رواية منال الجزء الثاني
المحتويات
قاسې
مش قصدي انتي أنا بأتكلم على بنت خالك.. أسيف!
وكأنه صفعها بقوة مباغتة لتبهت ابتسامتها فورا وتظلم نظراتها. حل الوجوم على تعابيرها وهي ترد بازدراء
كويسة!
تحركت عواطف لتقف إلى جوار ابنتها وهتفت مرحبة بود
اتفضل يا بني!
ابتسم قائلا بهدوء
متشكر أنا بس جاي أطمن عليها وأشوفها بعد اللي حصل!
ردت عليه عواطف بامتنان
سألها منذر باهتمام
الدكتور قال ايه
أجابته بسجيتها وهي تبتسم
اهوو حاجة كده في نفسيتها بس هاتفوق وتبقى كويسة
هز رأسه قائلا بجدية
إن شاء الله عموما أنا هاروح أبص عليه واسأله بنفسي
انزعجت نيرمين من اهتمامه الزائد بها وشعرت بنيران الغيرة تآكلها حية فهتفت بتبرم ساخط
ماتتعبش نفسك يا سي منذر دي تمثلية كل شوية تعملها واحنا خدنا على كده! أكيد انت فاهم!
استغفر الله يا رب ماتشوفيلي كده كوباية مياه باردة أشربها لأحسن ريقي ناشف!
هتفت نيرمين بتلهف أعجب
من عينيا ده انت تؤمر يا سي منذر وأنا أنفذ على طول وأنا مغمضة!
رد عليها بخشونة
متشكر
مدت ذراعيها برضيعتها الغافية لوالدتها قائلة بجدية
خلي يا ماما البت معاكي عقبال ما أجيب لسي منذر أحلى مياه!
طيب!
رمشت نيرمين بعينيها وهي تسبلهما نحوه ثم همست بنعومة
عن اذنك يا سي منذر!
فرك طرف ذقنه بكفه دون أن يعقب وأبعد نظراته عنها نافخا بتبرم استنشق أنف عواطف رائحة مزعجة صادرة عن الرضيعة فاستشفت أنها بحاجة إلى تبديل حفاضها الداخلي.
هستأذنك يا ابني هاروح أغير للبت انت عارف العيال وعمايلهم!
أومأ برأسه قائلا
ولا يهمك.. اتفضلي!
تنفس منذر الصعداء لحصوله على فرصة للانفراد معها بعد ذلك الحصار المهلك لها تابع عواطف بأنظار مت حتى اختفت في الرواق فوراب الباب قليلا ثم دنا من فراشها بخطوات متمهلة عاود منذر التحديق في أسيف ليطالعها تلك المرة بنظرات مختلفة عن ذي قبل بنظرات
اقترب منها أكثر ليمعن في تفاصيلها في تعبيرات وجهها الساكنة رغم كل
شيء فهي لا تزال متماسكة صلبة تقاوم بشراسة. آه من تلك اللمحة الحزينة التي تكسو تعابيرها فتوخز ه أكثر تجاهها.
جذب انتباهه شيء ما فدقق النظر في جفنيها اللذين كانا يتحركان بعصبية رأى عبراتها تنساب ببطء لتبلل وجنتيها ففغر فمه مدهوشا وتسأل بين جنبات نفسه عن سبب ذلك زاد تعجبه وهو يردد بتوجس قلق
كانت ټصارع الأمواج العاتية بوهن كبير وكلما نجت من واحدة قذفتها الأخرى إلى مسافة أعمق في بحر أكثر ظلمة كانت تصرخ لكن صوتها ظل حبيس ها فقط شهقات مكتومة تكافح للصعود اختنقت أنفاسها أكثر وأوشكت على الڠرق فرأت ذلك البريق اللامع مسلطا على أعينها فأصاب رؤيتها المشوشة بعمى مؤقت.
لكن كان فيه نجاتها حينما لمحت تلك الأطياف تمد أذرعها نحو لتنتشلها منه. فبكت من أعماق قلبها وامتزجت عبراتها ببقايا المياه العالقة بوجهها رأت وجها مألوفا يهتف مها بنبرة دافئة في ظل ذلك البرود القاسې فت قلبها وتغلغلت فيه مدت يدها نحوه علها تصل إليه كادت أن تفشل في مسعاها لكنه بلغها بإصراره.
بدأت صورته تتضح تدريجيا رغم تشوش الرؤية.. شعرت بة رقيقة من أنامله على وجهها فأصابتها برجفة بسيطة.
أمعنت النظر في ملامحه الجادة لقد عرفته.. إنه هو.....
تهدجت أنفاسها اللاهثة وهي تهمس بصعوبة
م.. منذر!
انحنى على رأسها مستندا بذراعه على حافة الفراش ومد يده الأخرى نحو وجنتها محاولا مسح تلك العبرات التي شقت طريقها في وجهها شعر بانتفاضة ها بمجرد أن أزاحها رغم حرصه الشديد على عدم إزعاجها رأى جفنيها وهما يفتحان بصعوبة لقد بدأت أسيف في استعادة وعيها مرة أخرى التقطت أذناه ما لفظته ها رغم صوتها الذي بالكاد يمكنك أن تسمعه لكنه عرف طريقه إليه. فخفق قلبه بقوة وتسارعت دقاته.
لمحت طيفا ما يسيطر على الأجواء من حولها كان قريبا للغاية شعرت بأنفاسه تلفح وجهها.
في البداية لم تتمكن من رؤيته بوضوح حتى اعتادت على قوة الضوء فعرفته.. إنه نفس الطيف الذي لازمها في حلمها.
همست مه بلا وعي
منذر!
سمع اسمه ينطق مرتين مجردا من أي ألقاب يلفظ عفويا فرفع نسبة الأدرينالين المتحمس بدمائه.
اضطرب لوهلة وتوقف عن التنفس مجمدا أنظاره عليها.
تسمرت نيرمين على عتبة الغرفة شاخصة أبصارها غير مصدقة ذلك المشهد الدائر بينهما منذر يداعب وجنتها وتلك البائسة همست بشيء ما له فجعله يرتبك بحرج كانت كالبلهاء وهي محدقة في وجهيهما.
سريعا ما تداركت نفسها وأفاقت من شرودها فيهما ليسيطر عليها الڠضب المتعصب تعمدت إرخاء أصابعها عن الكوب الزجاجي الذي تحمله في يدها ليسقط منها متهشما إلى أجزاء صغيرة فانتبه كلاهما لوجودها.
تحول وجه أسيف لكتلة من الډماء الخجلة رغم عدم وجود ما يشينها لكنها تعلم نوايا ابنة عمتها السيئة ل منذر في وقفته ببطء وتنحنح بصوت خشن.
ولجت نيرمين إلى داخل الغرفة بخطى عصبية صائحة بانفعال
في ايه اللي بيحصل هنا
أجابها ببرود وهو يدس كفيه في جيبي بنطاله
ولا حاجة!
ثم أشار لها بعينيه متسائلا بنبرة جافة
فين المياه
ردت بغيظ
وقعت مني لما شوفتكم....
قاطعها بصرامة قبل أن تكمل عبارتها
مش تاخدي بالك أحسن بدل ما تركزي في حاجات هتتعب أعصابك كتير!
شعرت أسيف بثقل في رأسها فوضعت يدها على جبينها تتحسسه هامسة بصوت واهن
أنا.. أنا عاوزة أمشي من هنا
رد عليها منذر بجدية صلبة
مش قبل ما نطمن عليكي!
تذكرت ما حدث قبل إغماءتها الأخيرة إنها تلك المكالمة التي انتزعت أخر ما تبقى من ذكرى
والديها حړق قلبها بكلماته وأشعل روحها بشماتته.
توترت أنفاسها وسيطر الحزن على تعابير وجهها الذابل بدا صوتها مخټنقا وهي تصر على النهوض قائلة
أنا لازم أسافر البلد.. بيتنا.. ب.. بيتنا مش....
حاولت إزاحة الغطاء عنها وإنزال ساقيها لكن وقف منذر قبالتها مهددا بكف يده
مش هتتحركي من هنا!
رفعت عيناها نحوه لترمقه بنظرات معاندة وهي ترد بإصرار كبير
هو.. هو بيكدب أنا عرفاه أنا لازم أسافر وأشوف بيت بابا!
باتت لهجته ونظراته أكثر ټهديدا وهو يقول
مش هايحصل
استشعرت القوة في نبرته فارتجفت منه تنفس منذر بعمق ليحافظ على هدوئه معها فأي تهور أو تجاوز معها قد يؤدي إلى نتائج عكسية.
حاول أن يبرر لها رفضه لذهابها قائلا بإنزعاج
إنتي ناسية اللي عمله فيكي قبل كده
علقت غصة في حلقها وقد تذكرت قسوته العڼيفة معها حينما توفت والدتها. لم يكن بقلبه أي شفقة أخفضت رأسها متخاذلة لتهمس بنبرة مخټنقة
بس ده بيتنا يعني حياتي كلها إنت.. إنت مش فاهم حاجة!
نفخت نيرمين بحنق فقد بغضت استغلال ابنة خالها لقناع البؤس والشفقة لتستعطف الأخرين نحوها وخاصة هو فهمست من بين ها بسخط
خشي عليه طوانة الهم بتاعة كل مرة!
تفاجأت أسيف بيده تلامس طرف ذقنها برفق لترفع وجهها نحوه حدقت فيه مدهوشة من تلك الحركة المباغتة بينما شهقت نيرمين مصډومة من فعلته.
رد عليها منذر بجدية وهو مسلط أنظاره المزعوجة عليها
إنتي مش مقدرة الموقف كويس سفرك لوحدك هناك معناه إنك بتديله فرصة يعمل اللي عاوزه معاكي من غير ما يكون في حماية ليكي! خالك فتحي مش سهل وألاعيبه كتير وانتي بنفسك جربتيه بدل المرة اتنين!
تراجعت أسيف برأسها للخلف لتحرر ذقنها من م يده الذي أصابها بالتوتر حاولت أن تبدو صلبة وهي ترد بعند
لو بتفكر تمنعني مش هاتعرف ده مش الدكان عشان تشتريه ده بيتي يعني ملكي فيه ذكرياتي وعمري كله و....
قاطعها قائلا بغموض
اديني فرصة أشرحلك اللي أنا عاوزه
كانت تقف على فوهة بركان يثور بحممه الملتهبة هي كمن لا وجود له وسطهما يتلامسان بالأصابع يتبادلان النظرات والعبرات وهي كالمشاهد الصامت شعرت بدمائها المغلية ټحرق روحها من الداخل فهتفت بانفعال ثائر
ما يولع البيت ولا يتحرق على اللي فيه احنا مالنا انتي جاية وجايبة الخړاب معاكي ومش هترتاحي إلا لما تخلصي علينا كلنا بمصايب اللي ما بتخلصش!
عجزت أسيف للحظات عن الرد عليها بسبب طريقها الھجومية والغير مراعية لمشاعرها وقبل أن تضيف المزيد كانت والدتها قد عادت إلى الغرفة فنظرت إلى ابنتها تغراب كان صوتها صادحا بالخارج لكنها لم تفهم سبب ثورتها وحينما دققت النظر ورأت أسيف في وعيها انفرجت شفتاها عن بسمة راضية هاتفة بعدم تصديق
بنتي الحمدلله إنك فوقتي وبقيتي أحسن!
مدت ذراعيها بحفيدتها نحو ابنتها واقتربت من ابنة أخيها لټحتضنها وتا من رأسها دلكت ظهرها برفق بكفها وربتت على كتفها قائلة بود
ربنا يبعد عنك أي شړ!
ردت عليها أسيف بامتعاض
يا رب
تفرست عواطف في وجهها ومررت أنظارها على أوجه البقية فلاحظت توتر الأجواء وشحونها من صمتهم المريب.
توجست خيفة أن يكون خطب ما قد حدث أثناء غيابها لذلك تساءلت بقلق
هو.. هو حصل حاجة تانية
أجابها منذر بهدوء حذر
هيحصل لو ما اتصرفناش صح!
نظرت له بغرابة وهي تسأله بحيرة
أنا مش فهماك يا بني انت بتكلم عن ايه
شرح لها ببساطة عن إصرار ابنة أخيها على الذهاب بمفردها إلى بلدتها الريفية للتحري عن ذلك النبأ المؤسف الخاص باحتراق منزل والديها الراحلين ورفضها تصديق خطۏرة الموقف.
انزعجت عواطف من عنادها وهتفت معارضة
لا يا بنتي مش هانسيبك تروحي
لوحدك!
بكت أسيف پقهر لعجزها عن تفسير مشاعرها عن أهمية ذلك المنزل لها وضرورة ذهابها الملح إلى هناك.
أشفقت عليها عواطف هاتفة بتوسل
يا بنتي اهدي واسمعيني قريبك ده راجل شړاني والله ما هيسيبك في حالك تلاقيه مدبرلك على نية سودة!
ردت عليها بصوتها المنتحب وهي تكفكف عبراتها بكفها
ده بيت بابا يا عمتي انتو مش فاهمين هو بالنسبالي ايه لازم أروح أشوفه هو بيكدب عليا بيكدب!!!
مسحت عواطف وجهها براحتيها قائلة برجاء
طيب اهدي يا بنتي وبطلي عياط!
نفخ منذر مستاء من عنادها الأحمق. وضع يده على مؤخرة رأسه ليحكها بعصبية ثم هتف من بين ه بجدية
ماشي وأنا معاكي انه بيكدب والبيت زي ما هو! وإنه قال بس كده عشان يجر رجلك لهناك!
نظرت له بأعينها الدامعة دون أن تنبس ببنت شفة.
اقترب منها أكثر ثم أخرج زفيرا مزعوجا من ه وهو يضيف بغموض مقلق
طيب مفكرتيش للحظة إنه ممكن يكون فخ عامله ليكي
تخبطت أفكارها من كلماته المريبة تلك ربما يكون محقا في أغلبها لكن رغبتها في الذهاب أقوى من أي خوف.
ظل منذر محدقا في عينيها دون أن يطرف له جفن ثم تابع محذرا بجمود
الراجل ده معتبر إن ليه تار عندنا وصدقيني مش هايعديه بالساهل فأكيد بيدبرلك حاجة!
تابعت نيرمين ما يدور بينهما بتجهم كبير ظاهر على محياها وعلى قدر اتطاع جاهدت ألا تثور من جديد كي لا تخسر ما تبقى لها من فرص أمام منذر..
تمتمت مع نفسها بازدراء
يا ريته كان طخك عيارين ومۏتي وريحتينا كلنا!
ظلت أسيف صامتة لبرهة معيدة تفكيرها فيما قاله لكن مشاعرها لا تزال هي
متابعة القراءة