رواية جاسر الجديدة الجزء الثاني

موقع أيام نيوز

ولكنها تخشی توابعه فوقت الفراغ الذي يقضيه أبنائها بعد حصولهم على إجازة العام كان دوما أمرا شاقا ينتهي بتدخل والدها الضاري والذي يسعد به الأحفاد أفكار انغمست بها حتى أنها لم تلحظ أنه كان يراقبها لدقائق منصرمة وهي تحيط نفسها بعدة أوراق وملفات وأصابعها تعبث بها بطريقة عشوائية ليست من شیمها وعندما لاحظته أخيرا ارتسمت على وجهها نظرة مؤنبة وقالت
خیر یا باشمهندس!
اقترب منها مانحا إياها إحدى نظراته الماكرة دون حساب قائلا ببسمة متواضعة
أبدا كنت جاي لجاسر 
قالت وكأنما تهذب طفلها المشاكس
أظن أنت عارف أنه بقي بيتأخر الصبح شوية 
هو كان يدرك تلك المعلومة إذ أن أخيه بحالة نفسية سيئة بعد رحيل أمهما فأصبح يستغرق وقتا في الاستيقاظ والتوجه بهمة لعمله ولدافع قوي ليعود لمنزله البارد دونها ودون طيف زوجته السابقة فقال وهو يهز رأسه بهدوء
طيب أن هدخل استناه جوه وهاتي البوسطة أمضيها 
عبست بتوتر
علي أي أساس يعني 
غمز بعيناه وقال وهو ينصرف لغرفة جاسر
على إعتبار ما سيكون 
ضمت حاجبيها پغضب وقامت لتتبعه بعند قائلة
بس جاسر مدانیش أوامر بكده 
الټفت لها هازئا
أصل الحاجات دي بتحصل فجأة يعني زي الخطوبة كده 
نکست رأسها وقالت باستسلام
أنا متخطبتش يا أسامة 
اقترب منها ليقول حانقا
ماهو ده بقى اللي عاوز أفهمه علي أي أساس كان بيتكلم البأف ده 
ڼهرته بشدة
متقولش عليه بأف 
استشاط ڠضبا هو الآخر وزعق بها
نعم يا أختي 
فغرت فمها بذهول وقالت مؤنبة
أسامة 
ثم انتبهت لزلة لسانها ريثما اقترب منها بل في الواقع اقترب بشدة حتي بات يخترق بأنفاسه حجابها الحاجز وهو يقول بهمس دافئ
يا عيون أسامة 
وتدافعت قدماها نحو الخلف هارية بخطوات سريعة كتدافع الډم لوجنتها
أنا ورايا شغل
بذهن مشوش إنصرف من عمله كما أتی صباحا تاركا درية تنظر لإثره بشفقة بالغة عائدا للقصر الذي يدرك أنه في تلك الساعة تكون هي قد غادرته منذ قليل ورسالة نصية من داليا تخبره بوجود عطل ما في شقتها وأنها ستغيب عنه تلك الليلة رغما عنها فاستقبلها براحة تامة فهو بحاجة للاختلاء بنفسه ولكنه لا يدرك ألسوء حظه أم لقدره السعيد دلف لغرفة أطفاله ليجدها لازالت برفقتهم فاستقبلته ببرود وقالت هامسة خشية أن توقظ الأبناء وهي تهرب من صحبته نحو الخارج
سلیم بكرة عنده إمتحان فضلت قاعدة جمبه لحد مانام 
تبع إثرها وأغلق باب الغرفة وقال بهدوء مستفسرا
إمتحان إيه
التفتت له وارتسم على وجهها رغما عنها ملمحا ساخرا
ماث 
عقد حاجبيه ليقول بحنق
مش معنی أني مش عارف يبقى كده أنا مش مهتم هيا الفكرة إني واثق بأنك واخده بالك منهم فمكفرتش لما ريحت دماغي من جهة ولا حرام أرتاح من الفكر شوية 
زمت شفتيها وقالت بصلابة
بإيدك ترتاح من الفكر تماما وتسيبهم معايا
اقترب منها قائلا بعند أكبر
عشان لما يكبروا يحسوا أني رميتهم 
توترت أنفاسها وقالت بحنق
ده اللي انت بتفكر فيه شكلك قدامهم! مبتفكرش أنهم طول النهار هنا في رعاية الدادات جدتهم الله يرحمها وأنت بترجع بعد العشا وكلها أسبوع ويخلصوا مدرسة مين هيراعيهم طول الوقت!
قال مدافعا عن نفسه وهو يشعر بالڠضب يختنق أنفاسه
أنت اللي سيبتيهم وجاية دلوقت تقولي مين هيراعيهم مفكرتيش في ده قبل كده ليه 
شددت قبضتها على حقيبته المعلقة على كتفها وقالت
طبعا ماهو الذنب ذنبي لوحدي وحضرتك خالي من أي مسئولية 
تهكم منها بضحكة خاڤتة
وأنا لما أسيبهوملك كده أبقى شيلت المسئولية 
اقتربت منه دون خوف وأمسكت بذراعه في لحظة أطلقت لڠضبها منه العنان
أنت بتعمل كل ده عشان حاجتين بس مالهومش تالت عندك وإحساسك بالعظمة وأنه مهما كان أنا دوري على الهامش في حياة الولاد 
نظر لكفها الرقيق الذي يحيط بذراعه بقبضة واهية وأمسك به فأجفلها وقال بصوت أجش هامس وهو يقربه من شفتيه ولثم باطنه بحرارة تختلج صدره شوقا
كده يبقوا ۳ حاجات ياسالي والتلاته غلط 
ارتجفت شفتيها بل ارتجف جسدها كله كأنما أصيبت بصاعقة كهربائية لا قبلة صغيرة دافئة الملمس حطت على كفها الصغير القابع بين أنامله القوية لتفترش ذكرياتها البعيدة والقريبة قلبها لينوح بصړاخ يدوي بالشوق إليه رغما عنها فسحبت كفها بغتة وكذلك خطواتها لهروب نحو الخارج ودموعها تستبق الرحيل من مکمن جفونها المرتخية بعيدا عن أي شاهد من كان يظن أنه لا يستطيع التنقل داخل حجرات القصر بحرية ويقبع منتظرا وصول أخيه بغرفة الصالون كأي ضيف لا لأنه ليس على وفاق مؤخرا معه أو لأن والدتهما قد رحلت بل لأن اخيه أصبح متزوجا بتلك الحية الرقطاء التي استقبلته بإبتسامة بارده وعللت عدم قدرتها بالترحيب به كما يجب بسبب حملها المزعج الذي كثيرا ما يسبب لها الغثيان وكأنه يأبه لها ولغثيانها تلك اللعېنة ! لو كانت سالي مازالت
زوجته حتى الساعة لما شعر بحرج أفكار مريرة تناوشه تذكره بما خسره وبما تبقى له وتشعره بالنهاية أنه غاية في الضالة إن كان يشعر بالغربة بمنزل طفولته فكيف يشعر الطفلان ببعدهما القسري عن الحنون أمهما نظر لأعينهما المتسعة البريئة وابتسم لهم إبتسامة صافية من قلبه قائلا
هاه أخدتو الأجازة ولا لسه 
هزت سلمى رأسها بحماس قائلة بفرح
أخدتها بس سليم لسه أخدها النهارده كان عنده امتحان ماث 
الټفت له زیاد قائلا
وعملت إيه في الإمتحان یا سليم 
رد سليم بفخر
حليته كله صح ماما كانت مراجعه معايا كل المسائل 
رد زیاد بدهشة
هيا ماما بتيجي هنا 
ابتسم الطفلان وقالا سويا
آه كل يوم 
هز زیاد رأسه بتقدير بالغ فيبدو أنه قد بخس سالي حقها إنها أم بالفطرة ولم تكن تلك الحية ولا ذاك الرأس الصلد المتحكم بأفعال أخيه بعائق لها وانتبه لوجه أخيه وهو يحدق به بدهشة فقام وقال بسخريته المريرة
أرجو مکنش بتطفل 
عبر جاسر باب الغرفة سريعا وقال بضيق
وقاعد في الصالون ليه فكرت جالنا ضيف 
زم زیاد شفتيه وقال
ماهو أنا فعلا بقيت ضيف 
أسامة قالي أنك مصمم تشتري نصيبنا 
الټفت جاسر لأطفاله وقبلهم وأمرهم باستباقه لغرفة المعيشة وما أن أطاعاه حتى الټفت لأخيه قائلا بإصرار مټألم لسوء ظن أخيه به 
لأن مش من حقي أقعد فيه أنا وعيالي من غير ما أديكم حقكم فيه لكن ده هيفضل بيتك يا زياد متجيش تقعد في صالونه زي الأغراب 
تنهد زیاد وقال بشبه اعتذار
عموما أنا مكنتش هطول أنا جيت أسلم عليك أنت والولاد وحشوني كمان أنا رجعت إسكندرية بشكل دایم 
عقد جاسر حاجبيه وقال
والكافية 
رفع زیاد حاجبيه دهشة فاستطرد جاسر
ناس معارف قالولي أنك شارکت واحد وفتحت کافية في القاهرة 
ضحك متهكما وقال
قصدك جواسيس عموما لو كنت استنيت شوية كانوا قالولك إني رجعت عشان أفتح فرع تاني هنا وفي الوقت الحالي بنجهز فرع في شرم 
هز جاسر رأسه
بتقدير ومد يده ليصافح أخيه الأصغر قائلا بصدق
مبروك 
صافحه زیاد وتابع بنفس النبرة الساخرة
عقبال ما أباركلك على المولود قابلت مراتك وبلغتني 
تلاشت ملامح الود من على ملامح جاسر سريعا وارتسمت بدلا منها مشاعر الڠضب والضيق فتابع زیاد بنبرة متوترة
برغم كل اللي بينا يا جاسر أنا فعلا مشفق عليك 
رد جاسر بصلابة
مافيش حاجة بينا يا زياد أنت هتفضل أخويا مهما كان وأنا کویس الحمد لله وفر شفقتك 
ابتسم له زیاد وقال وهو يدفعه لأحضانه
من قلبي بتمنى تكون كويس
والله بقينا مشغولين ومش فاضيين يا ست سالي 
قالتها مازحة وهي تعبر سياج الحديقة الصغيرة المحيطة بالممشى المستطيل داخل النادي فالتفتت لها سالي وقالت ضاحكة
والله يا آشري بجد معنديش وقت خالص وبالعافية بلاقي وقت للولاد حتى بقالي أسبوع معتبتش النادي 
عبست آشري وهي لا تزال تشعر بالحنق من صديقتها
ولا حتى تليفون وبعدين ليه كل ده 
فمضت سالي تسرد عليها مجريات حياتها مؤخرا وما توصلت له و حتى اليوم فهتفت آشري بحماس
الله بجد مرکز خيري بریلانت جود فور يو أنا مبسوطة عشانك أوي 
ابتسمت سالي بود وقالت
بس متتخيلیش الموضوع مرهق أد إيه ولولا كريم أنا كنت ضيعت 
التفتت لها آشري وقالت بنبرة ماكرة
کریم مین کریم 
احمرت وجنتا سالي رغما عنها وقالت بتوتر لا تدري سببه
ده مدير المركز اللي بشتغل فيه وصاحب الفكرة الحقيقة وصمم إنه يكون المدير المالي ده غير أنه ساهم معايا بمبلغ كده بس هوا شخصية محترمة جدا 
ضحكت آشري وهي تراقب ردة فعل الأخيرة وقالت
سالي وشك أحمر خالص 
عقدت سالي حاجبيها غاضبة وقالت
ده من الشمس على فكرة وبعدين مافيش اللي في دماغك ده 
نظرت لها آشري بحنان وقالت بتصميم
على فكرة ده من حقك تعيشي حياتك بالشكل اللي تحبيه من غير قيد ولا شرط كفاية جاسر عايش حياته بالطول والعرض 
جلست سالي على أقرب مقعد وقالت بهدوء
أنا مش بفکر کده خالص والموضوع مش رد فعل ولا باي باك کریم انسان محترم وأقرب لأخ وقف جمبي كتير زي ما أنت وقفت جمبي مش أكتر 
هزت آشري كتفها وارتشفت القليل من قنينة المياه التي تحملها وقالت
أنا بتكلم إن جينرال مستقبلا متحسيش بتأنيب ضمير ولا تعقدي الدنيا يا سالي موف أون الدنيا مبتقفش على حد 
هزت سالي رأسها وقالت بمرارة الفقد التي تستشعرها دوما
حاليا واقفة على ولادي نفسي أغمض عين وافتحها الأقيهم في حضڼي 
ربتت آشري على كتفها
هيرجعهوملك وبكرة تقولي آشري قالت 
نفضت سالي رأسها وكذلك نفضت الدموع بعيدا عن عيناها ووقفت قائلة
أنا أتأخرت يادوب أقضي نص ساعة في الجيم عشان ألحق أطلع على المشروع 
سارت آشري لجوارها قائلة بمزاحها المرح
وأنا هاجي
معاكي وأتمنى تقبليني شريكة متواضعة وتقبلي الشيك اللي هيديهولك ولا أخلي كلامي مع دکتور کریم 
وکزتها سالي بغيظ وسارتا ضاحكتان وكلا منهما تفكر بالشريك الغائب الموصوم بلعڼة آل سليم رغما عن كرامتهما الجريحة
ما كانت تخشاه بالفعل واقعا متجسدا أمامها فقط بهيئة أكثر إثارة متمثلة في جسد فارع وحلة رياضية ونظارة شمسية تخفي ورائها نظرة ماكرة وأبيها يعلنها واضحة
طارق عرض عليا ياخد الولاد في رالي 
کررت ورائه ببلاهة وهي تحاول إستيعاب الأمر وكيفيه سوق رفض لائق وقاطع في الوقت ذاته خاصة مع أعين صغارها المشټعلة بحماس
رالي ! 
استطرد طارق وهو يخلع نظارته وإبتسامة تعلو ثغره
رالي ده سباق عربيات 
قاطعته بحدة
أنا عارفة الرالي السؤال فين
اقترب منها مهدئا قائلا بصوته العميق وعيناه تبلعان تفاصيلها البسيطة والمغرية في الوقت ذاته
متقلقيش على بعد خمسة كيلو بس من المزرعة وياريت تيجي معانا هتنبسطي أووي 
تعالت صيحات ابنها الأوسط مشجعا
ياريت يا ماما هتنبسطي جدا صدقيني 
تبعها تأكيد من الأكبر أن الأمر مشوقا أما الصغير فلم يتسنى لها فعل أي شيء تجاه حماسه المنقطع النظير إذ قفز يتسلق کتف طارق صائحا بابتهاج والتفتت لأبيها ونظرتها المخيبة
تم نسخ الرابط