رواية رائعة الفصل الاخيرالخاتمة بقلم الكاتبة الاء حسن
الخاتمة
يبدو أنه قد حان الوقت لتحديث البيانات خاصة بعد مرور ثلاثة أشهر على المړيضة التى تحسن حالها إلى حد ما بتواجد والدتها بجوارها ..
ففى ذلك التوقيت من كل شهر يقوم كريم بإرسال ملاحظاته الشهرية والتى دونها يوما بعد يوم إلى صديقه أيمن متابعا مع ذلك الأخير تطورات حالة زوجته التى أوصاه من قبل كثيرا بعدم مواجهتها بمرضها حتى يحين الوقت المناسب وقد أمتثل هو لأوامره دونما نقاش ...
حاول كريم قدر الإمكان التشاغل بعمله والذهاب إليه يوميا لساعات طويلة على غير المعتاد كى لاتلاحظ زوجته شروده وإهتمامه الزائد وترقبه الدائم لحالها بصورة مريبة أثارت الشك بداخلها لعدة مرات لذا فضل الإبتعاد لبعض الوقت مطمأنا بتواجد والدتها إلى جوارها خاصة بعدما رفضت هى مرافقته إلى شركته أو حتى الرجوع إلى عملها السابق كمدرسة للأطفال الذين طالما عشقتهم ...
راقبت هى بدايات الحيوات للأزهار التى تتفتح من جديد والأشجار التى بدأت بالإثمار والحشرات التى خرجت لتوها من بياتها الشتوى تستعد للإنطلاق والكد والعمل قبل مجئ شتاء آخر يختبئون من قسوته داخل جحورهم ...
تابعت هى تلك الحشرة الصغيرة السوداء ذات الأجنحة وهى تتنقل من زهرة إلى أخرى قبل أن تلتهمها حشرة أخرى أكبر منها حجما كانت بداخل إحدى البتلات ..
هذا ماجال بخاطرها مقترن بإقتضابة ضعيفة ظهرت أعلى وجهها وهى تتأمل ماحولها قبل أن تحاول التغاض عن الأمر والإستمتاع بأصوات الطيور اللطيفة التى تتمايل وتزقزق أثناء إحتلالها أغصان تلك الشجرة المتوسطة الحجم بجوار شرفتها ..
كان يجلس بجانبها والدتها التى أعتادت إحتساء فنجان من الشاى يوميا برفقة إبنتها فور خروج الزوج إلى العمل كريم الذى لم يتناس يوما توصيتها قبل مغادرته على ملازمة إبنتها والإعتناء بها الحقيقة أنها لم تنتظر كلماته حتى تقوم برعايتها على أكمل وجه بل على عكس ذلك هى كانت تنتظر بشوق ذلك الوقت الذى تتمكن فيه من رؤيتها والجلوس معها صباح كل يوم لذا كانت تعد فنجانى الشاى إلى جانب بعض الكيك المفضل لإبنتها ومن ثم تقوم بحملهم جميعا إلى الأعلى حيث الشرفة التى تضم فرح ...
فلا زالت فرح مستمرة فى عادتها اليومية التى لم تنقطع ليلة حيث تستيقظ فى نفس الموعد المكرر وتذهب للإختباء داخل أحضان والدتها بعد أن تقوم بتسجيل مكالماتها الليلية كى تتلاقاها فى اليوم التالى تمام التاسعه صباحا ..
كانت الساعة تشير إلى التاسعة عندما أرتفع رنين هاتف فرح بجوار فراشها فهمت بالتوجه إليه لولا تدخل والدتها قائلة
_ خليكى إنتى أنا هجبهولك وهنزل أحضرلك الفطار ..
أجابتها فرح بحماس ووجه مترقب
_ دى أكيد هنا .. مش تستنى تسلمى عليها ..
كانت الأم قد ألتقطت الهاتف فتوجهت إلى إبنتها بإبتسامة قائلة
_ شوية وهكلمها .. خدى انتى ياحبيبتى أتطمنى عليها .
هزت فرح رأسها بإمتنان قبل أن تتناول هاتفها وتسرع فى الإجابة على الفور قائلة بفرحة عارمة
_ هنون صباح الخير ياحبيبتى ..
تصاعد الصوت فى الطرف الآخر قائلا بتتابع
_ صباح الخير يافرح عاملة إيه وماما أخبارها إيه وكريم عامل معاكى إيه ..
وقبل أن تجيبها فرح أضافت هى
_ فاكرة يافرح وإحنا صغيرين لما كنا بنعمل كل حاجة مع بعض ونلبس زى بعض ونروح المدرسة مع بعض..
كان حلو أوى شعور التوأم ده لما كان كله
بيتلغبط بينا ونفضل نعمل مقالب فيهم حتى ماما كانت ساعات بتتلغبط إلا بابا بس هو اللى كان بيعرف يميزنا على طول ..
ماإن ذكرت المتحدثة والدهما حتى شعرت فرح بأنقباضة تسرى بداخلها قبل أن تستدرك الأخرى بصوت يغلب عليه الحزن
_ وإحنا صغيرين لما كنا بنخرج كلنا أنا كنت بسبق مع بابا ونستناكوا فى العربية وأنتى بتلحقينا إنتى وماما !!
سادت لحظة من الصمت كانت كافية لمولد تلك العبرات بداخل مقلتى المتلقية قبل أن تردف المتصلة بزفرة حارة مټألمة
_ على طول يافرح أنا مع بابا وإنتى مع ماما .. خلى بالك على ماما يافرح و كمان كريم ..
أنتهت المكالمة ونظرت فرح إلى هاتفها بإرتياع قبل أن تشعر بدمعاتها المنهمرة تبلل وجنتيها ..
حاولت إستيعاب المغزى من وراء كلمات شقيقتها لكنها لم تشعر سوى بتلك الإنقباضة تزداد بداخلها لذا قررت مغادرة غرفتها والتوجه إلى الأسفل حيث والدتها فى إنتظارها ..
لاحظت الأم تغير ملامح وجه إبنتها إلا إنها تجاهلت الأمر قائلة بحنان
_ يلا يافروحة الأكل جاهز ..
أجابتها فرح بشرود
_ مليش نفس يا ماما معلش إفطرى انتى ..
هزت الأم رأسها بالرفض قائلة
_ خلاص وانا هستنى لما يبقى ليكى نفس ونفطر مع بعض ..
تقدمت فرح نحو الطاولة قائلة بتشجيع
_ ماما إنتى لازم تاكلى عشان تاخدى الدوا .. خلاص يلا أنا كمان هاكل ..
تهللت أسارير الام قائلة وهى تجلس إلى جوار إبنتها
_ عملتلك الأومليت اللى بتحبيه ..
كانت فرح تقاوم ذلك الإحساس بالغثيان بداخلها والذى يلح عليها منذ إستيقاظها لكن ماإن أقتربت من مصدر الطعام وأقتضمت أولى قضماتها حتى فشلت فى السيطرة على رفض معدتها لذلك وأتجهت مسرعة إلى الحمام ..
تبعتها والدتها بجزع وأنتظرت خارج الحمام بترقب فى إنتظار خروج أبنتها والتى ماإن خرجت حتى أسرعت إليها بلهفة متسائلة
_ مالك يافرح فى إيه
أجابتها الإبنة وهى لازالت ممسكة بأسفل بطنها بينما جسدها يميل إلى الأمام بتوعك
_ مش عارفة الأومليت قلبلى معدتى الظاهر إنى أخدت برد عشان نمت إمبارح فى التكييف من غير غطا ..
والدة فرح بتأنيب
_ وده جو يتفتح فيه تكييف بردو ..
ثم أضافت بحنان
_ روحى إتدفى وأنا هعملك نعناع ..
توجهت فرح بضعف إلى غرفة معيشتها حيث جلست بتثاقل أعلى الأريكة وأرجعت رأسها إلى الوراء مستندة على المسند الصغير بالخلف بعد أن تمكن منها صداع خفيف سرعان ماأشتدت حدته فى دقائق دونما مبرر فأغمضت عينيها لبعض الوقت آملة فى ذهابه عنها ..
ثم فتحت مقلتيها من جديد فور أن أحست بتواجد والدتها التى قالت
_ يلا النعناع أهو وبردتهولك شوية أشربية على طول بقى ..
دونما تخطيط وجدت فرح نفسها تتسائل
_ ماما كلمتى هنا ولا لسة
سرى التوتر فى أوصال الام التى أفتعلت إنشغالها قائلة
_ شوية كده وهكلمها ..
فرح بتشكك
_ أصلى مبلحقش أتكلم معاها وبتقفل بسرعة .. هى بتعمل كده معاكى بردو !
والدة فرح دونما أن تنظر إليها
_ تلاقيها مشغوله يابنتى إنتى عارفة أختك وبعدين متنسيش فرق التوقيت ..
تناولت فرح مشروبها بتثاقل قبل أن تقول مفكرة
_ آه فعلا معاكى حق ...
أرتشفت عدة رشفات قبل أن تقول بكلمات مرتعشة
_ تعرفى ياماما النهاردة هنا قالتلى على بابا ..
أبتلعت الأم لعابها بتوتر قبل أن تتسائل پخوف فتلك المرة الأولى التى تذكر فيها والدها
_ أبوكى !
لاحظت فرح ماطرأ على والدتها فقالت بإستغراب
_ آه بابا ..
أغمضت الام مقلتيها بقوة قبل أن تقول مغادرة
_ هروح أعملك نسكافيه ..
نظرت فرح إلى مابيدها قبل أن تقول
_ نسكافيه إيه ياماما دلوقتى ..
لم تجيبها الأم بل حاولت مسرعة الهروب من تساؤلات إبنتها لكن أوقفها صوت إبنتها قائلة بحدة
_ ماما ..
أجابت الأم دونما النظر إلى إبنتها
_ هشوف اللى على الڼار وأجيلك ...
خرجت كلمات الأبنة بصوت واضح قوى وهى تتسائل بعد أن وضعت مشروبها أعلى الطاولة ووقفت بتحد قائلة
_ بابا فين ياماما هو كل ده مسافر !
فى تلك اللحظة لم تستطع الأم السيطرة على إنفعالتها اكثر من ذلك وتهاوت بجسدها على أقرب مقعد تبكى بحړقة واضحة بعد أن غطت وجهها
بكفيها وبأصابع مرتعشة تنتحب مثل صاحبتها مما دفع فرح للتحرك من مكانها متوجهة إلى والدتها قائلة بفزع
_ بابا حصله حاجة
أستمرت الأم فى البكاء رغما عنها وتعالت شهقاتها بقوة غير قادرة على الرد على إبنتها التى بدأت دمعاتها فى التجمع قائلة برجاء بعدما چثت على ركبتيها أمام والدتها
_ بابا حصله إيه ياماما .. قوليلى عشان خاطرى هو فين .. هو تعب تانى ! طب يلا نروحله انا عاوزة بابا ياماما .. ردى عليا بقى ..
قالت جملتها الاخيرة وهى تهز جسد والدتها پعنف والتى لم تستطع التمالك أكثر من ذلك وقالت بإنهيار واضح رغما عنها
_ أبوكى مااااات يافرح .. أبوكى ماټ وأختك كمان ماټت إنتى لازم تفوقى من الوهم اللى إنتى فيه ده بقى ..
ظهرت إبتسامة مرتعشة على وجه الفتاة قبل أن تبتعد عن والدتها واقفة لتقول بإضطراب
_ إيه اللى انتى بتقوليه ده .. ده وقت هزار ..
أجهشت الأم بالبكاء أكثر مخبأة وجهها بين طيات كفيها دون أن تجيبها عاضة على شفتيها بقوة نكاءا على ماتفوهت به للتو لكن بماذا يفيد البكاء وقت لاينفع الندم
زرعت فرح الغرفة بخطوات غاضبة سريعة تارة وواهنة ضعيفة متوترة تارة اخرى كالفهد الجريح الذى لايقدر على لملمة جراحه ولايقوى على تحملها ممسكة مقدمة رأسها بأطراف أصابعها صدرت من بين شفتيها بعض الضحكات أتبعتها همهمات غير مفهومة وبعد الكثير من الخطوات المهتاجة توقفت أخيرا أمام والدتها من جديد مستندة بإحدى كفيها على جانب خصرها بينما كفها الآخر غطى فمها لتقول من ورائه بصوت خفيض حاولت هى كتمانه قدر المستطاع حتى لايصل إلى طيات عقلها
_ ماتوا ..
بدا عليها علامات الإضطراب وهى تحرك كفها من أعلى فمها ثم تضعه من جديد لعدة مرات متتالية مكملة بإرتعاش
_ أنا .. أنا بكلمها كل يوم وأنتى كمان بتكلميها صح ..
ثم أضافت برجاء
_ مش أنتى قولتيلى كده .. ليه بتضحكى عليا وتقوليلى ماتوا ..
رفعت الأم رأسها بحسرة قائلة بكلمات خرجت قوية متماسكة
_ عشان ده اللى حصل ولازم تصدقيه وتعيشى فى الواقع بقى شوية وتلتفتى لحياتك وجوزك وبيتك...
إنهمرت الدمعات من عدستى فرح بعد أن أمسكت رأسها بقوة قائلة بشراسة
_ انتى ليه بتعملى كده .. ليه عاوزة تحرمينى منهم .. هنا موجودة وبابا كمان موجود .... مماتوش سمعانى مماتوش ...
وقبل أن تتم كلماتها سقطت فى الحال مغشى عليها ..
نسمات هواء باردة رقيقة تداعب وجه النائمة محملة بشذى يشبه رائحة الكافور تملأ أنفها وترغمها على الإستيقاظ ..
فتحت عدستيها ببطئ متأملة السهول اللامتناهية من حولها والتى تقبع هى وسطها تحيطها الحشائش الطويلة من كل إتجاه إنشرح قلبها وعلت وجهها إبتسامة عريضة فور رؤيتها لزهور الأقحوان البيضاء المستديرة والتى تتوسطها بتلات صفراء فى شكل نصف كروى والتى كانت هى مصدر تلك الرائحة الفواحة التى أسرتها على الفور كانت تلك الزهور تملأ المنطقة الخضراء المستوية بالقرب من الغدير الصاف المتلألأ الذى لمعت مياهه الفضية من بعيد مشيرة إلى وجوده ..
توجهت إلى إحدى الزهرات القريبة منها فمالت فوقها محاولة ملئ رئتيها بعطرها فى ذلك الوقت أندفعت إليها رياح طيبة أمتلأت بوريقات الزهرة البيضاء لامست وجهها بنعومة قبل أن تتشابك بعضا منها بخصيلات شعرها المنسدلة ...
حملت إليها الرياح أيضا أصوات الحشائش مختلطة بأصوات ضحكات مختلفة انثوية وأخرى رجولية ألفت كلتيهما جيدا فتتبعت مصدرهم كالمسحورة باحثة عن أصحاب الضحكات التى مالبثت أن تعالت بقوة حتى شعرت أنها بداخل شفتى أصحابها ..
لاح لها من بعيد فوق الربوة العالية الأكثر إخضرارا والتى بدت للرائى وكأنها تلامس أطراف السماء شديدة الزرقة الممتلئة بالسحب اللؤلؤية والتى تقوست فوق الربوة على شكل دائرة كاملة وفى المنتصف ظهرت سيارة صغيرة بيضاء تصطف بهدوء فأتجهت إليها على الفور لتتأكد شكوكها من هوية راكبيها والذين ماإن رأوها حتى ألتفت إليها سائق المركبة قائلا بإشتياق
_ فرح إنتى جيتى أمتى ده مش معادك ..
أجابته بسعادة غامرة وهى لازالت خارج العربة
_ بابا وحشتنى أوى كنت فين ..
اجابها الأب بإبتسامة هادئة
_ وإنتى كمان ياحبيبتى .. وحشتونا إنتى ومامتك أوى ..
عبست ملامح
فرح مجيبة
_ تصور ماما بتقول إنكوا ........
قاطعها الأب قائلا
_ مش يمكن كلامها صح ..
أنكسرت عينى فرح بحزن قائلة
_ إيه اللى أنت بتقوله ده يابابا ..
ثم مالبثت أن وجهت أنظارها إلى شقيقتها التى أعتلت مقعد القيادة فتلملكها الإستغراب لبضع ثوان معتقدة أن ذلك كان هو مكان والدها منذ عدة لحظات لكنها نفضت عن عقلها ذلك قائلة
_ قوليله ياهنا إنك بتكلمينى كل يوم ..
لم تجيبها شقيقتها بل لم تلتفت إليها من الأساس وأنصب تركيزها كله على الطريق المتوقف من أمامها مما دفع الأولى للتساؤل
_ بابا هى مش بترد عليا ليه
اجابها بإبتسامة موضحا
_ مش أحسن إنها تركز فى السواقة ولا ترد عليكى ونعمل حاډثة
فرح بشرود كالمغيبة
_ حاډثه !!
وكأن المكان من حولها قد تبدل فى ثوان معدودة تحول الأخضر إلى يابس والأرض الرطبة الطينية الزاخرة بالأزهار أصبحت جافة قاسېة ممتلئة بالنتوئات الحمراء وظهر أمامها ذلك الطريق الجبلى الطويل المقفر ..
شعرت وكأنها تشاهد فيلما سينمائيا مخصص لها وحدها فها هى عربة تتحرك بسرعة چنونية فى طريقها للإصطدام بسيارة والدها حاولت هنا تحريك مقود السيارة بمساعدة والدها للإنحراف قليلا إلا أنا الإنحراف كاد أن يقودهم إلى الهاوية حيث المنحدر فلم يجد الأب بدا من الإنحراف مرة اخرى والإصطدام بتلك السيارة القادمة والتى حاولت التخفيف من سرعتها قليلا قبل أن تنقلب السيارتان على أعقابيهما ..
دون أن تشعر خرجت صړختها من أعماق فؤادها قائلة بلوعة
_ باباااا هنااا
حاولت الإسراع إليهما على الفور لكن بدا الطريق بلا نهاية فكلما قطعت الكثير من الخطوات كلما زادت إبتعادا بل وكأن الطريق يتبدل إلى آخر يغطيه الخضار من جديد وبنهايته تقف امرأة خمسينية متلحفة بالسواد علمت هويتها على الفور فتلك هى والدتها قامت بالنداء عليها عدة مرات لكن دون جدوى وقبل أن تقترب منها أحست بيد تربت على إحدى كتفيها برفق ...
ألتفتت پذعر فإذا بها ترى شقيقتها هنا تقف بجسد سليم خال من أى كدمات ووجه مبتسم لايشوبه شائبة ..
خرجت كلمات فرح بإنفعال واضح قائلة
_ هنا انتى كويسة ..
ثم مالبثت أن تسائلت بفزع
_ وبابا .. بابا فين مش كان فى العربية معاكى
قاطعتها شقيقتها قائلة بهدوء
_ ششششش إهدى يافرح خالص ..
أشارت فرح بإصبعها على البقعة التى كانت تقف أعلاها والدتها قائلة
_ وماما كمان مش بترد عليا هى بټعيط ليه ولابسة أسود ليه
تحركت هنا من مكانها قائلة
_ تعالى يافرح عاوزاكى ..
أتبعتها فرح على الفور دونما نقاش بعد أن ألقت عدة نظرات على والدتها وبخطوات متلجلجة لاتعرف خطاها توقف الثنائى عند الربوة الخضراء التى تلامس السماء وبمنتصفها كانت تصطف العربة البيضاء ...
تحدثت فرح بحماس قائلة وهى تشير إلى العربة
_ بابا أهو طلعتوا من الحاډثة أزاى ..العربية سليمة زى ماهى .
هنا بإبتسامة
_ ده المكان اللى هنبقى فيه أنا وبابا على طول ..
فرح بحزن
_ طب مأخدتونيش معاكوا ليه
حاولت هنا التسرية عنها قائلة
_ طيب ومين هيقعد مع ماما !
فرح دون تفكير
_ ماما كمان تيجى معانا ..
وقفت هنا مفكرة لبضع لحظات قبل أن تقول
_ وإفرضى بقى مش عاوزه تيجى معانا ..
ثم مالبثت أن أردفت
_ وبعدين مش إتفقنا أنا على طول ببقى مع بابا وانتى على طول مع ماما ...
فرح دون إقتناع
_ هترجعى تقوليلى الكلام ده تانى ...
هنا بإبتسامة بشوشة
_ مش أنا اللى قولت .. هو ده اللى قال ...
قالت جملتها الأخيرة وهى تشير بإصبعها على رأس فرح مما دفع الأخيرة للتساؤل
_ مش فاهمة ده مين
هنا موضحة
_ ده اللى كان بيكلمك كل يوم بإسمى وبلسانى ..
أبتعدت عنها فرح عدة خطوات بعدما تملكها الخۏف متسائلة
_ يعنى إيه هو مين
أجابتها هنا على الفور بحنان
_ عقلك يافرح .. عقلك اللى بيحبنى وفاكر إنك ظلمتينى بس إنتى مظلمتنيش بالعكس كنتى أخت حلوة أوى ويمكن أنا اللى ظلمتك .. سامحينى يافرح .. بس أنا وبابا مش هنبقى معاكى تانى ..كلام ماما صح ..
بدأت دمعات فرح فى الإنهمار قائلة بعدم تصديق
_ لا ياهنا
إنتى عايشة وبابا عايش وهتكلمينى كل يوم الساعة تسعة ..
طل الحزن من أعين الشقيقة قائلة بإشفاق
_ أنا وبابا هنفضل موجودين حواليكى إنتى وماما وهنطمن عليكوا وكل ماأوحشك هتلاقينى فى حلمك ..
زادت دمعات فرح فى الإنهمار قائلة بهستيرية
_ لا أنا مش هعيش لو أنتى مش موجودة .. أنا لازم ابقى معاكى لو أنتى مش عايشة يبقى أنا لازم أموت ..
حاولت هنا تهدئتها قائلة
_ مش هينفع تموتى عشان مبقتيش لوحدك وهيبقى معاكى هنا جديدة ..
فرح بإستغراب
_ تقصدى إيه
لامست هنا بطن فرح بتؤدة قائلة بإبتسامة
_ يعنى هيبقى فى هنا و ... ولازم تخلى بالك منها ..
أستيقظت فرح فزعة من نومها بعد أن أغرقت الدمعات وجهها كانت لاتزال تشعر بأنامل شقيقتها أعلى بطنها مما دفعها للصړاخ بهستيرية باحثة عنها هاتفة بإسمها لكنها لم تجد سوى زوجها أمامها يقوم بالتربيت على بطنها لتهدئتها قائلا بلهفة
_ إهدى ياحبيبتى ...
تزايدت الدمعات فى الإنهمار دونما توقف وهى تقول بحړقة
_ هنا ياكريم .. هنا وبابا ماتوا ياكريم ...
أحتواها بين أضلعه بقوة راغبا بإدخالها داخل تلابيب فؤاده قبل ان يقول بخفوت
_ ربنا يرحمهم إدعيلهم ...
أغمضت عينيها بقوة وكأنها ترغب فى الإختفاء قائلة بحسرة واضحة
_ إشمعنا هم ماتوا وأنا لا ليه سابونى لييه ...
حاول مسح دمعاتها بأطراف أصابعه مجيبا بقلب منفطر
_ سابوكى عشانى وعشان مامتك .. مكناش هنقدر نعيش من غيرك ..
فى تلك اللحظة تذكرت هى والدتها فألتفتت تبحث عنها پذعر فإذا بها تجلس أعلى مقعد على أعتاب الباب تنظر إليها بأعين متحسرة حزينة منفطرة من الدموع فما كان منها إلا أن نهضت من أعلى فراشها وتوجهت إليها بخطوات مرتعشة ساعدها للوصول إليها زوجها قبل أن تجثو على ركبتها ممسكة بكفى والدتها تقبلهما بقوة قائلة بنبرات يملؤها الندم
_ سامحينى ياماما ..
أنحنى جسد الأم محتضنة جسد صغيرتها بقوة حيث أختلطت أصوات بكائهما ودمعاتهما فى مشهد درامى مؤثر يهتز له فؤاد المشاهدين قبل أن تغمض فرح عينيها بقوة متذكرة تلك الأحضان الليلية التى كانت تغدقها بها والدتها يوميا بعد الثانية منتصف الليل لتغفو هى بداخلها بآمان ..
فى تلك اللحظة مر على ذاكرتها ماكانت تقوم به وكأنه يعرض أمامها فى شريط سينمائى تذكرت إستيقاظها ليلا وماكانت تقوم به من تسجيلات تذكرت إرتداؤها العدسات اللاصقة وذهابها إلى غرفة والدتها تذكرت دمعات والدتها المحتبسة بداخل مقلتيها ..
تذكرت كيف كانت تستيقظ فى الصباح لتجد نفسها أعلى فراشها بين أحضان زوجها الذى لم يسأم من علتها طوال ذلك الوقت ....
الآن فقط علمت بمعاناتهما وأدركت ماتحملاه طوال تلك الفترة دونما كلل أو تعب ..
أمتدت ذراعى كريم لإحتضان السيدتين بسعادة تخللتها بعض العبرات فلقد علم فى ذلك الوقت برجوعها من جديد لقد عادت فرحته إليه كالسابق ..
فى ذلك الوقت ترامى إلى مسامعه صوتها الهامس تقول
_ أنا حامل ..
للوهلة الأولى ظن أن ماسمعه ماهو إلا مجرد أوهام وتهيؤات سمعية لكن تمتمات الأم الداعية المهنئة أكدت له حقيقة الأمر فما كان منه إلا أن زاد من إحتضانهما بعد أن شددت الأم إحتوائها لإبنتها مؤكدين لها أنها لن تبق وحيدة مهما حدث ...
بعد مرور ثمان أشهر ..
تململت الزوجة بجلستها أعلى أريكتها المفضلة فى غرفة المعيشة قائلة بإرهاق
_ أخيرا ناموا.. أنا تعبت أوى ياماما إنتى إزاى كنتى مستحملة كده لوحدك ..
أحتضنت الجدة إحدى الأحفاد قائلة بحنان
_ بالعكس بعد كده هتحسى إن دى أحلى نعمة من ربنا ...
أستلقت فرح بتعب مجيبة
_ الحمد لله إنهم ولد وبنت عشان خلاص نقفل على كده بقى مش هستحمل تانى حمل وولادة ..
والدة فرح محمسة
_ بكره تنسى التعب ده كله وتبقى عاوزه تخلفى تانى ..
أقترب زوجها منها ببطئ قبل أن يحتوى رأسها بين كفيه ثم يقبل مقدمتها قائلا بإعتراض
_ ومين قال إنى هكتفى بإتنين بس إن شاء الله ..
حاولت التملص من كفيه قائلة بإمتعاض
_ خلاص أبقى أحمل أنت وخلف أنا مفيش حيل ...
تذمر كريم من قولها قائلا موجها كلماته إلى والدتها
_ شايفة ياطنط لسة مكملتش أربعين يوم وتقول مفهاش حيل
شوفتى الدلع ..
أنتفضت فرح من نومتها قائلة پغضب وهى تعطى الرضيع إلى والده قبل أن تغادر الغرفة بملامح ممتعضة
_ أنا بتدلع طب أتفضل خد ابنك بقى رضعه أنت ..
على الفور أنفجرا كلا من كريم ووالدتها ضاحكين على عبوسها الطفولى بعد أن ألتقط هو طفله منها برفق وحنو مقبلا إياه برقة بالغة ثم وضعه على فراشة الهزاز المتنقل قبل أن يحمل شقيقته من الجدة واضعا إياها إلى جوار توأمها ..
بدأ فى أرجحة الفراش بتؤدة متطلعلا إلى طفليه بنظرة طويلة عاشقة متأملا الإختلاف بينهما رغما عن تطابق ملامحهم إلى حد كبير إلا أن هناك ذلك الفارق الذى لايلاحظه سواه ويخبره عن هوية كلا منهما بمجرد النظر إلى وجهيهما فذلك الصغير المرح يبدو أن قسماته ستصبح رجوليه حادة شبيهة له إلى حد كبير أما الصغيرة الرقيقة تلك فهى نسخة مصغرة من والدتها ولكن بشخصية أكثر قوة وعنادا ..
فبإحساس فنان عاش لألف سنة من عمره يجسد الجمال على الورق هاهم مصدرى الجمال الثانى داخل لوحته التى حاول أن يظهر بداخلها رقة وعذوبة كل تفصيلة بملامح محبوبته مصدر الجمال الأول .. وكما راهن نفسه من قبل متباهيا ب لون خدودها الأحلى من مېت وردة تلونت الآن وجنتى صغاره بلونها .... آسر وهنا ....
النهاية