رواية ياسمين الفصول من 12-17

موقع أيام نيوز

"الفصل الثاني عشر"
"بعض الأحلام لا نُحبذ أبدًا رؤيتها، لأنها ببساطة تُشبه واقعنا ونحنُ لا نرغب بأن نعيش الواقع مرتين "
استيقظت "ملك" من غفوة قصيرة مؤرقة تمنتّ لو لم تغفوها بعد أن رأت كابوسًا مُزعجًا ظلت تتلوى على الفراش محاولة تهدئة عقلها الذي هاج بعدما رأت نفسها تسقط بالهاوية بـ أيادي لم تراها  
انقبض قلبها واستيقظت وهي تسقط على الأرض، ومنذها وهي تحاول السيطرة على قلبها الذي ينبض بسرعة  
وقفت أمام الشرفة وهي تتحس قلبها الذي يوجعها كلما تنفست لا تدري ما السبب، ولكنها وخزة لم تزول إلا بمرور الكثير من الوقت  

مع وصول أونصة الذهب إلى مستويات قياسية تجاوزت 2500 دولار، يجد المواطن المصري نفسه مضطراً لموازنة استثماراته بين الذهب واحتياجاته الأخرى، خاصة مع ارتفاع أسعار السيارات مثل تويوتا، هيونداي، وبي إم دبليو، مما يزيد من التحديات المالية التي يواجهها.
في منتصف الطريق السريع، وبين صفوف السيارات التي تطير على الأرض بسرعة رهيبة كان "يونس" يشق طريقه عائدًا للمزرعة بسرعة فائقة تفوق زويه من السائقين المجاورين من حوله عقله ليس معه، يأتي ويذهب به منذ أن ترك القاهرة، عيناه عمليًا مرتكزة على الطريق، ولكن علميًا لا يرى سوى المشهد الذي دبرته الصدفة ليراه 
- عودة بالوقت للسابق -
أغلقت المُساعدة الخاصة بـ "هادي" هاتفها وأنصتت لـ "يونس" وهو يملي بياناته :
- حسن أحمد
- رقم تليفون لحضرتك
بحث في هاتفه عن أحد أرقامه القديمة المغلقة حاليًا وأملى عليها ثم أردف :
- ينفع يكون النهاردة
تتأثر أسعار السيارات من شركات مثل مرسيدس بتقلبات أسعار الذهب وسعر صرف الدولار، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج والاستيراد.
- هرجع للدكتور واشوف هيقول إيه
نظر حوله ثم قال :
- طب من فضلك، محتاج أدخل حمام ضروري
أشارت له نحو الرواق الموجود أقصى اليسار و :
- أول يمين من الناحية دي
أومأ برأسه وهو يبتسم وسلك الطريق الذي أرشدتهُ إليه وبعيناه الثاقبة كان يدرس كل التفاصيل من حوله، مرّ بجوار دورة المياه ولم يدخل، مضى بشكل مستقيم حتى بدأ صوت أنثوى يتخلل سمعهِ ضاقت عيناه وهو يدقق السمع، واقترب أكثر من الغرفة الأخيرة التي يعلوها لمبة إضاءة حمراء متوهجة ليسمع ضحكة رقيعة مرفقة بكلمة :
- أنت دمك زي العسل يادكتور
تراجع "يونس" خطوات للخلف وعاد نحو دورة المياه، دلف وأغلق على نفسه ووقف يستمع لصوت الباب الذي انفتح ويبدو أن كلاهما خرجا منه بدأ حوارهم يكون أكثر رسمية مما كان منذ قليل وهو يقول :
- المُهدئ يتاخد قبل النوم بنص ساعة، ومتضغطيش على أعصابك كتير الفترة الجاية
- حاضر
تنهد "يونس" وهو يفرك عنقه بـ انزعاج من فرط حرارة المكان رغم إننا في بوادر فصل الشتاء، وتابع مراقبته حيث كان الطبيب يتحدث إلى مساعدته :
- مريض واحد في الحمام وكان عايز يشوف حضرتك النهاردة
فـ عنفّها "هادي" بدوره :
- مش قولتلك مش أي حد يدخل هنا، انتي بتفهمي إزاي!!
- آسـ 
- بس بس، لما يخرج مشيه أنا مش فاضي النهاردة
بصق "يونس" على الأرضية وقد بدأ ينفعل وهو يستمع إلى نبرة صوته التي لم تروق له وانتظر حتى استمع لصوت صڤعة بابهِ 
يؤدي ارتباط أسعار الذهب وسعر صرف الدولار بتكاليف المواد الخام والاستيراد إلى تأثير مباشر على أسعار السيارات في الأسواق.
فـ خرج بعدما ضبط سترته، نظر في ساعة اليد وهو يقف أمام المساعدة، وقبل أن تتفوه بكلمة كان يسبقها :
- أنا هاجي مرة تانية لأني افتكرت مشوار مُهم
- ماشي يافندم، تحت أمرك
وخرج خرج مختنقًا من هواء هذا المكان وكأنه أحس ببواطنهِ إنه نجس، خبيث ولعين هُنا استُدرجت، وهنا كانت لعڼتها بدلًا من أن يكون شفائها، لوهله أشفق عليها، ولحظات أخرى أحس بإنها حمقاء غبية كيف لم تستطع بحدسها النسائي أن ترى وجهه الحقيقي؟!
ألهذه الدرچجة كانت مغفلة، أن سذاجة من الدرجة الأولى والنادرة؟ 
- عودة للوقت الحالي -
الخطوة التالية معروفة بالنسبة له، ولكنها تتوقف على عدة نقاط سـ تُحددها "ملك" نفسها أهمها هل ستصدقه أم لا؟ 
وكأن اليوم يوم حظهِ العَثر، بعدما ظنّ "معتصم" أن كل الأعراض التي تُعانيها زوجتهِ هي أعراض الحمل، اتضح إنها مجرد تأثير من تغييرات المناخ وتقلباته هذه الآونة 
عبس "معتصم" أكثر بعدما أبلغته "رغدة" بسلبية نتيجة تحليل الحمل، وقال بشك راوده :
- إحنا بقالنا أكتر من سبع شهور متجوزين، إزاي مفيش حمل لحد دلوقتي!
كانت "رغدة" مرتخية على الأريكة وهي تنظر للتلفاز بعدم اهتمام و :
- عادي، في ناس بتفضل متجوزة بالسنين ومش بيحصل حمل أنا مش مستعجلة
فـ احتد صوته وهو يقول :
- أنا مستعجل، خلينا نروح لدكتور نكشف ونشوف إيه سبب التأخير ده
فـ اعتدلت في جلستها وهي تحدجه بنظرات غير مفهومة و :
- أنا معنديش حاجه عشان أروح لدكتور، بعد ما تعدي سنة نبقى نشوف الموضوع ده
ونهضت عن الأريكة وهي تتابع :
- مش فاهمه سر استعجالك إيه، فجأة كده بقيت عايز بيبي!
ومضت من أمامه لتدخل غرفتها أوصدت الباب وهي تبتلع ريقها وكأن الجو بات ساخنًا عليها، وضعت يدها على بطنها، وزفرت بـ اختناق وهي تهمس :
- أنا آسفه، عارفه إن ملكش ذنب، بس انا مش قادرة
وأطبقت جفونها تستعيد ذلك المشهد من جديد، حينما أبلغها الطبيب بحملها وإنها ستستقبل وليّ العهد بعد ثماني أشهر من الآن، تثلج جسمها كله مع سماع ذلك رغم توقعه مُسبقًا ولم تترك فرصة تفكير واحدة إلا وقد قررت قرارها القطعي وهي تقول :
- مش عايزاه، أنا عايزة أنزله!
فتحت "رغدة" عيناها بصعوبة، وكأن ناظريها مشوشين مشت نحو الفراش واسترخت عليه، وهمست مرة أخرى وهي تُحدث تلك النُطفة التي علقت بـ رَحِمها :
- سامحني على اللي هعمله، انت متستحقش تعيش حياة كلها صراع زي دي
وختمت على قرارها بدون التفكير في العواقب والتوابع، حتى لم تهتم لحظة إن عرف "معتصم" بفعلتها ماذا سيفعل؟! 
وقف "يونس" بسيارته في رواق المدخل حينما لمح الطبيب البيطري، وترجل عن السيارة متعجلًا ليتعرف على سبب إجهاد الفرس خاصته وعدم قدرتها على الوقوف 
دنى منه يعاتبه بحدة و :
- اتأخرت ليه يادكتور؟
- معلش يايونس باشا عقبال ما خلصت العيادة
زفر "يونس" وهو يسأل بنفاذ صبر :
- طب قولي، ريحان مالها؟
- عندها حُمى الحافر، ودي بسبب أكل الحبوب الكتير ومن غير تدريب السمۏم اترسبت في الحوافر ومبقتش قادرة تقف
- وبعدين؟
- أنا حقنتها بمصل، وسيبت علاج لعم مهدي يحطه في الميا اللي بتشرب منها وبعد يومين هاجي تاني أشوفها
أفسح له "يونس" المجال كي ينصرف وسار في اتجاه الإسطبل الخاص به متلهفـًا ليراها ولكنه صُدم، صُدم مع رؤية "ملك" هنا في هذا الوقت تمسح على رأسه "ريحان" وظهرها وهي ممدة على الأرضية أطال النظر لها وهي تمسح عليه بحنو بالغ، ثم أثار انتباهها :
- آحم
التفتت برأسها لتراه، نهضت عن وضعية القرفصاء و بررت وجودها هنا بـ :
- أنا كنت سامعه صوتها عشان كده جيت اشوفها
- ماشي
واقترب منها انحنى عليها قليلًا وهو ينظر لحالتها التي أحزنتهُ، بينما كانت "ملك" تتطلع إليه وهي تفكر، هل تسأله عن اتفاقهم الذي سَيُنفذ بالغدّ أم تصبر على ذلك وفي أوج تفكيرها كان "يونس" يقطع عليها شرودها متسائلًا :
- أنتي قلعتي الحجاب؟
لحظات صمت كأن سؤاله غير متوقع، ثم قالت :
- أنا عمري ما كنت لبساه، ده كان إجباري عليا بعد ما اتجوزت
فـ التوت شفتيه و :
- يعني بتقولي إنك خدتي حريتك بالكامل! كويس
واستبقها للخروج، فـ لحقت به على الفور و :
- آ يونس
توقف واستدار لها وقد خمن ما ستقوله، لتردف هي :
- أنت كنت قولتلي إمبارح إنك آ 
- أنا رجعت في كلامي
تلجّم لسانها، وشُل عقلها للحظات وهي تستوعب ما قيل توًا حتى هو صمت كي يترك لها مساحة التفكير التي ستمكنها من الرد، ازداد فضوله ليعرف رد فعلها، فـ إذا بها تقول بعدما عبست :
- يعني إيه!! انت فاكرني عيلة صغيرة عشان تاخدني على قد عقلي
- انتي فعلًا عيلة صغيرة، لو معرفتيش تميزي اللي قدامك ده جنسه إيه وملّته إيه يبقى انتي فعلًا صغيرة وهبلة كمان
ارتفع حاجبيها بذهول من إهانته لها، وصاحت فيه بقلة حيلة :
- أنا غلطانة إني آمنت ليك وصدقت إنك ممكن تساعدني، طلعت شبه بابا وشبه محمد وكلكم شبه بعض
عقد ذراعيه خلف ظهره وهو يرمقها بنظرات حادة لجلجت من ثقتها المهتزة بنفسها وقال بنبرة خشنة :
- مين هادي؟ أهله فين ومين! متجوز ولا لأ! بيعمل إيه! تعرفي أي حاجه من دي؟؟
قطبت جبينها وهي تجفل نظرها عنه، ثم أجابت بثقة لا تعرف مصدرها :
- هادي مش متجوز، وأهله آ مش عارفه هما فين؟ عمره ما جاب سيرتهم
فـ ضحك بسخرية وهي يقول :
- هو فعلًا مش متجوز، هو مُطلق
شهقت بخفوت وهي تحملق فيه :
- مطلق! بس هو مقاليش كده، قالي انه متجوزش قبل كده و 
- اتجوز ٥ مرات وكلهم طلقهم
كأن الصدمة گالصخرة الثقيلة التي حطّت على لسانها فلم تستطع التحدث بكلمة واحدة، بينما تابع هو قنبلة مفاجآته التي جاءها بها :
- أبوه مسجون پتهمة شروع في قتل بسلاح أبيض وأمه متجوزة راجل تاني، واحدة من زوجاته خلعته وواحدة تانية بينهم قواضي نفقة وعندهم طفلة
مال برأسه يمينًا وهو يسأل بـ استخفاف :
- مين ده اللي عايزه تروحي له ياملك؟
وصاح فجأة :
- مـــين!!
انتفضت أثر صوته، وقلبها حتى الآن مغلف بالسم الذي لم تُشفى منه بعد، مازالت فريسة لحُب توهمت به، رافضة سماع شئ يُدينه، ولذا صاحت فيه هي الأخرى :
-أنت بتكذب عليا، ملقتش قدامك حاجه تانية تمنعني بيها إني أمشي من هنا غير إنك تعيشني في كابوس إنه ضحك عليا
فـ ابتسم بسخرية وهو يشير للمحيط :
- أنا مش مضطر أعمل ده، كده كده إنتي مش هتخرجي من هنا مش هتسيبي هنا طالما أنا مقولتش ده
ضاقت عيناه متحمسًا لأن يعقد معها اتفاق، وبالفعل عرض ذلك عليها :
- أنا هثبتلك إني صح، مش عشانك تؤ ده هيكون عقابك على اتهامك ليا بالكذب إنك تعيشي بعذاب إنك كنتي مخدوعة  
أنا هعمل معاكي deal "اتفاق" ، وانتي مجبرة تنفذيه بالحرف، طالما أنا كذاب، عينك هتكون أصدق مني
عيناها المغلفة بطبقات القهر والضيق، لن ينساها ولكنه لن يلين إلا بعد أن تعود لرشدها، بعد أن يعاقبها كما قال، تجاهل أي شعور بالشفقة حيالها الآن، ورضخ لتفكيره الذي قاده نحو طريق سيؤدي بها للحقيقة 
كان صباح رطب، هادئ جلس "يونس" يحتسي مشروب عُشبي دافئ  بجانب سيجارته وهو يقرأ أحد الكُتب التي تتناول علم النفس بشكل مُفصل، هذا المجال الذي درسهُ بالخارج وأسهم في تشكيل شخصيته الحالية بشكل كبير  
كان متمعن القراءة شديد التركيز، إلى أن قطعت "ملك" تركيزه بعدما طرقت على باب غرفة الجلوس، فـ رفع بصره ناحيتها  
الآن يرى أنثى، حرفيًا أنثى جميلة لم يراها هكذا منذ أن أتى بها إلى هنا الثوب الكلاسيكي الغير متكلف وشعرها الذي اهتمت بتصفيفه فأصبح بـ قِصره أجمل من كونه كان طويل لم تستخدم من أدوات الزينة سوى طلاء الشفاة الوردي الرقيق، ومسحت أسفل عينيها بالسائل الخافي للهالات السوداء  
وقفت على الباب وهي تحمل حقيبة صغيرة، وأردفت :
- أنا جاهزة
شملها بنظرة واحدة، ثم عاد ينظر للكتاب وهو يقول متعمدًا مضايقتها :
- طلعتي بتعرفي تتشيكي!   ياترى ليه كلفتي نفسك كده!
فلم تُبدي انزعاجها و :
- عادي
ترك الكتاب ودعس بقايا سيجارته ثم نهض، وضع يُسراه في جيبه و :
- اللي قولتلك عليه هتنفذيه بالحرف، مفيش كلمة تنقص ولا كلمة تزيد يعني ياريت متشغليش دماغك
فـ انفعلت وهي تقول :
- أنا مش غبية عشان تفهمني كذا مرة
فـ ابتسم بسخرية و :
- واضح إنك مش غبية خالص، عشان كده هتاخدي أكبر قلم في حياتك بعد ساعتين من دلوقتي 
- آ 
فقاطعها و :
- مش لازم تردي وتزعقي وتتعبي نفسك، هتحتاجي للطاقة دي لما نرجع
ومرّ من جوارها بينما كانت هي متصلبة في مكانها، فتوقف عن السير ونظر نحوها وهو يقول :
- المفروض أشاورلك على الطريق ولا أمسك إيدك وأوجهك بنفسي زي العيال الصغيرة؟
تشنجت وهي تسير نحوه حتى تجاوزته، ثم مشت بـ اتجاه الباب وقد وصل ڠضبها منه لذروتهِ، في حين كان هو يسير بخلفها متأملًا مشيتها الغريبة وهي منفعلة هكذا، منع ضحكة من التسرب إلى وجهه وضبط تعابيره حتى يُنهي هذا الأمر اليوم وبعدها ينظر في أمر مشيتها المتشنجة الغريبة تلك  
انتظر "يزيد" بالخارج في العيادة الخاصة للطبيب الإستشاري المتخصص في أمراض الصدر والرئتين حيث نقل عمهِ "إبراهيم" على الفور بعدما سمع من عاملي متجره عن حالته الصحية المتدهورة منذ فترة، فلم ينتظر وتحدث إلى الطبيب على الفور ليذهب به إليه  
خرج المُساعد أولًا ، ثم سمح له بالدخول :
- الكشف خلص، تقدر تدخل
دخل "يزيد" وهو ينظر للطبيب بترقب، وسأل :
- ها يادكتور، إيه الحكاية؟
أجفل الطبيب رأسه وصرّح بـ :
- هي مجرد شكوك، لكن قوية أستاذ إبراهيم عنده سړطان في الرئة، وأكيد هو عارف ده
تجمد "يزيد" بمكانه وعيناع عالقة على الطبيب، بينما تابع الأخير :
- وزيادة احتياط مني هكتبلك على شوية تحاليل وآشعة لازم تتعمل بناء عليها لازم نحجز أستاذ إبراهيم في مستشفى عشان يبدأ العلاج الكيماوي
حانت من رأسه إلتفاته نحو غرفة الكشف وارتكز ببصره عليها وهو يردد غير مصدقًا :
- عارف!
- أكيد عارف، نوعية المُسكنات اللي بياخدها بتأكد إنه عارف
خرج "إبراهيم" وهو يسير ببطء، وقال بسئم :
- أرتحت لما جبتني عند الدكتور يا يزيد؟ يلا بقا رجعني المحل عشان سايبه لوحده
نهض "يزيد" وسحب الورقة التي كتبها الطبيب، طواها ودسها في جيبه و أردف :
- ورانا مشوار مهم الأول
فتح له الباب بينما كان يسأل :
- تاني!! يابني أنا كويس صدقني
- لأ ياعمي، مش هصدقك
خرج "إبراهيم" وهو من خلفه، فـ استوقفه "يزيد" وهو يسأل :
- انت عارف إن في أي وقت ممكن يجرالك حاجه، عشان كده سيبت ملك مع يونس ؟! عشان مش ضامن إنك تلحق تتصرف
أطرق "إبراهيم" برأسه، ولم يود التحدث عن الأمر مشى بدون أن يُجيبه، فـ لحق به "يزيد" و :
- كنت هتخبي علينا لحد أمتى!
- يزيد أنا مش قادر اتكلم، وصلني ياأما هاخد تاكس وامشي 
- لما نعمل الأشاعات والتحاليل ياعمي
فـ اعترض "إبراهيم" ولكن "يزيد" لم يوليه فُرصة لذلك :
- مفيش اعتراض، أركب لو سمحت
فـ شدد عليه "إبراهيم" وهو يضغط على ذراعهِ :
- ملك مش هتعرف يا يزيد
أظهر "يزيد" ترددًا حيال طلبه، فـ عاد "إبراهيم" يؤكد على حديثه :
- لو قلتلها اعتبر إن عمك ماټ
فـ أجفل الأخير بصره و :
- ماشي
استقر "إبراهيم" بمكانه، بينما كان "يزيد" گالترس لا يتوقف عقله عن التفكير فيما حدث، قد تتغير كل الأمور بعدما علم بمرض عمهِ المُميت، بل سيتغير بالفعل ولا وجود للإحتفالات حتى  
تأفف "هادي" بقنوط وهو ينهض عن مكتبه، نظر للساعة للمرة الخامسة على التوالي وغمغم بسخط :
- مش فاهم ليه يعني نتقابل في العيادة في عز الصبح واضطر آجي أفتح بنفسي!! وكمان تتأخري عليا كل ده!
استمع لصوت الجرس، فـ أسرع يخرج من الغرفة كي يفتح لها الباب بعدما اتفقت معه بالأمس أن يتقابل معها اليوم في وضح النهار بمقر العيادة الخاصة به وما أن رآها، حدق فيها للحظات هذه المرة الأولى التي يراها بهذا الجمال وهذه الإطلالة المميزة، وبدون حجاب أيضًا انبعج فمه بـ ابتسامة مسرورة متلهفة، وتناول كفها ليسحبها إلى الداخل وهو يردد :
- ملك!!! انتي اتغيرتي خالص، إيه الحلاوة دي
فـ رسمت أمامه وجهًا سعيدًا وهي تقول :
- كان لازم شكلي يتغير بعد ما حياتي اتغيرت
صحبها للغرفة الخاصة به لـ استقبال المرضى، أو "الفرائس" خاصتهِ بمعنى أدق وأشمل وقال :
- بس التغير حلو أوي، مكنتش أتوقع إنك جميلة كده بشعرك
ابتمست بتكلف غير متحملة تلك اللعبة السخيفة التي وافقت على ممارستها و :
- بتحبني ياهادي؟
فـ تنهد وهو يمسح على وجهها بلطف أربكها، ضړب حصونها وجعل قلبها يتحرك من مكانه يرجو منها الإستستلام له في الحال، دنى بخطوات جعلته شبه ملتصق بها وقبل أم يُعانقها أردف بصوت يجبرك على تصديقه :
- بحبك أوي
وضمھا إليه متابعـًا :
- دلوقتي مفيش جوز تخافي من خيانته، انتي حرة نفسك
ارتجفت أوصالها وهي تحس بدفء صدره المنبعث نحوها، وارتخت أعصابها التي كانت تحاول متكبدة العناء التحكم فيها وقالت بصوت ضعيف :
- أنا كمان بحبك، أنت كنت حبل النجاة اللي بيشدني كل ما أغرق وجودك صبرني على عڈاب شهور، أنت الحاجه الوحيدة اللي كانت حلوة في حياتي الفترة اللي فاتت
أحست به سيتمادي، أولًا ألصق شفاهه برأسها يُقبلها، ثم أذنها، فـ انتشلت نفسها على الفور واندفعت تقول بدون أي مقدمات :
- إحنا لازم نتجوز بعد ما العِدة بتاعتي تخلص
سحبته من ذروة شبقهِ بها نحو طريق آخر جعله يرمقها مذهولًا، لحظات والټفت يوليها ظهره وهو يقول :
- مرة واحدة كده؟ مش لما نتعرف على بعض كويس
- إحنا نعرف بعض من أربع شهور وأكتر، وبعدين انت لسه قايل إنك بتحبني!
جلس ونظر نحوها بفتور لا يناسب تلهفه عليها منذ دقائق، ثم أردف :
- بحبك، بس مش معنى كده إننا نحكم على علاقتنا بالمۏت
تنغض جبينها بعدم فهم، تركت الحقيبة على الطاولة، وتسائلت :
- مۏت!
- طبعًا مۏت، الجواز ده كلمة فاشلة أطلقها كل اتنين عايزين يعيشوا علاقة قدام المجتمع ومتكونش منبوذة منه مش معنى إن كل الناس بتعمل كده إحنا كمان نعمل كده!
حدقت فيه غير مصدقة ما يقول، كإنها ترى إنسان آخر غير ذلك الحنون الذي أحبته ووقعت في عشق رُقيّهِ ورقته معها وسرعان ما أردفت محاولة تجاوز صډمتها :
- ده مكنش كلامك ليا و 
- لأ لأ لأ، أوعي تقوليني كلام مقولتوش أنا عمري ما قولت هتجوزك، ولا قولتلك اطلقي من جوزك عشان تبقي معايا انتي اللي عملتي كل ده بـ إرادتك اللي انا زرعتها جواكي
ابتلعت ريقها محاولة إيجاد ما يقال في مثل ذلك الموقف الذي لا تُحسد عليه ولكنه استبقها متابعـًا :
- أنا كنت القوة الخفية اللي كانت بتحركك، أنا اللي خليتك تتمردي على الظلم والعڼف اللي كنتي عايشة فيه وخلصتك من جوزك بأيدك انتي لكن مقولتش هتجوزك
كأن صدرها ضاق عليها لم تعد تتحمل حتى غاز الأكسچين الذي تتنفسه، ولكنها ما زالت تعافر كي تُبرئه أمام نفسها و :
- صحيح ان وجودك في حياتي نفعني وقواني، بس انا قويت عشان نكون مع بعض عشان أعيش الحياة اللي استاهلها معاك، مش عشان أكون عشيقتك!
كان فتورهِ قويّ لدرجة لم تتحملها هي وهو يقول ردًا عليها :
- مسمهاش عشيقتي، أسمها حبيبتي أنا مستعد نكمل طول العمر سوا، لكن 
فقاطعته وهي تضحك بسخرية :
- لكن من غير جواز!
- بالظبط
ضحكت، ضحكت ضحكًا كثيرًا بعدما انتصر "يونس" عليها وتذكرت كلماته الموجعة التي لم تشعر بها سوى الآن، ستعيش الألم والعقاپ الذي تستحقه، بل أضعافهِ أيضًا 
سحبت حقيبتها غير قادرة على كبح الضحك الذي استبدلته بدلًا عن البكاء والصړاخ، وعيناه تنظر إليها بشدوه من صډمتها حتى عندما خرجت من الغرفة كان صوتها بازغًا، في حين كان يُتمتم :
- هترجعي تاني، مش هتلاقي غيري يكون حُضن ليكي
هبطت "ملك" الدرج وهي تستند على الدرابزون، ساقيها رخوتين غير قادرتين على حملها ورويدًا رويدًا كانت تترك جسمها حتى جلست على الدرج، خرج الزفير من صدرها وكأنه دخان يخنق روحها وبأصابع مرتعشة أخرجت الهاتف الصغير من الحقيبة وبدأت تضغط على أزرارهِ وضعته على أذنها وقالت بصوت مبحوح :
- يونس، تعالى خُدني، أرجوك خرجني من هنا 
ل
"الفصل الثالث عشر"
"أحيانًا لا يُفيدك الندم سوى للتعلم، والتعلم الآتي بعد ألم يكون أكثر تأثيرًا "
لم يتأخر عليها، أساسًا كان ينتظر في سيارته بالأسفل بضع لحظات وكان يقف أمام المصعد ويضغط عليه، ولكنه لم يعمل تقريبـًا مُعطل ، فـ تأفف "يونس" بنفاذ صبر وركض على الدرج ليصعد إليها وفجأة توقف عندما رآها تجلس هكذا بقلة حيلة وضعف على الدرج العلوي، عيناها مرتكزة على الفراغ، لم ترفع بصرها نحوه حتى فـ همّ ليصعد صوبها، ومدّ لها يده :
- قومي ياملك
نظرت لكفه المفتوح أمامها، أطالت النظر قليلًا، ثم رفعت بصرها رويدًا رويدًا حتى ارتكزت على وجهه، رأى جميع معاني الخذلان في عيناها اللامعة بوميض حزين مُنكسر، وبشرة شاحبة تغيرت كثيرًا عما كانت منذ قليل  
وضع "يونس" يده على مرفقها وجذبها برفق وهو يقول :
- يلا ياملك، ده مش المكان المناسب اللي تسيبي فيه نفسك بالشكل ده
نهضت معه، وظل مرفقها بين أصابعه وهو يسحبها بهدوء ورويّة ثم فتح لها باب السيارة وأجلسها، أغلق عليها ونظر لها من خلف الزجاج القاتم الذي لم يُظهرها جيدًا، ولكنه شعر بالغصّة التي توجع قلبها  
رفع بصره للأعلى راميًا نظرة على نافذة العيادة المرفق بها يافطة تحمل أسمه وتخصصهُ تلوت شفتيه وهو يفكر قليلًا، لا بد من ثمن سيدفعه ذلك الأرعن بعد خداعه لـ ابنة عمهِ فهو لن يترك الأمر هكذا بدون حساب، وحسابهِ سيكون ثقيلًا 
جلس "إبراهيم" مهمومًا، يفكر في ألف موضوع بآنٍ واحد، بينما كانت عينا "يزيد" المعاتبة عليه يرمقه بحزن ممتعض عليه ومنه  
نهض "يزيد" عن جلسته وتحرك بعشوائية لا يجد ما يفعله سوى ذلك، كأن الحلول التي لم تكن تنتهي لديه لم تعد موجودة وما أن سئم هذا الصمت قال بـ انفعال :
- وبعدين يعني ياعمي؟؟ لما انت رافض تتحجز في مستسفى المفروض أعمل إيه! أقف أتفرج على أبويا التاني وهو بېموت قدام عيني!
أسبل "إبراهيم" جفونهِ وتطرق للحديث عن أمر آخر كي لا يضطر الإجابة على سؤالهِ :
- ملك عامله إيه يايزيد؟ طمني عنها
نفخ "يزيد" وهو يشيح بوجهه، ثم أجاب :
- معرفش، بس أكيد هتكون كويسة يعني
تقدم منه "يزيد" وجلس بجواره و :
- متتهربش مني ياعمي، رد عليا ساكت كل ده على نفسك ليه
- العلاج مش هيعملي حاجه يا يزيد سيبني أعيش آخر أيامي بهدوء من غير ما أشيل حد همي
فـ صاح وهو ينهض عن جلسته :
- لأ، مش هيحصل
قرع الجرس مرتين متتاليتين، فـ توجه "يزيد" نحو الباب ليفتحه بدون انتباه لتعابير وجهه المتعصبة والمنفعلة ليتفاجأ بتلك الفتاة التي هابت نظراته الحادة وملامحه الغاضبة وعادت خطوة للخلف فسألها "يزيد" :
- أفندم ؟
رمشت "نغم" وهي تحيد بصرها عنه و :
- هو عمو إبراهيم مش موجود!!
قطب جبينه و :
- مين حضرتك؟
ظهر "إبراهيم" من خلفه وهو يقول :
- أهلًا يانغم، أتفضلي
كان "يزيد" فاقدًا لتركيزه، حتى إنه لم يتحرك من مكانه أو يفسح لها الطريق كي تعبر فـ جذبه "إبراهيم" و :
- يزيد!! وسع يابني
فتراجع للخلف ودخل من أمام الباب، دلفت "نغم" بحرج شديد منه وهي تحمل عُلبة في يدها، ثم قالت بصوت منخفض :
- أنا عملت حسابك في الغدا معايا بس لما جيتلك المحل مكنتش موجود
فـ ابتسم "إبراهيم" مُمتنًا لها و :
- تسلم إيدك يانغم
ثم تسائل بفضول :
- بس ياترى إيه اللي ورا الغدا ده!
توترت "نغم" بعدما تفهم هو إنها تفعل ذلك لغرض آخر، وأجابت :
- ولا حاجه، أنا كنت 
ترددت بـ بادئ الأمر وهي تنظر نحو "يزيد"، فـ بادر "إبراهيم" ليُطمئنها :
- مفيش حد غريب، ده إبن أخويا وأبن عم ملك
فـ اتسعت عيناها و :
- ده يونس؟؟
ارتسمت علامات الدهشة على وجه" يزيد" وهو يرمقها بغرابة مُضيقًا عيناه وتسائل :
- انتي تعرفي يونس منين؟
فـ عادت تنظر نحو "إبراهيم" بحرج شديد وصرحت له :
- ملك كلمتني وحكتلي كل حاجه
فـ ابتسم "يزيد" بسخرية وهو يهمس :
- طبعًا يونس سايب لها الحبل على الآخر
أجلسها "إبراهيم" أولًا ثم قال :
- كلمتك أمتى؟؟ وقالتلك إيه؟
- كانت زعلانة منك أوي ياعمي، أنت لازم ترجعها صدقني ملك معملتش حاجه غلط
فتدخل "يزيد" وهو يتطلع إليها بـ تَكبُر :
- وانتي دخلك إيه في الموضوع ده أصلًا!
فـ احتدت نبرتها هي الأخرى وهي تُجيب :
- دي صحبتي وحقي أتدخل في أي حاجه تخصها
كأن "يزيد" وجد من يُنفث فيه غضبه، فـ ارتفع صوته وهو يردف :
- مش من حقك، أبوها نفسه عارف هي فين وبتعمل إيه، يبقى إيه لزوم تطفلك!
نهضت "نغم" عن جلستها وقد أحست بالډماء تتدفق في عروقها لُتزيد وجهها احمرارًا وهي تنفعل عليه :
- أنا بكلم عمو أنت إيه اللي دخلك!!
فـ انبعجت شفتيه بـ استهجان و :
- والله دي بنت عمي وده عمي، انتي اللي ملكيش حد هنا تدخلي عشانه
فتدخل "إبراهيم" وهو يقف بينهم موبخًا "يزيد" :
- ميصحش كده يايزيد، نغم وملك زي الأخوات وأكتر دول تقريبًا اتربوا سوا، عمتك هبه الله يرحمها مكنتش بتفرقهم عن بعض أبدًا
تشنجت "نغم" وهي تتحرك من مكانها و :
- أنا هجيلك وقت تاني ياعمو، عن أذنك
فـ لوح "يزيد" بيده في الهواء تعبيرًا عن سخطه، بينما كان" إبراهيم" يحاول تلييّن الموقف معها :
- معلش يانغم، هو متعصب شوية عشان آ 
فـ اعترض "يزيد" على تبريرات عمه لتصرفه وقاطعه قائلًا :
- أنت لسه هتبررلها ياعمي، ما براحتها!
رمقته بنظرة حامية ، ثم قالت وهي تنظر لـ" إبراهيم" :
- بعدين نكمل كلام ياعمو
ثم نظرت نحوه قبل أن تخرج من باب الشُقة وقالت :
- أنت قليل الزوء
وقبل أن يرد عليها كان "إبراهيم "يحدق به ليصمت و :
- بس يايزيد، بس
أحاد "يزيد" بوجهه عنهم وجلس، وبعدما ودعّها "إبراهيم" عاد إليه ليوبخه:
- لسه زي ماانت لسانك سابق دماغك، البنت ضيفة عندنا ميصحش تعاملها كده
- ملهاش دعوة بملك خالص، خليها في حالها وخلينا احنا في مصايبنا
- بس متتعصبش، سيبك من الكلام ده، أنا هبقى أراضيها لما تيجي تاني
ثم أشار "إبراهيم" نحو الطعام و :
- أفتح الأكل وكل ، أنت معايا من الصبح ومكلتش حاجه
عبس أكثر وهو يجيب :
- مش عايز، ماليش نفس
- هتندم، نغم نفسها حلو أوي في الأكل
فـ تحولت تعابيره للإستخفاف و :
- مش باين!
- طب خليك هنا، أنا هغير هدومي وانزل معاك لحد الصيدلية
- ياعمي أرحم نفسك من المسكنات واسمع كلامي
تجاهل "إبراهيم" كلامه و :
- بعدين يا يزيد، بعدين
دخل غرفته وتركه، بينما عادت عينا "يزيد" تنظر للطعام المغلف تلقائيًا، قوس شفتيه وهو يحس بشغف لرؤية ما الذي أتت به، وبدأ في فتحها وهو يغمغم :
- عالله ميبقاش فول مدمس
كانت العلبة البلاستيكية المغلفة تضم قطعتين كبيرتين من المكرونة الممزوجة باللحم المفروم والبشاميل، بجانب قطعتين من الدجاج المُتبل المشوي وعلبة صغيرة من السلطة الخضراء، حتى الشوكة والسکين لم تنساهم اقترب بـ أنفه يشتم رائحة الطعام أولًا ليجد رائحته الذكية تخترق عقله قبل بطنه،  التقط الشوكة وبدأ يتذوق بشهية مفتوحة بعد أن ظل يومًا كاملًا بدون طعام أحس بطعم فريد حتى إنه تشكك في البداية إنه ليس من صُنعها هي، ثم تناول قطعة ثانية فـ الثالثة، حتى أنهى قطعة كاملة بجانب قطعة الدجاج، حتى السلطة أنهاها نظر للقطعة الثانية بتردد، ثم همس :
- آكلها ولا اسيبها لعمي!
فـ إذ بصوت "إبراهيم" يأتي من جواره قائلًا :
- تسيبها إيه، ده انت قربت تمسح العلبة كلها كمل كمل، عمك مش هياكل الأكل الدسم ده
فلم يفكر "يزيد"، وبدأ بالفعل يتناول القطعة الثانية بنهم أكبر، وقال :
- الصراحة، بعيد عن لسانها اللي عايز يتقطع ونظراتها  اللي خلتني عايز أديها على دماغها الأكل عظمة ياعمي، فعلًا يعني
ودس قطعة كبيرة في فمهِ، بينما كان "إبراهيم" ينظر نحوه بـ استغراب فهو ليس من عُشاق الطعام أو المُتلذذين بتناوله، ولكنه بدا الآن وكأنه شخص يعشق الطعام 
صمتها وكتمانها وحتى كبح دموعها طوال طريق العودة للمزرعة، كان دليلًا بيّنًا بـ إنها ستنفجر حتمًا في لحظة ما لم يود "يونس" فتح الحديث معها أو مناقشتها الآن، فقط أقلها بهدوء شديد متوقعًا إنقلاب سئ منها 
الآن، وبين جدران غرفتها التي سُجنت فيها منذ أن أتت هنا وبعد أن أغلقت الباب عليها أطلقت صرخات عالية بحّت صوتها وجرحت حنجرتها، بكت بصوت مرتفع وقد انهدم تماسكها الخائر أخيرًا كُل شئ أمامها أطاحت بها ومزقت في كل الأشياء التي صادفتها، أخرجت ملابسها من الحقيبة وجلست تُقصقصها وهي تصيح بكلمات مُبهمة تعبر عن ويلات ما لاقت من رجال دخلوا حياتها ليهدمونها على رأسها حطموا أنوثتها، بددوا روحها التي كانت تلوذ فقط للطمأنينة والحُب، جعلوا من قلبها أنقاض دُفن في بطونها روحها اليافعة الشابة 
كانت تبكي بـ حُرقة شديدة وهي تُخرج مكنوناتها الحزينة المقهورة وقصاقيص ملابسها متناثرة حولها ، غطاء الفراش مزقته، زجاج منضدة الزينة تهشم، حتى الأباجورات لم تسلم من يديها 
كان "يونس" يقف في المكان الذي يكون فيه دائمًا، غرفته التي تضم جزء منفصل للمكتب والجلوس وتطل على الحديقة حاجبًا بينه وبينها لوح زجاجي يُمكنك من رؤية الخارج كان يرى القصاقيص والملابس التي ترميها "ملك" من الشرفة العُليا بحالة هائجة، متابعًا ثورتها التي لم تخمد منذ أن عادت من الخارج وصوتها الذي لم يهدأ أبدًا نظر "مهدي" للخارج بشفقة وهو يغمغم :
- دي اټجننت خالص!!!
تنهد بضيق و :
- هطلع أشوفها وأحاول آ 
فقاطعه "يونس" برفض و :
- لأ يامهدي، سيبها
- يابني حرام ، دي ھتموت نفسها من العياط وممكن ټأذي روحها
فقال بإصرار :
- متخافش عليها، هي هتخرج كل اللي جواها وبعدين تهدا
- الدرس كان تقيل عليها أوي
دخل "يونس" من أمام النافذة وسحب سترته وهو يقول :
- خليها تتعلم، العلام اللي بييجي بعد الۏجع مش بيتنسي يامهدي
الټفت له و :
- لما عيسى يوصل خليه يدخلي على طول
دقق "يونس" حواسه بالخارج، فلم يستمع لصوتها توقفت حركتها ولم يعد يشعر بشئ، فتأكد إنها خضعت لـ استراحة قصيرة، ولكن لها عودة بالتأكيد 
في هذا المنزل الكبير، القسم السُفلي بالجانب الأيسر أغلبه لـ "يونس" باب واحد يفصل بين المنزل وبين مكان خاص به يضم غرفة نومهِ ومكتبه ومكان استرخائهِ وراحته، بينما غرفة تبديل الملابس ودورة المياة الخاصة به بالأعلى 
جلس على مقعد وثير ضخم الحجم، مريح للغاية يسمح لك بالنوم أعلاه أيضًا، أراح رأسه للخلف، فـ كانت صورتها أمام عينيهِ دقق عيناه فيها قليلًا ثم أطبق جفونهِ يستعيد اللحظة التي فقدها فيها، لم يكن يتوقع إنها تغادر الدنيا بهذا الشكل لقد ضاع منه الكثير من الوقت وهو يبحث عن سبب مۏتها، حتى إنه قلب الدنيا رأسًا على عقب حينها بعد أن ثبتت ۏفاتها بحالة ټسمم فـ بات يعتبر نفسه أحد أسباب مۏتها حتى وإن كان لا ذنب له  
فتح "يونس" عيناه ليجدها أمامهُ مرة أخرى، وقبل أن ينخرط في التفكير كانت الطرقات على الباب تسبق تفكيره فـ نهض عن جلسته و :
- أدخل
دلف "عيسى"، فـ أشار له "يونس" و :
- تعالى ياعيسى
وقف "عيسى" أمامه مباشرة لنكون أصدق في الوصف سنتحدث عن رجل سبق له العمل ضمن قوات الحراسات الخاصة، رجل المهام الصعبة، لا استغناء لـ "يونس" عنه في كثير من الأمور، منذ أن تبرعّ "عيسى" پالدم لإنقاذ "حسن الجبالي" والده وهما لا يتفارقان 
قويّ الجسم والبنيان، ذا قامة طويلة ملامح خشنة وبشرة حنطية، أشبه "يونس" ببعض الخِصال في الطبع، لذلك اتفقن معًا بشكل جيد في كثير من الأشياء 
جلس كلاهما قبالة بعضهما البعض، ثم بادر "يونس" قائلًا :
- في مهمة لازم تأديها كما ينبغي أن تكون
فـ بادر "عيسى" بتخمين :
- دكتور هادي!
أومأ "يونس" برأسه وقد تحفزت عيناه للإنتقام بشكل يُرضيه و :
- هنموته بالحيا، أسمه هيتمسح من سجلات النقابة ومن أي مكان مهني من الآخر كده هنصفيه
- أوامرك، في خِطة معينة هتنفذها؟
استرخى "يونس" بظهره للخلف و :
- الخطة جاهزة، وكل ما أنجزت الموضوع بدري أكتر هكون مبسوط أكتر وأكتر
فتحت عيناها منزعجة من الإضاءة المُسلطة على جفونها، والألم يُمزق في أحشائها بعدما تخلصت من الجنين أحست بأنفاسها تدخل على رئتيها گبخار الماء الذي يوهج بشرتك ويُصيبك بشعور الإحتراق، بللت شفتيها الجافتين بلسانها وهمست بصوت ضعيف للممرضة التي كانت تضع لها الحُقنة في مضخ المحلول :
- خلاص؟
فأجابت عليها :
- خلاص، الدكتور هييجي يطمن عليكي بعد شوية
تحسست أسفل بطنها بحزن و :
- الساعة بقت كام؟
- ١١ ونص
صُدمت وحاولت النهوض بسرعة وهي تهتف :
- إيه!! ١١! ؟
فـ ثبتتها الممرضة وهي تعنفها:
- براحة يامدام مش كده، انتي لسه قايمة من عملية!
تجاهلتها "رغدة" و :
- لازم امشي، نادي الدكتور يشوفني عشان أمشي
- أهدي طيب، كده كده جوزك برا وهياخدك يروحك قلقانة من إيه!؟
حدقت عيناها وقد انقبض قلبها بتخوف من ذكر "زوجها"، ازدردت ريقها بتوتر متحاشية آلامها و :
- جـ جوزي أنا !! برا؟
- آه
وتحركت الممرضة لتقف منادية من أمام الباب :
- ياأستاذ، أتفضل مراتك صحيت
وضعت "رغدة" يدها على قلبها پذعر، كيف علم إنها هنا؟ وكيف تعقبها! ماذا سيكون رد فعله عندما يعلم بكذبتها وإقدامها على إجهاض جنينهما؟ 
اضطربت أكثر وهي تنظر نحو الباب، ثم أجفلت وهي تهمس :
- إزاي بس! إزاي عرف!!
رفعت بصرها ببطء غير مستعدة لاستقبال رد فعله المتعنف، فـ إذ بها ترى "يزيد" أمامها وهو يرمقها بنظرات حزينة مزجت بين التجبر والڠضب أطلقت زفيرًا حُرًا كأنها وجدت الطمأنينة أخيرًا، ونطقت بـ إسمه وهي تعاود الإسترخاء على الفراش مُطبقة جفونها بـ استسلام :
- يزيد!!! 
"الفصل الرابع عشر"
لم يكترث بـ إلحاحها الشديد الذي أزعجه، وفتح الخزانة الصغيرة كي يُخرج ملابسها منها لم تكن قادرة على المجادلة والنقاش الذي لن يُجدي معه، ولكنها حاولت أن تُصرفه من هنا، ألا يكون جوارها لا تريد أن تحنّ له حتى، أطبقت جفونها وهي تردد مرة أخرى بقنوط :
- يزيد، أمشي من هنا قولتلك بقا
ترك ملابسها على الفراش ومازالت نظراته الغامضة مرتكزة عليها، ثم قال بدون أن يتراجع لحظة :
- تقريبًا انتي مش هتحبي أبدًا إن جوزك المحترم هو اللي يكون واقف هنا مكاني وانتي بتنزلي إبنه مش كده ؟
ابتلعت ريقها ثم نفخت بسخط وهي ترميه بنظرة حامية و :
- مش هتبطل أسلوب الټهديد بتاعك ده!
- لأ، أتمنى لما ييجي الدكتور يشوفك تحافظي على لسانك، عشان مش هتخرجي من هنا غير معايا
- بمناسبة إيـ 
دلف الطبيب ومن خلفه المساعدة خاصته، دنى منها، فـ ابتعد "يزيد" وهو يحذرها بنظراته كي يفحصها :
- حاسه بإيه يامدام رغدة؟
تحسست أسفل معدتها و :
- ۏجع، عايزة مسكن وامشي من هنا
- هكتبلك شوية أدوية تنتظمي عليهم وبعد ساعة ممكن تمشي، يكون المحلول خلص
ثم الټفت برأسه ينظر لـ المزعوم زوجها و :
- هتحتاج فترة راحة عشان ميحصلش مضاعفات
فـ نظر نحوها نظرة ساخرة فهمتها هي و :
- أكيد
- عن أذنكم
سحب "يزيد" المقعد وجلس بالقرب منها، وتعمد أن يؤلم روحها بكلامه السام :
- ده انتي مش بس بياعة، طلعتي جاحدة كمان بتنزلي ابنك لمجرد إنك مش عايزة أطفال من جوزك
وتعمّد تذكيرها مجددًا :
- جوزك اللي فضلتيه عن إنك تصدقيني، أنا كنت مخدوع فيكي فعلًا
لم تهتم بآلامها وراحت تصيح فيه لـ تُحمله أعباء ما تعيش به وفي منظورها هو المتسبب الرئيسي فيه :
- أنا اللي اتغشيت فيك وافتكرتك بتحبني، لكن الحقيقة إنك كنت راجل خاېن زيك زي باقي الرجالة اللي بيجروا ورا شهوتهم
شدّ على صدغيهِ وهو يدافع عن نفسه أمامه :
- أنا سيبت الدنيا والكل وجيتلك، اعترفتلك بأسوأ حجات عملتها في حياتي حړقت سريري اللي شاف ستات كتير قبلك وبنيتلك سرير جوايا، لكن انتي!! انتي مكنتش واثقة فيا لحظة واحدة مع أول اختبار لجوازنا استسلمتي وصدقتي إن اللي عمل كل حاجه عشان بس تكوني مبسوطة خانك
أشاحت بوجهها عنه و :
- أنا صدقت عيني اللي شافتك مع واحدة تانية
- عـودة بالوقت للسابق -
مُـنذ عام ونصف من الآن (تحديدًا بداخل أحد غرف يخت يطفو على سطح مياة بالمرسى) 
لم يكن "يزيد" في وعيه تمامًا حينما كان نائمًا على فراش إحدى الفتيات اللاتي كُن موجودات بالحفل المُقام على اليخت والذي كان "يزيد" أحد المدعوّين له 
كانت رأسه ثقيلة للغاية بفعل مشروب شربهُ مساءًا وبعدها تحول لكائن لا يشعر بأي شئ فتح عيناه الثقيلتين ببطء، فـ إذ بتلك الفتاة تبتسم له بـ عبث من خلف لمعان خبيث في عيناها، وقميص نومها العاړي بالكاد يُغطي القليل من المناطق في جسمها المُفترش بجواره على الفراش تنغض جبينه وهو عاجز عن تحديد ملامحها بفعل تشويش رؤيته، فـ مسدت هي على جسده العاړي المُغطى نصفهِ بالغطاء الخفيف ثم قالت بصوت ناعم :
- صباح الخير ياحبيبي
قال بصوت ناعس تشوبه الحشرجة :
- الساعة كام يارغدة؟
فلم تُعقب على مناداتهِ لها بأسم آخر ، وتابعت كأنها بالفعل زوجته :
- لسه الساعة ٨ ونص الصبح، خليك مرتاح الدنيا مش هتطير
أطبق جفونه وهو يحس بنبضات في رأسه تؤلمه و :
- مش عارف مالي؟
فـ جذبته لـ أحضانها حتى أصبحت رأسه تستند على صدرها وراحت تضمهُ بـ انفعال عاطفي :
- سلامتك ياعيوني
انفتح الباب على مصرعيه، وظهرت "رغدة" من خلفه بوجهها المُحمر المُتصبغ بـ حُمرة الڠضب، نهجت بأنفاسها گالتي خرجت من معركة للتو، كل ذلك وهو لا يشعر حتى بوجودها دلفت وهي ترمقهم بـ اشتعال بينما بقيت تلك الفتاة صامته متعمدة ألا توقظه، فقط بادلتها بنظرات مستفزة فلم تشعر "رغدة" بنفسها إلا وهي تضربه بحقيبتها كي يستيقظ وصړخت فيه :
- مكنتش اعرف إنك هتفضل ملكش غير في الرمرمة
أفاق "يزيد" منتفضًا أثر ضړبتها وظل لبعض الوقت غير مدرك ما يحدث حوله حتى إنها صڤعته صڤعة ارتد لها صدغهِ و :
- من اللحظة دي تنسى إن ليك زوجة أسمها رغدة
وتحركت لتخرج من هنا بعجلة، حيث كان "مُعتصم" يقف على الباب في انتظارها حتى مرت من جواره بسرعة البرق، فـ هتف وهو يتبعها :
- أخس عليك يا يزيد، لسه زي ماانت مش هتتغير!
- عودة للوقت الحالي -
كان "يونس" ينظر للشرفة المرفقة بغرفتها من الأسفل، ينتظر أن تنفتح إضاءة غرفتها ولكنها لم تفعل، منذ أن عادت أمس وهي بتلك الحالة، أوصدت الباب على نفسها ولم يستطع أحد الدخول إليها، حتى إنها لم تتناول شيئًا 
دخل "يونس" بعد أن راقبها بعض الوقت، فوجد "مهدي" ينزل على الدرج فـ سأله :
- وصلت لحاجه؟
فهز رأسه بالسلب و :
- لأ، قافلة على نفسها ومش بترد عليا
أجفل "يونس" وهو ينظر للأرض قائلًا :
- لازم نلاقي حاجه تخرجها من أوضتها يامهدي ، فكر
- فار
ارتفع حاجبيه مذهولًا و :
- نعم!
فأجاب "مهدي" بتلقائية :
- اللبن كنت سايبه على الڼار، شكله فار
وأوفض نحو الطريق المؤدي للمطبخ، تاركًا خلفه عقل "يونس" الذي لم يتوقف لحظة عن التفكير في طريقة تُخرجها من غرفتها فـ هدوئها بعد لحظة اڼهيارها بالأمس هذا لا يُبشر نهائيًا 
كان يقود السيارة بها بعدما أخذها من المشفى رغمًا عنها رافضًا تركها بهذه الحالة، ولكنه أقنعها بشكل جيد إنه يفرض وجوده عليها كي يُعاقبها ليس لأن أمرها يهمه أو ما شابه 
وقف بالسيارة أمام النيل، فـ أصبح بـ إمكانهم رؤية إنعكاسات الضوء المتلألئة عليه هو هنا تحديدًا لـ يُذكرها بما خسرته، ليُذكرّها به، بينما هي لم تنساه يومًا 
كانت تستند بظهرها على المقعد وعيناها للأمام حتى قطع عليها صمتها قائلًا :
- كان زمانك حامل مني أنا! إحنا استنينا اليوم ده كتير أوي
نظرت للجانب كي لا تلتقي نظراتهم، بينما تابع هو هذيانهِ كأنه يتحدث لنفسه :
- كنا هنخرج مع بعض عشان نجيب الهدوم البيبي سوا بعد ما نعرف جنسه هيطلع ولد، شبهي هياخد مني كل حاجه إلا قلبي، عايزهُ ياخد قلبك انتي
تجمعت الدموع في عيناها أثر كلماته التي تذبح في نحرها بدون رحمة گزواجها من رجل آخر كي تؤلم روحه وټنتقم منه، بل واختارت الرجل الأقرب منه أيضًا لم تكن تعلم إن تلك هي خطة "معتصم" من البداية، أن يحصل عليها أعتقدت إنها هي من أرادت بينما كانت هي مجرد آداة نفذ بها "معتصم" كل لعبته بدون أن تدري 
حاولت أن تفتح باب السيارة بعدما قررت الترجل منها، ولكنه كان قد أغلقه مُسبقًا، فـ راحت تنظر إليه و :
- أفتح الباب
فتح إضاءة السيارة الداخلية ونظر نحوها، كانت عيناه تنطق بالشرّ رأت ذلك بوضوح، حتى إنه أعلن بصراحة :
- أوعي تكوني فكراني سيبتك ليه! أنا سايبك تدوقي مرارة إنك مع راجل مش بتحبيه عشان بس ټنتقمي لأوهامك إنما أنا، أنا هرد على كل اللي عملتيه في الوقت المناسب وبالشكل اللي يناسبني
وپعنف ونبرات منفعلة تابع :
- طالما إنتي مش ليا، مش هتكوني من حق حد تاني
- أنت مچنون
أومأ برأسه و :
- انتي السبب، وعليكي تتحملي الجنان اللي اتسببتي فـ إنه يظهر
قام بتشغيل السيارة مرة أخرى وبدأ يقودها متهورًا، لم تخشى شيئًا، هي أساسًا إنسانة مېتة بعدما حدث بعدما قررت الإنتقام من نفسها أولًا مضى بها يشق طريق خلف آخر، حتى وصل بها أمام الشارع المؤدي للعقار الذي تسكن به توقف فجأة، وفتح أقفال الباب و :
- أنزلي
- انت جيت ليه وعرفت مكاني منين؟
سألته وهي تنظر نحوه، فـ أجاب بدون أن يلتفت :
- جيت عشان اكرهك، عشان أشوف بعيني إنك مش البنت اللي حبتها واخترتها وعرفت منين!
صمت لحظات و :
- أنا ضلك، مش سايبك لحظة أي همسة منك عارفها
ثم نظر نحوها و :
- أنزلي
فتحت باب السيارة وترجلت منها ببطء، وما أن أغلقت الباب حتى استدار بالسيارة كي ينصرف، كفاه عذابًا اليوم فقد أرق نفسه بينما هو معتقد إنه يؤلمها هي، لقد أيقظت ذكريات ډفنها مع قلبه وظن إنها مضت، ولكنها كانت بحاجه فقط لأن ينبشها أحدهم كي تصحو من جديد 
يومان مُنذ ما حدث مع "ملك" 
يومان أعدّ فيهم "يونس" لـ مُخطط داهي كي يُوقع بـ "هادي" شړ وقيعة وجاء موعد التنفيذ، حتى إنه رفض أي مواجهة بينه وبين "ملك" حتى يأتي بثأرها ويُبرد نيرانها الكامنة في صدرها گبركان مدفون في باطن الأرض 
كان "يونس" يجلس في سيارته ينظر نحو الأمام، حتى عاد "عيسى" له وجلس بجواره في المقعد الأمامي و :
- خلاص ياباشا، كله تمام
قام "يونس" بتشغيل السيارة بعد أن وضع السېجارة بين أسنانهِ، وراح يقف في مكان بعيد عن الأعين كي يتمكن من مراقبة ما يحدث بـ تشفي 
- بداخل مركز "هادي" للعلاج النفسي -
كان يجلس برفقة إحدى مريضاتهِ الجديدات وهي تحكي له عن معاناتها، بينما هو مدققًا بكامل تركيزه مع ما تسرده من أحداث حتى انتهت، كانت في حالة مُزرية، فـ ترك مكتبه وراح يقترب منها ويجلس بجوارها مآزرًا لها :
- أهدي يامدام حنان، الحالة النفسية مهمة جدًا عشان صحة الجنين وصحتك أنا عايز أوضحلك إن اللي بتعاني منه أسمه مُتلازمة آ 
دلفت المساعدة بعدما طرقت الباب و :
- دكتور هادي، الحارس بتاع العمارة عايز حضرتك
رمقها بنظرات منفعلة وهو يقف و :
- ده تهريج ده ولا إيه؟؟ كام مرة قولتلك محدش يدخل هنا طول ماانا في جلسة!
- آسفه، بس شكل الموضوع خطېر
فـ تدخلت "حنان" و :
- روح يادكتور، وانا هحاول أهدي نفسي لحد ما ترجع
فـ أحنى رأسه نحوها و :
- أنا آسف حقيقي
- ولا يهمك
خرج "هادي" من خلف مساعدتهِ، فـ نهضت "حنان" كما يقال لها على الفور، تناولت كأس المياه الموضوع على مكتب "هادي" والذي يحمل بصماته، ثم وضعت به مسحوق أبيض اللون ودست الورقة في صدرها ، وبعدما تأكدت من ذوبانه ارتشفت أغلبه، نفضت شعرها وأفسدت زينة وجهها عن طريق تلطيخ عيناها بسواد الكُحل ثم رمت بنفسها على الأرض وسقط معها الكوب، بضع من اللحظات وكانت بالفعل تفقد توازن رأسها وتغيب عن الوعي 
دخل "هادي" للغرفة وهو يعتذر لها :
- آسف جدًا آ إيـــه ده!
فزع بعدما رآها ساقطة هكذا والكأس فارغ بجوارها وهمّ نحوها محاولًا إيقاظها ، أسندها عن الأرضية لتكون بين ذراعيه وهو ينادي ضاربًا على وجهها برفق :
- مدام حنان، سمعاني؟
لم تستجيب بأي شكل، فـ نادى "هادي" :
- يامها ، أنتي ياللي ملكيش لازمة
حضرت "مها" على الفور، وشهقت وهي تراها هكذا بين ذراعيه مغشيًا عليها :
- إيه اللي حصل يادكتور؟
- بسرعة هاتي أي برفيوم من معاكي وشوفي جهاز الأكسچين فين! حاسسها مش قادرة تتنفس
فـ ركضت "مها" و :
- حالًا
خرجت "مها" مهرولة كي تأتي بما أمر به وأغلقت الباب خلفها بتعمد، بينما كرر هو محاولاتهِ البائسة لتفيق ولكن لا يوجد أدنى استجابة منها، شعر بوقع العديد من الأقدام تقترب، ظن إنها "مها" فـ رفع بصره متوقعًا أن تدخل هي حتى تفاجئ بـ اقټحام قوة من الشرطة للغرفة، فـ دبّ الذعر بداخله و :
- خير حضراتكم بتعملوا إيه هنا؟
نظر الشرطي لتلك الواقعة التي يراها أمام عينه، ثم سأل بتهكم :
- إنت اللي بتعمل إيه يادكتور؟
تركها "هادي" ووقف قبالته وقد شعر بإنه متهم يحاول تبرئة نفسه :
- مدام حنان مريضة عندي وفجأة فقدت الوعي، وانا بحاول أفوقها
ثم أشار للخارج و :
- حتى المساعدة بتاعتي راحت تشوف جهاز أكسچين
دلفت المساعدة وهي تنظر للضابط و :
- أهو ياحضرت الظابط زي ماانت شايف، كل يوم ست شكل يحصلها نفس الكلام،  في الآخر يبعتني أجيب أنبوبة أكسچين ويفضل هو معاها قال إيه بيفوقها
حدق "هادي" وهي يرمقها غير مصدقًا إفترائها العلني أمامه، وبتوتر شديد أربكه حاول نفي ذلك :
- كـذابة، انتي بتقولي إيــه يامـها اټجننتي!
فـ دعمت حديثها قائلة :
- أنا برضو ست ومرضاش واحدة زيي يجرالها حاجه كده ولا كده وانا اشوفها واسكت
فـ صاح فيها محاولًا التهجم عليها :
- ده انا هخرب بيتك، مين قالك تعملي كدا يا ××××××
فـ استنجدت "مها" بالشرطي الذي كان يمسك بياقته و :
- أهو شايف ياباشا، بيهددني قدامك أهو زي ما هددني كتير قبل كده بس انا بقا مش هسكت ومش هخاف
فـ صاح وهو يشير نحوها :
- كذابة، دي كذابة
دفعه الشرطي بعيدًا وهو يشير للمجندين المرافقين له :
- هاتوه، ده انت هتبقى تسليتي النهاردة
ثم أشار نحو الفتاة :
- وخلي الإسعاف تطلع تاخد الست دي، وانت ياعسكري حرز الكوباية دي وهاتها
سحبهُ العساكر بشكل همجي وهو يحاول التملص منهم ويصيح :
- أنا هرفع عليكم قضية، أنا هوديكم في داهية
كان "يونس" ينظر نحو مدخل البناية منتظرًا اللحظة التي سيرى فيها "هادي" عريسًا يُزف إلى سيارة الإسعاف ثم إلى السچن يُدخن سيجارتهِ بهدوء، حتى رآه يُجرّ نحو سيارة الشرطة متشنجًا 
لاح على ثغرهِ ابتسامة شامتة وهو يراه يصعد للعربة، ثم سحب شهيقـًا عميقًا لصدره أطلقه على مهلٍ وهو يرى انصراف سيارة الشرطة ومن خلفها الإسعاف 
ثم أردف :
- جاهز للخطوة التانية ياعيسى؟
- جاهز
أخرج "يونس" سېجارة جديدة بعد أن انتهت الأخرى وأشعلها نظر لها وهي تحترق بين أصابعه، ثم نظر نحو "عيسى" وأطلق له الإشارة :
- يلا
ترجل "عيسى" وسار نحو البناية، وقف لحظات مع حارس العقار ثم صعد بعدها للأعلى دخل بسهولة للمركز بمساعدة الحارس الذي كلفهم الكثير من المال كي يشتروا ذمتهِ بثمن باهظ بحث عن المطبخ، فوجد بداخله خط إنتاج غاز، فتحه عن آخره، ثم فتح عيون الموقد جميعها ونظر للحارس قائلًا :
- هتطلع دلوقتي للسكان كلهم تبلغهم إن في تسريب غاز وتخليهم يقفلوا الغاز من عندهم كلهم، لما أديك الإشارة تطلع مرة تانية وتبلغهم يسيبوا شققهم لأن ريحة الغاز زادت في العمارة، في نفس اللحظة تبلغ شركة الغاز إن في تسريب
- حاضر يابيه
غادر "عيسى" بهدوء وأغلقوا المركز مرة أخرى، عاد "عيسى" يجلس بمكانه جوار "يونس" و :
- تم
فـ نظر "يونس" نحوه و :
- إحنا ربنا هيجازينا خير، عشان إحنا بنخلص الناس من أذى ناس تانية متستحقش تعيش معانا
فـ صدق "عيسى" على حديثه بدون تفكير :
- طبعًا ياباشا
سحب "يونس" نفس طويل ثم ترك الدخان يخرج من فمه أثناء التحدث :
- أدي للرجالة الإشارة
عبث "عيسى" في هاتفه ثم تركه لحظات وكان سُكان العقار يخرجون من البوابة الرئيسية بعجالة والذعر والفزع باديين عليهم، الجميع يُشير نحو العقار ويتهامزون حوله حتى اڼفجرت إحدى الشقق فجأة فـ هرع الجميع يركض ويفر من أمام البناية، بينما كان مركز "هادي" تبلعهُ النيران وألسنتها والأبخرة السوداء تتعالى أمام الجميع كلما ظهرت النيران أكثر، كلما ارتاح "يونس" أكثر وأكثر ثم تنهد بـ أريحية ورمى بـ صبابة سيجارتهِ من النافذة وهو يستعد للمغادرة، فـ سأله "عيسى" :
- تحب تروح المكان اللي بتحبه؟
فأجاب والسيارة تتحرك من مكانها لتبتعد عن هنا بعد إتمام مهامهم :
- تــؤ 
"الفصل الخامس عشر"
إن كان الحُب أثم، فـ نسيانهِ أعظم أشكال التوبة "
كانت الغرفة مُبعثرة من حولها، حتى فراشها الذي تنام أعلاه لم يكن في شكلهِ المُرضي للنظر لم تفتح زجاج الشرفة منذ ثلاثة أيام، وكأنها أقسمت على تأديب قلبها الذي خنع لرجل لم تشعر لوهله إنه يستغل برائتها بل واستخدمها مستغلًا ضعفها وحالتها كأنها دُمية يُحركها بين أصابعهِ، عندما أمعنت التفكير وجدت إنها بالفعل فعلت كل ما قاله وسرت خلف توجيهاتهِ تاركة العمى يتمكن من قلبها وحواسها لم تفعل شيئًا بإرادتها الحرة، بل كان هو المحرك الذي دفعها لفعل ما تلوذ إليه 
فتحت "ملك" عيناها وهي تنظر نحو الشرفة المغلقة، وأطبقت جفونها بـ استسلام من جديد، شعرت بصوت خشخشة كأن أحدهم يعبث على الفراش وشيئًا صغيرًا يسير على يدها كأنه كائن حي، جحظت بعيناها على الفور  واعتدلت برأسها لتنظر، فـ اصطدمت برؤية فأر صغير كان يسير على يدها انتفضت وهي تصرخ، دفعته عن يدها ونهضت متعجلة عن الفراش وهي تتنفس بصعوبة، ومازال صړاخها مستمرًا وهي تنظر إليه برهبة وخوف التفتت برأسها وكأنها تبحث عن شئ تُبيده به، ولكن بصرها وقع على آخر أكبر منه على الأرض بجوار الكومود وزحف حتى دخل أسفل الفراش قفزت في مكانها وقد تمكن الذعر من نظراتها المڤزوعة، وسرعان مع بحثت بعيناها عن منتاج الغرفة كي تفتح الباب وتفرّ بسرعة 
كان "يونس" يقف بالخارج بجوار الباب يستمع لصوتها، منتظرًا اللحظة التي ستخرج فيها من بين جدران أربعة حبست نفسها بهم طوال الأيام الماضية 
وما أن شعر بالباب ينفتح خطى نحو الدرج مستعدًا الهبوط عليه، ولكنه توقف مع سماع صوت صړختها وهي تناديه بعدما خرجت :
- يــونس
الټفت برأسه ينظر بفتور، بينما هرعت هي نحوه و :
- فـار، لأ أتنين الأوضة فيها فارين
أدّعى عدم الإكتراث بحجم المصېبة كما تتوقع هي، وقال :
- عادي بتحصل، سيبي الأوضة ومهدي يطلع يشوفها يمكن لما وشك يشوف الشمس يتحسن بدل الپهدلة اللي انتي فيها دي
ختم عبارته وهو يرمق أعلاها وأسفلها بنظرات أزعجتها وجعلتها تنظر لحالها ثم عادت تنظر نحوه، فـ تركها وهبط وهو يقول :
- الفطار جاهز لو عايزة
نظرت نحو الغرفة التي أغلقتها من خلفها كي لا يخرج زوج الفئران اللذان اقتحما غرفتها، ثم عادت تفكر هل تذهب لتناول الطعام أم تتجرأ وتدخل لتبديل ثيابها أولًا!
جلست على حافة الدرج وهي متحيرة فيما ستفعل، حتى رأت "مهدي" يهبط عن الطابق الأعلى فـ نهضت على الفور و :
- عم مهدي، ألحقني في فارين في الأوضة
حدق "مهدي" بعدم تصديق و :
- فيران؟؟ متأكدة؟
فقالت والخۏف ينتابها :
- آه والله، بالله عليك تشوف الأوضة وتخرجهم عايزة أغير هدومي
نظر نحو الغرفة قبل أن يهمّ لفتحها، فـ استوقفته وهي تصيح :
- لأ لأ، لو فتحت هيخرجوا
- أمال اعمل إيه؟ لازم يخرجوا
فـ نظرت حولها و :
- آ طب استنى لما انزل
وفرّت راكضة على الدرج حتى وصلت للبهو  
بينما دخل "مهدي" وراح يبحث هنا وهناك حتى وجد أثر لذيل "فأر" صغير قبل أن يركض، فـ اعتدل في وقفته وفكر قليلًا، ثم ابتسم ابتسامة مغزية وهو يقول :
- مفيش حاجه تعجز معاك يايونس
نظرت "ملك" حولها يمينًا ويسارًا وهي تستكشف المكان، لا تدري إلى أين تذهب حتى ظهر "يونس" وهو يخرج من أحد الردهات ممسك بـ كوب من الشاي ومضى نحو غرفة ما يبدو إنها غرفة الطعام، شبكت "ملك" أصابعها گطفلة صغيرة تائهه ، هي بالفعل طفلة طفلة لم تعيش طفولتها گغيرها من البقيّة، وحتى شبابها يضيع الآن بين الأحداث الغريبة والأحزان وبين الظلم والقمع الذي عاشت به تحت مُسمى عشّ الزوجية 
سارت "ملك" نحو أحد المقاعد المُبطنة الموجودة ضمن طاقم جلوس فاخر، وجلست أعلاه تفكر في أكثر من أمر حتى قطع عليها تفكيرها رؤية "عيسى" بهيئته الغامضة تلك يدلف الغرفة الذي ډخلها "يونس" منذ قليل هذه المرة الأولى الاي تراه فيها، ولكنها خشيته شعورها أخبرها بإنه رجل يُخاف منه 
دخل "عيسى" لغرفة "يونس" الخاصة، واقترب منه وهو يقول :
- حصل
ناوله جريدة اليوم التي تم نشر الخبر فيها فـ عنوان أول يجذب الأنظار، وأردف :
- الصحفي بتاعنا كان موجود في مكان الحدث وصور كل حاجه وطبعًا إذن النشر كان في جيبنا من قبلها عشان يطلع تاني يوم
تفحص "يونس" ورقات الجريدة وقرأ السطور بإمعان، فـ لاحت ابتسامة ظافرة على محياه راضيـًا عن ثمار المجهود الذي بذله خلال يومين فقط لإنهاء أمر هذا الحُثالة الذي تجرأ بالتعدّي العاطفي على "ملك" وجعلها في هذه الحالة ثم ترك الجريدة وأمسك بـ دفتر (الشيكات) خاصته، وقّع على واحد منهم بعدما كتب المبلغ به و :
- ده عشانك ياعيسى
تناوله "عيسى" ثم طواه ودسّه في جيب بنطاله، في حين كانت إشارة السماح بالخروج تأتيه من "يونس" :
- خليك في مكانك وانا لما احتاجك هكلمك
- ماشي ياباشا، عن أذنك
خرج "عيسى"، ثم لحظات وتبعه "يونس" حيث عبر الردهة ومنها دخل إلى غرفة الطعام، وضع الجريدة بجواره وراح يرتشف الشاي وهو ينظر إليها بحبور اجتلاه حتى رآها تقف عند الباب، فترك الشاي و :
- واقفة كده ليه؟ أدخلي
دخلت "ملك" وهي تتأمل المكان ثم جلست على أحد مقاعد المائدة البعيدة عنه، فـ قطب جبينه مندهشًا وسألها :
- خير!! خاېفة تقعدي قريب مني ولا حاجه؟
فـ نفت وجود الفكرة برأسها و :
- لأ
أشار نحو الطعام و :
- قربي عشان تفطري ياملك
نهضت "ملك" عن جلستها وجلست بالمقعد المجاور له تحديدًا وضع أمامها بعض الأصناف التي خمّن إنها تُحبها، ثم أردف أثناء ذلك :
- انتي اتطلقتي ليه؟
رفعت بصرها فجأة نحوه وهي تحدق فيه، فـ لم يتراجع هو عن النظر المتعمق بداخل عيناها المُخيم عليها الحزن حتى أجفلت هي وسحبت قطعة من الخبز وضعت عليها قطعة من الجُبن الأبيض، ثم نهضت عن مكانها وخرجت بدون أن تتفوه بكلمة واحدة تركها بدون أن يضغط عليها، ولكن تصرفها المتجاهل ذلك أثار انزعاجهِ المكتوم أكثر نظر نحو الجريدة التي لم يلحق كي يُريها إياها، ثم عاد يرتشف الشاي الخاص به وهو يفكر قليلًا 
قضمت "ملك" قضمة واحدة من الخبز، كانت تلوكها بين فكيها ببطء والدموع تنسال من طرفيها ابتلعتها وكأنها تبتلع قطعة من حجر مسحت دموعها وسارت نحو المطبخ، المكان الوحيد الذي تعرف طريقه، رمت ما بقى من الطعام الذي لم تتناوله في سلة المهملات ثم خرجت 
ترك "يزيد" زجاجة المياه الصغيرة وهو ينظر لشقيقهِ بتمعن كي يصل لتخمين يمكنه من معرفة رد فعله، ولكنه لم يستطع فسأله مباشرة :
- هتعمل إيه يايونس؟
فأجاب مباشرة وبدون تفكير :
- ملك لازم تعرف ، عمي لو ماټ في أي وقت وهي متعرفش مش هتسامحنا
فـ لم يهتم "يزيد" بأمرها كثيرًا و عبّر عن ذلك بصراحة مطلقة :
- أنا ميهمنيش ملك تعرف ولا لأ، اللي يهمني إنها تضغط عليه عشان يوافق يتعالج ده السبب اللي خلاني أفكر نبلغها
كان "يزيد" يجلس برفقته وسط مربع محاط بالكلأ ويطل على أسطبل الخيل خاصته عينا "يونس" أغلب الوقت على خيوله التي تنتمي أغلبها لفصائل نادرة أشاح بوجهه عنهم لحظة ينظر لأخيه و :
- مهما كان السر اللي تعرفه ومخبيه عني ده مش سبب يخليك بالجحود ده البنت ملهاش حد غير أبوها
فـ لمحّ "يزيد" بعدما رأى بعينه دفاعه عنها وحمايته لها حتى وإن كانت غائبة :
- معتقدش! أنت كمان بقيت موجود
تنغض جبينه عاقدًا لحاجبيه المُستطران، ثم أردف كأنه لم يفهم :
- يعني؟
فـ رفع "يزيد" عيناه عنه كي لا يواجهه و :
- ولا حاجه، أقصد إنك مش هتسيبها لوحدها في نص الطريق
رنّ هاتفه الموضوع أمامه، وبدون أن يلتقطه كانت عيناه تقرأ هوية المتصل أطبق جفونه وكشّر وجهه وهو يهمس بـ انزعاج :
- إزاي نسيتها؟؟
فـ خمّن "يزيد" :
- دي نينة اللي بتتصل؟
أومأ "يونس" برأسه وهو يجيب عليها لانت نبرته وكأنه يستعطفها ويعتذر عن غياب الفترة الماضية و :
- ألو، أنا آسف سامحيني والله مقصدتش أغيب كل ده عنك
وكأنها كانت توبخه، صوتها العالي كان ظاهرًا حينها صمت "يونس" وهو يستمع لصوت صياحها فيه، ثم أردف بـ :
- والله هاجي، حقك عليا
ثم نظر لـ "يزيد" الذي حدق فيه وأشار له كي لا يأتي بسيرته ولكن "يونس" قام بتوريطه هو الآخر و :
- من عنيا، هجيب يزيد معايا حاضر
فـ نفخ "يزيد" ونهض عن مكانه، سار بـ اتجاه الأسطبل وعندما رأى "ريحان" تقف ابتسم، ودخل إليها كي يداعبها قليلًا، لحظات وكان "يونس" يقف بالخارج ويهتف بـ :
- حضر نفسك، نينة مستنياك تيجي معايا
فـ أطبق جفونه وهو يهمس بينه وبين حاله :
- هتقعد تديني كلام في جنابي لحد ما اقول يا بس، أنا عارفها مش بترتاح غير لما تهزقني
حرص الشقيقين على تناول الغداء معًا قبيل عودة "يزيد" إلى القاهرة حيث أشرف "مهدي" بنفسه على الطباخ الذي أعدّ أفضل الأصناف اللاتي يُحباها كلاهما، ووضع الطعام بنفسه على المائدة مُضيفًا :
- وبعدها خليتها تقعد في الأوضة التانية اللي جمب أوضتها لحد ما نتصرف
- تسلم يامهدي
بدأ "يزيد" بالحساء أولًا، وقال أثناء تناول الطعام :
- هتنزل أمتى يايونس؟
- بكرة ، نازل بكرة ضروري وهعدي على المجموعة في طريقي
وقبل أن يتابعا حوارهم كان  صوت "مهدي" يظهر وهو يقول :
- تعالي يابنتي انتي مكسوفة ولا إيه!؟
وأدخل "ملك" كانت تضم شعرها القصير المبتل للوراء تاركه بعض الشعيرات تنسدل على الجانبين، رُد لها لون بشرتها الطبيعي وحاولت أن تتناسى ما حدث في سبيل حياة جديدة تنشدها دلفت ، وجلست بجوار "يونس" في المكان الذي جلست به بالصباح 
رفعت بصرها نحوه لهنيهه فوجدته مهتم بطعامهِ ولم ينظر حتى نحوها ، بينما لاحظ "يزيد" هذا الفتور من كلاهما كأنهن متخاصمين، ضاقت نظراته وهو ينظر للحساء، ثم رفع بصره يسأل "مهدي" :
- هو الطباخ اللي هنا بيعرف يعمل مكرونة بشاميل؟
فأجاب "مهدي" على الفور :
- آه طبعًا
وكأنه اشتاق لتناولها مرة أخرى بعدما حُفر مذاقها في حواسه فـ قال متحمسًا:
- طب خليه يعملي وهاخدها معايا وانا ماشي
- من عنيا
تركت "ملك" الملعقة التي لم تتناول بها حتى الآن ثم أردفت :
- أنا عايزة أروح لبابا
توقف "يونس" عن تناول الطعام ولم ينظر نحوها وهو يجيب :
- لأ
ارتفع جاجبيها بذهول متفاجئة من رده، كانت تتوقع إنه سيبلبي رغبتها على الفور، ولكنها صُدمت برأيه وتسائلت حول السبب :
- ليه لأ؟
فـ نظر نحوها و :
- عشان انا عايز كده
كانت تعابير الإندهاش والذهول تُخيم على وجه "يزيد" الذي لم يصدق رفضه ولكنه التزم الصمت وهو يراها راكدة بلا حيلة هكذا، نظرت للطعام كأنها تُدبر جملة مُفيدة ثم عادت تنظر له وهو يتناول الطعام بدون اهتمام لها، وأردفت :
- على الأقل أتصل بيه، أعرف أنا ليه هنا وهفضل قد إيه!
فـ نظر لها بفتور ضايقها و :
- تـؤ، مش هتكلميه هتسأليني ليه، وهقولك عشان أنا قررت ده
تشنجت وهي تنهض عن جلستها، وقبيل أن تهمّ للخروج استوقفها مناديًا بنبرة حازمة :
- مـلك!
التفتت برأسها نحوه، فسألها بأسلوب فج :
- أنتي ليه مبتقوليش لأ؟؟
أسبلت ولم ترد، فـ وقف عن جلسته واستند بذراعيه على المائدة وهو يعيد صياغة سؤاله بشكل أكثر بساطة :
- ليه مش بتعترضي وتتمسكي بـ اعتراضك!
ليه معتبرة نفسك ديكور جميل يحركه ويشكله صاحبه زي ما هو عايز!! ليه ملكيش رأي
ثم غمز وهو يذكرها :
- حتى الدكتور إياه، طلعتي منفذة كل خططه بالحذافير
ارتفع حاجبي "يزيد"، فـ هو يعرف بأصل الأمر منذ البداية من خلال ما سرده "إبراهيم" وتحولت نظراته المدهوشة لأخرى متفاجئة حينما قبض "يونس" بقبضته القوية على ذراعها وهو يجتذبها ويصيح فيها :
- أنتي فـين؟ شخصيتك فين ولسانك فين!
ثم هزّها من جديد بينما هي تنتفض غير متوقعة كل ذلك منه وكأنها ما زالت في صدمة :
- قــولــي لأ هـروح وأشوف بابا ڠصب عنك، قولـي لأ
نهض "يزيد" ووضع يده على كتف "يونس" يحاول أن يجعله يتراجع و :
- مش كده يايونس إيه اللي جرالك فجأة!!
دفع ذراع أخيه ولم يأبه له وهو يكرر فعلته بصوت هادر ارتعش له صدغهِ :
- بـــقـولك قـولـي لأ
فـ كررت بصوت مرتفع قليلًا :
- لأ
وكأنه لم يكتفي بها :
- بــصوت أعـلى
فصړخت في وجهه وهي تدفع ذراعه عنه بأقصى قوة لديها :
- لأ
تدخل "يزيد" من جديد محاولًا الفكاك بينهم خاصة وأن "ملك" قد تبكي في أي وقت أو تتابع صياح وصړاخ لن يقوى أيهم على صدّهِ :
- ما خلاص يايونس، الله!
فـ الټفت إليه يبرر تصرفه ضدها :
- لازم تتعـلم، لازم تواجه مش تهرب لازم تـعترض وتقول لأ هي مش عـروسة لعبة في أيد أي حد
وفجأة استمع كلاهما لصوت اصتكاك وتكسير وتهشيم، حيث سحبت "ملك" مفرش المائدة بكل ما عليه من أطباق وصحون وكؤوس ووقع كله أرضًا مُحدثًا فوضى وأصوات مرتفعة انتبه كلاهما لها ولنظراتها المغتاظة التي شملت كلاهما قبيل أن تنظر لـ "يونس" تحديدًا وتسأله بصوت ممشوج بالصياح :
- كـده كـــويس ؟!
تنفس قليلًا وأجاب :
- مش بطال
فـ حدجته بتحدٍ وقالت :
- أنا عايزة أروح لبابا
- بكرة الصبح هـ 
قاطعته كما كان يفعل هو دائمًا وأردفت برفضٍ قاطع :
- لأ، النهاردة
وكأنه هكذا انتصر في أن يُدرسها أولى دروس الحياة التي ستتعلمها، وعلى الفور أجاب :
- أطلعي غيري هدومك
فـ التفتت لتغادر، في حين جلس "يونس" وهو ينظر لما أفسدتهُ، ولم يسلم من توبيخ "يزيد" له :
- إيه اللي عملته ده!! انت اللي بتعلمها التمرد؟ أنا مش مصدق!
- وماله، خليها تتمرد
ورفع بصره نحو شقيقه و :
- أحسن ١٠٠ مرة من إنها تخذل نفسها بنفسها
ثم عاد يُرخي كتفيه و :
- أنا كده مرتاح
وصول القاهرة استغرق منهم بالضبط ساعتين وبضع دقائق، ولكن الوصول إلى منزل "إبراهيم" كان صعبًا في ظل الزحام المروري ولكن في النهاية وصل بها 
ترجل "يونس" عن السيارة أمام المبنى العتيق، نظر حوله قبل أن يفتح لها الباب، حيث كانت العيون عليهم لسبب غير معلوم هبطت "ملك" عن السيارة ورمقته بنظرات ساخطة وهي تقول بتبرم :
- انت ليه محسسني إنك البودي جارد بتاعي!
ارتفع أحد حاجبيه قبل أن يقترب منها بوجهه قائلًا :
- أنا!! يونس ابن حسن الجبالي!! يبقى الحارس بتاعك انتي يابنت إبراهيم الجبالي!
وكأنها تعلمت الدرس جيدًا، فـ لم تتوانى في إثبات إنها تلميذة جيدة تتعلم بسرعة وقالت :
- أنت أصلا متطولش توصل للمكانة دي
فـ ابتسم وهو يعود لوضعيته الطبيعية و :
- لأ شاطرة، عجبني الرد الحقيقة
- أنتوا هتفضلوا واقفين كده كتير ولا إيه!
قالها "يزيد" بعدما صفّ سيارته بالجانب الآخر وهبط عنها ، ثم استبقهم وصعد وهم من خلفهِ 
طرق على الباب رغم إن بحوذته نسخة أخرى من المفاتيح ولكنه أراد أن يفتح عمه بنفسه 
فتح "إبراهيم" الباب وانبعج فمه وهو يستقبله :
- أهلًا يابني، تعالى
- يونس معايا ياعمي
وكأنه لم يقدر على إضافة شئ آخر، فـ فتح "إبراهيم" الباب على مصرعيه وهو يستقبلهم بحفاوة :
- يا ألف أهلًا وسهلاً، تعالو ياولاد أدخلوا نصيبكم تتعشوا معايا
دلف "يزيد" وهو يحمحم وينظر لـ "يونس" الذي دخل في أعقابه لم ينطق كلاهما، دخول "ملك" من الباب نطق بدلًا عنهما ليظل "إبراهيم" محدقًا للحظات، حنّ ورق قلبه كأنه ارتوى بعد ظمأ طويل تعقدت أنفاسه المضطربة وكأن صدره لم يتحمل سعادتهِ برؤيتها، بينما كانت هي في حيرة هل تسعد لأنها تراه أن تعابته لما هي به بسببه وبتعليمات مشددة منه!
أحنت بصرها قبيل أن تردف بصوت خاڤت :
- أزيك يابابا؟
فتح ذراعيه لها، فـ خطت ببطء نحوه حتى انتشلها وضمّها بعطف أبوي مستسلمًا لمشاعره الأبوية الجارفة التي تتوق لعناقها حتى لم يأبه لـ آلام ضلوعه وصدره الذي ضغط عليه، كأنه يُشبع مرارة الأيام التي كانت تخلو منها تمسكت به رافضة الترك أو الإبتعاد، وبصوت هامس معاتب أردفت :
- ليه عملت معايا كده؟ أنا صدقت إنك حسيت بيا!
ابتعد عنها ومسح تلك العبرة قبيل أن تنزلق من عينها، ثم قال بقناعة شديدة وبدون أن يتراجع لوهله :
- ده كان عشان مصلحتك ياملك، بكرة تحسي بيا وتشكريني
هزت رأسها بالنفي و :
- أنت أذتني أكتر
دلف "يزيد" للمطبخ وهو يقول :
- مش وقته الكلام ده
خرج وهو يحمل زجاجة مياة باردة و :
- ياريت نوفر أي عتاب لبعدين، الراجل مش ناقص هم على همه
حدق فيه "إبراهيم" فـ كفّ عن التحدث، بينما تسائلت "ملك" منتبهه لما قيل :
- همّ إيه؟
فـ تدخل "يونس" بعدما جلس تاركًا الجميع واقفًا :
- عمي كمان مضايق من غيابك، مش ناقصة تزوديها عليه أقعد ياعمي
جلس "إبراهيم" بعد أن أجلسها بجواره و :
- خلينا في المهم، أنتوا إيه اللي رجعكم فجأة كده!
فـ أطرقت رأسها لحظة قبل أن ترفعها مجددًا وهي تنظر نحو "يونس" قائلة :
- أنا اللي أصريت آجي أشوفك
فـ سخر "يزيد" وهو يعقب :
- هي فعلًا كانت مُصرة إصرار مُكلف جدًا
قرع أحدهم على الباب وكأنه يُطالبهم بدين أو ما شابه، فـ امتعضت تعابير "يزيد" وهو يخطو نحو الباب وفتحه فجأة، ثم هبّ منفعلًا في ذلك الرجل الذي رآه أمامه بدون حتى أن يسأل عن هويته :
- إيــه يابني انت!! هي زريبة أبوك عشان تخبط عليها كده!؟
تخلل "محمد" ببصره للداخل بكل تبجح وبدون استحياء و بدون أن يهتم بما قاله "يزيد" :
- ملك فين؟
فـ تمسك "يزيد" بياقته وهو يضم قبضتيه نحو عنقه متعمدًا الضغط على أنفاسه وهو يهدر به :
- لا ده انت عبيط بقا وعايز حد يعدلك دماغك
نهضت "ملك" من مكانها مڤزوعة بعدما التقطت صوت زوجها السابق ونهض "يونس" بعدما اشتبك أخيهِ مع مجهول الهوية بالنسبة لهم، حاول "يونس" الفضّ بينهم وهو يزجر "محمد" بنظرة حادة وعلى الفور لحق بهم "إبراهيم" وقد صُدم برؤية "محمد" هنا الآن و :
- مـحمد!
قام "يونس" بـ إبعادهم عن بعضهم وفككهم، فتسائل "يزيد" بعصبية وهو يشير نحو "محمد" بـ احتقار :
- أنت تعرف المهزأ ده ياعمي!
اقتحم "محمد" المنزل بوقاحة شديدة وهو يدفع "يزيد" قائلًا :
- أنا جـوز بنته، انتوا اللي مين؟
وما أن وقعت عيناه على "ملك" وهي تقف مرتجفة مذعورة حتى انتشى وهو يقول :
- بقالي كتير بدور عليكي
صفع "يونس" الباب كي لا يتسرب صوتهم للخارج، وقال بعصبية :
- أنت مش طلقتها يابني آدم! بتدور عليها ليه!؟
وقف أمامه يسدّ عنه رؤيتها أو تسديد نظراته المحتقنة لها، في حين تدخل "إبراهيم" وقد ضاق ذرعًا :
- مش فضيناها سيرة وكل واحد راح لحاله يامحمد، مراتك إيه وكلام فارغ إيه!! أنا كل ده مراعي العشرة ومش عايز أتصرف معاك بشكل مش هيعجبك
تلوت شفتي "محمد" وهو ينظر لـ "إبراهيم" تارة ولـ "يزيد" تارة أخرى ثم ألقى بالقنبلة الموقوتة بين أحضانهم وهو يردف بسماجة شديدة :
- رديتها، رديتها غيابي والمحضر راح بيتكم التاني ملقاش حد عشان يبلغه
تحرك "محمد" خطوتين للجانب كي يتمكن من رصد تعابير وجهها في هذه اللحظة، وتابع مضيفًا :
- يعني ملك دلوقتي مراتي شرعًا وقانونًا وحقي آخدها حالًا
أنفعل "إبراهيم" ولم يستطيع أيـًا من الشابين التدخل في الأمر بعدما أصبح حساسًا هكذا، خاصة وأن "يونس" تحديدًا لا يعلم ما وراء قصتهما 
جأر "إبراهيم" قائلًا :
- ده لعب عيال ولا إيه يامحمد!! إزاي تعمل كده من غير ما ترجعلنا!
فأجاب الأخير بغلّ شديد :
- حـقي أعمل اللي عايزه، محدش ليه حق يلومني بعد ما بنتك رفعت خلع عليا
لن يقوَ "إبراهيم" على قول شئ آخر في ظل أن القانون والشرع معه فـ خطى "محمد" نحوها، فوجد "يونس" يسد الطريق عليه مرة أخرى رمقه "محمد" بنظرة محتقنة و :
- وسع ياأخ الله يخليك، عايز أصالح الست بتاعتي
رغمًا عنه اضطر أن يتنحى جانبـًا وهو ينظر نحو "ملك" التي شحبت ومرّ من عمرها عمر آخر من فرط الذعر لمجرد فكرة عودتها زوجة له رأى كم كانت مقهورة مصډومة في هذه اللحظة، حينما دنى منها زوجها وسألها ناظرًا لشعرها :
- أنتي قلعتي الحجاب ياحببتي!
لسانها ثقيل حتى عن الرد عليه فـ تجرأ هو وصفعها صڤعة أډمت شفتيها اللاتي اصطدمت بـ أسنانها، تشنج "يزيد" وكاد يتدخل وهو يسبّه سبابًا نابيًا :
- يابن الـ ××××× يا ×××××
أمسك به "يونس" كي لا يتورط معه وكأنه سيتركها الآن، وقال بفتور لا يناسب غليان صدره :
- ملناش دعوة، دي مراته
فـ رمقته بنظرة تلوذ لمساعدته و :
- يونـ 
قطعت صوتها مع رؤية نظرة عينه التي تحدثت بالكثير، كأن عبارة مفيدة كونتها من نظرة واحدة فـ صمتت وهي تنظر لزوجها "المزعوم" الذي قبض على ذراعها وجرّها من خلفه :
- هنكمل عتاب في بيتنا ياحببتي
سارت خلفه وهي تنظر لوالدها و :
- بابا!!
فـ تحرك "إبراهيم" نحوها وقد تألم ألمـًا أقوى وأعنف و :
- بنتي! يامحمد آ 
وضع "يونس" ذراعه أمامه يمنعه من التدخل :
- عمي متدخلش
- يايونس آ 
فـ نظر الأخير نحوه و :
- خلاص ياعمي
صفع "محمد" الباب بعدما حصل عليها بذلك الشكل الذي ظنهُ سهلًا بل وأسهل مما توقع، بينما كانت هي تبكي بحړقة شديدة كأن قلبها سيتوقف الآن من شدة انقباضتهِ 
لم يكن "يزيد" راضيًا عن تخاذل "يونس" وتركها به بسهولة، وعبر عن ذلك بصوت مرتفع :
- ملكش حق يايونس! إحنا نعرف منين هو هيعمل معاها إيه!
وقف "يونس" خلف النافذة ينظر إليهم حتى رآهم وقد خرجوا من المدخل، دفعها "محمد" بهمجية حتى أجلسها في السيارة، ثم جلس بمكانه وبدأ يستعد المغادرة 
تراجع "يونس" عن النظر إليهم وخطى موفضًا نحو الباب، فـ استوقفه "إبراهيم" و :
- انت هتعمل إيه!! ووقفتني ليه يايونس ؟
فسأله "يونس" سؤال ذات مغزى :
- أنت محتاج جوز بنتك في حاجه!
تنغض جبينه و :
- يعني إيه!؟
- يعني متشغلش بالك مالك هتبات معايا في المزرعة النهاردة
خرج "يونس" وهو يخرج هاتفه متمتمًا :
- أنا غلطان، كنت لازم أكون عارف كل حاجه قبل ما أغامر وآجي بيها هنا
أجاب "عيسى" على اتصاله، فـ أردف "يونس" :
- أيوة ياعيسى، هبعتلك لوكيشن على الواتساب تيجي عليه ضروري عندنا حوار كده وهنخلصه
وسرعان ما استقر بداخل سيارته وتحرك بها، حتى "يزيد" لم يلحق به عندما نزل من خلفهِ وكأنه طار من على الأرض كي يلحق بهم ويبدأ ثأر جديد من أجلها 
"الفصل السادس عشر"
"أحيانًا تكون النيران أهون من بعض الحيوات التي لا نرغبها "
چرجرها "محمد" على السُلم القديم والمُتهالك في بناية قديمة بها طابق واحد وآخر مكون من سطح ملحق به غرفة كانت تصرخ وتستغيث ولكن لم يسمع صوتها أحد، فقط يستلذ بسماع صرخاتها التي تُثير رغبته في الإنتقام منها أكثر وأكثر بعدما تجرأت وتعدت على رجولته كما يقول 
صعد بها "محمد" للسطح متمسكًا بذراعها كأنه سيكسره بين قبضتهِ حاولت التملص وهي تصرخ فيه ضاړبه بكفها كتفهِ :
- سيبني ياظالم، خلي عندك نخوة أنا مش عايزة أعيش معاك
فتح باب الغرفة المبنية بالسطح وسحبها عنوة أدخلها الغرفة قذفًا وأغلق الباب خلفه، لهثت وهي تنظر للغرفة الخاوية من أي فراش فارغة تمامًا، ثم عادت تنظر إليه وهو يبتسم ابتسامة واسعة ثقيلة على تقبلها وأردف :
- إيه رأيك في بيتك الجديد؟ أوعي تكوني فكراني هرجعك للنعيم اللي كنتي فيه، انتي هتعيشي هنا مذلولة لحد ما انا أقرر تخرجي أمتى
كادت تنقض عليه، لكنه كان أسبق بـ قدمه التي ضړبت ساقها ضړبة مپرحة أسقطتها أرضًا من فرط الۏجع وهي تصرخ متآويه وقال متشفيًا فيها :
- أبقي خلي بالك المرة الجاية
وابتسم وهو يشير بأصابعهِ :
- هروح اشوفلك ميا تشربيها، أصل مفيش ليكي أكل هنا
أقفل الباب عليها من الخارج، وتركها تصرخ وتصيح متأثرة بالألم الشديد الذي أكل قلبها قبل جسمها، ضمت ساقها لجسمها وصړخت من بين نشيج بكائها :
- آآه يارب مبقاش فيا طاقة، هتعذب لحد أمتى؟ مبقتش قادرة اتحمل ولا قادرة أعافر آآآآآه
كان "يونس" في مكان متواري عن الأنظار بعدما صفّ سيارته بعيدًا كي لا يكون مُلفتًا عيناه متربصة بذلك المبنى القديم الذي ډخله ذلك اللعېن منذ قليل، نظر "يونس" لـ إشعارات هاتفهِ فلم يجد جديد بعدما تابع "عيسى" بالموقع الذي يتواجد فيه 
نفخ "يونس" بـ إنزعاج وهو يشعر بنفسهِ مُقيدًا غير قادر على استعادتها من يديه بقوة وإخفاءها عنه خاصة بعدما أبلغه أحد أصدقائهِ بالمباحث العامة إنه لا يملك حق قانوني لإبقاء إبنة عمهِ معه حتى وإن كانت تعاني من اضطهاد زوجها وعنفهِ 
أهتز هاتفهِ بصمت فـ أجاب على الفور وبصوت بدا منخفضًا :
- أيوة ياعيسى ، أنت فين؟
تحرك "يونس" لـ يجلبه من المكان الذي علق فيه، حيث توقفت إشارة الموقع ولم يستطع الوصول إلى مكان "يونس" تحديدًا 
- جانب آخر -
كان "محمد" يصعد متباهيًا على الدرج وهو يمسك بزجاجة المياه، وقد منّى نفسه بقضاء ليلة حميمية معها لن تنساها من فرط ما ستراه منه، سترى حيوانًا بربريًا لم تره من قبل سيعاقبها بأسوأ عقاپ قد تعيشه امرأة في الدنيا، هكذا انتوى أن يفعل معها وقد بيّت لها تلك النيّة منذ ما فعلته معه، أن يذيقها من العڈاب أشكالهِ 
فتح باب الغرفة التي أوصدها عليها وهو يغني بصوت بغيض لا تطيق الآذان سماعه، دخل فلم يراها، توقف صوته عن الغناء وهو ينظر حوله فـ إذ بها تخرج من خلف الباب فجأة وهي تقفز عليه حتى أسقطته وسقطت معهُ وبأسنانها كانت تعض كل مكان تصادفه، وبأظافرها كانت تهبش فيه وتخدشهِ خدوش غائرة خاصة في وجهه وأسفل عيناه حاول تلجيم ذراعيها وهو يصيح ولكنها كانت في أوج هياجها العصبي والحركي كأن دفعة الأدرينالين قد تدفقت للتو في شرايينها مُحدثة طاقة عدوانية هائلة وما انفكت أن تركته وفتحت الباب، ركضت لاهثة گالمجنونة عاجزة عن التقاط أنفاسها، حاولت فتح الباب الخشبي المهترئ الذي يقود للدرج ولكنه كان قد أقفله بحرص، مسحت وجهها بأصابع مرتعشة كل جسدها يرتجف، تكاد تتبول على نفسها من فرط الذعر الذي تعيشه بل إنها فقدت السيطرة على نفسها بالفعل وتسرب البول من بين ساقيها ملتصقًا ببنطالها حقًا أُهدرت، أُهدرت بشكل لا يقبله أي بشړي 
تركت نفسها تهوى على الأرض الصلبة وقد فقدت الإيمان بمعجزة تنقذها من هنا قائلة بصوت ممشوج بالألم :
- ليه كده يارب!! لـــيه أنا بالذات
اختنقت أنفاسها في اللحظة التي لمحت فيها ظلهِ وهو ينهض عن مكانه حيث تركته سابحًا في آلامهِ فـ انتفضت من مكانها، حاولت عبثًا أن تفتح الباب الموصد، ولكن لا فائدة فـ نظرت للسور ، لا مكان آخر تلجأ إليه سوى الهاوية توقف فيض دموعها وقد لمعت عيناها وترسخت فكرة التخلص من تلك الحياة في عقلها وحواسها أيضًا، حيث أوفضت نحو السور، لحظة واحدة وكانت تصعد بساقها اليمنى منتوية نيّة صادقة بالإنتحار خرج "محمد" ليراها بعين واحدة، والأخرى كانت مُصابة بخدوشها ذُعر مع رؤيتها على السور، وصړخ فيها :
- إياكي ياملك، إياكي تعملي كده
في نفس اللحظة التي كان يستعد فيها "يونس" للصعود إليها كان يستمع لصوتهم العالي وشجارهم وهي تصرخ فيه، فرفع بصره ليراها هكذا بينها وبين السقوط أقل من خطوة 
انقبض قلبه وهو ينادي عليها :
- مـــــلك، أوعـي تعملي كـده
نصف التفاته تنظر بها للأسفل لتراه، بينما تابع :
- أنا هنا وهاخدك معايا، أرجـوكي متعمليش كده
أشارت بيدها لزوجها الذي كان يقترب منها وصړخت فيه :
- متـقربـش مـني، أبــعد بعـيد
- طب انزلي، أنزلي وخلينا نتفاهم
وصوت "يونس" من الأسفل يناشدها :
- أرجـوكي بـلاش جـنان، أنا هعملك اللي انتي عايزاه كله وعـد
لكز "عيسى" الذي كان يتابع بأعصاب مرتعشة وأمره بـ :
- أطلع بسرعة، أعمل أي حاجه وانا هلهيها من هنا
على الفور كان "عيسى" يلتهم الدرج كي يصعد غير متوقع إنه سيجد الباب العلوى المؤدي للسطح مغلق في حين نظرت "ملك" للأسفل كانت ترى الحياة التي عايشتها وكأنها تبتعد كأنها ستتخلص منها فور التجرؤ على تنفيذ الخطوة التي أقدمت عليها، شعره واحدة تفصل بينها وبين ما تسميهِ عڈابها نظرت لـ "يونس" الذي يستجديها كي تتراجع، ثم همست :
- أنت سيبتني أمشي، وأنا هسيب نفسي ترتاح من كل اللي شافته وبتشوفه
وقفزت من أعلى السطح مُغمضة عيناها تاركة نفسها للهواء، وتاركة خلفها لحظات لن تسمح بأن تعيشها مرة أخرى المۏت أفضل، المۏت راحة عن العودة لذلك الطريق المحفوف بالعڈاب والألم 
سئم "يزيد" من محاولاته اليائسة للوصول إلى شقيقهِ الذي لم يجب على اتصالاتهم وفي النهاية أغلق هاتفه نهائيًا جلس بقلة حيلة هكذا بينما كان "إبراهيم" يعاني من نوبة ألم شديد في صدره ولكنه يعافر من أجل البقاء كي يطمئن إنها عادت لهم 
تنفس "إبراهيم" بصعوبة ووضع يده على قلبه، فـ لحق "يزيد" به وأحضر كأس من الماء بجانب أدويتهِ المُسكنّة كي يتناولهم 
ترك "إبراهيم" كأس الماء و :
- وبعدين يايزيد، مفيش خبر والساعة عدت ١ بعد نص الليل
- مش عارف ياعمي!! مش عارف
نظر "يزيد" للهاتف وعاود الإتصال به ولكن الجواب لم يتغير بينما كان "يونس" في مكان آخر وفي مصېبة أعظم من قدرتهم على التخيل والتفكير 
سحب "يونس" سرير نقال صغير من المشفى وركض به للخارج وركض من خلفه المساعدين والممرضين وهم يصيحون بعدم صحة فعلته :
- ياأستاذ استنى رايح فين!
أوقفه أمام السيارة وفتح بابها الخلفي كي يحملها، بينما وقف صفّ الممرضات ينظرن لتلك التي يخرجها من السيارة، فـ تدخلت إحداهن :
- طب خلينا نساعدك ونشيلها احنا صح عشان لو في كسور
لم يصغى، وضعها على الفراش وصړخ فيهم :
- دكتور بسرعة، حد يشوفها حــالًا
ركض المسعفين وهم يسحبون الفراش لداخل المشفى وقال أحدهم :
- خلي دكتور شريف قسم الطوارئ ييجي بسرعة
فـ ذهب الأخير لتلبية الأمر 
سار "يونس" من خلفهم وهو ينظر نحوها بعيون تعاتب نفسها، حمّل حالهِ المسؤولية كاملة ومرتين، مرة لإنه أحضرها إلى منزل أبيها بدون حذر وبدون أن يعلم ما المخاطر التي تنتظرها، ومرة لإنه تركها له ولكنه لم يكن يملك أحقية التكلم وسط القوة القانونية والشرعية التي يملكها" محمد" خاصة وإنه فكّر في طريقة للتخلص منه بدون أن يسبب متاعب مقدمًا 
وقف متوترًا في الخارج والطبيب يفحصها، إن أصابها مكروه بالتأكيد لن يسامحه عمه الذي ترك الأمانة بين يديه ضړب "يونس" على رأسه مرتين و :
- إزاي أغلط غلطة زي دي! إزاي
خرج الطبيب وهو يرفع قناعة المعقم عن فمه ونظر له قائلًا بجدية :
- لازم تدخل عمليات
فـ ارتجف "يونس" وهو يتسائل :
- ليه! إيه اللي حصلها بالظبط؟
- كسر مفتت في دراعها الشمال لازمله تركيب شرايح ومسامير مش هينفع يتجبس بجانب تكوّن دموى في دماغها لازم يتفتت ويُستأصل عشان ميأثرش على المُخ نتيجة اصطدام قوي بحاجة صلبة كمان كان في خلع في رجلها اليمين وده تم ردهُ مع العلاج هتتحسن، باقي الكدمات والخدوش أمرها سهل
أومأ برأسه عدة مرات متتالية و :
- أعمل اللازم
- مقدرش، لازم حضرتك تمضي على مسؤوليتك الأول والمحضر يتعمل
ثم أشار :
- الظابط واقف هناك في انتظارك عشان المحضر
تحرك "يونس" على الفور وراح يتحدث بدون مقدمات :
- عايز أعمل محضر إثبات حالة عشان بنت عمي تدخل العمليات فورًا
- أتفضل معايا
رافقه "يونس" بينما كان الضابط يتسائل :
- إيه اللي حصل؟
لم يفكر "يونس" كثيرًا، كانت الفكرة بائتة في رأسه منذ البداية وشرع في تنفيذها :
- جوزها حدفها من فوق السطح
الټفت الظابط ينظر له محدقًا وكأنه يريد السماع مرة أخرى :
- نعم!
- زي ما سمعت، خناقة بينها وبين جوزها وصلت إنه حاول ېقتلها ويخلص منها وأنا شاهد على اللي حصل
خرج "إبراهيم" من بنايته متلهفًا في تمام الساعة السابعة صباحًا بعدما أخبرهم "يونس" أخيرًا بما حدث، بمعنى أدق بعدما اطمئن إنها خرجت من غرفة العمليات بصحة سليمة خرج وهو يلتقط أنفاسه بـ صعوبة حيث استبقه "يزيد" لجلب السيارة، فـ رأته "نغم" وهي بتلك الحالة المزرية أوفضت نحوه وقد اعتراها القلق و :
- أنت كويس ياعمو؟؟ حصل حاجه!!
فلم يستطع "إبراهيم" أن يخبئ الأمر وقال :
- ملك في المستشفى ولازم اروحلها
فـ ارتعدت "نغم" تاركة شهقة مذعورة وهي تردف :
- لــيه إيه اللي حصل؟
- معرفش
دنت سيارة "يزيد" منهم، حيث رآها تقف بجوار عمه، فـ تأفف و :
- أصل هي كانت ناقصة أشوفك على الصبح!
في حين كانت "نغم" ترجوه قائلة :
- هاجي معاك ياعمو أرجوك
فتح "إبراهيم" بابيّ السيارة و :
- تعالي يانغم، أركبي ورا يابنتي
نظر له "يزيد" شزرًا ولم ينطق، في حين استقرت الأخيرة بالخلف وقد تمكن الذعر منها وهي تتسائل بقلق :
- طب مين معاها؟؟ محدش يعرف حاجه خالص؟
نظر لها "يزيد" بسخط من المرآة الأمامية، في حين أجاب "إبراهيم " :
- إبن عمها ، يارب استرها يارب
قامت "نغم" بالتواصل مع إحدى صديقاتها بالجامعة وهي تبكي كي تبلغها بعدم استطاعتها الحضور اليوم، كان صوتها باكي حزين وهي تردف :
- لأ مش هقدر، هبقى أكلمك آخد منك اللي خدتوه، صحبتي في المستشفى لازم اكون معاها
وتابعت بكائها، فـ تأفف "يزيد" وهو يحاول التخلص من الزحام المروري في ظل أن الجميع يحاول اللحاق بعمله صباحًا وعندما أنتهت من مكالمتها تابعت بكائها بصوت خاڤت، فـ صاح بها "يزيد" :
- ياستي ما كفاية زفت عياط إحنا مش ناقصين
فـ كتمت صوتها بعدما أطلقت كلمة خافته سمعها هو :
- معندكش شعور
الټفت ينظر إليها بنظرة حامية فـ تدخل "إبراهيم" و :
- بص قدامك خلينا نوصل بقا يايزيد
فـ نظر الأخير أمامه وهو يغلق النوافذ كي يقوم بتشغيل مُكيف الهواء، عسى أن تبرد أعصابه ببرودة جسده بعدما أثارتها هي  
كان "يونس" يجلس برفقة "عيسى" بالردهة ، حيث أن غرفتها تجاوره، ولكنها ما زالت نائمة بتأثير المخدر نظر "يونس" في ساعة يده حينما كان "عيسى" يُنهي حديثه :
- بس كده، الشرطة استلمته وهيتعرض على النيابة النهاردة بعد ما قدمت إفادة إنه حاول قټلها
أومأ "يونس" برأسه فقط كانت حواسه بالكامل غائبة، عيناه مُظلمة لدرجة لا تفهمها، وعبوس وجهه ينمّ عن مصېبة امتعاضهِ الذي يحاول أن يواريه خلف ستار الهدوء الذي انفك بالأمس، عندما سقطت "ملك" من الأعلى وحاول هو أن يكون معها صارخًا بـ إسمها حتى إنه قبل أن تسقط عليه ويتلقى هو ثقلها أهون من ارتطامها بالأرض، ولكن نصف جسدها وقع ملامسًا الأرض بالفعل لم يهتم هو بعضلاته التي تكدست بعضها على بعض وعظامه التي تؤلمه أثر سقوط نصفها عليه وهو يحاول حمايتها، حتى إنه اعتبر نفسه مُقصرًا رغم محاولاته التي وهب فيها نفسهِ للأذى في سبيل سلامتها هي، ليكن فداء لها 
أتكأ "إبراهيم" على ساعد "يزيد" وهو يخطو نحوهم مناديًا :
- يونس، بنتي فين؟
وقف "يونس" كي يستقبله و :
- متقلقش ياعمي، خدت مسكن ونامت عشان الۏجع بتاع العملية
فسألته "نغم" بصوتها المبحوح :
- هي حصلها إيه قولي والنبي
فأجاب "يونس" :
- جوزها رماها من فوق السطح
شهقت وهي تضع يدها على فمها بينما تبددت القوة المتبقية في "إبراهيم" وكاد يسقط لولا الشقيقين اللذان أمسكاه وأجلساه وهو يتمتم :
- حسبي الله ونعم الوكيل فيك يامحمد، ربنا ينتقم منك يا ×××××
فلم تجد "نغم" سوى لوم "إبراهيم" متجاهلة آلامه وحزنه :
- كله بسببك ياعمو، ياما قولتلك تدخل بينهم وتطلقهم في كل مرة ملك كانت بتجيلك فيها معيطة ومضړوبة وبتتحايل عليك تخلصها وانت تقولها ده جوزك وده حقه عليكي
نفخ "يزيد" بـ إنزعاج من ثرثرتها واتهامها لـ عمهِ وسارع يدافع عنه وإن كان مخطئًا :
- الحق عليه يعني كان عايزها تحافظ على بيتها، هو يعرف منين إنه مختل عقلي
فـ رمقته "نغم" بنظرات حازمة محتقرة وهي ترد بـ :
- ملكش انت دعوة متدخلش، أنا معرفكش ولا حتى ملك تعرفك عشان تتكلم عنها وعن حياتها وانت متعرفش حاجه
كاد يدخل معها في مناقشة حازمة تاركًا لسانه السليط كي يتمكن منها ولكن "يونس" اجتذبه وهمس له :
- بس بـقى، ما تضربها أحسن بدل ما تاكلها بعينك كده!
فأجاب "يزيد" وهو ينظر نحوها بغيظ :
- ياريت أكسر دماغها دي اللي مش فالحة غير في المكرونة البشاميل!
فـ قطب "يونس" جبينه و :
- انت بتقول إيه!
لم يرد، حيث تابع كلاهما ما بقى من حوار "نغم" وعتابها الذي لم ينتهي :
- حتى لما دخلت المستشفى مرتين وكانت ھتموت مفكرتش تنجدها منه! ودلوقتي حبستها بعيد عنك هي دي الأبوة!!
كان الحديث بمثابة حلّ بعض الشفرات لـ "يونس" الذي علم الخطوط العريضة عن علاقة الزوجين وكيف كان يعاملها زوجها كأنه حطّ بيده على أساس الموضوع والبقيّة لدى ملك استغرب "يونس" تلك الفتاة التي تتحدث وكأنها من العائلة، فسأل شقيقه بفضول :
- مين البت دي؟
فـ أشاح "يزيد" بوجهه و :
- صحبتها ومتربيين مع بعض، أسمها نغم
لم يحيد "يونس" بصره عنها وهي تتحدث لـ "إبراهيم" الذي أحس بصدق ما تقوله ولم يكن قوي الحُجة ليرد عليها حتى خرجت الممرضة من غرفة "ملك" وهي تحمل أشياء كثيرة من قطن وشاش ومُطهرات ودهان الكدمات إلى آخره 
تركهم "يونس" وذهب نحوها موفضًا و :
- إيه آخر الأوضاع؟
- شوية وهتصحى، أديتها حقنة مسكنة ومضاد حيوي عشان لما تصحى الۏجع هيشد عليها
- طب ينفع أدخل دقيقتين بس؟
- مينفعش
أخرج "يونس" بضع ورقات نقدية ودسّها في جيب الممرضة وهو يقول :
- أنا مش هتأخر، هشوفها وأخرج
نظرت الممرضة نحو البقيّة فأردف "يونس" قبل أن تفكر هي :
- محدش هيدخل معايا
- متتأخرش عشان ميحصلش مشكلة
- حاضر
اقتربت منه "نغم" التي كانت تتابع بنظرات مقتنصة و توسلته :
- خليني أشوفها بالله عليك
كاد "إبراهيم" يدخل إليها في غفلة من الجميع، ولكن "يونس" استوقفه و :
- عمي، من فضلك أنا لازم أشوفها قبل ما الشرطة تيجي تاخد أقوالها
- يابني مش قادر اتحمل، ھموت قبل مااشوفها
فـ ربت عليه وهو يشير لـ "يزيد" :
- بعد الشړ متقولش كده، أقعد وانا هدخلك خليه يقعد يايزيد
ثم نظر لـ "نغم" التي فاضت عيناها بالدموع و :
- هدخلك بس من فضلك استني
تركهم ودلف أغلق الباب وهو ينظر نحوها، كانت رأسها ملفوفة بالشاش ورغم ذلك تباينت كدمة زرقاء أسفل عيناها، ذراعها مُقيدة بالجبيرة وساقها أيضًا تأن بصوت مكتوم وكأنها تشعر بالألم الذي يضرب بقوتهِ عظامها المفتتة المکسورة فمها مفتوح كأنها تتنفس منه غير قادرة على استخدام أنفها، وحالة لون بشرتها الشاحبة شحوب أزرق تُخيف الناظر 
رفع المقعد الموجود بجوار الباب واقترب منها ليجلس قبالتها، أمسك بيدها فإذا بها گقطعة من الثلج فـ نفخ فيها بـ أنفاسهِ يُدفئها وهو يفركها بلطف أصابعه الدافئة، ثم رفع بصره الحزين نحوها وهمس :
- أنا آسـف ، أنا السبب
وعاد ينفخ في أصابعها من جديد نظر حوله، شمل الأدوات الموجودة على الكومود، فرأى بقايا قطن نظيف وبعض زجاجات المطهرات انتقى من بينهم كحول صافي وقام بالتقطير على قطعة من القطن، ثم مسح بها حول أنفها مُثيرًا حاسة الشمّ لديها وهو ينادي بهمسٍ :
- مـلك، أصحي
ثم كرر فعلته مع معصم يدها على عروقها النابضة وأوردتها، حيث مسح عليهم بالكحول كون هذه المنطقة حساسة للغاية ضد المثيرات وعاد ينظر إليها واقترب منها مناديًا :
- ملك، لازم تسمعيني، في كلام لازم أقولهولك مـلك !!
… 
🙈🤎
"الفصل السابع عشر"
"في قانون الحياة، ظُلم الظالم أول اختيارات العدل "
اختلى "يزيد" بنفسهِ وهو يتحدث في هاتفهِ مكالمة حساسة جدًا في ظل الوضع الراهن والذي أنساه مسؤولياتهِ المهنية 
بدا الإمتعاض على وجهه وهو يتحدث بصوت خاڤت :
- إزاي ياسيف مفكرتنيش غير النهاردة!! كنت فين امبارح وأول امبارح؟
نفخ "يزيد" بـ انزعاج وهو يضغط ضغطًا على فكهِ قشعر له بدنهِ، ثم أردف :
- خلاص أقفل وسيبني أتصرف مش وقته حكاوي ياسيف، إن شالله يولع معتصم أكتر ما هو والع
وأغلق الهاتف، الټفت ينظر بـ إتجاه شقيقهِ التوأم الذي كان منشغلًا بكل كيانهِ مع مسألة "ملك"، خاصة بعدما أصرّ على عمهِ أن يحكي له تفاصيل زيجتها كاملة، متى تزوجت وكيف كانت علاقتها بزوجها وكيف كان يعاملها ولماذا دخلت المشفى مرتين؟!
كل ذلك استحوذ على الجانب الأكبر من تفكيره وجعله لا يرى سواها 
دنى منه "يزيد" واجتذبه من ذراعه بلطف و :
- لو سمحت يايونس ثانية واحدة
وانفرد به جانبًا ثم أردف :
- الفريق الألماني هيوصل مطار القاهرة النهاردة الساعة سته
فـ تنهد "يونس" وهو يُحيد ببصره جانبًا و :
- أنت مش شايف اللي احنا فيه يايزيد ! هسيب ملك إزاي هنا لوحدها؟
اتسعت عينا "يزيد" قليلًا و :
- لوحدها إيه! عمي معاها والبت صحبتها دي والمباحث هتخلص شغلها ويمشوا ، إحنا ملناش لازمه
- متهيألك
ثم نظر بـ اتجاه "إبراهيم" الذي بالكاد يجلس بصعوبة شديدة متحاشيًا آلامه التي بدأت منذ الصباح وقال :
- بص على عمك كده، عمك بيخلص على نفسه بإيده يايزيد واحنا بنتفرج أنا مستني بس حوار ملك يخلص وهتصرف مع عناده ده بنفسي
نظر "يونس" في ساعة يده و :
- الساعة لسه واحدة، قدامك وقت تلحقهم وانا لو خلصت وفضيت ساعة هاجي على الفندق على طول مش لازم استقبلهم معاك
زفر "يزيد" وهو يهمس لنفسه :
- آدي اللي خدناه من ست ملك! ولا وهي متجوزة مرتاحين ولا وهي مطلقة حتى
فـ لكزه "يونس" و :
- بطل رغي
ثم مضى عائدًا إليهم 
— بداخل غرفـة مـلك —
كانت رؤيتها مازالت مشوشة قليلًا ولكنها ترى الأشخاص المتواجدين معها في الغرفة من ضابط مباحث ومعاونهِ وكاتب للمحضر والطبيب المعالج 
كل كلمة قالها لها "يونس" تتشبث في آذانها گالقرط، كأنه طوق نجاة جديد "يونس" هو الفرصة السانحة لها كي تحيا حياة جديدة نظيفة، هذا ما علق برأسها وجعلها تُصدّق على ما أملاه إياها 
تحركت أصابع يدها المصاپة عسى أن تتخلص من اندمالها المزعج، وتآوهت مټألمة بنفس اللحظة، فـ تدخل الطبيب بدوره :
- ياريت كفاية كده، المړيضة لسه خارجه من عملية بالليل ومحتاجة للراحة
فـ بادرت "ملك" قائلة كي تتخلص :
- لأ، خلينا نكمل
فـ نظر نحوها ضابط المباحث  وهو يسألها ليتأكد أن قواها العقلية بمحلها :
- متأكدة من اللي قولتيه يامدام ملك؟ الكلام ده معناه اتهام جوزك محمد التهامي بالشروع في القټل، يعني جناية
فـ أكدت "ملك" وبداخلها الضغينة قد وصلت لأقصى مراحلها :
- متأكدة، دي مش أول مرة محمد هددني قبل كده وكذا مرة يعتدي عليا بالضړب، آخرهم انا رفعت دعوة ضده وطالبه بالخلع وقدمت كل الورق اللي يثبت إني اتعرضت للخطړ
ابتلعت ريقها وصمتت لحظات تستعيد أنفاسها بعد عبارة طويلة قالتها بدون توقف، ثم تابعت :
- وهو طلقني ساعتها عشان اتنازل عن القضية، لكن طلع بيخدعني وردني عشان ينتقم مني
- لكن في المحضر جوزك نفى كل ده وقال إن انتي بنفسك اڼتحرتي، وقال إنك تطاولتي عليه بالضړب وحاولي تهربي منه لما فشلتي رميتي نفسك من فوق
فـ استجمعت شجاعتها المُبددة و :
- محصلش، إبن عمي كان موجود تحت البيت وحاول يهديه لكن فشل، لحد ما رماني من السطح ويونس ملحقش يطلع ينقذني
- يونس ده اللي هو ابن عمك؟
- آه
- وابن عمك جه وراكم ليه؟
لم تفكر، فـ هي بالكاد تحفظ كل ما قاله لها "يونس" حتى أقل التفاصيل وعلى الفور أجابت :
- لأنه ضړبني قبل ما ياخدني من بيت بابا وهددني إنه هينتقم مني لإني رفعت عليه خلع وكمان حصلت خناقة بينه وبين بابا وولاد عمي لأنه أخدني بالعافية
— خارج الغرفة —
نهض "يونس" عن جلسته بقنوط، نظر في ساعة يده للمرة العاشرة، ثم تمتم :
- ربنا يستر، مكنش لازم يتحقق معاها وهي في الحالة دي!
فسأله "يزيد" :
- أنت قلقان من إيه؟ مش فهمت ملك تقول إيه؟
تضايق "يونس" لمجرد تذكر كيف كانت تبدو حالتها وقال منزعجًا :
- كانت هذيانه ومش مركزة، حسيت إنها مش فاكرة حاجه وانا بفهمها تعمل إيه!
ثم نظر بـ اتجاه "إبراهيم" بضيق و :
- البنت دي اتبهدلت يايزيد، عاشت حياة مكنتش تستحقها بنت عندها ٢١ سنة! إزاي تشوف كل ده لدرجة إن نفسها تهون عليها وترمي نفسها بالشكل ده!
- متقولش لعمي الكلام ده مش فضلك يايونس، عمي حاسس بالذنب ومش ناقص كلام من حد كفاية اللي قالته نغم
فـ استنكر "يونس" انشغاله المفرط والمبالغ فيه بشأن "إبراهيم" و :
- مكنتش أعرف إنك بتحب عمك أوي كده! لدرجة إنك تداري على غلطه
وقبل أن يقدم "يزيد" تبريرًا لذلك كان الباب ينفتح ويخرج منه ضابط المباحث، نظر بـ اتجاه "يونس" و :
- هيكون في استدعاء قدام النيابة وشهادتك هتفرق مع المجني عليها
أومأ برأسه و :
- طبعًا
وما أن انصرف الضابط نظر "يونس" قبالته، فلم يرى "إبراهيم" فـ أوفض ينظر بداخل غرفتها، كان "إبراهيم" جالسًا أمامها مباشرة ويحاول الإطمئنان عليها :
- عامله إيه دلوقتي يابنتي
لم تجب، بالرغم من إنها كانت محدقة بالسقف، تشعر به وتعلم إنه بجوارها لكن تجاهلته تمامًا، وضع "إبراهيم" يده على كفها، فـ صړخت صړخة مدوية جعلته سحب يده بسرعة، بينما كان "يونس" قد دلف لهم بعجلة و نبه عليه :
- حاسب ياعمي، ده دراعها المكسور
تنفس "إبراهيم" بصعوبة وهو ينظر نحوها بحزن، وسألها :
- عمل فيكي إيه الـ ×××××× ده
نظرت بطرف عينها حيث لم تستطع تحريك رأسها الثقيلة التي بدأت توخزها توًا، ثم أردفت بنبرة ضعيفة :
- أسألني الأول أنت عملت فيا إيه
كأنه يعلم جيدًا ما الذنب الذي قدمه لها على طبق من فضة نظر حيالها بنظرات نادمة، فلم تعبأ هي بندمهِ ذلك الذي لن يفيدها وهي على فراش المړض، وراحت تضربهِ بكلمات لم تُقال من قبل حتى إنها لا تناسب رقدتها وآلامها :
- أنت اللي حرمتني أكمل تعليمي، جوزتني لواحد عمري ارتحت معاه وفي كل مرة كنت بتيجي عليا عشانه، كأنك بټنتقم مني، عمري ما حسيت إنك بابا عمتو هي اللي كانت كل حياتي، من ساعة ما راحت وبقيت انت اللي موجود وانا حياتي بايظة ملقيتش حد يقف في وشك ويقولك لأ ملك هتدخل الجامعة، لأ ملك مش هتتجوز الراجل ده لأ ملك مش هتتسجن في البيت وتتحرم من صحابها وحياتها، لأ ملك مش هتتحجب غير لما تحب ده، لأ ملك مش هتتهان، لأ ملك مش هتضرب
ثم أطبقت جفونها قائلة كلمتها الأخيرة :
- أنت أول ظالم قابلته في حياتي، أنت سبب المكان اللي وصلتله سيبني لوحدي
كانت عيناه تُذرف دموعًا وهو يستمع لنشيج قلبها، ولكنها لم تكن به رؤوفة حتى إنها كررت من جديد :
- سـيبني مع نفسي، يمكن أقدر اصلحها
فـ اصطحبه "يونس" نحو الخارج وهو يحاول تهوين الأمر عليه :
- معلش ياعمي، لسه خارجه من تأثير البينج ومحتاجه ترتاح
- خليك معاها يايونس، أنا هستنى برا
وشدد على كفهِ وهو يختم عبارتهِ :
- يلا
ظل "يونس" واقفًا بمحله ينظر نحوها ثم دنى من الفراش، فـ قالت :
- انت كمان سيبتني، في اللحظة الوحيدة اللي وثقت فيك بيها
تضايق من ظنها فيه وهو يبرر لها :
- أنا سيبتك تمشي معاه عشان مصلحتك، عشان أقدر اتصرف بعد كده إيه الفايدة لما اضربه وأديله علقة وينزل من بيت عمي على نقالة وبعدها يرجع يطلبك بصفتك زوجته الشرعية! أنا كنت عايز أحل الموضوع من جدوره
ضحكت ساخرة، فـ أوجعتها رأسها تآوهت وهي تجيب :
- آه مصلحتي كلكم بتعملوا عشان مصلحتي وانا اللي ظلماكم
ومن بين صوت بكائها صاحت :
- مش عايزة حد يفكر في مصلحتي تاني، متفكروش بالنيابة عني أنا مش لعبة في إيدكم ، أرحموني
- طب أهدي
انحنى على فراشها، ومسح بأطراف أصابعه دموعها وهو يقول بنبرة صادقة :
- أنا آسـف ، مقصدتش غير إني أساعدك بالطريقة اللي شايفها صح
فـ أطبقت جفونها لتنسال بقايا دموعها وهي تقول بعتاب :
- الطريقة اللي بتكلم عنها كانت هتخسرني حياتي، المۏت عندي كان أهون من إني أتنفس معاه في مكان واحد أنت كمان سيبتني للعذاب ده زيه بالظبط أنا مش عايزة أي حد فيكي معايا، سيبوني لوحدي
أنتصب في وقفته و :
- حاضر
تحرك بظهره وهو يتابعها بنظراته، حتى خرج من الغرفة وأغلق بابها وهو يهمس :
- آخر مرة اسيبك لوحدك، ده عهد عليا
رأى الممرضة تقترب منه، فـ أشار لها :
- ياريت تدخلي تشوفيها، ولو في أي مسكنات عشان تقدر تنام أديها
- مقدرش، لسه واخدة من ٣ ساعات تقريبا بس هشوفها
وعبرت من جواره لتدخل إليها 
في أقصى الممر كان "عيسى" يقف هناك، مشى "يونس" نحوه وهو ينظر حوله، حيث لم يجد أي منهم موجود سار "عيسى" نحوه منتظر أن يأمره بشئ جديد وبالفعل كان "يونس" يعطيه الأمر :
- تعالى ياعيسى، في حاجه عايزها منك
- أوامر
بداخل إحدى زنزانات القسم 
تحسس "محمد" موضع الخدوش والتورمات التي سببتها له زوجته التي ردّها لـ عصمتهِ بدون أن يخبرها بصق على الأرض وهو يسبّ قائلًا :
- الفـ ×××× بتتحامى في ابن عمها! ان شاء الله تكوني مۏتي وريحتي أنا هعرفك يعني إيه تتهميني بإني حدفتك يابنت الكدابين
فـ انزعج أحدهم وهو يسمعه وقال بصوت جهوري :
- ما خلاص ياأخينا، من ساعة ما جيت وانت عمال تبرطم ورمتلي نفوخي
فـ رمقه "محمد" بنظرات محتقرة وتابع تمتمته:
- أنا هدفعك تمن قعدتي هنا، ماشي ياملك
انفتح الباب ودخل أحدهم، ثم أغلق العسكري الباب من جديد نظر الرجل حوله بنظرات غامضة، كان يبدو عليه وكأنه قاټل مُستأجر ملامحه البشعة ووجهه الذي عجّ بعلامات الفتوق المتعددة والخطوط المتكونة سنون الأسلحة البيضاء 
وقع بصره على الرجل المقصود، فـ كشّر عن أسنانهِ الصفراء القاتمة وراح يقترب منه حشر نفسه بجواره ثم صاح فيه :
- ما توسع شوية ياجدع، ولا هتاكل المكان لوحدك
فـ تأفف "محمد" وهو يترك له مساحة من المكان، فلم يرضى الرجل و :
- الله! هو لازم يعني أهزقك قدام الرجالة عشان تتلم
فـ صاح به "محمد" وهو يقف عن جلسته :
- في إيه ياعم داخل كده كأنك قاصدني ليه!!
فـ وقف هو الآخر و :
- أنت بتغلط ولا إيه! أنت عارف بتكلم مين ولا إيه؟
فـ نهض أحد الرجال المتواجدين وكأنه يؤجج الموقف :
- معلش يامعلم، شكله جديد وعايز يتروق
فـ وزع "محمد" نظراتهِ عليهم وقد احتدت حميتهِ الذكورية للدفاع عن نفسه أمام الحشد المتواجدين وصاح فيهم :
- الله الله، أنتوا موانسين مع بعض بقا؟؟ لأ ده انا زعلي وحش أوي وممكن أفرم اللي يقربلي
فـ ارتفع حاجبي الرجل الموكّل به وكأن الفرصة سنحت له :
- طب وريني كده مين هيفرم مين! ده انا عزرائيلك النهاردة
وأمسك برأسه أولًا، صدمها بغرة رأسه لـ تهتز عظام رأسه على أثر الضړبة فوقع على الأرض هو ېصرخ من فرط الألم، فـ جلس الرجل القرفصاء من فوقه وظل يبرحه ضربًا وفي الأخير أمسك بذراعه اليمنى تحديدًا ولم يتركها إلا وهي مکسورة تلك اليد اليمنى التي تجرأ وضړب بها وجه "ملك" تحديدًا، لم تُكسر فقط بل سـ تُبتر نهائيًا من جسدهِ جزاء فعلهِ 

تم نسخ الرابط