رواية جديدة جامدة الفصول من الثالث عشر للسادس بقلم الكاتبة الرائعة

موقع أيام نيوز

الفصل الثالث عشر
عاد زيدان بصحبة والدته إلى منزلهم تاركا زوجته فى منزل أبيها لتؤازر شقيقتها فى محنتها، و ما إن دخلا من باب المنزل حتى صاحت به أمه پغضب: 
بجى اكده يا زيدان.. تعمل ف أخوك الفصل العفش ده و تغصبه على الچواز من المكلوبة دى.. بجى انت ترضى تتجوز واحدة بالطريجة دى و تخليها تمشى كلامها على رچالة العيلة و كباراتها؟! 

قبض على كتفيها بهدوء و أجلسها على الأريكة برفق و هو يقول برزانة: 
ياما سمر لساتها عيلة صغيرة و متعرفش حاچة و اللى بيچى على بالها بتعمله من غير تفكير، بس البت مش شينة للدرچة دى،  و يزيد هيعرف يربيها و يعلمها الأدب من أول و چديد. 
لم تجبه و إنما أشاحت بوجهها الغاضب للجهة الأخرى كناية عن عدم رضاها عن قراره، فجلس بجوارها و ربت على كفها بحب قائلا بهدوء: 
ارمى حمولك على الله يا أم زيدان و هو هيجدملنا اللى فيه الخير. 
ردت بملامح جامدة: 
طاب و هتجوله إيه؟!.. لو عرف إن الموضوع فيه چواز و بالطريجة دى ما هينزلش. 
رد بجدية: 
سيبيلى أنى الموضوع ده... أنى هعرف أچيبه و بأسرع وجت كمان... بس حذارى ياما تكلميه فى التلفون و تجوليله أى حاچة من اللى حصلت ف دار عمى؟!... 
أجابته باستنكار: 
واه... أومال هتجوله إيه يا ولدى؟! 
رد برجاء: 
مالكيش صالح انتى ياما بالموضوع ده.. أنى هتولى الحكاية كلتها من أولها لآخرها. 
هزت الأم رأسها بقلة حيلة و هى تردد بقلق: 
چيب العواجب سليمة يا رب.

وصل يزيد لقصر عادل الشرقاوى و انتظر أثير بجوار السيارة حتى أقبلت عليه بابتسامة واسعة و هى تقول:

صباح الخير يا يزيد..
أجابها بابتسامته الجذابه:
صباح الفل...جاهزة؟!
ردت بحماس:
استنى بس..فى خبر حلو عايزة أقولهولك..
يزيد:
خير؟!
أثير:
كنت لسة داخلة لبابى مكتبه علشان أقوله يجهزلك قوضة ف القصر، لاقيته اول ما شافنى قالى بلغى يزيد إنه يجيب هدومه و كل حاجة ممكن يحتاجها معاه النهاردة علشان جهزلك قوضة هنا...قولت كويس إنها جات منه قبل ما أقوله أنا.
اتسعت ابتسامته بسعادة و تنهد بارتياح قائلا:
طاب دى حاجة كويسة...كدا هكون مطمن عليكى أكتر و انتى قريبة منى.
تطالعه ببلاهة و عيناها متسعتان على آخرهما، لا تصدق أنه يقلق عليها و يهتم لأمنها لهذا القدر.
هز رأسه بتعجب يسألها بدهشة:
مالك بتبصيلى كدا ليه؟!
مازالت عيناها هائمتان فى عينيه، ذهنها شاردا فى ملامحه و قلبها يحثها بشدة على الاعتراف له كم أنها تعشقه و پجنون، فقدت سيطرتها على لسانها الذى ينطق الآن بأمر من قلبها قائلة بجرأة رغما عنها:
يزيد...فى حاجة عايزة أقولهالك..نفسى أقولهالك من زمان بس خلاص مش قادرة أخبيها أكتر من كدا..
لوى ثغره بنصف ابتسامة و هو يقول:
دا سر يعنى و لا إيه؟!
اقتربت منه خطوتين حتى لا يسمعها أحد تحت أنظاره المترقبة باستغراب ثم قالت بنبرة خاڤتة:
يزيد أنا بـــ.....
بترت كلماتها عندما أتاها صوت نادين تصيح بهما على مسافة منهما:
أثير..يزيد...استنونى أنا جاية معاكم.
أغمضت جفنيها بشدة متنهدة بضيق من تلك المتطفلة التى قطعت لحظة من الشجاعة لا تعلم إن كانت ستستطيع تكرارها ثانية أم لا. 
رمقها يزيد بطرف عينه فلاحظ ضيقها، و فطن ما كانت تود أن تخبره به، و حمد الله أن نادين قد أتت فى الوقت المناسب و إلا إن حصل و أخبرته أنها تحبه، لا يعلم بما سبجيبها و لا يعلم كيف له أن يتصرف حينها، و دعى الله كثيرا فى نفسه ألا تحاول إخباره بهذا الأمر حتى لا تضعه بمأزق لا يدرى كيف الفرار منه. 
تصنع عدم فهمه لما تود أن تقوله و تجاهل الأمر برمته قائلا لها: 
يلا اركبى.. اتأخرنا. 
طالعته بغيظ دفين ثم قالت بعصبية: 
أوكى... هركب أهو... أوف.

وصل ثلاثتهم للشركة و اتخذت كل منهما مكانها المعتاد، كما أن يزيد التزم مكانه بجوار باب غرفة مكتبها، يقف على غير هوادة، يريد أن يزرع جهاز التنصت بمكتب صلاح بأى طريقة و لكن يبدو أن الأمر فى غاية الصعوبة، قرر أن يصعد لطابق مكتبه ربما يجد فرصة أو حجة ما يستطيع من خلالها التسلل لمكتبه، دخل لأثير و أخبرها أنه سينزل للمقهى لإحضار مشروب ساخن يتناوله و أكد عليها ألا تغادر مكتبها بدونه.
صعد للطابق العلوى عن طريق الدرج حيث قلما ما يستخدمه أحد، وقف قليلا على آخر درجة فوجده يخرج من مكتبه يسير باتجاه المصعد و استقله نازلا به لأسفل، أسرع يزيد للنزول باستخدام الدرج و كان ينظر على المصعد بكل طابق إلى أن توقف بالطابق الأرضى، خرج صلاح من الشركة قاصدا كراچ السيارات، فاختبأ يزيد خلف أحد الأعمدة الضخمة إلى أن اختفى ثم سار بخطوات عادية متتبعا أثره.
تسلل يزيد من بين السيارات بخفة و مهارة حتى لا يشعر به إلى أن وصل لسياراته التى يجلس بها الآن مغلقا جميع فتحاتها باحكام حتى لا يسمع أحد مكالمته الهاتفية السرية.
انتظر يزيد بحوار السيارة يسترق السمع دون فائدة حتى يئس من سماع أى كلمة من صلاح، فعاد أدراجه سريعا إلى مكانه، و قام بالاتصال بأحمد....
يزيد بخفوت:
ألو..أحمد أنا عايز حد محترف فى فتح العربيات دلوقتى..
أحمد باستغراب:
ليه ايه الجديد؟!
يزيد:
أنا ناوى أزرع جهاز التنصت فى عربية صلاح، لأنى لاحظت إنه بيعمل كل مكالماته السرية فى العربية و طبعا بيقفلها كلها و هو جواها، و واصخ جدا إن مكتبه مفيش فيه أى حاجه ممكن تدلنا على الصفقات المشپوهة لأنه عارف إن كل المكاتب فيها كاميرات، فطبعا بيبعد عن المكتب و هو بيخلص اتفاقاته و مكالماته مع عادل...كويس انى لاحظت الموضوع دا و إلا كنت هعرض نفسى للشك ع الفاضى لو كنت دخلت مكتبه.
أحمد:
براڤو عليك يا يزيد...انت كل يوم بتثبتلنا إنك أحسن اختيار عمله العميد بهجت.
يزيد:
متشكر يا أبو حميد..بس انجزنى الله يخليك..على الساعة ١٢ الضهر كدا يكون تحت ف الجراچ و أنا هشوف أى حجة أنزله بيها.
أحمد:
تمام يا بطل..لما يشوفك هيقولك رقم الكود السرى "ك.ك.٢٠" متنساش.
يزيد:
تمام مش هنسى...سلام.
أغلق الخط ثم أخذ نفسا عميقا استعدادا لما هو مقدم عليه من عمل خطېر، يدعو الله فى نفسه أن يوفقه دون أن يشعر او يشك به أحد.
انتظر قليلا ثم طرق باب مكتبها و دلف بهدوء فوجدها منكبة على بعض الملفات تراجعها بتركيز شديد مرتدية نظارة طبية جعلت شكلها مثير للضحك حقا، رفعت رأسها من الملف تقول بجدية:
اقعد يا يزيد..لحظة واحدة و هفضالك.
أومأ و هو يحاول كبت ابتسامته بصعوبة، و جلس أمامها يتأملها و هى تراجع الأوراق، يتأملها بابتسامة حالمة، يدقق فى كل قسمات وجهها، لأول مرة يركز بملامحها عن قرب، بشرتها خمرية و لكنها صافية، عيناها سوداوتين يدعوانه للاختفاء فى ظلامهما الحالك، أنفها و ثغرها متناسبتان مع وجهها المستدير، يكاد يجزم أنها لو صبغت بشرتها بمستحضرات التجميل  كما تفعل نادين لفاقتها جمالا، و رغم كل ذلك إلا أنه لم يحبها إلا لنقائها و جمالها الداخلى و قلبها الطيب.
نظرت له بغتة حيث شعرت بمحاصرته لها بعينيه الامر الذى أربكها للغاية و جعل تركيزها فى عملها أمرا مستحيلا.
حمحم يزيد و أردف بجدية:
الساعة داخلة على ١٢ و انتى ما أكلتيش و لا شربتى حاجة...إيه رأيك أجيبلك معايا عصير فريش نشربه سوا ف البريك؟!
أومأت بابتسامة ممتنة و هى تقول:
أوكى..ميرسى.
استرسل قائلا:
تحبى أجيبلك أى حاجة تانية معايا؟!
هزت رأسها بنفى و ما زالت تلك الابتسامة مرتسمة على ثغرها.
هز رأسه بإيجاب قائلا:
تمام..يا ريت بقى متخرجيش من المكتب لحد ما أجيلك.
اومأت بموافقة و هى تقول بطريقة تمثيلية:
تمام يافندم.
ضحك بصخب ثم نهض مغادرا مكتبها متجها إلى كراچ الشركة.

تسلل بهدوء بعدما ذهب لمقهى الشركة اولا يطلب العصير ليأخذه عند عودته، ثم اتجه للكراچ، ډخله و انتظر بالقرب من مدخله و انتظر قليلا إلى أن أتاه اتصالا من أحمد يخبره بمواصفات زميله القادم إليه، أقبل عليه و بمجرد أن رآه أخبره برقم الكود السرى بصوت خاڤت جدا "ك.ك.٢٠"
اومأ يزيد و قال بهمس:
تعالى ورايا...
أشار له على سيارة صلاح، ففتح زميله و الذى يدعى وليد حقيبة أغراضه الصغيرة و بدأ اولا بتعطيل جهاز انذار السيارة بخفة و مهارة حتى يتجنب الجلبة، ثم بدأ فى فتح باب السيارة تحت أنظار يزيد المترقبة، حيث يقف خلفه يراقب المكان حتى لا يراهما او يكتشف أمرهما أى أحد، اتسعت ابتسامة يزيد عندما انفتح الباب، فوقف وليد خلفه يراقب المكان بعدما دخل يزيد السيارة و قام بزرع جهاز التنصت عند تارة القيادة حتى يتم تسجيل الصوت بوضوح. 
انتهيا الزميلان من المهمة بنجاح و خرج وليد أولا تلاه يزيد، و سار باتجاه المقهى و أخذ كأسي العصير و استقل المصعد قاصدا مكتب أثير. 
أعطاها العصير و شرباه سويا ثم تركها لتكمل عملها و اتخذ مكانه بجوار الباب.
أخرج هاتفه مرة أخرى و اتصل بأحمد...
يزيد بهمس:
أيوة يا أحمد..خليك على الجهاز أوعى تسيبه لأنى مش هشوفه لو راح العربية، و أنا لما أخلص مع أثير هقابلك و نسمع سوا المكالمات...تمام؟!
أحمد:
من غير ما تقول يا يزيد...دى شغلتى..الحمد لله إن احنا قدرنا نوصل للمرحلة دى...صلاح اللى هيوصلنا لكل حاجة مش أثير..
يزيد:
فعلا يا أحمد..كل يوم بيعدى بيأكدلى إن أثير لا يمكن تكون عارفة بالبلاوى دى او تشارك فيها.
أحمد:
معاك حق...هانت يا يزيد...قربنا أوى.
يزيد:
دا توفيق من ربنا...ربنا يتمم المهمة دى على خير علينا كلنا...ثم استرسل فى نفسه "و بالذات أثير."
أغلق المكالمة ثم أطلق زفرة حارة تنم عن كم القلق الذى يحمله بصدره على أثير، يخشى عليها كثيرا من الفخ الذى نصبه لها ذلك الذى يقال عليه أبوها، فإن حدث و تمت مهمته بنجاح، ستكون أثير أول المتضررين و أول من يشار إليها بأصابع الاتهام و تلقى التهم على عاتقها هى وحدها دون غيرها، و لكنه لن يهدأ له بال حتى ينفى عنها كل تلك الچرائم و يصبح ذلك الأمر مهمته التالية.

قرب انتهاء الدوام بالشركة، نزل صلاح إلى سيارته ليجرى مكالمة هامة مع عادل، أحكم إغلاق السيارة عليه، ثم اتصل بـ عادل...
صلاح:
عادل باشا..الكوماندا كلمنى النهاردة.
عادل باستغراب:
ليه...حاجة حصلت؟!
صلاح:
بيبلغ حضرتك إن شحنة المخډرات هتخلص بدرى عن الميعاد اللى متفقين عليه، و إنه هيحتاج كمية كبيرة تانية من علب الجبنة و اللبن.
عادل:
ليه يا صلاح؟!
صلاح:
يافندم طبقات العلب رقيقة جدا و العلبة الواحدة بتاخد كمية بسيطة جدا من الهيروين، علشان متبانش من برا  للى يمسكها، و احنا طالبين كمية كبيرة من الهيروين. 
زفر عادل بضيق، ثم قال باستسلام:
تمام يا صلاح..اديهم الاوكى..و شوفهم هيخلصو امتى بالظبط علشان اكون عامل حسابى و أختار الوقت المناسب للتسليم.
صلاح:
تمام يا باشا..بس هنقول إيه لأثير..هقنعها ازاى تمضى على الكمية الجديدة المطلوبة؟!
عادل:
بص قولها إن التاجر طلب كمية زيادة عن المتفق عليها، لأنه سمع إن شركتنا بتستورد منتجات بجودة عالية و ان انت بعت فاكس للشركة الأجنبية تسألهم لو ينفع تستلم كمية زيادة على نفس الطلبية و هما وافقو، و اعمل الورق اللازم و هى ان شاء الله هتمضى و مش هتشك ف حاجة.
صلاح:
تمام يا باشا هيحصل...طاب نعمل طلبية فول معلب و مشروم معلب معاهم كالعادة علشان نغطى على الطلبية دى يا باشا.
عادل:
طبعا يا صلاح..هى دى محتاجة سؤال؟!
صلاح:
أنا قولت أتأكد بردو من حضرتك...خلاص كدا يبقى كله تمام..أى أوامر تانية يا باشا؟!
عادل:
لا كدا خلاص..و لو فى أى جديد كلمنى..
صلاح:
تمام يا باشا..سلام.

انتهى الدوام بالشركة و أوصل يزيد أثير و نادين إلى الشركة، و أخبرها أنه سيذهب لشقته ليأتى بأغراضه و يعود فى الصباح فوافقته و هى فى قمة سعادتها، فهاهو سيقيم بجوارها ليل نهار، تسأل نفسها هل سيغمض لها جفن و هى تعلم أنه بهذا القرب من قلبها و جسدها معا؟!
فتح يزيد باب شقته فوجد أحمد جالسا بالأريكة فى انتظاره و تبدو على ملامحه البشرى..
أحمد:
تعالى يا يزيد..انا مستنيك على أحر من الجمر..
اقبل عليه و هو يقول بتوجس:
خير يا احمد..صلاح كلم حد ف العربية..
أجابه بابتسامة واسعة:
اللى انت عملته النهاردة دا انجزنا و جاب من الآخر...تعالى تعالى اسمع...
استمع يزيد و أحمد لتسجيل المكالمة بتركيز نارى و ما ان انتهت المكالمة حتى هتف يزيد بذهول:
يا ولاد الشياطين!!!...بيحطو الهيروين بين طبقات العلب؟!....
رد أحمد بتحليل لكلامه:
علشان كدا كنا بنفتش المنتجات و مبنلاقيش فيها حاجة..
يزيد:
بس كدا بقينا متأكدين إن كل دا بيتم من ورا أثير...يعنى مضحوك عليها و دا أكبر دليل يا أحمد إن عادل بايع أثير بالرخيص أوى لأنها ببساطة مش بنته و لا من دمه.
أومأ بتأييد قائلا:
معاك حق يا يزيد...كدا ناقص بس نعرف ميعاد التسليم و طالما عرفنا طريقة تعبئة المخډرات، هنفتش صح المرادى و ان شاء الله تبقى المهمة تمت بنجاح.
هز يزيد رأسه عدة مرات بايجاب و ذهنه شارد فى كيفية إنقاذ أثير من هذا الفخ.

انتهت مقابلته مع أحمد على اتفاق بأن يرفع أحمد تقرير للقيادة مرفق به تسجيل المكالمة، بعد ذلك بدل يزيد ملابسه استعدادا للخلود إلى النوم، بعدما استلقى على فراشه رن هاتفه برقم زيدان شقيقه، فأصابه القلق البالغ حيث أنه قلما يتصل به أثناء عمله إلا للضرورة القصوى، فتح الخط قائلا بقلق:
ألو..أيوة يا زيدان؟!
زيدان بصوت أجش:
كيفك يا يزيد و كيف أحوالك ف الشغل؟!
يزيد بترقب:
الحمد لله أنى كويس، انتو اللى عاملين ايه و أمى صحتها عاملة إيه؟!
أجابه متصنعا الحزن:
أمك تعبانة جوى يا يزيد و عايزة تشوفك و أنى كلمتك عشان إكده..عمالة تلح عليا بتجولى أنى عايزة أشوف يزيد..جلبى واكلنى عليه و مش هرتاح و لا هطيب من العيا غير لما أشوفه.
انفطر قلبه عليها قائلا بحزن دفين:
حبيبتى ياما...مالها يا زيدان فيها ايه أمى؟!
ارتبك قليلا و لكنه استعاد ثباته قائلا:
متجلجش جوى اكده.. ما انت عارف الضغط لما يعلى عليها بتتعب كيف!!
تنهد بحړقة و قلة حيلة قائلا:
هحاول أجدم على أچازة طارئة و أنزل البلد ان شاء الله..ربنا يسهل الحال.
رد زيدان سريعا بحدة:
تحاول ايه يا ولد الوزير.!!..انت لازمن تنزل تشوف أمك و تطمن عليها إن شالله يوم واحد حتى و تعاود فى نفس اليوم.
رد باستسلام:
حاضر يا زيدان..يا رب بس اللوا يوافج؟!
رد بتأكيد:
هيوافج ان شاء الله...لما يعرف السبب هيوافج..
اجابه بقلة حيلة و حزن بالغ من أجل والدته:
أمانة عليك تخلى بالك منيها و تخليها تاخد علاچها مظبوط و طمنها إن أنى هاچى أشوفها ف أجرب وجت.
ارتسمت على ثغره بسمة انتصار قائلا بفرحة خفية:
تيچى بالسلامة ياخوى...خلى بالك من نفسك يا يزيد.
يزيد:
ان شاء الله يا زيدان...مع السلامة.
أغلق الخط و هو يقول بحزن لنفسه:
أهو ده اللى مكنتش عامل حسابه...
زفر پعنف ثم قام بالاتصال بأحمد باعتباره حلقة الوصل بينه و بين القيادة....
يزيد:
ألو...معليش يا احمد صحيتك من النوم.
أحمد:
و لا يهمك...فى حاجة جدت؟!
يزيد:
أيوة...أخويا اتصل بيا من شوية و بيقول ان والدتى تعبانة جدا و عايزة تشوفنى..عايزك تكلم بهجت بيه تقوله انى عايز اجازة طارئة..يوم أو يومين بس.
أحمد:
ألف سلامة عليها....حاضر هتصل بيه حالا و هقوله.
يزيد:
بس حاول تقنعه انه يوافق على الأجازة..
احمد:
ان شاء الله هيوافق...يعتبر المهمة خلصت، روح انت و انا هتابع صلاح على جهاز التنصت اليومين اللى هتسافر فيهم و هعمل التقرير بتاعى عادى جدا و ان شاء الله الأمور تمشى زى ما احنا عايزيين.
يزيد:
تمام يا أحمد..مش عارف أشكرك ازاى..
أحمد:
لا شكر على واجب...هبلغك دلوقتى بالموافقة..استنى منى تليفون..
يزيد:
ماشى..سلام.
و بالفعل وافق العميد بهجت على منح يزيد إجازة طارئة لمدة يومين تبدأ من صباح الغد، و بعدما تأكد من الموافقة قام بالاتصال بأثير لكى يأخذ منها إجازة..
يزيد:
ألو..صحيتك من النوم؟!
أثير بسعادة:
لا أنا لسة صاحية..
أخذ نفسا عميقا ثم زفره على مهل و قال بشجن:
أنا مضطر أسافر البلد يومين كدا هطمن على والدتى علشان تعبانة و هرجع تانى ان شاء الله...ممكن أثير هانم تدينى أجازة يومين؟!
قطبت جبينها بحزن و هى تقول:
ألف سلامة عليها...طبعا أكيد دى مامتك و مفيش أغلى من الأم.
ارتسمت ابتسامة محبة على ثغره قائلا بامتنان:
متشكر جدا يا أثير.
أثير بجدية:
مفيش بنا شكر يا يزيد..دا واجب..هتسافر امتى؟!
يزيد:
بكرة الصبح ان شاء الله..
ردت بلاوعى بنبرة حزينة:
ايه دا يعنى هتسافر من عندك من غير ما أشوفك؟!
ابتسم على برائتها و لم يدر بما يجيبها فسكت، بينما هى ادركت تسرعها فى نطق هذه الكلمات، فاسترسلت مصححة مسار حديثها:
احم..أنا أنا قصدى يعنى.. 
أراد أن يقلل من وطأة ارتباكها حين أدرك حرجها فأسرع يقول:
أنا جاى طبعا الصبح...أومال مين اللى هيوصلنى لمحطة القطر؟!..و لا يرضيكى يعنى أتبهدل ف المواصلات؟!
اتسعت ابتسامتها ثم هتفت بسعادة بالغة:
لا طبعا ميرضنيش..تمام اتفقنا.
يزيد:
اوكى...أشوفك على خير الصبح ان شاء الله.
أثير بابتسامة هائمة:
تصبح على خير.
يزيد بذات الابتسامة:
و انتى من أهل الخير..
أغلق المكالمة و ما زالت تلك الإبتسامة الهائمة مرتسمة على ثغره، الأمر الذى جعله يندهش من نفسه، فمسألة أن يقع بحب فريسته كان أمرا بعيدا كل البعد عن ذهنه، نعم لم يقع بحبها من الوهلة الأولى كما فعلت هى، و لكنها استطاعت أن تروض قلبه ليخضع لها رويدا رويدا، و لكن زمام قلبه ليست بيده.
بينما أثير أغلقت الهاتف ثم احتضنته بشدة و كأنها تحتضنه هو و لكن سرعان ما اختفت ابتسامتها عندما تذكرت سفره و غيابه اليومين القادمين، و ارتمت بفراشها و هى تمنى قلبها بقصر مدة الغياب و قرب اللقاء.  

فى صباح اليوم التالى.. 
حمل يزيد حقيبة ظهره و اتجه لقصر أثير التى كانت تقف بانتظاره بجوار السيارة، ركبا كعادتهما فى الركوب و عندما ابتعد عن القصر طلبت منه أن تركب بجواره و قد فعل. 
أكمل طريقه باتجاه محطة القطار و كانت أثير طيلة الطريق توصيه بأن يهتم بأمه و يطمئنها عليها و على نفسه عند وصوله، و عندما وصل لوجهته المقصودة نزل الإثنين أمام المحطة و وقفا قبالة بعضهما، فادار يزيد دفة الحديث قائلا بشجن نابع من أعماق قلبه: 
خلى بالك من نفسك و يا ريت بلاش تروحى الشركة او تخرجى لأى مكان لحد ما أرجع. 
قطبت جبينها باستنكار قائلة بنبرة تهكمية: 
مش للدرجادي يعنى يا يزيد... متخفش مش هيجرالى حاجة. 
رد بنبرة حازمة: 
لا يا أثير ما تاخديش الأمور ببساطة أوى كدا... ممكن اللى ضربوا عليكى ڼار أول مرة يكونو مراقبينك و ما هيصدقو يلاقوكى ماشية من غير بودى جارد و يضربو ضربتهم تانى. 
اومأت بابتسامة عاشقة: 
حاضر... هستناك لما ترجع.. أى أوامر تانية؟! 
وضع سبابته اسفل ذقنه متصنعا التفكير و هو يقول بمرح: 
امممم... استنى كدا هفكر! 
ضحكت بصخب و ضحك معها، ثم ودعته على مضض، ودت لو يظل واقفا أمامها و ألا يتركها، بينما هو تمنى لو أن من حقه أن يحتضنها الآن لما تردد لحظة واحدة، انصرف من أمامها و نظرها مسلط عليه إلى أن اختفى تماما عن ناظريها، ففرت دمعة حزينة من عينها رغما عنها، ازالتها سريعا و استقلت سيارتها عائدة إلى القصر.

بعد ما يقرب من خمس ساعات من السفر بالقطار، وصل يزيد إلى المدينة، و منها إلى بلدته حتى وصل لمنزله سالما..
طرق الباب ففتح له زيدان الذى تهللت أساريره ما إن رآه و رحب به ترحيبا حارا و سارا معا إلى بهو المنزل حيث تجلس أمهما الحبيبة.
ما إن رأى أمه حتى انكب على يديها يلثمها بحب خالص، و هو يسألها عن صحتها بقلق فردت أمه و هى تربت على شعره بحنان:
و الله يا ولدى أنى زينة و صحتى تشد جطر...اطمن يا ضى عيونى.
حلس بجوارها ثم قال باستغراب:
اومال جلجتنى عليها ليه يا زيدان و چيبتنى على ملا وشى؟!
أجلى حنجرته مجيبا بتوجس:
بصراحة اكده يا يزيد أنى عملت تعب أمى حچة علشان تاخد أچازة و تنزل، لأنك لو عرفت السبب الأساسى مكنتش هترضى تاچى.
أصابه الذهول التام و رمقه باستنكار ووهو يقول بملامح جامدة:
و ايه هو بجى السبب الأساسى اللى چايبنى عشانه بالطريجة دى؟!
بدأ زيدان فى سرد ما حدث فى منزل عمه و ما فعلته سمر بحالها من أجله هو دون غيره كما أخبره بقراره النهائى الذى اتفق عليه مع عمه، و ما ان انتهى زيدان من سرد قراره الأخير حتى هب يزيد من مقعده بانفعال قائلا بحدة و عصبية:
و انت ازاى تتفج على موضوع زى ده من غير ما تشورنى...اياك تكون مفكرنى بنتة عشان تخطبلى اللى على كيفك يا كبيرنا.
نهض الآخر پغضب و احتدت نبرته و هو يقول:
أديك جولتها..أنى كبير العيلة و بعمل اللى فيه الصالح للكل..و لا انت كنت عايزنى أسكت و سيرتنا تبجى على كل لسان، و أجل كلمة هتتجال إنك عملت معاها حاچة شينة لا سمح الله، متنساش انها بت عمك يعنى ف مجام أختك و أنى مرضاش يحصل اكده مع أختى.
أشاح بوجهه عنه و رأسه يغلى من الڠضب و وجهه محمر من الانفعال، يشعر أنه وقع بفخ يستحيل الخروج منه، و أنه مقيد بسلاسل من حديد بات الفكاك منها أمرا شبه مستحيل، قبض زيدان على فكه بقسۏة و هو يقول بنبرة حادة مرتفعة:
اسمع يا يزيد...أنى عطيت عمك كلمة و مش هرچع فيها تانى لو فيها قطع رجاب...فاهم؟!
أغمض عينيه بغل و أزاح كفه القابض على فكه پعنف و تركه مغادرا المنزل بأكمله و نيران الڠضب و قلة الحيلة تكاد تودى بعقله و تصيبه بالجنون.
كان كل ذلك يحدث تحت أنظار أمهما الحزينة و المشفقة على ولدها الغالى و لكن كبيرها محق و بات الأمر صعب العدول عنه، فتلك عاداتهم التى لا يحق لهم مخالفتها.
ذهب يزيد إلى الترعة و التقط بعض الحجيرات و راح يقذفها بغل ليفرغ غضبه المستعر بصدره فى قڈفها بالماء، و صورة أثير لا تفارق مخيلته، فكل همه الآن كيف سيخبرها بأمر خطبته لأخرى، و كيف سيكون حالها إن علمت، تناسى تماما أنها مجرد مهمة سرية، ففى هذا الوقت بالذات لا يراها سوى حبيبته التى لا ينفك عن التخطيط لإنقاذها من براثن عادل، و خطڤها من الجميع لتصبح له، ليقضى معها ما تبقى من عمره يكون لها الأب و الأم الذان حرمت منهما.

اضطر يزيد للاستسلام لقرار أخيه، فلا يجوز له أن يقلل من شأن أخيه و قراراته أمام العائلة باعتباره كبيرها و حكيمها و لكنه طلب الجلوس مع سمر منفردا قبل اتمام الخطبة لغاية أخفاها فى نفسه، فوافقه زيدان على الفور و ذهبا سويا فى المساء إلى منزل عمهما سالم للإتفاق على التفاصيل و من قبلها مقابلة سمر.

...الفصل الرابع عشر
طلب يزيد و زيدان من عمهما أن ينفرد بسمر للتحدث معها فرحب بذلك و لم يمانع، فسعادته بموافقة يزيد على خطبتها جعلته لا يفكر فى أى شيئ سوى إتمام هذه الخطبة على خير. 
فى غرفة سمر، يجلسان على طرف الفراش و حافظ يزيد على مسافة لا بأس بها بينهما، كانت سمر تكاد تطير من فرط السعادة و الابتسامة الواسعة لم تفارق ثغرها، بينما يزيد كان جامد الملامح، و صدره يغلى غيظا منها و من المأزق الذى تسببت له فيه، و لكنه تحلى بالهدوء و أدار دفة الحديث مردفا بجدية و نبرة رزينة: 
انتى عندك كام سنة يا سمر؟! 
أجابته بابتسامة فرحة: 
١٨ سنة بالظبط. 
رد بهدوء: 
امممم.. و أنى عندى ٢٨ سنة.. يعنى بينى و بينك عشر سنين، يعنى لما خلصت أنى الثانوية و دخلت كلية الشرطة ف مصر كان عندك عشر سنين، كنتى لسة عيلة بتلعبى ف الشارع بالطين مع العيال اللى ف سنك و أصغر منك كمان و كان ده كل همك، و بعدين جضيت انى أربع سنين ف الكلية مكنتش بنزل غير أجازات بسيطة، يمكن يومين تلاتة كل شهر أو شهرين، و بعد ما اتخرچت استلمت شغلى ف السياحة ف شرم و بردو مكنتش بنزل غير أسبوع ف الشهر بجضيه كله ف شغل الأرض مع أخوى عشان أساعده و جليل جوى جوى لما كنت بروح عنديكم الدار.... جوليلى بجى يا سمر حبيتينى امتى؟!.. تعرفى عنى إيه و لا تعرفى عن طبعى و أخلاجى إيه عشان تحبينى و انتى لساتك عيلة صغيرة؟!..
انفرجت شفتاها لتجيبه إلا أنه قاطعها قائلا: 
هجولك أنى يا بت عمى... إنتى انبهرتى بشكلى الحلو و عيونى الدباحة و شعرى الطويل الناعم، و لأنك مشوفتيش شاب حليوة ف البلد غيرى افتكرتى انك بتحبينى، انتى بتحبى شكلى بس يا سمر بس أنى متأكد إنك لو عاشرتينى هتحسى إن إنتى متعرفينيش، بالذات لما تعرفى كمان إنى بحب واحدة تانية و ناوى أتچوزها و أنى مش هجدر أحبك زى ما بتحبينى.. سامحينى يا بت عمى الجلب مش خالى و أنى جلبى مش بيدى. 
طالعته بذهول و فم فاغر من الصدمة، و ظلت على هذا الحال لفترة ينتظر ردها إلى أن رسمت على ملامحها البرود قائلة بثبات: 
و إيه يعنى!.. الشرع محللك لحد أربعة، و ياما رچالة كتير ف البلد متجوزين تنين و تلاتة.. يعنى أنى مش أول واحدة چوزها يتچوز عليها. 
رمقها پغضب دفين و لكنه رد بهدوء: 
ردك ده أكبر دليل إن تفكيرك محدود و لسة بتفكرى بمخ طفلة، و بيأكدلى إنك واخدة چوازك منى تحدى... مع مين الله أعلم، بس يا بت الناس الچوازة دى لو تمت، أنى بجولك أهو مش هجدر أديكى الحب اللى انتى عايزاه و لا هجدر أضحك عليكى و أسمعك كلام الحب و الغرام اللى انتى مستنياه، هعاملك أه بما يرضى الله و مش هجصر معاكى ف اى حج من حجوجك، بس متنتظريش منى حب... إن كان يرضيكى الوضع ده يا بت الناس يبجى على خيرة الله، و ان كنتى عارفة انك مش هتجدرى تتحملى الوضع ده، احنا لساتنا ع البر و القرار فى يدك انتى... ها جولتى ايه؟! 
احتقنت عيناها بالعبرات، و أطرقت رأسها بحزن لبرهة، ثم رفعت رأسها تطالعه باستعطاف و هى تقول بصوت متحشرج: 
و متحبينيش ليه يا يزيد؟!.. فيها ايه أحسن منى؟.. أنى عارفة إن بنات مصر حلوين و نغشين و بيعرفو يتكلمو كلام زين، بس أنى بردو مش وحشة.. أنى من أحلى البنات اللى ف البلد كلتها. 
أجابها بهدوء: 
الشكل مش مقياس للحب يا سمر.. ممكن يكون عندك انتى بدليل إنك حبيتينى لشكلى... إن كان ع الشكل و الچمال، فأنى شوفت اللى أچمل منك و منها، بس أنى جولتلك جلبى مش بيدى، حبيتها هى دونا عن كل البنات اللى جابلتهم و عرفتهم، ليه؟!... معرفش. 
رمقته بحزن بالغ و هى تشهق بخفوت حتى لا يسمع أحد بكائها، فابتلعت الغصة المريرة التى تكونت بحلقها و قالت بجمود: 
أنى موافجة يا يزيد... و أنى هستنى اليوم اللى هتحبنى فيه و أبجى أنى كل حياتك. 
سألها بجدية: 
و لو محصلش يا سمر؟! 
أجابته من بين شهقاتها: 
يبجى نصيبى اكده و كفاية إنك هتكون معايا و قصاد عينى حتى لو جلبك فى حتة تانية. 
تنهد بحيرة ثم أردف محاولا إثنائها عن اتمام هذه الخطبة قائلا: 
يا سمر انتى لسة صغيرة و فى سن المراهقة، يعنى ممكن تحبى واحد و لو شوفتى واحد تانى أحسن منه أو لاجيتى شوية اهتمام من غيره هتنسى الأولانى و هتچرى ع التانى... يعنى السن ده كله تقلبات و الحاچات دى بتحصل لكل اللى ف سنك... عندك فرحة أهى بعد ما اتخطبت لواحد تانى بيحبها نسيتنى و لا عاد يهمها يزيد ده و لا ببصلة حتى... صدجينى يا بت الناس مسيرك هتلاجى اللى يحبك و ينسيكى الدنيا كلتها... بس أنى لا.. أنى خلاص جلبى مبجاش ملكى يا سمر... فكرى و عيدى حساباتك تانى يا بت الناس.. 
نهضت من مكانها و أولته ظهرها حتى لا يرى قهرها الظاهر على ملامحها و أردفت بتصميم:
أنى متأكدة إنى بحبك إنت و مش هحب غيرك و بكرة الأيام توريك.
زفر پعنف كناية عن يأسه و قلة حيلته ثم قال باستسلام:
ماشى يا سمر اللى يريحك...بس مترچعيش تعيطى و تجولى انت ظلمتنى، أهو أنى كشفتلك كل حاچة من أول يوم..و أنى بردو هعطيكى فرصة و أخلى ارتباطنا خطوبة بس، عشان لو لاجيتى الوضع هيبجى صعب عليكى تجدرى تفسخى الخطوبة من غير ما تخسرى حاچة و احنا لساتنا ع البر.
استحسنت سمر كلامه و وجدته حلا مقنعا، فهى أيضا تخشى ألا تتحمل ولائه و حبه لأخرى دونها، فلتجرب نفسها معه بعلاقة الخطبة، و ترى إن كان حبها له سيغلب عليها و يعطيها العزيمة للمضى قدما معه فى حياة زوجية مستقرة، أم أن حبها له حب مراهقة كما قال لها، و حبا هشا سيسقط مع أول مشكلة؟!

انتهى حديثهما إلى هذا القدر و خرج يزيد للجمع الموجود ببهو المنزل فى انتظاره، و اتفق معهم على تفاصيل الخطبة، و أخذ سمر و أختها و أمها و ذهبوا لدكان الذهب و قاموا باختيار ما يطلق عليه الشبكة، و عاد كل إلى منزله على وعد باقامة حفل صغير ببيت عمه فى ظهيرة اليوم التالى مقتصر على العائلة و الجيران، و أن يسافر يزيد لإستئناف عمله عند الغروب.

كان يزيد قد وصل لشقته بوقت متأخر من الليل، و رغم التعب و الإرهاق الذى أصابه نتيجة يومه الحافل بالأحداث و سفره الطويل بالقطار، إلا أن النوم أبى أن يزور جفونه، و ظل طيلة الليل مستيقظا بفراشه، قلبه مثقل بالهموم و صدره يموج بالأوجاع، ينظر إلى هذا الخاتم الذى احتل بنصره بين الحين و الآخر بأسى، يتمنى لو أنه لأثير، و لكنها الأقدار التى قذفته من مدينة لأخرى ليقع فى عشقها، ثم تعود به مرة أخرة لبلدته ليرتبط بأخرى غير التى عشقها و عشقته.
نام بعد صراع طويل مع نفسه و مع خاتمه بعدما حسم أمره بأنه لن يخلعه من بنصره و أنها يجب أن تعلم، فعاجلا أم آجلا ستعلم، فلا داعى لإخفاء الأمر، و ليربط على قلبه و يشدد من أزره و يخبرها، و دعى الله كثيرا فى صلاة الفجر أن يمر هذا الأمر عليها بردا و سلاما.
فى الصباح حزم أغراضه فى حقيبة كبيرة و استقل سيارة أجرة متجها إلى قصر أثير للإقامة به و لإستئناف مهمته مرة أخرى مترقبا اللقاء بقلب ذبيح و روح نازفة.
وجد أثير فى انتظاره بحديقة القصر، أقبلت عليه بابتسامة واسعة و عينين مشرقتين من السعادة برؤيته بعد غياب يومين لا أكثر، و لكنها شعرت و كأنهما كانا عامين.
اڠتصب ابتسامة على ثغره و وقفا قبالة بعضهما فبدأت هى قائلة بسعادة:
حمد الله على سلامتك يا يزيد...مامتك صحتها عاملة ايه دلوقتى؟!
أجابها بتوتر:
كويسة الحمد لله.
ردت بود:
ربنا يخليهالك ويباركلك فيها.
أجاب باختصار:
اللهم آمين...
يريد أن يخبرها و لكن لا يعلم من أين يبدأ، فلاحظت أثير توتره و سألته باستغراب:
مالك يا يزيد؟..شكلك كدا مش على بعضك...هى مامتك فيها حاجة لا قدر الله؟
مسح على شعره بتوتر و هو يقول:
لا هى كويسة الحمد لله و...
قاطعته بسؤالها:
إيه دا؟..اللى ف ايدك دى دبلة و لا إيه؟!
أغمض جفنيه پألم ثم فتحهما فوجدها تنتظر إجابته بملامح مستنكرة، و تطالعه بترقب، فأجابها بقلق داخلى و نبرة خاوية:
أيوة دبلة..أنا..إحم..أنا خطبت بنت عمى لما كنت هناك اول امبارح.
صمت...صمت مطبق أحل بها، فقط تنظر له بذهول و كأنه غرس خنجرا مسمۏما فى عمق قلبها، تريده أن ېكذب ما سمعت أو أنها ربما لم تسمعه جيدا، ظلت على هذا الحال لدقيقة أو دقيقتين و الشعور بخيبة الأمل يكاد ېقتلها بلا هوادة أو رحمة، تحاول أن تقاوم إنهيار كيانها أمامه حتى لا يشعر بهزيمتها و إنكسارها، فهى اعتادت على إنكسار قلبها، و اعتادت أن تخفى ضعفها و تتظاهر بالقوة، لذلك سرعان ما تحولت ملامحها للجمود، و بدأت عيناها تلتمع بالعبرات الجامدة التى أبت أن تترك لها العنان فى حضرته، أخيرا استطاع لسانها أن يتحرر من مربطه، و رسمت ابتسامة مقتضبة على وجهها الجامد ثم قالت باختصار:
مبروك..
بينما هو يطالعها بتأثر، يشعر بنظراتها و كأنها جمرات تخترق صدره  لتنزل على قلبه تحرقه بلا شفقة، و لكنه هو من أوصلها لهذا الحد من الألم و الآنكسار و يستحق منها أكثر من ذلك.
أولته ظهرها لتسير باتجاه الباب الداخلى للقصر، و ما ان ابتعدت عنه بمقدار خطوة أو خطوتين حتى استفاق من حړقة قلبه و أسرع خلفها و قبض على ساعدها يستوقفها قائلا بأسى:
أثير...استنى.
وقفت و سألته دون أن تلتفت له:
نعم؟!
لم يدرى ماذا يقول لها، ظل على هذا الحال يبحث عن الكلمات المناسبة لمثل هذا الموقف و لكنه فشل، فنزعت ساعدها من قبضته و نظرت له من أعلى كتفها قائلة بجمود:
أنا طالعة أجهز علشان نروح الشركة و انت يا ريت تدخل حاجتك ف القوضة بتاعتك و تجهز علشان منتأخرش.
ثم سارت بخطوات سريعة إلى غرفتها، لا تعلم كيف  صعدت الدرج و وصلت غرفتها بسلام، فالدموع غشت عينيها بكثافة حتى باتت رؤيتها ضبابية، فتحت باب الغرفة و دخلت ثم صڤعته خلفها پعنف، و كأنها تفرغ ڠضبها به، ثم بركت على ركبتيها أمام الفراش و استندت على حافته، و تركت لدموعها الحبيسة العنان و هى تتأوه بشدة من فرط الألم الناتج عن طعنته لها بقلبها و خيبة أملها فيه.
التقطت وسادتها الصغيرة و دفست وجهها بها لتكتم بها شهقاتها العالية، و قد كان جسدها يرتجف پعنف من شدة البكاء.
رفعت وجهها من الوسادة و هى تحدث نفسها من بين شهقاتها حديثا تتمزق له نياط القلوب قائلة:
مامى..أنا محتجاكى أوى يا مامى..تعالى و خودينى ف حضنك، أنا تعبت من الدنيا دى، مش عايزاها..مش عايزة أعيش فيها..حتى يزيد اللى هون عليا غيابك و حسسنى ان الدنيا بدأت تضحكلى، دبحنى پسكينة تلمة...حتى هو كمان مش عايزنى ف حياته و راح لغيرى...طاب هعيش لمين؟!..هعيش ليه؟!
قالت كلماتها الأخيرة و شهقاتها قد علت بحدة و دموعها تنهمر بغزارة، بينما يزيد يقف عند باب غرفتها من الخارج يستمع لبكائها و حديثها الأليم مع نفسها، يود لو يختفى من العالم بأكمله على ألا يراها بهذا الحال، فرت دمعة ساخنة رغما عنه، أزالها سريعا و هو يقول بخفوت و قلبه يبكى دما لأجلها:
الله يسامحك يا زيدان انت و سمر...انتم السبب ف اللى احنا فيه.
ثم انصرف سريعا قبل أن تستيقظ بقية أفراد العائلة و يرونه فى هذا الوضع و بهذا المكان.

بعد فترة ليست بقصيرة نهضت أثير من جلستها و سارت باتجاه مرآتها لتقف أمامها و تتأمل بها وجهها الباكى الحزين و تتحسس ملامحها پألم، ثم قالت لنفسها بتوبيخ:
اصحى بقى يا أثير من الحلم اللى كنتى عايشة فيه..كفاية هبل لحد كدا و فوقى علشان ترجعى لأثير القديمة، أثير القوية اللى مفيش حزن بيهزها و لا حد بيلفت نظرها..يزيد من النهاردة بودى جارد و بس...أيوة طبعا...هو كدا و مش أكتر من كدا.
ذهبت للمرحاض لتغسل و جهها من أثار البكاء و عادت مرة أخرى تنظر لنفسها فى المرآة فوجدت أن جفنيها منتفختان بشكل ملحوظ فبدلت ملابسها و مشطت شعرها و اضطرت إلى إرتداء نظارتها الشمسية حتى لا يلحظ أحد انتفاخ جفنيها، و نزلت ليزيد فوجدته قد بدل ملابسه و حمل سلاحھ و وقف بجوار السيارة فى انتظارها، تظاهرت باللامبالاة و أقبلت عليه بملامح عادية و كأنها لم تكن تبكى و ترتجف من دقائق قليلة، بينما هو يطالعها بتأمل لرد فعلها و هى مقبلة عليه، فآلمه قلبه لحالها الذى كان سببا فيه.
فتح لها الباب الخلفى فوقعت عيناها رغما عنها على بنصره المزين بالخاتم، فامتلئت عيناها مرة أخرى بالعبرات، و لكنها جاهدتها لتمنعها من النزول و حمدت الله أنها ترتدى تلك النظارة المعتمة و إلا فضحتها عيناها أمامه.
استقل مقعده و اخبرته أن ينتظر قليلا حتى تأتى نادين، و ما ان ركبت الأخيرة السيارة حتى انطلق يزيد و نظره مسلط على أثير من خلال المرآة، يرمقها بحزن دفين و اشفاق بالغ، لا يدرى أيواسيها أم يواسى قلبه المكلوم، و من شدة تركيزه معها و عدم انتباهه للطريق، تعرض للإصطدام عدة مرات بالسيارات التى تسير حوله، و استمر على هذا الحال وسط استغراب نادين لحالة التيه التى أصابته و عدم انتباهه للطريق إلى أن وصلوا إلى الشركة فى جو من الصمت التام.

بعدما غادر الثلاثة القصر، عاد فادى أخيرا بعدما اختفت چروح وجهه التى تسبب بها يزيد حين أبرحه ضړبا، و تسلل بهدوء إلى جناح أثير و دخل غرفتها حيث أنها تترك الباب بدون قفل حتى يتثنى للخادمة تنظيفها و ترتيبها أثناء غيابها، اغلق الباب و راح يفتش فى كل أغراضها عله يجد أى مستند أو ملف للصفقة المتنافس عليها عادل و أمجد، فتح درج مكتبها الصغير و أول ما وجد هو دفترها الغالى، قرأ اول سطر كتبته لأمها فضحك باستهزاء ثم أعاده مكانه مرة أخرى، و ظل على هذا الحال يبحث و يفتش لكن دون جدوى، إلى أن يئس فأعاد كل شيئ إلى مكانه و خرج كما دخل، نزل إلى بهو القصر فوجد أمه تجلس بمقعدها الوثير تحتسى القهوة الصباحية خاصتها، فأقبل عليها بابتسامة و انحنى يلثم كفها بحب و هو يقول:
صباح الخير لأحلى أميرة هانم ف الدنيا.
ضحكت بغنج ثم قالت بابتسامة واسعة:
يا بكاش...تعالى اقعد جنبى و ورينى وشك عامل ايه دلوقتى!!
جلس بالمقعد المجاور لها ثم قال:
أنا بقيت كويس و كله تمام و احتمال أروح الشركة النهاردة.
ردت بجدية:
لسة هتروح!!...انت كدا اتأخرت.
هز كتفيه لأعلى بعدم اكتراث مجيبا بغرور:
عادى يا مامى..أتأخر براحتى..انتى ناسية ان أنا عضو مجلس الادارة و لا ايه؟!
أومأت بابتسامة و هى تقول:
طبعا يا حبيبي براحتك.
سألها بنبرة ذات مغذى:
أومال أونكل عادل فين؟!
ردت بلامبالاة:
ما انت عارف انه بيروح الفرع الرئيسى بدرى..و بييجى متأخر جدا..أنا احيانا بفضل باليومين مشوفهوش من كتر أشغاله و سفره برا.
هز رأسه بتفكير ثم قال:
مامى انتى معاكى مفتاح مكتبه؟!..أصل كنت محتاح ملف تبع الحسابات كان طلبه منى قبل الحاډثة و لحد دلوقتى مأخدتهوش تانى و مش عارف هشوفه تانى امتى و انا عايز الملف ضروري.
ضحكت أميرة بصخب الشيئ الذى أثار دهشة فادى و سألها باستنكار:
ايه اللى بيضحك فى كلامى؟!
توقفت بصعوبة عن الضحك ثم أردفت بتهكم:
انت عايز عادل الشرقاوى يسيب مفتاح مكتبه اللى هو يعتبر كل حياته معايا أنا؟!...يبقى انت لسة معرفتهوش يا فادى..
اقترب منها أكثر يسألها بفضول:
أنا مش فاهم حاجة..ما تفهمينى و عرفينى يا أميرة هانم..
أجابته بجدية:
عادل راجل حويط أوى و بيشك ف كل اللى حواليه..دا بيشك فيا أنا شخصيا، و كل حاجة تخص شغله و شركاته و أسراره و عقوده و كله كله محتفظ بيه ف خزنة مكتبه الكبيرة و مانع أى حد يدخل المكتب، حتى الشغالين بينضفوه و هو واقف بيراقبهم، و لما بيخلصوا بيقفله بنفسه، دا غير بقى النظام الأمنى اللى عامله عليه من كاميرات جوا و برا القوضة..و أقفال الكترونية و حاجات كدا تخليك تخاف تعدى من قدام القوضة مش تدخلها...ههههه.
ارتسمت على وجهه علامات الذهول و اردف باستغراب:
معقول!!...للدرجادى!!...كويس انك قولتيلى يا مامى أصل يفتكر إن أنا عايز أفتش ف مكتبه و الشك يشتغل فى دماغه.
اجابته بسخرية:
مش لو عرفت تدخله أساسا..
أصابه الإحباط الشديد و زم شفتيه بضيق قائلا بدهشة:
أول مرة أعرف إن أونكل عادل شكاك و حويط أوى كدا، رغم ان انا عايش هنا بقالى أكتر من سنتين.
ردت بمنطقية:
لأنك مش مركز معاه و مفيش بينكم أى احتكاك...همك على شركة أثير و بس، مع إنك لو ركزت أكتر هتلاقى انه عنده شركات أكبر و أحسن من شركة الهانم، بس انت اللى غبى...بس خلاص بقى فات الأوان و معتقدش إنه هيوافق إنك تدير شركة منهم.
زفر پعنف فيبدو أن اختراق عادل بمكتبه بشركاته بات أمرا مستحيلا، و لكن عليه أن يحاول بطرق أخرى عله يجد ضالته و ينجح فى مهمته التى أقحم نفسه فيها رغما عنه، و لكنه مجبر على المضى قدما فيها و إلا خسر كل ما يرنو إليه و الأهم من ذلك ربما يخسر حياته.

فى مكتبة محمد و بعد أسبوع لها بالعمل، بدأت يومها بهمة و نشاط كعادتها تحت أنظار محمد المراقبة لها باعجاب، فيبدو أنها بدأت تخترق حصون قلبه بأخلاقها الحميدة و برائتها الواضحة و تدينها، فقد أعجب كثيرا بعادتها فى انهاء ما بيدها من أعمال سريعا قبل كل فرض و عند الأذان تستأذن منه لتصلى فرضها بوقته بالمسجد المجاور للمكتبة، قلما رأى مثلها من فتيات ملتزمات بالذات فى هذا السن الصغير و الذى يتميز أغلب ذواته باللامبالاة و اللهو و العبث و التقصير بفروضهن، أصبح يجاهد نفسه بشدة ليغض بصره عنها، حتى لا يحمل ما لا يتحمله من الذنوب و أخذ يستغفر الله كثيرا، و عزم إن طال به الأمر على هذا المنوال فلا بد من أخذ خطوة جادة تجاهها و التقدم لأهلها لطلب يدها حتى تصبح نظراته لها حلالا طالما أنه يميل لها بهذه الطريقة العجيبة، و عزم أن يشاور صديقه زايد فى هذا الأمر و يأخذ برأيه طالما أنه يعرفها و يعرف أهلها. 
استأذنت ليلى فى الانصراف مبكرا فى هذا اليوم لتصطحب شقيقها للذهاب إلى الطبيب لمتابعة حالته الصحية و قد أذن لها محمد و انصرفت بعد صلاة الظهر. 
بعد انصرافها بقليل حضر زايد الى المكتبة ليصور بعض الأوراق و ليطمئن عليها فى ذات الوقت، أخذ يدور بعينيه فى أركان المكان فلم يراها، فسأل محمد على استحياء قائلا: 
احم.. هى ليلى ماجتش النهاردة و لا ايه يا محمد؟! 
أجابه بجدية: 
لا جات بس استأذنت بدرى علشان تروح مع أخوها للدكتور.. دى لسة ماشية قبل ما انت تيجى علطول. 
شعر بخيبة أمل لعدم رؤيته لها و قال بوجوم: 
اااه... اممم.. ربنا يشفيه. 
انتهز محمد فرصة عدم وجودها و استرسل حديثه قائلا بحماس: 
بقولك ايه يا زايد.. بما انها مش موجودة و الدنيا رايقة دلوقتى ما تيجى ندخل جوا نتكلم شوية... عايز آخد رأيك فى موضوع كدا... 
أومأ بابتسامة ودودة قائلا: 
و ماله... تعالى يلا.. 
دخلا و جلسا بأحد أركان المكتبة بكرسيين صغيرين، فأدار محمد دفة الحديث قائلا بجدية: 
بصراحة كدا يا زايد أنا معجب أوى بليلى و عايز أتقدملها... البنت ما شاء الله عليها أدب و أخلاق و التزام... و أنا هعوز ايه أكتر من كدا... ها ايه رأيك؟! 
صدمة.. و كأنه ضربه على رأسه بمطرقة حديدية،  شعر بأن الدنيا تضيق به و أن حلقه جف من المفاجأة و وجهه احمر من الڠضب، و لكنه حاول قدر الامكان أن يسيطر على مشاعره السلبية و تحلى بالثبات، فازدرى لعابه بصعوبة ثم أردف بهدوء ظاهرى: 
بس هى صغيرة عليك اوى يا محمد..هى عندها تقريبا ١٧ سنة و انت ٣٠ يعنى فرق ١٣ سنة...مش شايف ان دا كتير؟!
هز كتفيه لأعلى و زم شفتيه مجيبا بعدم اكتراث:
لا عادى...معادش حد بيدور اوى على فرق السن...الواحد يهمه إيه غير إنه يجوز بنته أو أخته لواحد يكون مقتدر ماديا و كويس و سيرته كويسة..فرق السن دا مش مشكلة بالعكس دا ميزة.
ازدرى لعابه مرة أخرى بصعوبة مردفا بتوجس:
طاب انت شايف ان هى كمان ممكن تكون معجبة بيك؟!
أجابه بصدق:
الشهادة لله انا مشوفتش منها أى نظرة ليا أو أى فعل يدل على كدا، بس يمكن علشان هى خجولة شوية. 
احس براحة داخلية لشهادته تلك و لكن بما يفيد الآن و قد نوى أقرب أصدقائه خطبة من أحب و هو من قدمها له على طبق من ذهب.
سكت زايد و لم يرد فحثه محمد على ابداء رأيه فقال زايد بحيرة ظاهرية و قهر دفين:
مش عارف أقولك ايه يا محمد..احم..البنت كويسة و انت متتخيرش عنها، ربنا يقدملك اللى فيه الخير...
نهض سريعاً من كرسيه و هو ينظر فى ساعدة يده هاربا من النظر فى عينيه حتى لا يكشف أمره و قال بنبرة متعجلة:
انا لازم أمشى دلوقتى لأنى عندى محاضرة مهمة..عن إذنك.. 
و سار بخطوات سريعة للخارج فهتف به محمد قائلا: 
طاب مقولتليش هتبقى فاضى امتى علشان نروح نتعرف على أهلها و أفاتحهم ف الموضوع؟! 
يا الله لم يعد يتحمل أكثر من ذلك.. يريده أن يذهب معه ليخطب له حبيبته؟!.. حقا طفح كيله و تمزق قلبه و انكمشت ملامحه من فرط الألم، فرمقه بحزن لم يستطع إخفاءه و أجابه أخيراً: 
هنبقى نتكلم تانى بعدين..
و استدار مغادرا إلى سكنه، و الدنيا تهيم به، يكاد يتعثر و يسقط أثناء عودته من فرط صډمته التى أصابته بشلل و تيه بذهنه و چرح غائر بقلبه.  

فى شركة أثير....
تجلس بمقعد مكتبها شاردة الذهن و عيناها لم تجف بعد من عبرات الألم، لا تستطيع أن تنجز أى شيئ فى عملها لشدة تشتتها و الحالة النفسية السيئة التى أصابتها، طرق أحدهم باب مكتبها، فجففت عينيها سريعا و ارتدت نظارتها المعتمة و أذنت للطارق بالدخول، انفتح الباب و دخل صلاح و بيده ملف ما، تقدم باتجاه مكتبها بخطوات واثقة و وضع الملف على سطح المكتب قائلا بنبرة حماسية:
جايبلك أخبار حلوة يا أستاذة أثير...التاجر اللى اتعامل معانا ف آخر صفقة طلب كمية زيادة لما سمع عن جودة المنتجات اللى بنستوردها، فأنا بعت فاكس للشركة بكمية تانية و بعتو الرد بالموافقة امبارح و أنا جهزت الأوراق اللازمة و التاجر وقع عليها و مش ناقص  غير توقيع حضرتك.
أومأت له دون أن تنبس ببنت شفه أو تجادله كعادتها، و وقعت مباشرة تحت ذهوله التام و نظراته المتعجبة، فحالتها السيئة سلبتها الطاقة على المجادلة و المناقشة الأمر الذى سهل على صلاح مهمته و خدمه للغاية.
خرج صلاح من عندها راسما على ثغره ابتسامة انتصار رآها يزيد، فأجزم أنه جعل أثير توقع على أوراق إدانتها، فاشتدت قبضة يده حتى ابيضت مفاصله و اصتك أسنانه من الڠضب و أقسم أن يدفعه الثمن غالى و يُفدى أثير و لو بروحه، فروحه بدونها لا قيمة لها.

بعد مرور بعض الوقت ألحت عليه رغبة شديدة للدلوف إليها و الإطمئنان على حالتها، فطرق الباب و دلف بعدما أذنت للطارق، تقدم من مكتبها بخطوات مترددة و جلس قبالتها، توترت أوداجها ما إن رأته و تصنعت الانشغال فى حاسوبها، فأدار دفة الحديث قائلا بنبرة آملة:
تحبى أجبلك قهوة معايا؟!
كادت أن ترفض إلا أنها تراجعت و أومأت بالموافقة حتى لا يشعر بأنها متأثرة و أن الأمر طبيعى للغاية بالنسبة لها، و قالت بابتسامة مصطنعة:
اوكى..مفيش مشكلة.
رأى كم الألم و الضعف الذى تحاول إخفاءه خلف تلك الابتسامة، الأمر الذى جعله يمقت نفسه و يسبها أن أعادها لتلك المرحلة من العڈاب و التظاهر بالقوة.
نهض من المقعد و خرج من الغرفة و لكنه لم ينزل للمقهى و إنما طلب المشروبات عن طريق الهاتف، و بعد قليل عاد لها و بيده فنجانين من القهوة فقال لها بابتسامة ودودة حتى يخرجها من حالتها السيئة:
ايه رأيك نشربها ف الصالون؟!..يعنى علشان تغيرى مودك شوية..
يظن بذلك أنه يهون عليها، لا يعلم أنه يزيد الأمر سوءا، تود لو تصرخ به و تقول له:"إلى هذا الحد و كفى..لا أريد قربك..أريد الابتعاد عنك..أريد أن اترك لعيناى العنان لتفيض بما تكنه من أوجاع و قربك يزيد البلة طين يا يزيد"
و لكنها اضطرت لموافقته حتى تُبدى له أنها طبيعية و ليس بها شيئ، و لكن مهما تظاهرت بالقوة، فهو بالذات دونا عن غيره من يشعر بهوانها و قلة حيلتها و لا يَخفى عليه أبدا حزنها، ود فى تلك اللحظة لو يأخذها بين أحضانه و يخبرها كم أنه يعشقها، و أنها هى من ملكت قلبه و تربعت على عرشه، ليته يستطيع فعل ذلك، و لكنه يخشى الله و لا يريد أن يفعل ذلك معها إلا عندما تكون حلاله، فلتصبر يا يزيد و ريثما انتشلتها من مستنقع الچرائم التى انوحلت به دون علمها، ستخطفها من العالم بأكمله لتكون ملكك و حلالك....هكذا حدث نفسه و هو يتناول القهوة معها.

الفصل الخامس عشر
انتهى الدوام بالشركة و استقل الثلاثة السيارة منطلقين إلى القصر، و أثناء قيادته للسيارة رن هاتفه عدة مرات بالحاح، و ما إن رأى رقم المتصل حتى تأفف بضجر، و أغلق الخط فى كل مرة، استنبطت أثير أن المتصل ربما تكون خطيبته، و عندما رن للمرة التى لا تعلم عددها، حثته على الرد قائلة پقهر دفين:
ما ترد يا يزيد يمكن فى حاجة مهمة..
رد بجمود:
لا مفيش حاجة مهمة..
أثير:
معقول حد يسيب خطيبته ترن كل دا من غير ما يطمنها حتى لو هيقولها هكلمك بعدين؟!
شهقت نادين بخفوت ما ان سمعت كلام أثير و قالت بملامح مستنكرة:
خطيبته؟!...انت كنت مسافر علشان تخطب يا يزيد؟!
أجابت أثير بدلا منه بنبرة تهكمية:
اه شوفتى يا نادين..طلع مش سهل خالص..كان مفهمنى إنه مسافر يطمن على مامته لأنها تعبانة..
رن الهاتف مرة أخرى فقالت أثير باصرار:
رد عليها طمنها زمانها قلقانة عليك..
زفر پعنف و أخذ يسب سمر و يتوعد لها و لم يجد مفر من عدم الرد عليها فأجابها أخيرا قائلا ببرود:
أيوة...
سمر:...
يزيد بحدة طفيفة:
أنا ف الشغل يا سمر..هكلمك بليل لما أخلص شغل...سلام.
تجهمت ملامح نادين و سألته بغيرة:
اسمها سمر؟!
أجاب باختصار:
أيوة..
سألته مرة أخرى بغيرة و فضول لم تستطع إخفاؤه:
و يا ترى بقى حلوة زيك كدا؟!
قلب عينيه بملل ثم أجاب بضيق:
حلوة...
انحبست أنفاس أثير و غلى الډم فى عروقها ما إن سمعت نعته لها بالحلوة، تكاد ټقتلها الغيرة بنيرانها المستعرة بصدرها و لكنها تظاهرت بالثبات و باللامبالاة حتى تثبت لنفسها قبل أن تثبت ليزيد بقدرتها على تخطى عشقها له الذى تمكن من قلبها حد المړض.
لم تكتفى نادين بهذا الحد و إنما وصل فضولها لمعرفة مدى جمالها فسألته بسماجة:
اممم..يعنى حلوة زييى كدا و لا زى أثير...
جحظت عينى تلك الجريحة و رمقتها پغضب، فماذا تعنى بسؤالها هذا؟!..هل تريد أن تخبرها أنه فضل تلك الفتاة عليها كونها أكثر منها جمالا؟!..حتى يزيد لم يخفى عليه مقصدها الخبيث، و لكنه أجابها بحدة ڠضبا لمن عشقها بلا حد قائلا:
انتى عايزة توصلى لإيه يا نادين بالظبط؟!..و ايه اللى تقصديه بكلامك دا...لو كنتى عايزة توصليلى إن انتى او سمر أحلى من أثير، و إن أنا خطبت بنت عمى لجمالها، فانتى تبقى غلطانة...أثير لو عملت فى نفسها اللى انت بتعمليه ف نفسك من ميكاب و صبغ شعر و لبس قصير و ضيق كانت مش هتقل عنك فى الجمال... أصل سورى يعنى جمالك جمال عيرة مش أصلى، بس بصراحة بساطتها و طيبتها هما اللى محليينها... الجمال جمال الروح مش جمال الشكل.. 
نزلت تلك الكلمات على نادين كالسهام المسنونة، فألجم لسانها و لم تجد من الكلمات ما يسعفها لتبرير كلامها، بينما أثلجت كلماته صدر أثير المشتعل بنيران الغيرة من سمر و الڠضب من نادين، الأمر الذى جعلها تتنفس براحة نوعا ما و رسم على ثغرها ابتسامة واثقة و أشفت غليلها من تلك الحمقاء الماكثة بجوارها. 
لم ينطق أي منهم حتى وصلوا إلى القصر فى جو من الصمت المطبق.

فى ساعة متأخرة من الليل، و بعدما تأكد يزيد أن كل أفراد العائلة قد خلدوا إلى غرفهم، و أن الخدم قد أنهوا أعمالهم و ناموا أيضا بغرفهم الخاصة بهم، خرج من غرفته الكائنة بالطابق الأرضى و التى يعلوها جناح أثير مباشرة، و أخذ يتجول بخفة و هدوء بالقصر قاصدا العثور على غرفة مكتب عادل ليستكشفها، ناويا اقتحامها لاحقا عله يحصل من خلالها على أوراق إدانته و براءة أثير، و الأهم من ذلك التأكد من كونها ابنته من عدمه.
أخيرا وجدها و لكنه راح يدقق النظر بالباب الكبير من على بعد خشية وجود كاميرات ربما ترصده و تضعه بموضع شك عادل اللئيم، و بالفعل صدق حدسه حيث رأى تلك الكاميرات الصغيرة المثبتة أعلى الباب، كما أنه رأى الأقفال الالكترونية المثبتة به.
زفر باحباط و عاد أدراجه سريعا إلى غرفته، و قبل أن يفتح الباب اهتز هاتفه فى جيبه، فأخرجه و نظر بشاشته، فوجد أن سمر هى من تتصل به، فتح الخط و خرج إلى الحديقة أمام غرفته تماما و أجابها بخفوت حتى لا يزعج أحد بصوته:
ألو...أيوة يا سمر.
سمر:
بجى أنا أستناك تكلمنى من ساعة العصرية و انت ناسينى خالص و لا كأننا مخطوبين؟!..و لا كنت مع ست الحسن و مافاضيشى تكلمنى؟!
جحظت عيناه و فغر فاهه من تلميحها الساخر و احتدت نبرته پغضب قائلا:
واه..لهو احنا هنبتديها تلجيح و جلة أدب..انتى مالك معاها و لا مع الچن الأزرج حتى..اتلمى يا سمر و مالكيش صالح بيها واصل، متخلينيش أندم إنى جولتلك...اعجلى يا سمر و اثبتيلى إنك كبرتى و بجيتى بتعرفى توزنى الأمور اكده.
قطبت جبينها بانزعاج و أجابته باستسلام:
حاضر يا يزيد..
كان يتحدث بالهاتف و يسير ذهابا و إيابا أمام محيط غرفته، غافلا عن تلك التى تراقبه من شرفتها بقلب منفطر، و روح هائمة و سريرة مشټعلة بالغيرة و القهر، ودت فى تلك اللحظة لو ټموت و تتخلص من تلك الحياة البائسة، لولا أنها تخشى الله و تتقيه لما ترددت.
أنهى المكالمة و هم بالدلوف إلى غرفته، و لكن شهقات خاڤتة تأتى من غرفتها جعلته يتوقف و يتطلع إلى الشرفة، فلمح ظلها على الحائط، حيث اختبئت سريعا عندما علت شهقاتها رغما عنها حتى لا يظن أنها تراقبه. اعتصر جفنيه پألم جم، و شعر بوخز حاد فى قلبه حسرة و ألما لما آلت إليه علاقتهما التى لم تخرج بعد من رحم الحب إلى نور الحلال، و لكن هل سيتركها لأوجاع الليل تأن و تشهق هكذا؟!...كم أنك أنانى و وغد يا يزيد...هكذا جلد ذاته و حدث نفسه، فأمسك هاتفه و قام بالاتصال بها، سمع نغمة هاتفها من مكانه، ترددت كثيرا أتجيبه أم تتصنع أنها نائمة، و لكنها تعلم أنه رآها و يعلم أنها ما زالت مستيقظة، فحسمت أمرها و قامت بالرد عليه: 
ألو... 
يزيد: 
طالما لسة صاحية و أنا كمان صاحى و مش جايلى نوم، ما تنزلى ندردش شويه ف أى حاجة بدل الملل دا!! 
ارتسمت ابتسامة على ثغرها لا إراديا و سكتت لوهلة تفكر ثم أجابته باستسلام: 
اوكى.. هغير هدومي و أنزل. 
اومأ بابتسامة عاشقة: 
تمام انا مستنيكي. 
استند بظهره و قدمه اليمنى على الشجرة الكبيرة التى تظلل بفروعها على غرفتها، راسما ابتسامة فرحة على وجهه هياما بمن ملكت قلبه و هزت كيانه فأصبحت كل خليه بجسده تنبض بحبها، حتى الډم بعروقه يسرى من أجلها، ظل هائما بشروده إلى أن أقبلت عليه بملامح أرهقتها الحزن و أعياها الۏجع تماما كالزهرة الذابلة، فانفطر قلبه و تمزقت نياطه لمرآها بهذا الانكسار الذى تحاول إخفاؤه قدر المستطاع و لكن على من؟!...
اعتدل بوقفته و أستقبلها بابتسامة جذابة حبست أنفاسها و كادت تودى بها و هى لا ينقصها، ازدرت لعابها بصعوبة و وقفت قبالته قائلة بتوتر:
احم...صاحى ليه لحد دلوقتى؟!
هز كتفيه لأعلى بعدم اكتراث مجيبا:
عادى..مش جايلى نوم.
أومات عدة مرات ثم سألته بتردد:
كنت بتكلم خطيبتك...صح؟!
هز رأسه بالإيجاب عدة مرات دون رد و هو يترقب رد فعلها على ملامحها فرآها قد رسمت الثبات عليها ببراعة...أطبق عليهم الصمت لوهلة من الزمن و كل منهما مطرق الرأس، إلى أن رفع رأسه أخيرا و قطع صمتهما بقوله:
على فكرة لما قولتلك انى مسافر عشان أطمن على والدتى مكنتش بكدب عليكى...و أنا اتفاجئت بموضوع الخطوبة دا و تم بسرعة جدا مش عارف ازاى..بس مكنش ينفع أرفض او اعترض...و حصل اللى حصل.
رمقته و قد توهج بريق الأمل بعينيها و سألته بفرحة خفية:
يعنى انت مبتحبهاش؟!
أجابها بجدية:
أنا لا بحبها و لا بكرهها، هى بالنسبالى بنت عمى و بس مش أكتر و لا أقل....احم.. أنا بحب أه بس بحب بنت تانية.
سألته بتوجس:
من بلدك بردو؟!
أجابها بجدية:
لأ...من هنا...بحبها و مش عارف ممكن تقبل تتجوزنى و أنا متجوز واحدة غيرها و لا لأ؟
سألته بترقب:
هى بتحبك؟!
هز كتفيه لأعلى كناية عن عدم معرفته و أجاب:
مش عارف..بس حاسس إنها بتحبنى...حطى نفسك مكانها كدا يا أثير..تقبلى تتجوزى الانسان اللى بتحبيه و هو متجوز غيرك..
سكتت لوهلة تفكر بقلب ذبيح تظن أنه يتحدث عن فتاة أخرى إلى أن أجابته بشجن:
القرار دا عايز تفكير طويل، مينفعش يبقى قرار وليد اللحظة...و بعدين...و بعدين حتى لو هى وافقت عيلتها هتوافق؟!
ما ان نطقت بعبارتها الأخيرة حتى انخرط فى نوبة من الضحك و أجابها من بين ضحكاته بنبرة تهكمية:
عيلتها؟!..هى فين عيلتها دى؟!
أطلقت شهقة خاڤتة و هى تكمم فمها بكف يدها ثم قالت بنبرة مټألمة:
معقول؟!..مالهاش عيلة؟!...انت تقصد انها يتيمة؟!
زم شفتيه بأسف مجيبا بأسى:
تقدرى تقولى كدا...
انكمشت ملامحها پألم إشفاقا على تلك الفتاة، فحزنها و تألمها لأجلها قد أنساها قلبها المفطور على فراق حبيبها، الأمر الذى جعل قلبه يبكى دما حزنا عليها، ماذا لو علمت أنها هى المقصودة و أنها تتألم الآن لأجل ذاتها، يا له من موقف موجع تتمزق له نياط القلوب و تنشد له حناجر المحبين أوجع المواويل على أنغام الليل الحزين.
ــ صعبانة عليكى يا أثير؟! 
أجابته بنبرة مشفقة و قد تعاطفت معها بكل جوارحها:
أكيد طبعا...زعلت عشانها جدا...يعنى عيلة و مفيش و كمان الانسان اللى بتحبه سابها و هيتجوز غيرها؟!...طاب يبقى فاضلها ايه تعيش عشانه؟!...بجد الله يكون فى عونها.
اقشعر بدنه من ردها المثير للشفقة، فهى تصف حالها دون أن تدرى...حقا طفح كيله و باتت رغبته فى أخذها بين أحضانه تلح عليه باصرار حتى يشعرها بأنه لم يتخلى عنها و أنها تجرى بعروقه مجرى الډم و أبدا لن يتركها و إن كلفه ذلك حياته، و لكنه قاوم رغبته بشق الأنفس، و كل ما استطاع فعله أنه أولاها ظهره و أطلق تنهيدة حاړقة تنم عن كم الألم و الحړقة التى يحويها بقلبه.
ظل على هذا الوضع لفترة يلملم شتات نفسه الذى بعثرته هذه المكلومة، ثم استدار مرة أخرى فى مواجهتها قائلا بابتسامة ليغير مجرى الحديث:
ايه!!.. هنفضل واقفين لحد ما الفجر يأذن و لا نادين تشوفنا وتنزل تقف معانا بقى و ترزل علينا؟!
لاحت منها شبه ابتسامة قائلة بسخرية:
لا متخافش نادين مش هتشوفنا لأن قوضتها هى و طنط أميرة و حتى فادى بيطلو على الناحية التانية من القصر..مفيش غير جناحى بس اللى بيطل على الجنينة الصغيرة دى...
رد بمرح:
امممم...يعنى الدار أمان!!..كويس جدا...
سكت لوهلة ثم سألها بجدية:
قوليلى يا أثير القوضة اللى ف الدور الأرضى اللى بابها كبير و عليها قفل الكترونى..دى مخزن و لا إيه؟!
أجابته بتلقائية:
لا دى قوضة مكتب بابى..خلى بالك ماتحاولش تعدى من قدامها لأنه مركب عليها كاميرات و ممنوع حد يدخلها فى عدم وجوده، و لو حصل و لمحك بس فى تسجيل الكاميرا احتمال يشك فيك و يحطك ف البلاك ليست.
رفع حاجبيه باستنكار قائلا بتهكم:
يااا..للدرجادى يعنى؟!..ليه مخبى فيها ايه خاېف عليه أوى كدا؟!
رفعت كتفيها لأعلى كناية عن عدم معرفتها قائلة:
محدش عارف أو يمكن محدش حاول يعرف...
سكتت لوهلة ثم قالت بنبرة حماسية مازحة:
انت سمعت عن الرجل الغامض بسلامته؟!
أومأ لها بترقب فأجابته و هى تضحك:
أهو هو بابى...
ضحكا سويا بصخب و عندما علا صوتهما تدارك يزيد حاله و سرعان ما توقف و بـ ردة فعل تلقائية منه أمسك رأسها من الخلف بيده اليسرى و كمم فمها بيده اليمنى حتى تتوقف عن الضحك و هو يقول بهمس:
هشش..بس هيصحو و هيسمعونا و هيفتكرو ان فى حاجة مش تمام بينا.
توقفت عن الضحك ليس طاعة له و إنما ذهولا من فعلته، و راحت تطالعه بعينين جاحظتين و قلبها يكاد يخرج من بين أضلعها من قربه الزائد منها، و ما إن انتبه لوضعهما حتى أزاح يديه سريعا، و أصابه التوتر البالغ و قال بارتباك:
احم...كفاية كدا..روحى نامى بقى و أنا كمان هدخل أنام...
لم تقوى على الرد و اكتفت فقط بإيماءة من رأسها و انصرفت بخطوات متثاقلة لا تريد أن تتركه و تذهب لوحدتها و كثرة التفكير التى تفتك برأسها، و لكنه أمرا لا مفر منه.
ما ان اختفت عن ناظريه حتى غادر هو الآخر إلى غرفته، و ابتسامة حالمة مرتسمة على ثغره، ود لو أن الليل لا ينتهى ليقضياه سويا على هذا الحال.

فى صباح يوم جديد على الجميع....
ذهب زايد إلى المكتبة و هو يدعو الله ألا يفاتحه صديقه فى موضوع خطبة ليلى مرة أخرى، فقلبه لن يتحمل من الصواعق أكثر من هذا، تقدم من المكتبة بخطى مترددة لشراء كتاب دراسى مهم، فوجدها تنظم الكتب و ترتبها و يبدو أن محمد لم يحضر بعد.. 
حمحم و ألقى عليها السلام، فانتبهت له و اعتدلت بوقفتها و ردت عليه السلام، و أدار هو دفة الحديث قائلا بشجن:
ازيك يا ليلى أخبارك إيه؟!
أجابته بابتسامة بسيطة:
الحمد لله كويسة يا أستاذ زايد.
ـــ فتحى عامل إيه دلوقتى..أحسن؟!
ـــ أحسن كتير الحمد لله.
أطرق رأسه لوهلة يفكر هل يفاتحها فى طلبه الذى قضى ليله فى حسمه أم يتراجع و لكنه طالعها بتردد و قال بنبرة متعجلة قبل أن يعدل عن قراره:
ليلى تتجـ....
لم يكد يكمل كلمته حتى وجد كف محمد تربت على كتفه بترحيب قائلا بحبور:
صباح الفل يا زيزو...أخبارك إيه.
هوى قلبه فى قدمه و ازدرى لعابه بصعوبة و حمد الله أنه لم يكمل كلامه و إلا إن حدث و سمعه، فسوف يظن به أسوأ الظنون، فمحمد لا يعلم أنها اخترقت قلبه أولا و سكنت به و استكانت..
رد زايد بارتباك:
تمام الحمد لله...كنت عايز كتاب أصول الفقه يا محمد لو سمحت.
رد بتعجب:
طاب مستعجل ليه ع الكتاب؟!.. مش ندردش شوية الأول؟!
أجابه على عجل هربا منه حتى لا يحدثه بأمر خطبة ليلى مرة أخرى:
لا معليش عندى محاضرة حالا و مش هينفع أتأخر عليها...مرة تانية ان شاء الله.
أومأ بتفهم و احضر له الكتاب، فأخذه زايد و انطلق كالإعصار، فقلبه لم يعد يحتمل مزيدا من الأسى، يخشى تلك المواجهة كثيرا..ليلى و محمد زوجان؟!..يا إلهى هون على قلبه.

فى محافظة أسيوط و ببلدة يزيد... 
تجلس سمر باحدى الأرائك فى بهو منزلهم شاردة الذهن و حزينة الملامح، تحدثها أختها و تثرثر فيما ينقصها من مستلزمات منزلها الزوجى، تستمع بوجوم دون أن تتحدث و كأن على رأسها الطير، توقفت زينب فجأة عن الثرثرة و لكزتها من كتفها قائلة باستنكار: 
واه... مالك يا سمر؟!.. من ساعة ما اتخطبتى ليزيد و انتى متغيرة و حزينة طوالى اكده... مش ده يزيد اللى كنتى هتموتى عليه و كنتى هتروحى ف ابو نكلة عشانه؟!.. واحدة غيرك المفروض الروح ترد فيها و تكون أسعد واحدة ف الدنيا.. 
أجابتها بملامح جامدة دون أن تنظر لها: 
أجولك ايه بس يا زينب؟!.. أجولك إنه بيحب واحدة مصراوية و ناوى يتچوزها عليا؟!.. أجولك انه مڠصوب على خطوبته ليا عشان بس ميكسرش كلمة أخوه و يطلعه صغير جدام العيلة؟!.. أنى چوايا ڼار يا زينب و محدش دارى بيا.. اول مرة أندم على حبى ليزيد.. 
أجهشت پبكاء مرير و بدأ صوتها يتحشرج و هى تتحدث من بين شهقاتها الحارة:
حاسة بحسرة كبيرة جوى..بجى كل اللى بينى و بينه حتة الدبلة دى و بس...مفيش لا كلمة حلوة و لا حتى اهتمام و لا بيفكر يكلمنى ف التلفون من نفسه...
جذبتها شقيقتها آلى أحضانها و أخذت تربت على ظهرها باشفاق بالغ، و الأخرى تأن و تبكى بحړقة فى حضڼ شقيقتها لا تدرى الى متى ستتحمل اهماله لها، فلم يكد يمر يومان أو ثلاثة و تشعر بكل هذا القهر، ماذا إذن لو تزوجها و ظل الوضع على ما هو عليه؟!.. هل حقا ستتحمل من أجل حبها له؟!.. أم أن الحب حينها سيتحول إلى سراب؟! 
ــ بجى انتى شايلة كل ده فى جلبك لوحدك يا سمر و ساكتة؟!.. طاب ليه مجولتيش ليا يا خيتى؟!.. من امتى و انتى بتخبى عن أختك حبيبتك سر؟!..و بعدين وافجتى ليه ع الخطوبة بعد ما جالك الكلام ده. 
سحبت نفسها بحدة من حضڼ شقيقتها و هبت واقفة و هى تقول بحسرة: 
عشان بحبه يا زينب... وافجت عشان بحبه.. مش جادرة اتخيل نفسى مع واحد غيره... 
قبضت اختها على ذراعها پعنف و راحت تهزها بقسۏة و هى تقول لها بتوبيخ: 
أومال جادرة بس تتخيليه هو مع واحدة تانية غيرك؟!.. ليه تجلى جيمتك و تعملى ف نفسك اكده؟!.. بتحبيه؟!.. يا شيخة يغور الحب ده.. جلبك هيوچعك شوية بس هيروج بعد اكده.. إنما كرامتك تدوسى عليها عشان خاطر واحد بايعك و بالرخيص كمان؟!... لا يا خيتى انتى استعچلتى.. كان لازم تشورينا قبل ما نتمم الخطوبة.. بس ملحوجة يا خيتى.. 
شهقت بفزع و طالعتها پخوف و هى تقول: 
جصدك ايه يا زينب؟!.. انتى عايزانى أفسخ خطوبتى منيه بعد ما شوفت العڈاب عشان ألبس دبلته؟!   
أجابتها بحدة:
و لسة هتشوفى عذاب أنجح و أدل من اللى شوفتيه لو كملتى الچوازة دى يا سمر..
ردت بلهفة:
لاه...يزيد مسيره يحبنى و هكون أنى الأولى و الأخيرة.
قطبت جبينها باستنكار و هى تصيح بها:
يبجى انتى لساتك بتحلمى يا سمر...احنا من الأول عارفين ان يزيد لا بيحبك و لا بيحب فرحة و لا غيرها، بس مكناش بنحسب ان الحكاية فيها بت مصراوية..ريحى نفسك يا سمر..يزيد شكله اكده مناويش يحبك و لو بعد مېت سنة..
دفنت وجهها بين كفيها و انخرطت فى بكاء مرير، فالشعور بالحسړة و خيبة الأمل ينهش قلبها بلا شفقة، و قد أكملت عليها كلمات شقيقتها و زادت من الڼار المتوهجة بصدرها، و لكنها تعلم أنها محقة و أنها هى من أخطأت حين وافقته من البداية.
هزت زينب رأسها بأسى من أجل أختها و جلست بجوارها تربت على ظهرها بمواساة و هى تقول بجدية:
انتى غلطتى يا سمر انك كملتى الخطوبة و تممتيها، يا بت الناس هيكون شكلك ايه لما تتچوزوا و تفضلى معاه على الحال ده..ساعتها مش هتتحملى و هتطلبى الطلاج..يبجى لما تفسخى الخطوبة دلوجتى أحسن ما تبجى مطلجة بعد اكده و من مين؟!..من واد عمك..يعنى سيرتك هتبجى على كل لسان..
رمقتها سمر بعينين حمراوتين من شدة البكاء، تستجديها و تطلب مساعدتها، فأردفت زينب تقول:
احنا مش هنفسخ الخطوبة دلوجتى عشان كلام الناس...شوية اكده هنشوف أى حچة او سبب نفسخها بيه و ساعتها هنطلعه هو اللى غلطان و ان هو اللى ميستحجش يتچوز بت زينة و حلوة زيك يا خيتى...ها ايه رأيك بجى ف جولى؟!
سكتت قليلا تدير كلامها فى رأسها إلى أن أجابتها بشجن:
سيبينى أفكر شوية ف الموضوع ده يا زينب..مش بالساهل عليا أسيب يزيد بعد ما بجى ف يدى..
تنهدت الأخرى بقلة حيلة و لكنها وافقتها فى الأخير.

فى شركة أثير...
اتخذ يزيد مكانه بجوار مكتبها، و التقط هاتفه من جيبه و قام بالاتصال بأحمد ليخبره بآخر المستجدات...
ــــ ألو...أيوة يا أحمد..اسمعنى كويس، قوضة المكتب بتاعة عادل عامل عليها أقفال إلكترونية و مثبت كاميرات خارجية قدام القوضة..و صعب جدا اختراقها بالوضع دا...

ــــ اوكى يا يزيد..انا هرفع تقرير للقيادة و نشوف حل للموضوع دا، و هبلغك بنتايج الاجتماع ان شاء الله، استنى منى تليفون، هرد عليك فى أسرع وقت..

ــــ تمام..أنا ف الانتظار..سلام

ــــ سلام

قرب انتهاء الدوام، اتصل به أحمد فأجابه بحذر و نبرة خاڤتة:
ــ أيوة يا أحمد...عملت إيه؟!

ــ ركز فى اللى هقوله يا يزيد..بهجت بيه بيقولك انت هتقتحم القوضة بمساعدة فريق من الادارة، بس هنختار وقت مناسب يكون فيه عادل مسافر، هو بيقول إن عادل بيساقر اوروبا كتير، ممكن يسافر يومين و يرجع، أول سفرية جاية ليه هتنفذ، و باقى أفراد العيلة هنتصرف و نخليهم برا القصر ف اليوم دا بأى حجة و أى طريقة و...
قاطعه يزيد قائلا بهلع:
لا...سيب أثير عليا أنا...أنا هشوف طريقة أخليها بعيد ف اليوم دا...أرجوك يا أحمد..
ــ تمام يا يزيد اللى تشوفه، دى مهمتك و انت أكتر واحد أدرى بيها.
تنهد بارتياح مجيبا:
تمام...أنا كدا فهمت...اول سفرية لعادل.
ــ بالظبط كدا...ربنا معاك يا بطل.
ــ يا رب يا أحمد...ربنا يستر.

مر شهرا كاملا على الجميع...
ظل الوضع بين يزيد و سمر كما هو لم يتغير قيد أنملة، حيث أنه قلما يتصل بها فقط لحفظ الماء الوجه و حتى لا يشعر بالذنب من جهتها، بينما هى ما زالت تفكر بفكرة شقيقتها، فتارة تؤيدها و تعزم على تنفيذها، و تارة أخرى تتراجع و تفضل البقاء معه.

استمر زايد فى التهرب من محمد، فعندما يذهب ليشترى ما يلزمه من ملخصات أو كتب ينصرف سريعا حتى لا يترك له مجالا ليطلب منه اصطحابه لمنزل ليلى لخطبتها، يدعو الله فى صلواته و يتضرع إليه ليجعل له فيها نصيبا و ألا ېحرق قلبه على فراقها، و أن يلهمه الصبر إن قدر له ذلك.

أما أثير فقد أصبح الألم رفيقها الدائم، و أصبح الليل مسكن أوجاعها و دفترها الغالى لا يفارقها، تبث فيه ما يختلج بصدرها من نيران الغيرة و قسۏة الفراق، لعله يهون عليها قليلا.

أما صلاح فقد استمر فى مكالماته السرية بينه و بين عادل و ذلك المدعو الكوماندا، و التى تم تتبعها و تسجيلها عن طريق جهاز التنصت المزروع فى سيارته، و بالطبع تم معرفة موعد سفر عادل لإحدى الدول الأوروبيّة قبل الموعد بأسبوع تقريبا من خلال احدى المكالمات المسجلة، و قد تم رسم خطة محكمة من قبل قيادات إدارة البحث الجنائى لاقټحام قصر عادل الشرقاوى فى ذلك اليوم...

جاء اليوم المنتظر، حيث سافر عادل إلى روسيا فى الصباح الباكر بعدما تأكد من إحكام غلق مكتبه و تمم على كل أغراضه... 
بعد سفره بقليل كانت أميرة و نادين مستقلين أتوبيس سياحى كبير متجه إلى مدينة شرم الشيخ لقضاء نزهة سياحية مع بعض أفراد مجتمعهم الراقى لمدة ثلاثة أيام، تلك الرحلة التى تم الإعلان عنها مسبقا فى ناديهم الرياضى، بتخطيط من الإدارة، و لكن لم تذهب أثير حيث أقنعها يزيد بعدم الذهاب و قضاء اليوم فى القصر، حيث إن حدث و ذهبت فسوف يضطر للذهاب معها بصفته حارسها الشخصى و لن يتمكن من إتمام الخطة.
أما فادى فقد تم القبض عليه فى إحدى الأكمنة پتهمة حياذة مواد مخدرة، كان قد تم وضعها له فى سيارته من قبل أحد أفراد إدارة البحث بغرض ابعاده عن القصر لحين اتمام المهمة.

حانت ساعة الحسم، فعند منتصف الليل، اتصل يزيد بأثير ليرى إن كانت نائمة أم أنها ما زالت مستيقظة، فأجابته و أخبرته بأنها لازالت مستيقظة فاقترح عليها أن يتناولا كأسين من العصير سويا عند شجرة شرفتها فوافقته بدون تفكير و بدلت ملابسها و نزلت له بخطى حماسية، كان قد أعد العصير و وضع فى كأسها أقراص منومة.
أقبلت عليه بابتسامة مشرقة و ما إن وصلت له حتى وقفت أمامه قائلة:
مساء الخير
رد بنبرة ساخرة:
قولى صباح الخير..الساعة داخلة على واحدة الصبح...انتى ايه اللى مصحيكى لحد دلوقتى.
زمت شفتيها بأسف و هى تقول:
للأسف شكلى اتعودت على كدا..
ـــ امممم...طاب هفضل واقف و ماسك كوبيتين العصير كدا لوحدى. 
انفلتت منها ضحكة خاڤتة و لكنها أثارت إعجابه بها و ظل يتأملها عدة ثوانى بابتسامة عاشقة، إلى أن أخذت كأسها و بدأت فى رشفه ببطئ تحت أنظار يزيد المترقبة بقلق...
أسرع يقول لها بلهفة و قلق:
تعالى نقعد على النجيلة أفضل.
أومأت بإيجاب ثم افترشا الأرض، كل منهما فى مقابل الآخر، و قد حافظ يزيد على مسافة لا بأس بها بينهما ثم أدار دفة الحديث قائلا:
نتكلم بصراحة شوية؟!
أجابته بابتسامة:
أوكى..
سألها بتوجس:
ليه لمحة الحزن اللى شايفها دايما ف عنيكى؟
امتعضت ملامحها بحزن ثم أجابته بنبرة فيها من الأسى و الشجن ما فيها:
من يوم مامى ما اټوفت و أنا حاسة إنى عايشة ف دنيا غريبة غير اللى كنت عابشة فيها معاها، دنيا كلها كدب و غش و خداع، مامى كانت محلية الدنيا ف عينى، لو اشتكيتلها من أى حاجة أو أى موقف حصل معايا ضايقنى، كانت بتاخد الأمور ببساطة و بتقدر تقنعنى ان مفيش حاجة أبدا ممكن تضايقنى أو تعكر مزاجى...بعد ما ماټت شوفت الوش التانى لكل اللى حواليا و أولهم بابى..كل اللى بيحاول يعمل معايا علاقة تنتهى بالجواز بيكون عايزنى علشان فلوس بابى مش عشانى، حتى فادى...الوسط دا كله بيحب المظاهر و أنا مش بتاعت مظاهر و لا ميكاب و موضة و الكلام دا كله، يبقى ايه اللى هيشدهم ليا غير الفلوس...معادش عندى ثقة ف حد يا يزيد، الكل بيخدعنى...الكل واخدنى سكة لغرض معين.
أصابته تلك الكلمات فى مقټل، حيث أنه من ضمن الخادعين، و هو أول من اتخذها وسيلة للوصول إلى غرضه، و لكن الأمر ليس بيده، لقد أحبها بلا حدود و بلا مقابل، ليتها تعلم ذلك.
ازدرى لعابه بصعوبة ثم سألها بتردد:
معنى كلامك ان انتى ما انجذبتيش لحد قبل كدا؟!
سكتت لوهلة و هى تنظر له و تدور بعينيها فى ملامحه و كأنها تريد أن تقول له أنت، و لكن سرعان ما تداركت حالها و أشاحت بوجهها بعيداً عنه و هى تقول پألم:
حبيت واحد بثق فيه جدا، يمكن هو الوحيد اللى قدرت أثق فيه بعد ۏفاة مامى...بس هيفيد بإيه الحب دا و هو مش حاسس بيا و مـ ـــر تـــ بــ طـــ...
بدأت تشعر بثقل فى رأسها و لسانها و تتحدث بصعوبة إلى أن غلبها النوم و سقطت على الأرض من جلستها.
نهض سريعا و حملها و دلف بها بهدوء تام متجها إلى غرفتها، فتحها ثم أغلق الباب بقدمه و وضعها على الفراش برفق بالغ ثم دثرها جيدا بالغطاء، استند بركبته على الأرض ليتأمل ملامحها بعشق جارف ثم نهض متجها إلى الباب، و عندما اقترب لمح ذلك الدفتر الموضوع على المكتب، التقطه و فتح أول صفحة و قرأها، ففهم أنها تحدث والدتها المتوفاة، فانفطر قلبه لما قرأ من كلمات تدمع لها العين و يقشعر منها البدن و ينشطر لها القلب أشطارا، قلب عدة صفحات فوقعت عيناه على جملة"مامى عمرك شوفتى عيون بتسحر؟!"
أكمل قراءة باقى الصفحة و ابتسم بتلقائية على كلماتها المكتوبة و التى تصفه بها، قلب عدة صفحات أخرى فوقعت عيناه على جملة
"مش عارفة هو بدأ يحبنى و لا أنا علشان نفسى يحبنى بيتهيألى كدا...مامى..أنا بحبه...بحبه أوى...لا أنا بعشقة و بقيت مش عارفة أتخيل يومى من غيره، أول مرة أنسى الخداع و الكره من كل اللى حواليا، و بفتكر بس حبى ليزيد..مش فارق معايا أى حاجة...خطڤ قلبى يا مامى و مبسوطة أوى بالخطڤ دا...نفسى يحس ان انا كمان بحبه...و هستنى اليوم اللى هييجى يقولى فيه أنا بحبك يا أثير"
ما إن قرأ تلك الكلمات حتى رفع وجهه إلى السماء و تنهد بحړقة، ثم نظر لها و هى نائمة و قال بابتسامة حزينة و نبرة مټألمة:
و أنا كمان بعشقك يا أثير...و اليوم اللى هسمعك فيه الكلام دا هييجى قريب أوى أوى..بس انتى خليكى قوية و اتحملينى شوية..
اقترب من فراشها و جلس على حافته و استرسل حديثه الذى لا تسمعه:
بكرة هنكون أسعد زوجين ف الدنيا دى كلها و مفيش حاجة هتقف قدام سعادتنا..بس انتى خليكى جنبى و اصبرى معايا.
مال على وجهها ليقبل جبينها و لكنه تراجع فى اللحظة الأخيرة و نهض من جانبها سريعا و هو يمسح على وجهه و يستغفر الله كثيرا ثم اعاد الدفتر كما كان و اغلق الغرفة و انصرف.

الفصل السادس عشر
أغلق يزيد غرفة أثير و نزل للطابق السفلى و أجرى إتصالا بقائد الفريق المساعد ليخبره بالتأهب للحظة الدخول من خلال تسلق الأسوار العالية بالجهة الخلفية البعيدة عن البوابة الرئيسية... 
سار باتجاه البوابة الرئيسية حيث حراس القصر الشداد الذين يتناوبون على حراسته و لا يغفل لهم جفن أبدا، ألقى عليهم السلام ثم بدأ معهم حوارا عابثا بقصد تمويههم و اشغالهم لحين تسلل زملائه إلى داخل القصر حتى لا يلحظوهم و قد ساعده دهائه و خفة ظله فى نجاح مهمته بسهولة، فقد اندمجوا مع نكاته و ألغازه و حكاياته المرحة التى عادة ما تكون نهايتها مضحكة و مبهجة. 
بعد نصف ساعة من المزاح و الضحكات الصاخبة، قلب ملامحه للجدية قائلا: 
بقولكوا يا شباب.. أنا هجرى شوية فى الجنينة و هتدرب ع الكاراتيه أصل بقالى فترة كبيرة بعيد عن الفورمة و العضلات راكنة و عايز ألينها شوية... فلو سمعتو أصوات تنطيط أو خبط او كدا متقلقوش.. دا أنا.. تمام؟!
ضحكوا على طريقته المرحة و أومأوا له بالموافقة دون ابداء أدنى ذرة شك منهم تجاهه، فتنفس بارتياح و غادر سريعا باتجاه غرفة المكتب المقصودة، وجد أفراد الفريق مختبئين فى أماكن متفرقة فى انتظاره ليدلهم على الغرفة... 
خرج له زميله المتخصص فى تعطيل الكاميرات و أشار له يزيد على الغرفة و ما إن رأى الكاميرا حتى سار بحذر تام بحيث لا يظهر لها، ثم بدأ عمله فى تعطيل الكاميرا بمهارة و خفة فائقة، بعدما أتم مهمته بنجاح عاد لمكان اختبائه، ثم تقدم خبير الأقفال الالكترونية من الباب و قام بفك شفرة القفل ببراعة و ما إن انتهى حتى انفتح الباب، فتهللت أساريرهم جميعا و لكن أشار لهم يزيد بكف يده ليتوقفوا حتى يتأكد من وجود كاميرات داخلية من عدمه. 
دلف خبير الكاميرات اولا بحذر تام و أخذ يمشط الغرفة بأكملها حتى تعرف على أماكن الكاميرات و قام بتعطيلها واحدة تلو الأخرى. 
عاد خبير الكاميرات لمكان اختبائه، ثم جاء دور خبير الأقفال ليقوم بأهم خطوة ألا و هى فتح الخزينة السرية الكبيرة.. 
كان يزيد يراقب الموقف بأنفاس منحبسة، و قلبه يكاد يقفز من بين ضلوعه من شدة القلق و التوتر إلى أن نجح الخبير فى فتح الخزينة أخيرا بعد معاناة.. 
تنفس يزيد الصعداء و تقدم بخطوات سريعة من الخزينة، ارتدى قفازات بيديه ثم بدأ فى إخراج ما بالخزينة من أوراق و ملفات و قام بتصويرها جميعا بجهاز تصوير صغير يخزن الصور المصورة على فلاشة الكترونية، كان يصور الأوراق و يطلع عليها فى حالة من الذهول من كم الچرائم المسجلة بها من صفقات مخډرات و سلاح و مواد غذائية فاسدة، علاوة عن قوائم الأسماء المتورط أصحابها بمثل هذه العمليات المشپوهة و صلتهم بشبكة ماڤيا دولية. 
استمر فى تصوير الاوراق و فحصها إلى أن وقعت بيده شهادة ميلاد و أوراق أخرى تابعة لدار أيتام و إيواء، ترك ما بيده و قرأ شهادة الميلاد بتفحص فوجدها بإسم "نور السيد محروس"، قرأ ورقة أخرى فوجدها شهادة من الدار بأن صاحبة الشهادة هى بنت لقيطة و أن اسمها هو اسم مستعار فقط للاستدلال عليها و تمكينها من استخراج أوراق رسمية و لتسهيل دخولها للمدارس الحكومية، قرأ الورقة التى تليها فوجدها اقرار باسم عادل و زوجته أمانى بتبنى الطفلة" نور السيد محروس" البالغة من العمر شهرين فقط و انتقالها للعيش بمسكنهم، نزلت عليه تلك الحقائق كالصواعق التى كادت أن تقصمه شطرين من فرط الصدمة، فرغم أنه افترض ذلك الاحتمال، إلا أنه لم يتوقع أن يكون الواقع بهذه المرارة و أنه سيشعر بكل هذا التيه و الۏجع من أجلها، حقا لم يعد لديه قدرة على تحمل هذه الأهوال، شعر و كأنه يواجه موجة عاتية من الظلام الدامس التى تداهمه بلا هوادة أو شفقة، هذا حاله هو، فما باله بحالها ان علمت هى تلك الصواعق المهلكة، حتما ستصاب بسكتة قلبية.
لكزه أحد زملائه حتى ينتهى سريعا، فانتبه له يزيد و تدارك حاله و أكمل تصوير باقى الأوراق بقلب منفطر و أعصاب تالفة إلى إن انتهى تماما، و أعادوا كل شيئ إلى مكانه و أعاد الخبير إقفال الخزينة، ثم خرج الجميع و بقى فقط خبير الكاميرات لإعادة تشغيلها و كأن شيئا لم يكن، ثم أغلقوا الباب كما كان و أعادوا تشغيل الكاميرا الخارجية و انتهت مهمتهم الصعبة بنجاح دون أن يشعر بهم أحد.
تسلل الفريق للخارج بنفس طريقة دخولهم و استقلوا سيارتهم و انصرف كلٍ إلى مكانه لرفع تقاريرهم الوافية بالمهمة.
بينما يزيد عاد ليتفقد حراس البوابة الرئيسية ليرى إن كانوا قد شعر أى منهم بهم، و لكنه وجدهم كما تركهم فراح ليكمل مزاحه معهم ليتأكد أكثر و يطمئن قلبه.
بعد قليل عاد لغرفته و رأسه يغلى من الڠضب، يريد أن ينفث غضبه فى أى شيئ حتى لا ينفجر رأسه المتأجج و سريرته الثائرة كالبركان النشط الذى يلقى بحممه لتنزل على قلبه تفحمه بوهجه الحارق.
وقف أمام المرآة و راح ينظر لنفسه و هو يصتك فكيه بشدة و جميع عروق جسده نافرة و عينيه مشتعلتين من الڠضب، و قد زادت وتيرة تنفسه من فرط التعصب و الإنفعال ثم أمسك بقنينة عطره و قڈفها فى المرآة پعنف و هو يصيح بحالة لم يعهد نفسه بها من قبل:
يا حيوااااان...و رحمة أبويا الغالى موتك هيكون على ايدى يا عادل يا شرقاوى...
قال عبارته بنبرة يفوح منها الغل و هو يشدد من قبضة يده، و زجاج المرآة قد تناثر حوله فى كل مكان بالغرفة، و لكن ذلك الأمر لم يشفى غليله بعد، و لم يخلصه و لو من القدر القليل من النيران المتوهجة بصدره.
جلس بحافة الفراش و ډفن وجهه بين كفيه ليقلل من وتيرة تنفسه و يستعيد ثباته الذى تناثر و تبعثر مع فتات المرآة، و أخذ يستغفر الله إلى أن هدأ قليلا، ثم نهض و أخرج هاتفه من جيبه و اتصل بزميله أحمد و أخبره بتفاصيل المهمة التى تمت بنجاح، ثم قام بجمع الفتات المتناثر على الأرض و ألقى به فى سلة المهملات.
أخيرا نام يزيد بعد صراع طويل مع قلبه المكلوم، و كأنه كان يحايله كالطفل العنيد ليتناسى جرحه حتى يغمض جفنيه و يرتاح عقله من الهياج الذى أصابه ما إن تبينت له الحقيقة كاملة.

فى صباح يوم جديد على الجميع و بمدينة شرم الشيخ.... 
حيث البحر ذو الزرقة الصافية و أمواجه الهادئة المتلاطمة التى تعانق رمال الشاطئ الصفراء و الشمس المشرقة تنثر أشعتها الذهبية عليه لترسم لوحة فنية من أبدع ما يكون، تقف نادين غارسة قدميها فى الرمال الندية لتترك بصمتهما عليها، تتأمل ذلك المنظر البديع و ذهنها شارد فى ذلك الذى شغل تفكيرها بدرجة مخيفة، تفكر ترى ماذا يفعل مع أثير الآن بمفرديهما فى القصر، ترى هل يميل لها أم أنه يحب خطيبته، أطلقت تنهيدة عميقة تعبر عما يموج بصدرها من حسرة على حبيبها الذى فشلت فى الحصول على قلبه، ثم راحت تحدث نفسها: 
"يا ريتك ما ظهرت ف حياتى يا يزيد و لا شوفتك.. أنا كنت عايشة حياتى بالطول و العرض و مقضياها... أكلم دا شوية و أخرج مع دا شوية و أتقل على غيره شويتين، لحد ما شوفتك مبقاش حد يملى عينى، مش عارفة أشوف حد غيرك... انت جيت غطيت على الكل و سيطرت عليا بطريقة غريبة... آآآه يا قلبى بتحب اللى ناسيك و مش سائل فيك" 
خرجت من شرودها حين شعرت بيدى والدتها تطوقان خصرها و هى تقول لها:
سرحانة ف إيه كدا يا نادو؟!
هزت كتفيها بلا مبالاة قائلة:
و لا حاجة يا مامى..
وقفت أميرة فى مواجهتها ثم قالت بابتسامة حماسية:
اعملى حسابك الرحلة دى مش هنروح منها غير و العريس فى ايدك...انتى دخلتى على الـ٢٧ سنة..أظن كفاية كدا و جيه وقت الجواز بقى؟!
ابتسمت بسخرية مريرة قائلة:
فين العرسان دول يا مامى؟!
قطبت جبينها باستنكار و هى تقول:
بقى كل الشباب اللى زى القمر دول مش عاجبينك يا نادين؟!..دا نصهم حاطين عينهم عليكى و مستنيين بس إشارة منك..
أجابتها بملامح شاردة و نبرة حزينة:
لو فى واحد بس منهم شبه يزيد مش هتردد لحظة عن ارتباطى بيه.
ضيقت عينيها باستغراب و هى تسألها:
يزيد!!...مين يزيد؟!
ــ البودى جارد الخاص بتاع أثير اللى أنقذها من ضړب الڼار اللى حصل قدام الشركة..
سكتت لوهلة تحاول أن تتذكره إلى أن هتفت باستنكار:
انتى حاطة عينك على البودى جارد يا نادين...بقى دى أخرتها؟!
أجابتها بجدية تامة:
يزيد مش بودى جارد عادى يا مامى...يزيد فيه المواصفات اللى أى بنت بتدور عليها، وسامة و كاريزما و شخصية قوية و جادة و رجولة و شهامة، حاجة كدا خيال، وهم..من ساعة ما عرفته و أنا مش عارفة أشوف أى حد غيره بس يا خسارة مرتبط و خاطب بنت عمه.
ـــ أنا فعلا أخدت بالى إنه جذاب و يتحب...بس بردو مش من مستوانا خالص.
ـــ خلاص بقى يا مامى كل الكلام دا معادش ليه لازمة..قولتلك خطب...بس كل اللى بتمناه دلوقتى إنى أقابل حد زيه أو فيه مواصفاته الحلوة...بس كل الشباب اللى انتى بتتكلمى عنهم دول و لا يسوا رمش من رموش عيونة اللى تسحر..
رفعت حاجبيها باستهجان قائلة بسخرية:
يا سلااام...للدرجادى يعنى؟!
أجابتها بجدية و نبرة صادقة:
أيوة يا مامى للدرجادى..بقولك يزيد بالنسبالى حلم بعيد أوى، بس بتمنى أعيشه لو مش معاه، يبقى على الأقل مع واحد شبهه.
راحت أميرة تتأمل ابنتها الهائمة بذلك الحارس، الغارقة ببحر وسامته و قوة شخصيته حتى أنها تكاد تجزم أن التى تقف أمامها الآن نادين أخرى غير التى ولدتها.

بجامعة الأزهر... 
انتهى زايد لتوه من احدى المحاضرات الصباحية و جلس بحديقة الكلية ينتظر التى تليها و هو شارد الذهن فى ليلاه، حزينا لما آلت إليه الأمور معها، عاجز عن التفكير فى كيفية استرداد حبيبته التى سُلبت منه قبل أن يخبرها عن مقدار الحب الذى يحمله لها فى قلبه، لقد أثقل الحب قلبه حتى أعياه و الشوق قد أخذ منه مأخذه فأصبح كالفرس الجامح الذى كبله صاحبه بالأغلال، فمهما صدر منه من صهيل لم يجد من يسمعه و يحرره من قيوده، إنه الشعور بالعجز.... ماذا إذن لو آلت حبيبته لغيره، حتما سيموت قلبه قهرا و حسرة على حب أهدره بيده.
استفاق من شروده ببحر أحزانه على هزة من يد صديقه ماجد الذى افترش الأرض بجواره و سأله باستغراب:
مالك يا زايد؟..انت بقالك فترة متغير و كلامك قليل و بتقعد لوحدك كتير...ايه؟!..دا حب جديد دا و لا ايه؟!
انفرجت شفتيه بتهكم مرير قائلا بنبرة حزينة:
حب ماټ من قبل ما يتولد..
رفع حاجبيه باستغراب قائلا:
نعم؟!..دا اللى هو ازاى دا؟!
طالعه بملامح بائسة ثم قال بجدية:
هحكيلك يا ماجد يمكن تقدر تساعدنى ان شالله حتى بالنصيحة...
ـــ قول يا صاحبى سامعك..
قص له زايد حكايته مع ليلى و ما آلت إليه الأمور مع محمد الذى لا ينفك عن طلبه بمصاحبته له ليخطب له ليلى باعتباره صديق شقيقها...
فغر فاه ماجد من الصدمة و قال باستنكار:
سبحان الله...يعنى انت تجيبها تشتغل ف المكتبة علشان تبقى قدام عينك و مطمن عليها و ناوى تخطبها قبل التخرج، يقوم صاحبك هو كمان يحبها و كمان عايز يتقدملها؟!..يعنى قدمتله حبيبتك على طبق من دهب..
ـــ شوفت العڈاب اللى أنا فيه يا ماجد؟!
ـــ بس محمد معذور...هو هيعرف منين ان انت بتحبها؟...المفروض كنت قولتله على نيتك فى خطوبتها من قبل ما تجيبها تشتغل عنده علشان يبقى عامل حدود بينه و بينها..
أجابه و هو يعض على أنامله من الندم:
فعلا...أنا اللى غلطان، بس مكنتش عايز أعملها شوشرة خاصة انها متعرفش انى بحبها و لا حتى حاسة مجرد احساس انى معجب بيها.
ـــ طاب و الحل ايه يا صاحبى؟!..هتفضل ف العڈاب دا لحد امتى؟...الامتحانات ع الأبواب و لازم تركز..دى آخر سنة يا زايد..
اعتصر جفنيه پألم جم و قال بأسى:
مش عارف يا ماجد...ساعدنى يا صاحبى و قولى أعمل إيه؟!
ـــ انت عايز الحق؟!...أنا لو مكانك أروح أتقدملها و أنا و نصيبى..و الله لو ليك نصيب فيها ربنا هيسهل الأمور و الموضوع هيتم...لو مفيش نصيب يبقى انت كدا عملت اللى عليك.
ـــ طاب و محمد؟!...هيفتكر إن أنا سبقته و خطڤتها منه..
ـــ مش مهم أى حد يا زايد...محمد مش هينفعك و انت عمال ټحرق فى دمك و أعصابك عشانها...و بعدين ممكن بعد كدا تفهمه الحكاية كلها و يمكن ساعتها يحس بالذنب كمان من ناحيتك...و بعدين دا كلها شهرين بالكتير و نتخرج و هتروح بلدك و مش هنشوف بعض تانى..يعنى لا انت هتشوف محمد و لا هو هيشوفك...اتوكل على الله يا صاحبى و أنا معاك..
زاغ بعينيه فى الفراغ يفكر فى كلام صديقه عن كثب و يقلب الأمر برأسه من جميع الإتجاهات، فعزم أمره على أن يستخير الله ثم ليقضى الله أمرا كان مفعولا....

استيقظ يزيد عند الظهيرة بعد عملية الاقټحام الصعبة و بعد ليلة طويلة قضاها فى التفكير بشأن ما اكتشفه عن أثير و كيف سيتصرف فى الأيام القادمة لينتزعها من قبضة عادل اللعېن الذى لم تأخذه فيها رحمة و لا شفقة و قڈف بها فى الهلاك بلا اكتراث منه أو مبالاة.
جلس على حافة الفراش و هو ممسكا رأسه بكفيه من فرط الصداع، يفتح جفنيه الحمراوين بصعوبة، فأخذ حماما سريعا لعل الألم يهدأ قليلا ثم بدل ملابسه و عزم للذهاب للمطبخ ليطلب من الخادمة أن تعد له قدحا من القهوة...
خرج من غرفته و سار باتجاه المطبخ فاصطدم بأثير التى كانت تسير بعدم توازن و قلة انتباه و هى ممسكة أيضا برأسها، ما إن انتبهت له حتى رمقته باستغراب قائلة بنبرة ناعسة:
يزيد انت كمان لسة صاحى دلوقتى؟!
أجابها بارتباك:
ايوة...الظاهر كدا راحت علينا نومة احنا الاتنين.
ــ أنا مش عارفة نمت ازاى و أنا بكلمك و مش فاكرة طلعت قوضتى ازاى؟!
ارتبك يزيد للغاية و كاد الډم أن يهرب من عروقه خوفا من أن تشك بأمره فرد بثبات ظاهرى:
مش عارف لقيتك نمتى فجأة كدا و انتى بتتكلمى فاضطريت أشيلك و أنيمك فى السرير...مش معقول يعنى كنت أسيبك نايمة على النجيلة للصبح!!
جحظت عيناها و توردت وجنتاها خجلا عندما تخيلت نفسها محمولة بين ذراعيه و رأسها مستند على صدره، أعادت خصلة متمردة من شعرها خلف أذنها كحركة تلقائية منها لتوارى خجلها و قالت بتلعثم:
اممم...احم.. العصير اللى شربناه دا كان فيه حاجة و لا ايه؟!
تظاهر بالجهل و هز كتفيه لأعلى مجيبا بمراوغة:
مش عارف...يمكن الفانيلا اللى أنا حطيتها دى مكانتش فانيلا و كانت بودرة منومة مثلاً؟!
سكتت لوهلة تستوعب حديثه ثم انخرطت فى نوبة من الضحك الصاخب بالكاد توقفت عنه و قالت بمرح:
دمك خفيف اوى يا يزيد...ممكن بردو ليه لا...هههه.
تنفس بارتياح كونها مررت الأمر بمزاح و لم تحقق أكثر من ذلك..
ــ انت كنت رايح المطبخ؟!
ــ أيوة...كنت هعمل قهوة أصل الصداع هيفرتك دماغى.
ــ و أنا كمان..
ــ كنتى هتعملى قهوة و لا الصداع هيفرتك دماغك؟!
_ هههههه...أنا أعمل قهوة؟!...أنا معرفش أصلا القهوة بتتكون من إيه؟
جحظت عيناه و رفع حاجبيه باستنكار متسائلا:
ــ معنى كلامك انك مبتعرفيش تطبخى؟
ــ أكيد طبعا...أنا هتعلم الطبخ و لا هشوف شغل الشركة و لا هتابع تدريبات الكاراتيه و الكونغو فو؟!
أجابها بنبرة ساخرة:
ــ لا فعلا الله يكون فى عونك....طيب حيث كدا بقى أنا مش هشرب قهوة دلوقتى و هدخل أخلى الشغالة تعملى فيشار...تحبى أخليها تعملك معايا؟!
سكتت لوهلة و كأنها تفكر فى أمر ما ثم قالت بحماس:
طاب ايه رأيك طالما ملحقناش الشركة و كدا كدا اليوم ضايع أدخل المطبخ أعمل انا الفيشار؟!
ــ انتى مش لسة قايلة مبتعرفيش تطبخى؟!
ــ هو الفيشار طبيخ يا يزيد؟!...قولى انت بس بيتعمل ازاي و أنا هعمله..
هز رأسه بقلة حيلة قائلا باستسلام:
أمرى لله...بصى يا ستى..انتى هتجيبى الحلة و تحطى فيها معلقة زيت و تسيبيه يسخن شوية و بعدين تحطى حوالى كوباية درة صغيرة و شوية و هتلاقى الدرة بيطقطق و بيتحول لفيشار بعد كدا ترشى عليه شوية ملح صغيرين و تقلبيه..بس كدا.
ردت بابتسامة حماسية:
بس كدا؟!...يااا..دا سهل أوى.
ــ طاب يلا ورينى شطارتك و أنا هستناكى برا فى الهول.
ــ أوكى...ثوانى و الفيشار هيكون جاهز.
ــ ربنا يستر.
توجهت للمطبخ و لكنها لم تجد الخادمة لتدلها على أماكن الأشياء، فاضطرت للبحث فى جميع درف الخزانة إلى أن وجدت إناء متوسط الحجم و وجدت حاوية الذرة الصفراء، و لكن طبعا بعدما قلبت محتويات المطبخ رأسا على عقب و أصبحت الأوانى و الأطباق ملقاة فى كل مكان به.
فعلت كما شرح لها يزيد و عندما بدأ الذرة فى الفرقعة، تناثر فى وجهها، الأمر الذى جعلها تفزع و تتخذ من غطاء الإناء التى لم تستعمله فى تغطيته درعا واقيا لوجهها ضد حبات الذرة التى تهاجمها بضراوة، و أخذت تصرخ بهلع لا تدرى كيف يمكنها التخلص من هذا الھجوم الغريب الذى لم تراه من قبل.
سمع يزيد صرخاتها فركض سريعا تجاه المطبخ خشية أن تكون قد احټرقت يداها من الزيت الساخن او من الڼار، و ما إن وصل إلى المطبخ، جحظت عيناه و فغر فاهه من هول ما رأى من أوعية متناثرة فى كل مكان، و مظهرها و هى تغطى وجهها بالغطاء بدلا من أن تغطى الإناء و راح يتمتم بصوت خاڤت:
"يا مرارك الطافح يا يزيد!!...دا الحچة بهية هتخلينى أطلجك من تانى يوم...يا ۏجعة مربربة بطين يا ولاد!!"
هرول لها و أخذ منها الغطاء و وضعه على الاناء، فوجدت أن حبات الذرة قد انحسرت فى الاناء و توقفت عن هجومها، ففغر فاها و رمقت يزيد باعجاب قائلة:
براڤو عليك يا يزيد...
هز رأسه بيأس و ابتسم بتهكم قائلا باستنكار:
براڤو عليا؟!.. يا ماما الغطا دا تغطى بيه الحلة مش تغطى بيه وشك؟!
قطبت جبينها بانزعاج و هى تقول بضيق:
انت مقولتش أغطى الحلة..
ــ و هى دى حاجة محتاجة تتقال؟!
ــ الله!!..و أنا ايش عرفنى ان الدرة هيفرقع فى وشى و يعمل كدا؟!
اصتك فكيه من الغيظ و قبض على كفه بشدة ليفرغ غيظه به حتى لا يمسك برأسها و يكسرها من غبائها و قال بهدوء قاټل:
أومال الدرة بيتحول لفيشار ازاى يا أثير هانم؟!
أجابته بتحدٍ سافر:
ــ معرفش...و مش عايزة آكل فيشار...كله لوحدك..
انكمشت ملامحه بتذمر و هو يقول بحسرة:
هو فين الفيشار دا؟!...هو انتى خليتى فيه حاجة؟!
أجابته بسخرية:
مش انت بتعرف تعمله؟!...اعمل انت بقى و متعملش حسابى معاك...بعد إذنك..
استدارت لتخرج و هو ينظر لها بذهول و لكنها تعثرت فى إحدى الأوانى الملقاة على الأرض، فسقطت على وجهها، فانفلتت منه ضحكة شامتة رغما عنه، فرمقته بغيظ و ڠضب فى آنٍ واحد ثم نهضت و غادرت المطبخ بخطوات غاضبة تاركة إياه يضرب كفاً بكف، و هو يهز رأسه بخيبة أمل محدثا نفسه:
يا ۏجعتك الطين يا ولد الوزير...بس أعمل ايه بس.. بحبها.

تم نسخ الرابط