليه
واقترب هو منها بخطوات أسرع
قصدك ولادنا اللي أنا بكرم أخلاق مني سامحلك تشوفيهم حتی بعد تصرفاتك
قالت برفض سريع وهي تستدير مرة أخرى لتواجهه بهدوء
لاء مش کرم أخلاق منك ده شرط وإتفاق بينا أنت ملزم بيه كان شرط طلاقنا وراجع الشريط كويس ياجاسر ولو نسيت فأنا فاكرة كل كلمة ومشهد منه وعمرى ما هنساه وخرجت من الغرفة وقد أسدلت بكلماتها الأخيرة ستار نهاية المواجهة وهي تنادي بصوت مرتفع على طفليها لتجتذب كفوفهم الصغيرة نحو الخارج تحت مرأى عيناه التي تبعتهم كالصقر المتحين للإنقضاض على فريسته وهو يوقن پغضب مستعر بأعماقه أنه قد انسلت منه خيوط لعبته في غفلة منه في خضم الحياة وكثرة التفاصيل المحيطة بها قد تنسى أو تتغافل عن أشياء حتى تستطيع المضي قدما ولكنها لم تنسى أرقام هاتفه حتى بعدما مسحتها من ذاكرة الهاتف ظلت تنظر للأرقام التي تضيء شاشته حتى ردت بشجاعة تفتقر إليها في الواقع وجائها صوته مرحبا بتأنيب
أنا انتبهت إني مدتكیش عنوان الكافية بس استنيت تتصلي بيا على الأقل
تنهدت آشري قائلة
سوري يا زیاد بجد أنا مش عارفة أقولك إيه
همس متخوفا
قولي اللي يخطر على بالك فورا یا آشري أنت طول عمرك بتقولي الصدق
تهدل كتفيها وأقرت بصدق
کنت هكذب وأقولك أن بابي تعبان ومقدرتش أتصل
رد بسرعة
والحقيقة
عبثت بأطراف الأوراق التي تقبع أمامها وقالت
الحقيقة أننا بنعيد نفس السيناريو من غير ما ندي لنفسنا فرصة نصلح أخطائنا
أقر بصدق نادم
أنا بدأت یا آشري أصلح كل أخطائي لكن كعادتي محتاجك جمبي تاخدي بإيدي
ظلت آشري صامتة لفترة طويلة وهي لا تعلم بم تجيبه حقا لقد فقدت القدرة على دفعه وتصحيح أخطائه إذ تبين لها بنهاية الأمر أنها كانت مخطئة تماما في توجهاتها نحوه وكأنما لمس حیرتها بيده قال
خلينا نتقابل يا آشري الكلام علي التليفون مش هينفع
كان عازما على تجاهل مكالمتها التليفونية للمرة الرابعة على التوالي ولكن ما حثه على الرد تلك الرسالة النصية التي يطالعها والتي تتضمن قرار لسفرا بلا عودة أتاها صوته بتحية مرتجفة فقالت
یعني كان لازم أبلغك برسالة عشان ترد
فتنهد ضائقا
إيه معنى اللى أنت كتباه ده یاریم
هزت رأسها وهي تخط تقريرا طبيا موقعا بإسمها
ده قرار کنت مترددة فيه وأنت ساعدتني أخده
غمغم بدهشة
تسيبي مصر
فأردفت بنبرة جادة
أنا طول عمري برة مصر وحتى لما كنت برجع مكنتش بلاقي نفسي
قام وسار بضعة خطوات قائلا
وأنا اللي طفشتك النهاردة
ضحكت برقة وقالت
أنت بتدي لنفسك حجم كبير أووي أنا لو صممت أني أقعد كنت قعدت لكن ده القرار الصح
هز رأسه بحيرة قائلا
أومال إيه حكاية أني ساعدتك تاخدي القرار ده وليه دلوقت
تركت الأوراق جانبا وقالت وهي تسرح بفكرها لمساء تلك الرحلة الصاډم فزمت شفتيها وقالت بحسم
أنا اكتشفت أني أنا كمان کنت بهرب بهرب من فكرة أننا مش مناسبين لبعض وأننا بنضيع وقت مش أكتر لذلك قررت أعيد تصحيح مسار حياتي وأركز في الوقت الحالي على شغلي وبس ولا أنت شايف غير كده يا أسامة
تاهت منه الأحرف وغربت عن سماء أفقه الكلمات وظل شاردا ولكنه بداخله يعلم أنها محقة هو لن يستطيع التمسك بها وإثنائها عن قرارها والتراجع عنه إذ أنه لا يملك أدنى فكرة عما يكون الوضع بعدها بينهما فهو لا يملك نحوها تلك العاطفة الجارفة وأيضا لا يستطيع التخلي عنها بشكل حاسم ونهائي فهي بحقيقة الأمر لم تكن سوى لعبة كان يدور بها من حين الآخر يهرب بها من واقع حياته المزرية ووطأة شعوره بالوحدة تنهدت وقالت
الرد وصل
هتف بسرعة
ريم أنا . . .
قاطعته بحزم فوري لكأنما تلقي بأمرا غير قابل للنقاش
مستنياك النهاردة الساعة عشرة قدام بوابة المستشفى تسلم عليا طائرتي الفجر سلام
كان ممسكا هاتفه شاردا حتى بعدما نادته للمرة الثالثة فأخذت قرارا بالطرق على سطح مكتبه لعله يجيبها قائلة
جاسر
رفع رأسه إليها فزعا قائلا بحدة
فيه إيه بادرية
رفعت حاجبيها تعجبا ليس لأنها ولأول
متابعة القراءة