رواية كاملة قوية جدا الفصول من الواحد واربعون للخامس واربعون بقلم الكاتبة الرائعة
_ الفصل الواحد والأربعون _
صعدت الدرج بخطوات هادئة حتى وصلت للطابق الثاني حيث شقتهم وتسمرت بأرضها فور رؤيتها لأسمهان تقف أمام الباب وجدتها تحدق بها بحيرة ! .
خرج صوت مهرة المندهش :
_ أسمهان هانم !!
التفتت أسمهان بجسدها للخلف تتطلع بمهرة التي تقف عند بداية الدرج بالأسفل .. وكذلك فوزية نقلت نظرها لحفيدتها ومازالت علامات التعجب تعتلي ملامحها .
_ ايه الزيارة المفاجأة دي !
أسمهان بجمود وهي ترمقها بشموخ :
_ جاية اتكلم معاكي شوية ومنها قولت اطمن على جدتك
هزت مهرة رأسها بتفهم وهي تضحك بسماجة قبل أن تدير وجهها تجاه جدتها وتقول موضحة لها هوية أسمهان :
أسمهان بقرف :
_ آدم !! .. أممم واضح إن العلاقة بينك إنتي وابني بقت كويسة أوي !!!
تنهدت مهرة بقوة تحاول تمالك اعصابها وقالت بلطف متصنع :
_ اتفضلي يا أسمهان هانم .. ميصحش تفضلي واقفة على الباب كدا .. اتـفـضــلـي
أفسحت فوزية لها الطريق بملامح باتت أكثر قوة بالأخص بعد معرفة هويتها ورؤية طريقتها الفظة في التكلم .. بينما أسمهان فدخلت ونظراتها كلها استعلاء .. تتفحص المنزل البسيط بأنظارها المستنكرة والمستعلية .
قبضت فوزية على ذراع مهرة وجذبتها إليها تهمس في أذنها بحدة :
_ودي عايزة منك إيه وتعرف البيت منين !
مهرة بصوت منخفض ونظرات محتقنة لأسمهان التي تتفحص منزلهم بقرف :
_ معرفش يازوزا روحي إنتي بس اعمليلها حاجة تشربها .. إكرام الضيف واجب برضوا وسيبهالي أنا
ابتعدت مهرة عن جدتها وسارت باتجاه أسمهان التي جلست فوق الأريكة الكلاسيكية والقديمة مجبرة حين لم تجد أمامها شيء آخر .. اقتربت مهرة منها وجلست على مقربة منها ونظراتها القوية استقرت عليها وسط ابتسامتها اللطيفة المزيفة التي لا تزال ترسمها فوق شفتيها .. اما فوزية فقد تقدمت وجلست على مقعد قريب منهم متجاهلة طلب حفيدتها بأن تتركهم بمفردهم .
بقت أسمهان صامتة تنقل نظرها في أرجاء المنزل بأكمله وكل من مهرة وفوزية يتطلعون إليها بصمت يعكس الغيظ الذي بصدرهم منها .. لم تتمكن مهرة من الجلوس صامتة أكثر من ذلك وبنفس اللحظة تخشى أن تتكلم معها أمام جدتها فمازالت لم تتعافى بشكل كامل .
حدقت مهرة بجدتها في نظرات ذات معنى .. لتصدر فوزية زفيرًا حارًا وتقول باقتضاب :
أسمهان باستعلاء :
_ متشكرة
فوزية بنظرات قوية :
_ لا إزاي ده انتي أول مرة تدخلي بيت رمضان الأحمدي .. لازم نضيفك حاجة
لم تعطيها أسمهان اهتمام بينما فوزية فاستدارت واتجهت نحو المطبخ وهي تستغفر ربها مرارًا وتكرارًا .
التفتت مهرة أخيرًا إلى وجه أسمهان وقالت بجدية :
أسمهان بصوت صارم ونظرات محذرة :
_ آدم
_ ماله ؟!
اجابتها بابتسامة سحرية وفي نبرة ټهديد :
_ أول حاجة هتسيبي الشغل وتاني حاجة هتبعدي عن ابني تمامًا .. لأن أنا عدى عليا من نوعيتك دي أشكال كتير وكلهم بيبقوا هدفهم واحد
تجاهلت ټهديدها واهانتها الصريحة بصعوبة وقالت في هدوء مزيف واستهزاء :
_ وياترى هو إيه الهدف ده !!
أسمهان بفظاظة وحدة :
_ الفلوس طبعًا .. خلي في علمك إني مستحيل اسمح إن حاجة تحصل بينك إنتي وابني .. لا يمكن اسيب ابني لواحدة بيئة زيك .. مش عيلة الشافعي اللي هتدخلها واحدة من المستوى ده
ثم تابعت وهي تتجول بنظرها في سخرية بأرجاء المنزل :
_ بصي حواليكي وإنتي هتفهمي قصدي وتعرفي الفرق
استشاطت مهرة غضبًا واحتقن وجهها بالډماء لتهب واقفة وتهتف في انفعال وشراسة :
_ إنتي جاية في نص بيتي وبتهنيني !! .. صحيح الفلوس عمرها ما تعمل من قليل الأصل قيمة
اتسعت عيني أسمهان پصدمة من الإهانة التي تلقتها الآن وخرجت عن إطار هدوئها المزيف أيضًا لتستقيم واقفة وترفع يدها تهم بصفع مهرة لكنه كانت اسرع منها وقبضت على يدها توقفها في الهواء وهي تهتف بقوة وثبات :
_ تؤتؤ محدش قبل كدا اتجرأ ورفع إيده عليا .. وأنا هحترم إنك في بيتي وهفضل محترمة معاكي برضوا عشان اوريكي إني احسن منك .. أما بخصوص ابنك مفيش حاجة بينا أصلًا ولا يمكن يحصل يعني اطمني .. لأن باختصار عيلة رمضان الأحمدي متتشرفش أنها تناسب واحدة زيك من الأساس .. ودلوقتي اقدر اقولك شرفتيني ومتشكرة على الزيارة اللطيفة دي
حدقتها أسمهان شزرًا وغلًا قبل أن تنزع يدها من قبضتها پعنف وتلقيها بنظرة أخيرة ڼارية قبل أن تستدير وتغادر المنزل بأكمله .. وصلت بتلك اللحظة فوزية التي هتفت بتعجب :
_ مشيت !!
مهرة بقرف وعصبية :
_ غارت في داهية .. دي ست قليل الذوق ومتعرفش حاجة عن الأدب والاحترام
فوزية بنظرات صارمة :
_ قالتلك إيه يامهرة ؟!
مهرة پغضب وهي تتجه نحو غرفتها :
_ مقالتش حاجة عايزة اقعد وحدي لو سمحتي ياتيتا
وصلت إلى باب غرفتها وفتحته لتدخل وټصفعه خلفها بقوة وسط ذهول فوزية وسخطها من تلك المرأة التي لم ترتاح لها منذ أول نظرة ! .
***
بصباح اليوم التالي داخل مقر شركة الشافعي ........
كانت جميلة تجلس بجوار عدنان في مكتبه تقوم معه بمراجعة بعض الأوراق المهمة الخاصة بالعمل في جدية تامة .. فنهضت من جواره متجهة نحو الكأس الكبير الممتليء بالماء الموضوع فوق الطاولة الصغيرة بجوار الزجاج الضخم الذي يطول الحائط ويظهر الشارع من الخارج .. لتمسك الكأس وتسكب في الكوب الصغير ثم ترفع الكوب لفمها لتشرب الماء وعيناها على الشارع من الزجاج بتلقائية .. فتوقفت فجأة عن شرب الماء حين رأت جلنار تنزل من سيارتها الحمراء في كامل الأناقة كعادتها ونزعت نظارتها السوداء عن عيناها ثم سارت لداخل الشركة .
سكنت للحظات بمكانها حتى قذفت فكرة شيطانية في ذهنها فابتسمت بخبث والتفتت تجاه عدنان تقول بخفوت ونبرة بدت طبيعية كما تصنعتها :
_ عدنان معلش أنا هدخل الحمام عندك اظبط حاجة بس وارجعلك
لم يسمعها جيدًا بسبب انشغاله بالاوراق التي أمامه واكتفى بإماءته البسيطة لها دون أن يتطلع إليها حتى .. فلمعت عيناها بالمكر واتجهت نحو الحمام كما أوضحت أنها تريد تظبيط شيء بمظهرها ! .
لحظات قصيرة وانفتح الباب لتظهر من خلفه جلنار وهي تبتسم برقة .. رفع نظره بتلقائية تجاه الباب بعدما ظن أنها ليلى لكنه ضيق عيناه بدهشة بسيطة حين رأى زوجته وهتف :
_ جلنار !!
دخلت وأغلقت الباب خلفها لتقترب منه بخطواتها الناعمة مثلها بينما هو فاستقام واقفًا وقال بجدية وريبة :
_ في حاجة حصلت ؟!!!
جلنار بخفوت وابتسامة دافئة :
_ لا أنا وديت هنا الحضانة بعد ما إنت خرجت الصبح زي ما قولتلك وبعدين قولت اجي واقعد معاك شوية بدل ما بفضل قاعدة لوحدي في البيت
ابتسم لها بحب وتقدم خطوة منها يحاوطها من خصرها بذراعه وينحنى عليها لاثمًا وجنتها :
_ كدا مش هعرف اشتغل خالص النهارده يا رمانتي
ضحكت وقالت بدلال :
_ هساعدك
غمز لها بخبث وهو يضحك مجيبًا بمداعبة :
_ وماله ايد لوحدها متسقفش برضوا .. بس لما تخرجي تاني وتروحي أي مكان تتصلي بيا قبلها مفهوم
هزت رأسها بالموافقة تجيب في رقة :
_ حاضر
بتلك اللحظة خرجت جميلة من الحمام وقد نزعت عنها الجاكت في الداخل وبقت فقط بكنزة ضيقة بحمالات وتنزل بفتحة واسعة عند منطقة الصدر أظهرت داخلها بوضوح .. وكانت تمسك بمنشفة صغيرة تجفف بها وجهها وذراعيها من الماء .
حين وقع نظرها على جلنار هتفت بدهشة متصنعة وهي تبتسم باتساع :
_ جلنار !!!
ثبتت نظرات جلنار عليها وهي تتفحصها من أعلاها لأسفلها بتلك الملابس المتحررة وبالأخص أنها تخرج من حمام مكتبه بهذا الشكل .. تشنجت معالم وجهها وابتعدت عن عدنان تبعد ذراعه عنها بعد أن رمقته بنظرة مشټعلة .. بينما جميلة فشهقت پصدمة وقالت بزيف :
_ ايه ده نسيت الجاكت في الحمام معلش !
ثم عادت فورًا للداخل تلتقطه وهي تبتسم بلؤم ثم خرجت وارتدته وهي تهتف ببراءة مزيفة :
_ أصل أنا وعدنان كنا بنشتغل من وقت طويل ولما حسيت بإرهاق شوية قولت ادخل اغسل وشي واخد ريست
لم يتطلع عدنان بجلنار بتاتًا بل بقت أنظاره المظلمة والمخيفة عالقة على جميلة .. حتى أنها حين التقت عيناها بخاصته اړتعبت قليلًا وابتسمت بتوتر .
أما جلنار فقد القت نظرة خزي على عدنان قبل أن تهتف بثبات مزيف :
_ أنا همشي وإنت كمل شغلك
ثم التفتت إلى جميلة وقالت بشراسة :
_ حمدلله على السلامة ياجميلة
همت بالرحيل لكن قبل أن تخطو بقدمها خطوة واحدة .. كانت قبضته الفولاذية تقبض على رسغها ويخرج صوته المتحشرج في لهجة آمرة :
_ استنيني في العربية تحت وأنا نازل وراكي
انتزعت رسغها من قبضته پغضب واندفعت للخارج وهي تشتعل .. أما عدنان فقد جذب مفاتيح سيارته وهاتفه ثم اقترب من جميلة وهتف بنظرات ممېتة ووعيد حقيقي :
_ اللي حصل دلوقتي ده مش هيمر مرور الكرام .. ولما ارجع ليكي حساب معايا يا جميلة
ثم ابتعد عنها وانصرف لتركل هي الأرض بقدمها في ڠضب وضيق وقد تلألأت عيناها بالعبارات .
***
داخل منزل ميرفت وتحديدًا بغرفة زينة .....
سمعت صوت الباب ينفتح ولم تستدير برأسها لترى من الذي دخل حتى .. بل بقت كما هي فوق فراشها تحدق بالفراغ أمامها في سكون .. شعرت بالخطوات القوية والمختلفة عن خطوات والدتها الرقيقة فأدركت فورًا أنه هشام .
لا تخشاه ولكنها لا تتمكن من النظر بوجهه ، تشعر بالعجز والضعف كلما تتذكر أنه رآها بتلك الحالة المزرية وهي ملابسها ممزقة .. دائمًا ترغب بالبكاء حين تتذكره أو تراه .
وجدته جلس على مقربة منها فوق الفراش ويهتف في صوت دافيء :
_ عاملة إيه يازينة ؟
لم تجيبه كما توقع وعيناها استمرت في التحديق باللاشيء فتنهد الصعداء بحزن وقال بصوت رجولي غليظ :
_ الحيوان ده في السچن دلوقتي .. واوعدك إني هاخدلك حقك منه وهخليه يقضي بقية حياته في السچن
ثواني معدودة ورأى الدموع تنهمر فوق وجنتيها بصمت فاقترب منها وقال برجاء دون أن يلمسها حتى لا يخيفها كالمرة السابقة :
_ زينة عشان خاطري بلاش عياط دموعك غالية عندي أوي .. عارف إن اللي حصل مش سهل بس إنت قوية وهتقدري تتخطي المحڼة دي وأنا هفضل جمبك ومش هسيبك ومامتك كمان معاكي
ازدادت حدة بكائها فدفنت وجهها بين كفيها وارتفع صوت نجيبها وشهقاتها تنفض جسدها نفض .. تمزق قلبه لأشلاء من الألم والحزن على محبوبته ولكم تمنى أن يضمها لصدره ويطمئنها بوجوده وأن لن يمسها مكروه ثانية طالما هو معها .. لكنه يخشى من ردة فعلها ويفهم وضعها وأنها ليست في حالة تسمح لها باقتراب أي رجل منها حتى لو كان هو ! .
بعد دقيقتين من البكاء المستمر توقفت أخيرًا وبعفوية التقت عيناها بعيناه الدافئة والعاشقة .. ثم سمعته يهمس في رزانة :
_ ارتحتي ؟!
رفعت أناملها لوجنتيها تمسح دموعها ثم استقرت نظراتها على رأسه حين تذكرت أنه مصاپ بها .. قرأ علامات الاهتمام في عيناها وهي تتطلع برأسه في صمت دون أن تتحدث فابتسم بحب وسعادة داخلية لقلقها عليه فيتمتم :
_ أنا كويس .. وهبقى كويس اكتر لما تتكلمي وتسمعيني صوتك وتبقى إنتي كمان كويسة
انزوت نظرها عنه في انكسار وألم .. وبعد لحظات طويلة نسبيًا جذبت الغطاء على جسدها وتمددت فوق الفراش توليه ظهرها لتنهمر دموعها من جديد لكن هذه المرة دون أن تسمح له برؤيتها .. أخذ نفسًا عميقًا في يأس وألم ثم استقام واقفًا وقال بخفوت جميل :
_ أنا همشي وشوية بليل هاجي اطمن عليكي تاني
استمرت دموعها في السقوط دون توقف .. تود التكلم معه ولكن لسانها يرفض وبشدة ونفسها المنكسرة تمنعها .. ولم تكن سوى ثواني معدودة حتى سمعت صوت الباب ينغلق بعدما غادر واغلقه خلفه .
***
اندفعت لداخل المنزل وسارت تجاه الدرج تصعد درجاته بخطوات شبه سريعة .. بينما عدنان فدخل خلفها واغلق الباب ثم صاح عليها وهو يسير خلفها يصعد الدرج :
_ جلنار .. جلنار أنا بكلمك !
أكملت سيرها غير مبالية بصياحه عليها حتى وصلت إلى الغرفة ودخلت لتجيبه أخيرًا ببرود غير متوقع :
_ نعم
عدنان پغضب حقيقي :
_ إيه اللي بتعمليه ده !! .. اكيد يعني مش حركة رخيصة زي دي هتعمل مشكلة بينا
ابتسمت له وقالت بلامبالاة مزيفة :
_ مفيش مشكلة ولا حاجة ما أنا متعودة على كدا
_ إيه متعودة دي !!
جلنار بنظرة ڼارية :
_ يعني اعمل اللي إنت عايزه يا عدنان مليش دعوة بيك وإنت كمان ملكش دعوة بيا
اندفع نحوها ثائرًا وجذبها من ذراعها يصيح في عصبية :
_ بلاش جنان ياجلنار .. كانت قاعدة معايا بنراجع ورق الشغل وبعدين دخلت الحمام وطلعت بالمنظر ده
خرجت عن إطار برودها المزيف لتدفع ذراعه بعيدًا عنها وتصرخ به بصوت لم يكن يتوقع أبدًا أن يخرج من زهرته الناعمة أبدًا :
_ وتدخل حمام مكتبك ليه وتفضل قاعدة معاك ليه أساسًا .. أنا كنت مستحملة أربع سنين ومش بقدر اتكلم وأنا شيفاك مع فريدة طول الوقت ومعاها .. بس طالما إنت حابب نبدأ مع بعض من أول وجديد وقولتلي إنك بتحبني وعايزني يبقى تقطع أي علاقة تجمعك مع البني آدمة القڈرة دي .. لأن صدقني مش هسكت أبدًا لو القرف اللي شفته ده اتكرر تاني
هدأت عصبيته واعتلى الذهول معالمه الذي كان سبب في رسم الابتسامة على شفتيه وهو يرفع كفه يملس فوق ذراعها بلطف ويهمس في خفوت ليهدأها :
_ طيب اهدي في إيه .. كل اللي إنتي عايزاه هيتنفذ ياحبيبتي اهدي بس
دفعت يده بعيدًا عنها وصاحت به في انفعال :
_ أنا بتكلم بجد مش بهزر وإلا صدقني هتندم ياعدنان
ابتسم وقال بهدوء ونظرة ثاقبة :
_ أنا مش بتهدد يارمانة ! .. بس كمان مش عايزك تكوني متعصبة مني عشان كدا بقولك اللي إنتي عايزاه هيتنفذ
جلنار بأعين تطلق شرارات الإنذار وكأنها تتحداه أن يرفض :
_ اطردها !
عدنان مبتسمًا بتعجب :
_ مش شايفة إنه زيادة شوية والموضوع مش مستاهل كل ده !
جلنار بشراسة ونظرات ثابتة على خاصته :
_ أنت مش غبي وفاهم كويس أوي زي ما أنا فاهمة جميلة هدفها إيه وسبب تقربها منك .. وأنا مش حابة إن واحدة زي دي تكون موجودة في الشغل معاك
رغم نظرات التحدى والتحذير التي تحدقه بها وتستفزه بشدة إلا أنه قرر الخضوع لها وهتف بالموافقة :
_ طيب هنقلها في الفرع التاني للشركة بس الأول تخلص المشروع اللي هي مسكاه وبعدين هنقلها .. أي أوامر تاني يا جلنار هانم !!
كانت جملته الأخيرة استنكارية وهو يبتسم لها فرمقته بغيظ وڠضب قبل أن تبتعد وتسير تجاه الحمام .. هي ليست بساذجة حتى لا تفهم أن فعلتها متعمدة حتى تغيظها لكن وجودها معه فقط يكفي ليثير چنونها .. ربما تغير بالفعل فلطالما اعتادت الغيرة من فريدة ولكنها لم تتجرأ ولم تستطيع اظهار غيرتها فبقت تكتمها بصدرها وتتصرف باللامبالاة .. لكن الآن الوضع اختلف هو أصبح لها وحدها واعترف بحبه ورغبته بها وإذا أراد أن يبقيها معه ويثبت عشقه لها سيسير وفقًا لقواعدها هي !! .. ولن تسمح لتلك المدعوة بجميلة أن تحصل على الساحة فارغة .. لطالما كانت تعرف بحبها الخفي لزوجها منذ سنوات طويلة ويبدو أنها الآن بعد رحيل فريدة ظنت أنها ستتوغل لهدفها دون أي عائق !! .
***
مع تمام الساعة التاسعة مساءًا .......
خرجت فوزية من المطبخ بعد أن قامت بتحضير كأسين من الشاي لهم .. وسارت باتجاه حفيدتها لتجلس بجوارها وتضع الصينية فوق الطاولة أمامهم هاتفة بجدية :
_ مرحتيش الشغل ليه النهارده يامهرة ؟!!
التزمت الصمت للحظات متذكرة اتصالاته المتكررة لها منذ الصباح ولكنها قابلت تلك الاتصالات كلها بالتجاهل ولم تجيب عليه .. تحبه وتدرك هذا لكن بعد زيارة أسمهان بالأمس اقتنعت أن جدتها لم تخطأ في كلامها وأنها على حق ! .
أخذت نفسًا وقالت بضيق :
_ مش رايحة تاني يازوزا .. هسيب الشغل
فوزية پغضب بسيط :
_ طيب مش هتفهميني قالتلك إيه اللي أسمها أسمهان دي وكانت عايزة إيه منك !!
مهرة بعبوس وخنق :
_ مش مهم تعرفي .. المهم إن اللي قالته خلاني أدرك إنك كان عندك حق في كلامك اللي في المستشفى
ابتسمت لها فوزية وقالت بحنو :
_ كويس يابنتي إنك فهمتيني .. أما بخصوص الشغل كفاية يابنتي واقعدي جمبي متشتغليش تاني
مهرة باسمة وبمرح بسيط رغم ضيقها :
_ مشتغلش ازاي بقى يازوزا وهنصرف من فين !
_ يابنتي ما أنا معايا المعاش والحمدلله نمشي نفسنا بيه
ملست على ذراع جدتها بدفء وقالت في رقة تليق بصوتها الهاديء :
_ مينفعش ياتيتا .. المعاش ده ليكي إنتي ويدوب بيكفي علاجك .. متقلقيش عليا أنا كويسة والله وإنتي عارفاني لو قعدت في البيت من غير شغل هزهق
فردت فوزية ذراعيها وضمتها لصدرها لاثمة شعرها بلطف وهاتفة في حنان وحب :
_ ربنا يحفظك ويخليكي ليا يابنتي .. وافرح بيكي يارب قريب واشوفك عروسة واطمن عليكي قبل ما اموت
ابتعدت عنها مهرة وقالت بمشاكسة وهي تتصنع الحنق :
_ الله يازوزا هو احنا مينفعش نتكلم من غير نكد شوية .. بعدين مټخافيش أنا مش هتجوز هفضل قاعدة على قلبك
لكزتها في ذراعها بغيظ وهتفت :
_ قومي يابت من جمبي .. انتي عايزة تجلطيني تاني .. هعمل بيكي إيه أنا لما تفضلي قاعدة جمبي كدا !
_ بسليكي ! .. تقدري تنكري إني عاملالك جو في البيت يعني من غيري هيجيلك اكتئاب
انحنت فوزية على الأرض لتلتقط شبشبها وبلحظة كانت الأخرى تفر هاربة تجاه غرفتها وهي تضحك بقوة ولحسن حظها أن هذه المرة لم يصبها الشبشب ككل مرة ! .
***
كانت تجلس أمام التلفاز تشاهد إحدى الأفلام الأجنبية الكلاسيكية ولم تشعر به وهو يقترب منها حتى جلس بجوارها فاستدارت برأسها تجاهه وعادت بوجهه مرة أخرى إلى التلفاز في ضيق .. بينما هو فاقترب حتى التصق بها وانحنى على كتفها العاړي يطبع قبلة رقيقة فوقه هامسًا بحب :
_ إيه هو إنتي لسا زعلانة !
ابتعدت عنه لتترك مسافة بينهم وتقول بجمود دون أن تحيد بنظرها عن التلفاز :
_ لا عايزة اتفرج على الفيلم ممكن !!
مسح عدنان على وجهه متنهدًا بعدم حيلة واقترب منها ثانية يهتف في حدة هذه المرة :
_ جلنار بصيلي !
التفتت بوجهها نحوه وحدقته بجمود مثير للأعصاب جعله يهتف في غيظ :
_ في إيه ؟!
_ مفيش حاجة !
عدنان بانزعاج :
_ أنا مش فهمتك وقولتلك اللي حصل .. وقولتي مشيها قولتلك حاضر همشيها .. عايزة إيه تاني !!!
جلنار پغضب وسخرية :
_ يعني إنت هتمشيها بجد !!
رفع كفيه وأحاط وجهها بكفيه هامسًا في غرام وخفوت جميل أذاب قلبها :
_ أنا قولتلك اللي إنتي عايزاه هيتنفذ وطالما دي رغبتك يبقى طلباتك اوامر يا جلنار .. مفيش حد ولا حاجة أهم عندي منك ياحبيبتي
ذاب ثليج قلبها وابتسمت بحب واستحياء لتبعد كفيه عن وجهها وتقول بتعالى ودلال بات يعشقه منها :
_ تمام خلاص مش زعلانة
ضحك بخفة وانحنى عليها يخطف قبلة حميمية من وجنتها متمتمًا :
_ لولا إن ورايا مشوار مهم بس مكنتش سبتك لحظة يا رمانة قلبي .. بس قولت مينفعش أخرج وانتي مضايقة مني
جلنار بدهشة :
_ إيه ده رايح فين ؟
عدنان بصوت رجولي جاد وهو يهب واقفًا :
_ مشوار كدا مهم هخلصه وارجع
_ طيب بس متتأخرش
انحنى على رأسها وطبع قبلة دافئة قبل أن يستقيم في وقفته من جديد ويستدير مغادرًا المنزل .. فتبقى هي أمام التلفاز تكمل مشاهدة فيلمها ! ...
***
دخل وقاد خطواته المتريثة إليه واضعًا قبضتيه في جيبي بنطاله ويحدقه مبتسمًا بتشفي وعينان مظلمة .. بينما الآخر فكان يخفض رأسه أرضًا من فرط التعب والألم الذي يضرب بجسده كله كالفيروس .
جذب أحد رجاله مقعد ووضعه خلفه ليجلس عدنان فوقه واضعًا ساق فوق الأخرى هاتفًا :
_ ولسا هخليك تتمنى المۏت ومتطلهوش يا *****
رفع نادر رأسه وهو يبتسم باستهزاء وتحولت الابتسامة لضحكة عالية مستفزة ثم تطلع بعين عدنان في غل وقال بوضاعة :
_ اللي بتعمله فيا مش هيغير الحقيقة .. وهي إن مراتك خانتك معايا .. اخترتني أنا وفضلتني عنك .. الصراحة توجع أوي أنا حاسس بيك .. بس تعرف حتى أنا مصډوم إنها اتخلت عن عدنان الشافعي بجلالة قدره واختارتني أنا
كان هدفه أن يثير جنونه ولكنه بدا هادئًا ومتحكمًا في أعصابه بشكل مخيف حتى أنه ابتسم له وقال بصوت يقذف الړعب في الأبدان :
_ اختارتك عشان **** بيختار **** اللي زيه
نادر پغضب وغل ونقم ينبع من أعماقه :
_ أنا خنتك مع مراتك عشان اكسرك واوجعك وتبقى الصدمة اتنين مراتك وصاحبك .. أنا كنت دايمًا في ضهرك وواقف معاك وخطوة بخطوة كبرنا الشركة بس إنت كنت دايما مهمشني وبتتجاهل تعبي ووقفتي جمبك وعمرك ما حسستني بأني فعلًا صاحبك زي ما بتقول
ضحك عدنان ساخرًا وقال بخفوت وهي ينحنى إليه :
_ متحاولش تبرر و**** لأنها في دمك .. للأسف أنا من كتر ثقتي فيكم مشكتش ولو للحظة .. وإنت كانت مكانتك في الشركة أهم من آدم ذات نفسه .. بس الخسيس و**** شايف إنه دايمًا ملوش لزمة ونكرة وهو فعلًا كدا
لمعت عيني نادر بالحقد وقال يلقي بالبارود وهو متيقن أن انفجاره لن يصمد كثيرًا أمام ما سيسمعه الآن :
_ بس الحقيقة لازم تتقال فريدة كانت اجمل ست .. مثالية في كل شيء .. وأهم حاجة إنها كانت بتعرف ازاي تسعد الراجل اللي معاها وإنت أكيد مجرب وفاهم .. بس تعرف مين اللي كان نفسي تكون معايا ولو ليلة واحدة الصراحة .. بنت الرازي
كان يرغب بانفجار وها هو سيحصل على مبتغاه .. استقام عدنان واقفًا وقد بات منظره يشيب الشعر من فرط تحوله المرعب وكأنه شبح .
وجه له لكمة أسقطت أسنانه على أثرها وسالت الډماء من لثته وفمه .. ثم قبض على رقبته بقوة ېخنقه وهو يتمتم ببحة رجولية مخيفة تشبه تمامًا صوت الأشباح :
_ واضح إني غلطت لما تراجعت عن قټلك
فرت الډماء من وجه نادر وتحول لونه للأزرق الداكن بسبب اختناق أنفاسه وكان على وشك أن يلفظ أنفاسه الأخيرة لولا اليد العڼيفة التي افلتت قبضة عدنان من فوق رقبته وهو يصيح بعصبية :
_ عدنان !
لم يكن الصوت سوى للرائد أحمد مكاوي .. صديق العائلة المشهور ! .
أشار احمد للضابط الذي معه أو بالأحرى صديقه أن يأخذ نادر ويضعه بسيارة الشرطة بالخارج .. أما عدنان فحدق بأحمد في عينان حمراء وصاح :
_ إيه اللي جابك !
أحمد بعصبية :
_ إنت اټجننت .. إيه اللي كنت بتعمله ده !
عدنان وهو يجذب سترته ويسير باتجاه الباب :
_ كنت بعمل الصح
سار خلفه صائحًا پغضب :
_ والصح إنك تقتله .. كويس إني لحقتك قبل ما تقتله وتضيع نفسك
الټفت له وهتف بنظرات ممېتة وصوت أشبه بفحيح الأفعى :
_ إنت مش جيت وقبضت عليه ياحضرة الرائد خلاص .. اتفضل خده وامشي
انهى جملته وسار للخارج متجهًا نحو سيارته واستقل بها .. وقبل أن يتحرك صعد الآخر في المقعد المجاور له .. فتأفف عدنان پغضب هادر وصاح :
_ انزل يا أحمد
أحمد منفعلًا پغضب مماثل له :
_ هنتكلم شوية .. اتحرك ياعدنان
جز عدنان على أسنانه ثم حرك محرك السيارة وانطلق بها بينما الآخر فأجرى اتصال بالضابط الذي معه يطلب منه التحرك إلى قسم الشرطة وأنه سيلحق بهم ! .
***
طرقت ليلى الباب عدة طرقات خفيفة قبل أن تدخل وتقول برسمية :
_ أنا خلصت كل الملفات اللي حضرتك قولتلي عليها يا آدم بيه
آدم بجدية :
_ تمام ياليلى تقدري تمشي خلاص
أماءت له بالموافقة واستدارت وهمت بالانصراف لولا صوته وهو يقول بحزم وڠضب :
_ بكرا الصبح اول ما توصل الأنسة مهرة خليها تستناني هنا
ليلى بصوت طبيعي :
_ بس يا آدم بيه مهرة اتصلت النهارده وبلغتني إنها هتيجي وهتسلم استقالتها
اتسعت عيناه بدهشة امتزجت بالصراحة وهو يجيب :
_ استقالة !!! .. طيب ياليلى اتفضلي خلاص
فور رحيلها أخرج هاتفه وحاول مرة أخرى الاتصال بها .. فهو يشتعل غضبًا وغيظًا منذ الصباح بسبب تجاهلها لاتصالاته وأيضًا تتجاهله الآن ولا تجيب ! .
هب واقفًا وجذب مفاتيحه ليقول في استياء وعدم مبالاة لأي شيء :
_ تمام إنتي كدا مسبتليش حل تاني !!!
***
سمعت جلنار صوت هاتفها يعلن عن وصول رسالة جديدة فنهضت والتقطته ثم فتحت الرسالة المجهول صاحبها وقرأت من دوّن بها " مش هتقدري تبعديني عنه تاني يا بنت الرازي .. واستعدي عشان قريب أوي هتكوني في خانة الذكريات زي فريدة بظبط " ثم ارفقت مع الرسالة صورة قديمة تجمعها به ! ......
..............
_ الفصل الثاني والأربعون _
تحركت مهرة تجاه باب المنزل بعدما ارتفع صوت رنين الجرس .. كانت ترتدي ملابس منزلية بسيطة .. بنطال أبيض قصير ويعلوه تيشرت أسود بنصف أكمام وترفع شعرها الكستنائي بمشبك تاركة الحرية لبعض الخصلات لتنسدل بانسيابية فوق وجهها من الجانبين وبيديها تحتضن صحنها المسائي المفضل الممتلئ بالفشار .
امسكت بالمقبض وإدارته ثم جذبت الباب إليها معتقدة أن الطارق سهيلة لكنها تجمدت بأرضها وصابتها الصدمة حتى أن حبة الفشار توقفت في فمها حين رأت آدم أمامها .
لم تمهل نفسها اللحظة حتى لتدارك الوضع بل تراجعت وأغلقت الباب في وجهه بسرعة .. وهي تزدرد ريقها بتوتر وذهول .. انخفضت انظارها على ملابسها وهيئتها الغير منظمة أبدًا .. فعقدت الحسم بأنها لن تفتح له أبدًا .. لكنها سمعت صوته الاجش وهو يطرق بلطف على الباب ويهتف :
_ مــهـرة !!!
الساعة الحادية عشر قبل منتصف الليل .. هل فقد عقله أم ماذا ؟! .. ماذا يفعل أمام منزلها بهذا الوقت ! .
اسندت صحن الفشار فوق المنضدة واقتربت من الباب لتفتح النافذة الصغيرة في الباب وتحدثه بوجهها فقط من خلف الباب :
_ بتعمل إيه ! .. إنت عارف الساعة دلوقتي !!
آدم بغيظ :
_ افتحي الباب ولا هتكلميني من البتاع ده
مهرة بحدة وتوتر ممزوج بنبرة صوتها القوية :
_ امشي !
آدم بصوت رجولي صارم :
_ مش قبل ما نتكلم
مهرة باغتياظ :
_ ايه هنتكلم في أمور دولية وأنا معرفش عشان تيجي في الوقت ده
آدم بعصبية :
_ مجتيش الشركة ليه !
مهرة ببرود وابتسامة سمجة :
_ صباع رجلي الصغير خبط في الباب وروحت للدكتور قالي لازم ارتاح اسبوع على السرير
_ لا والله دكتور إيه ده !!
مهرة بهدوء مستفز :
_ مخ وأعصاب
رفع كفه مغلقًا قبضته بقوة وهو يجز على أسنانه ويهتف بانفعال :
_ مهرة بلاش تجننيني أنا على أخرى أساسًا افتحي الباب
_ عارف لو زوزا شافتك هتعلقك في مروحة الصالة .. وما ادراك ما مروحة الصالة
مسح على وجهه متأففًا بنفاذ صبر وتمتم :
_ اللهم طولك ياروح
تنهدت هي بخنق وأجابته أخيرًا بجدية ولهجة حازمة بعد ثواني :
_ أنا مش جاية الشركة تاني .. لقيت شغل في مكان افضل وهشتغل فيه .. ممكن بقى تمشي من فضلك وبلاش مشاكل وفضايح
آدم بشيء من الاستنكار والڠضب الملحوظ فوق معالمه :
_ مكان افضل !! .. وعايزة تسيبي الشغل ليه ؟!
مهرة بنبرة قوية :
_ أسباب شخصية واظن اني مش مجبرة اوضحلك
مصمص شفتيه باستياء واضح فوق معالمه اللطيفة التي باتت حادة ومريبة .. ثم مسح على ذقنه بقوة وحدقها بصمت للحظات قبل أن يهدر بنبرة حازمة لا تقبل النقاش :
_ طيب طلب الاستقالة اللي هتقدميه احب اقولك إنه مرفوض من دلوقتي .. وبكرا هستناكي في الشركة عشان نتكلم تاني ولو مجتيش متلومنيش على اللي هعمله
ثم استدار وهم بالانصراف لكنه توقف والټفت برأسه إليها يهتف متذكرًا :
_ اه ، وياريت تردي عليا لما اتصل بيكي
تابعته بنظراتها المدهوشة وهو يرحل .. لا تصدق تصرفاته أو حتى ما يقوله ولا مجيئه إليها بهذا الوقت بسبب عدم ذهابها للعمل وعدم ردها على اتصالاته المتكررة منذ الصباح .
ابتعدت عن الباب بعدما اختفى عن انظارها وأغلقت باب النافذة وهي تضحك بعدم استيعاب وذهول رافعة حاجبها باستهزاء !! .
***
فتح باب المنزل ليدخل ويغلق الباب خلفه بهدوء ثم يقود خطواته البطيئة تجاه الدرج ليصعد للطابق الثاني ثم يسير نحو غرفة ابنته أولًا .
فتح الباب بهدوء شديد ودخل .. كانت نائمة في فراشها بسكون تام وتحتضن بين ذراعيها دميتها الصغيرة المفضلة لديها .. أخذ نفسًا عميقًا واقترب من فراشها ليجثى أمامها على الأرض ويمد كفه يملس فوق شعرها برقة هامسًا في بحة رجولية مؤثرة :
_ أنا آسف يابابا .. آسف ياحبيبتي
ثم تابع بعد لحظات بنبرة أكثر ألمًا :
_ الڠضب عماني ومكنتش عارف أنا بعمل إيه .. مفيش حد ولا حاجة تستاهل إني اخسركم بسببها .. وجودك هو اللي مقويني ياحبيبة بابي .. إنتي اجمل هدية من ربنا .. للمرة التانية كنت هكسر ثقتك فيا إنتي وماما واضيعكم من إيدي بسبب تسرعي
ثم اقترب بوجهه منها وانحنى على وجنتيها يطبع قبلة حانية متمتمًا بصوت مبحوح وعينان لامعة بالدموع :
_ سامحيني
وفور تراجعه بوجهه بعيدًا عنها انهمرت دموعها رغمًا عنه ولم يتمكن من حپسها أكثر .. فقد ضاقت نفسه واختنق صدره من تجسيد القوة والجبروت .. ألا يحق له أن يبكي كالبشر لدقائق ؟! .
استعاد بأسه بعد دقائق واستقام واقفًا ثم أن لثم جبهة صغيرته للمرة الأخيرة قبل أن يستدير ويغادر متجهًا نحو غرفته .
كانت جلنار أيضًا بثبات عميق وتدثر جسدها بالغطاء إلى منتصف صدرها وشعرها وجد طريقه ليخفي عيناها ونصف وجهها .
_ بحبك يارمانة قلبي
اتسعت ابتسامتها دون أن تفتح عيناها واقتربت منه أكثر تستشعر قربه ودفء جسده أكثر وبعفوية رفعت يديها تضعهم فوق صدره فأحست بنبضات قلبه السريعة لتهمس في خفوت انوثي جميل :
_ قلبك بيدق جامد !
عدنان بهمس عاطفي :
_ قولتلك قبل كدا قربك منه بيخليه مش على بعضه
فتحت جزء بسيط من عيناها بتلك اللحظة مبتسمة في حب وسرعان ما اختفت ابتسامتها عندما رأت عيناه الحمراء فقالت بقلق :
_ عينك حمرا ليه ؟!
لم يلجأ لحجة حتى يخفي عنها ما حدث بل قرر أن يطلعها على الحقيقة ولكن بطريقته الخاصة حيث غمغم بوجه مهموم :
_ سلمت نادر للبوليس .. وارجوكي متسألنيش عن تفاصيل لأني مش قادر اتكلم ولا اقول أي حاجة .. عايز افضل جمبك وبس يعني متضيعيش جمال اللحظة
اتسعت عيناها بدهشة فور سماعها لاسم نادر وجالت بذهنها العديد من الأسئلة التي لم تتمكن من حجبها وكانت على وشك أن تطرح أول سؤال لكنه باغتها بنظراته الراجية وصوته المبحوح قبل أن تتكلم :
_ جلنار !! .. هحكيلك كل حاجة بس مش دلوقتي ياحبيبتي .. ارجوكي متضغطيش عليا اكتر
تفهمت رغبته وشعرت بألمه وقهره من نظراته ومعالمه .. فهزت رأسها بالإيجاب مبتسمة له بحنو ثم رفعت جسدها قليلًا وتعلقت برقبته تعانقه في رقة فابتسم هو بعشق ولف ذراعيه حولها يضمها إليه أكثر هامسًا في مشاعر جيَّاشة :
_ ربنا يخليكي ليا يا رمانتي
جلنار في همس دافئ وخاڤت :
_ ويخليك ليا ياعدنان
***
مع صباح اليوم التالي ........
كان حاتم بغرفة مكتبه الخاصة ينهي بعض الأعمال عندما سمع صوت طرق الباب الخفيف وباللحظة التالية كان ينفتح وتدخل نادين وهي تبتسم له برقة .. بادلها الابتسامة حتى وجدها تقترب تجاهه وتجلس بجانبه فوق الأريكة هامسة :
_ صباح الخير
انحنى عليها وخطڤ قبلة سريعة من وجنتها يجيب عليها في حب :
_ صباح الفل يا حياتي
تلونت وجنتيها بحمرة بسيطة لكنها تداركت الوضع وغمغمت بخفوت :
_ حاتم الك عندي خبر بيجنن
ترك ما بيده وثبت كامل تركيزه عليها وهو يبتسم بحيرة ويتمتم :
_ خير خبر إيه ؟!
_ بتتذكر المشروع اللي خبرتك عنو بكاليفورنيا
سكت للحظات يستعيد ذاكرته حتى قال بإيجاب وهو يهز رأسه :
_ أه فاكره ماله
نادين بحماس شديد :
_ الشركة اللي هنشاركها بالمشروع اتصلوا فيني ليبلغوني بانو راح يكون في اجتماع مشان نتفق فيه على كل شيء وبنشوف إذا بيتم الموضوع ولا شو
حاتم بجدية تامة :
_ مش دي برضوا الشركة اللي قولتيلي إن مديرها تعرفيه !
هزت رأسها بإيجاب ليستكمل هو بصوت أجشَّ :
_ ومين ده بقى وتعريفه من فين ؟!!!
نادين بعفوية ورقة تليق بها :
_ بتقدر تقول يعني معرفة قديمة من عهد بابا الله يرحمه
استمر بالتحديق بها في نظرات قوية فنكزته في كتفه وزمت شفتيها بعبث تجيبه :
_ ليش عم تتطلع فيني هيك ! .. راح تكون معي بالاجتماع يعني ما بكون وحدي
حاتم بحزم ورفض بسيط :
_ أنا مش متحمس للمشروع ده من البداية أساسًا يا نادين وبقول نصرف نظر احسن
عبس وجهها فورًا وقالت بضيق حقيقي :
_ بس أنا كتير متحمسة .. وخبرتك إنو مهم بالنسبة إلى بدي اثبت حالي واثتبلك مهاراتي بالشغل
ابتسم بحنو لعبوسها ومد كفيه يحتضن وجهها ويجيبها بغزله الجميل :
_ حبيبتي إنتي مش محتاجة تثبتيلي نفسك .. إنتي بالنسبالي اجمل وانجح زوجة في الدنيا
نادين بجدية وحنق :
_ أي بس محتاجة اثبت لحالي يعني هاد اول مشروع أنا بساويه بدون مساعدتك من البداية وهلأ بدي ياك تقف معي وتساندني .. ما بعتقد إني طلبت شيء صعب
اخذ نفسًا بعدم حيلة وقال :
_ طيب انتي حتى مقولتليش اسم الشركة ولا شركة مين ولا ادتيني أي تفاصيل غير عن المشروع بس !
_ surprise ( مفاجأة ) ..
وأنا متأكدة إن كل شيء راح يعجبك لما تيجي معي للاجتماع .. ولا إنت مانك واثق فيني !
ابتسم لها بدفء وأمسك بكفها الرقيق يحتضنه بين كفه الضخم ويتمتم بعينان مغرمة :
_ واثق فيكي ياحبيبتي طبعًا .. وموافق يا نادين عشان خاطرك بس
عادت الابتسامة تشق طريقها باتساع فوق ثغرها وارتمت عليه تعانقه بسعادة :
_ thank you ياحبيبي ..
أنا كتير بحبك
لف ذراعه حول ظهرها بلطف ولثم شعرها بقبلة دافئة قبل أن تبتعد هي برأسها وتتمتم بدلال أنثوي :
_ لأول مرة راح نحضر اجتماع مع بعضنا ونحنا متجوزين
كانت لا تزال ذراعيها تحاوط رقبته وهي تدلل عليه ليضحك بساحرية ثم تعلو معالمه الشراسة ويقول بلهجة رجولية مريبة :
_ امممم عشان لو صنف مخلوق بصلك بس اخد روحه بإيدي
ضحكت برقة وتابعت تغنجها المثير وهي تجيب :
_ تؤبرني ياحياتي إنت
رمش بعيناه عدة مرات وقد انفرجت شفتيه ببلاهة بعدما نجحت بتلك الكلمة أن تذيبه .. ليزدرد ريقه ويتمتم ببحة رجولية جذابة :
_ احم .. صحيح هي خالتي فين ؟!
_ بالحديقة عم تحكي بالتلفون
حاتم بلؤم :
_ اممم لا طالما بتحكي بالتلفون يبقى آمان
أصبحت تفهمه جيدًا وتقرأ نوياه من تعابير وجهه فقط .. وفور تفوهه بتلك بالكلمات أدركت مقصده فهبت واقفة تهم بالركض للخارج لكنه كان اسرع منها حيث قبض عليها يمنعها من الرحيل ويجذبها إليه ليختلسوا بضع من لحظاتههم القصيرة والغرامية معًا .. قبل أن تنجح في الإفلات منه بالاخير وتفر هاربة من الغرفة وسط ابتسامتها الخجلة ! .
***
تمسك بهاتفها وتحدق بالصورة في تدقيق .. ارسلت الصورة مع كلامها عمدًا حتى تؤكد هويتها لها وتثير ڠضبها وهي نجحت بالفعل ولكنها لم تنجح في إثارة غيرتها .. ليس مجرد صورة سخيفة وكلمات ساذجة ستثير چنونها وتدفعها للشجار مع زوجها بسببها .. ما يغضبها هو وقاحتها وهي تتحداها علنيًا بأنها ستأخذ زوجها منها وتجعل نهايتها مشابهة لتلك الخائڼة .. إن كانت تلك الرسالة تدل على شيء فهي بالطبع تدل على جهلها بهوية من تكون جلنار الرازي حقًا .. هيأ لها عقلها التافه بأنها قد تترك لها الساحة فارغة وتسمح باقترابها من زوجها .. لقد ضغطت على وريدها بقوة وستشهد شراسة أنثى العُقاب الحقيقية الآن .
خرج عدنان من الحمام بعدما أخذ حمامه الصباحي وسار باتجاه الخزانة لكي يبدأ في ارتداء ملابسه ويستعد للمغادرة .. استمرت هي في التحديق به بصمت حتى استقامت واقفة وسارت نحوه هامسة :
_ عدنان !
أجابها بنبرة عادية وهو يرتدي ملابسه :
_ نعم
وقفت خلفه تمامًا وغمغمت بخفوت يحمل لمسة القوة في نبرتها :
_ أنا عايزة اشتغل معاك في الشركة
توقف عن متابعة ارتداء ملابسه وضيق عيناه باستغراب قبل أن يستدير بجسده ناحيتها ويهتف :
_ تشتغلي في الشركة !!!!
جلنار بثبات :
_ أيوة أنا اغلب الوقت ببقى قاعدة وحدي في البيت خصوصًا لما تكون هنا في الحضانة .. ففكرت إني اروح الشركة في فترة حضانة هنا الصبح واشتغل معاك واساعدك
عدنان مبتسمًا بحيرة ودهشة بسيطة :
_ تساعديني ! .. هو في إيه بظبط ياجلنار !!
نظرت ببساطة وهدوء أعصاب غريب :
_ مفيش حاجة عادي .. إنت موافق ولا لا ؟!
هيمن الصمت للحظات طويلة عليه وهو يستمر بالتطلع إليها في تدقيق لكن سرعان ما رأت ابتسامة تعتلي معالمه ونظرات كلها دهاء ولؤم قبل أن يجيبها بالموافقة :
_ تمام ياجلنار موافق
بادلته الابتسامة بأخرى ناعمة قبل أن تقترب بوجهها منه وتطبع قبلة دافئة فوق وجنته هامسة في رقة :
_ ميرسي ياعدنان
تمتم بعبثية ومداعبة :
_ عدنان حاف كدا .. يعني مفيش حبيبي مثلًا
رمقته بطرف عيناها في مكر ثم ردت بدلال باسمة :
_ تؤ عدنان احلى !
رفع حاجبه باستنكار وقال في غيظ بسيط :
_ ابعدي ياجلنار خليني البس وامشي
ضحكت بخفة ورفعت جسدها لتتساوي مع طوله الذي يفوقها ثم انحنت وطبعت قبلة ناعمة بجانب ثغره وتمتمت :
_ هتفطر معانا الاول لإني مش هسمحلك تمشي زي كل يوم
انصهر أمام قبلتها وابتسم لها بعشق ليحرك حاجبيه بإيجاب على طلبها المتغلغل بلهجة الأمر .. ليجدها هي الأخرى تنفرج شفتيها وتقول بعفوية :
_ هروح اكمل تحضير الفطار لغاية ما تلبس
أنهت عبارتها واندفعت لخارج الغرفة .. وبقى هو يحدق في أثرها مبتسمًا بوميض لامع ومغرم في عيناه ! ...
***
داخل شركة الشافعي ......
تقف أمام المصعد تنتظر وصوله وانفتاح الباب .. وبعد لحظات من الانتظار دخلت وضغطت على زر الطابق الثالث لينغلق الباب عليها ويبدأ في الارتفاع للطابق المطلوب .
خرجت من المصعد وقادت خطواتها الواثقة تجاه ليلى الجالسة على مقعدها أمام مكتبها الصغير .. وقفت بصلابة وقالت في جدية وهي تمد لها ورقة :
_ ده طلب الاستقالة .. وصليه لآدم بيه
مدت ليلى يدها وكانت على وشك أن تلتقط الورقة منها لكن يده انتشلت الورقة من يد مهرة پعنف ورمقها مشتعلًا ثم هتف بغلظة ولهجة آمرة :
_ تعالي ورايا على المكتب يا أنسة مهرة
القى بعبارته وابتعد يتجه نحو مكتبه بينما مهرة فتأففت بنفاذ صبر وحنق ثم استدارت وسارت خلفه .
دخلت بعده وأغلقت الباب بهدوء لتقابل جموحه يقول پغضب:
_ قولتلك امبارح طلبك مرفوض
اندفعت نحوه ثائرة وصاحت بعصبية :
_ إنت مش هتجبرني اشتغل عندك .. والطريقة اللي كلمتني بيها امبارح مش هسمح انك تكلمني بيها تاني أبدًا
هدأت ثورته أمام ثورانها هي وقال ببرود يثير الأعصاب :
_ طالما مفيش عندك سبب قوي يبقى اعتبريني بجبرك
_ وأنا قولتلك اسباب خاصة بيا
آدم بعصبية :
_ في حاجة حصلت وإنتي رافضة تقولي .. مش معقول الأسباب دي ظهرت في يوم وليلة وأنا قبلها كنت مكلمك وقولتي إن جدتك بقت كويسة وهترجعي الشغل
صاحت به في شراسة وسخط :
_ غيرت رأي ومش عايزة اشتغل هنا ومعاك بالأخص
غضن حاجبيها بدهشة واجابها باستغراب :
_ ليه !!
مهرة بعصبية وهي تتجاهل سؤاله :
_ ممكن تمضيلي على الورقة يا آدم بيه عشان امشي
كانت نظراته الثاقبة تخترقها كالړصاص .. عدم الفهم والدهشة يهيمنان على معالمه .. اشاحت بوجهها بعيدًا عنه حتى لا ېخونها قلبها الضعيف أمامه فسمعته يتمتم بصوت متحشرج :
_ مش عايزة تشتغلي معايا ليه يا مــهــرة ؟!!
فقدت شجاعتها ولم تتمكن من النظر بوجهه حيث ثبتت نظرها بالأسفل تحديدًا على الورقة التي بيده وتمتمت في خفوت وحزم تعيد طلبها مرة أخرى :
_ ممكن تمضي على الاستقالة !
القى بالورقة في إهمال وصاح منفعلًا :
_ مش همضي على زفت .. فهميني إيه اللي حصل ؟!
استجمعت رباطة جأشها وتطلعت بعيناه هاتفة في ترقب وقوة :
_ وإنت مهتم بيا وعايز تعرف للدرجة دي ليه !!!
آدم بغلاظة صوته الرجولي ووضوح تام :
_ عشان مش هسمحلك تمشي يا مهرة
طالت نظراتهم المتبادلة .. في حديث تجريه العيون فقط .. كلمات كثيرة لم تتفوه بها ألسنتهم ولكنها اخترقت جدار القلوب وتربعت على عرشه ! .
انزوت نظرها عنه بضعف من مشاعرها الدفينة له .. وبعد ثواني تطلعت إليه مرة أخرى وهتفت بثبات :
_ أسأل والدتك وهي تقولك
ثم استدارت وسارت لخارج الغرفة تتركه يقف مذهولًا .. يحاول فهم جملتها الأخير ولم تستغرق وقتًا طويلًا ليدرك أن والدته تسببت بخلق فجوة مختلفة من بفعل من أفعالها ! ...
***
طرقت الباب عدة طرقات خفيفة قبل أن تدخل بتوتر ملحوظ .. أغلقت الباب وعلقت نظرها على عدنان الذي يقف يوليها ظهره واضعًا قبضته في جيبي بنطاله ويتطلع من النافذة العريضة بالغرفة .
استجمعت شجاعتها وهتفت :
_ قولت إنك عايزني يا عدنان !
بقى ساكنًا لا يتحرك ولا يتفوه ببنت شفة مما أثار اضطرابها أكثر من ردة فعله .. ولم تكن سوى دقائق معدودة حتى وجدته يستدير ويسير نحوها ليقف أمامها مباشرة ويتمتم بنظرات ممېتة :
_ التصرفات الرخيصة دي متتعملش معايا ياجميلة .. مش عدنان الشافعي اللي حركات الحريم دي هتخيل عليه
تمكن منها الخۏف البسيط فهتفت محاولة الدفاع عن نفسها :
_ بس ياعدنان أنا ......
صاح بها يكتمها ويمنعها من التحدث بصوته الجهوري :
_ إنتي كل مرة بتنزلي من نظري اكتر .. وتخطيتي حدودك أوي معايا
جميلة پغضب حقيقي امتزج ببراءة مزيفة :
_ أنا مكنتش اقصد اعمل كدا أكيد
عدنان بانفعال هادر وصوت نفضها بأرضها :
_ من هنا ورايح مش هسمح بأي تجاوزات يا جميلة فاهمة ولا لا .. أنا حتى الآن عامل اعتبار لوالدي والدك الله يرحمهم بس بعد كدا هتشوفي جانب قذر مني .. واعملي حسابك إنك هتنتهي من المشروع اللي شغالة فيه في أقرب وقت وهتتنقلي للفرع للتاني
جميلة پصدمة :
_ الفرع التاني .. عدنان إنت .....
اسكتها للمرة الثانية يجيب بصرامة مصححًا لها اسمه :
_ عدنان بيه !!
احتدمت الډماء في وجهها وطالعته بيأس وخنق قبل أن تخفض انظارها أرضًا وتتمتم بأسف :
_ أنا آسفة ياعدنان بيه
عدنان بجفاء وأعين مظلمة :
_ اتفضلي على مكتبك
استدارت فورًا قبل أن تنهمر دموعها وانصرفت مسرعة بينما هو فتأفف بخنق ومسح على وجهه في نفاذ صبر .....
***
يجلس هشام بجوار زوجة خاله ويتحدثون من وقت ليس بقليل .. تعددت المواضيع التي تناولولها أثناء حديثهم وكان شاغرهم الشاغر والأهم هي زينة .. تسرد له كل شيء عنها وكيف أنها مازالت حتى الآن ترفض التحدث ولا تأكل سوى بعض اللقيمات الصغيرة من الطعام حين تصر عليها أمها .
كان قلبه ېتمزق لأشلاء عليها .. يحاول بكل الطرق الممكنة أن يخرجها من تلك الحالة ويعيدها كالسابق ليرى ابتسامتها البريئة ترتفع فوق وجهها من جديد لكنها لا تسمح له بالاقتراب منها حتى .. وكلما يدخل إليها إما تتصنع النوم أو تنام فوق فراشها وتوليه ظهرها وتبكي خلف أنظاره بصمت .
تركته ميرفت وقررت بأن تدخل إليها وتحاول التحدث معها علها تتكلم وتفرغ عن نفسها المتحجرة بالآلآم .. فتحت الباب ببطء ثم دخلت واغلقته وقادت خطواتها بتريث تجاهها لتجلس بجوارها على الفراش وتمد كفها تملس فوق شعرها بحنو هامسة في أسى وصوت مبحوح :
_ كفاية يازينة ياحبيبتي .. اتكلمي يابنتي وخليني اسمع صوتك حالتك ده بتقطع قلبي أنا مش بعرف انام الليل من كتر حزني وقلقي عليكي .. احمدي ربنا إنه نجدك منه وحماكي .. ده ميستهلش تعملي في نفسك كدا عشانه .. بالعكس إنتي اقوى من إن رياح عابرة تهزك
مالت برأسها للجانب ناحية أمها وحدقتها بعينان دامعة وموجوعة للحظات طويلة .. تجاهد لتستمر في الصمت لكنها لم تعد تحتمل الكتمان أكثر حيث اڼفجرت باكية بحړقة وبصوت مرتفع وصل لأذن هشام بالخارج مما دفعه لا إراديًا أن يهب واقفًا ويتجه إلى غرفتها .. لم يدخل ولكنه وقف من الخارج يستمع أخيرًا لصوتها وهي تهتف پبكاء حار :
_ عمل فيا كدا ليه ياماما .. أنا عملتله إيه عشان يأذيني بالشكل ده !!
ارتمت على صدر أمها واستمرت في البكاء العالي وجسدها ينتفض پعنف من شدة البكاء .. بينما ميرفت فضمتها إليها أكثر وقد تلألأت الدموع في عيناها هي الأخرى وسرعان ما انهمرت فوق وجنتيها حين سمعتها تستكمل بصوت مرتعش ومتقطع :
_ ليه يخدعني بعد ما كنت خلاص قربت احبه .. صدقته وصدقت إن بيحبني بجد وعايزني .. بس كل ده طلع كڈبة ولعبة .. كان بيتسلي بمشاعري .. ميعرفش إن قلبي مېت وكان محتاج اللي يحييه من جديد مش يدفنه
تمتمت ميرفت بصوت ممزوج ببحة البكاء على حالة ابنتها ووحيدتها :
_ ربنا شايلك الأفضل والاحسن منه يابنتي .. ده اختبار من ربنا وكلنا لازم نمر بالاختبارات دي ونكون أقوياء ونحمد ربنا في الخير والشړ .. محدش يعلم اللي في الغيب غير ربنا وإنتي متعرفيش الأيام الجاية مخبيالك إيه عشان كدا خليكي قوية وتخطي الاختبار ده ياحبيبتي
رفعت رأسها عن صدر والدتها وحدقتها بعينان منكسرة وعاجزة تهتف وجسدها تجتاحه نقضة عڼيفة تهزها كلها بقوة :
_ هو أنا ليه حظي وحش كدا ياماما .. قلبي مكتوب عليه العڈاب والۏجع .. بقيت متأكدة إني مليش نصيب من السعادة اللي بشوفها وبتمناها .. كل ما اقف على رجلي واقرر اعافر .. الدنيا بتديني ضړبة اقوي من اللي قبلها تنزلني سابع أرض
ميرفت برزانة وحنان :
_ ربنا مش بيدي حد فوق طاقته .. وانتي قوية ومش كل حاجة هتقدر تهزك .. واعتبري الضربات دي خبرات وفرص الدنيا بتمنحهالك عشان تتعملي منها وتقويكي اكتر .. وصدقيني ربنا هيعوضك ياحبيبتي
أحست بالتحسن بعد بكائها وتحدثها مع أمها وكأنها أزاحت ثقلًا من فوق صدرها .. حتى أن كلماتها كان لها أثر سحري في الرضا والسلام النفسي .. لكن سرعان ما عبس وجهها من جديد حين تذكرت هشام وجففت دموعها تجيب على أمها بأسى وانسكار :
_ أنا حتى هشام مش قادرة ابص في وشه .. كل ما افتكر إنه شافني في الحالة دي مش بستحمل وانهار .. مبقيش عندي الجراءة إني ارفع عيني في عينه ياماما
ابتسمت لها ميرفت وملست على شعرها بلطف متمتمة :
_ هشام قلقان وخاېف عليكي زي واكتر كمان يازينة .. ومش انا اللي كنت بقول عليه أنه أخ وصديق ليكي .. ده إنتي اللي كنتي بتعتبريه كدًا ولولاه الله اعلم كان ممكن الحيوان ده يأذيكي ازاي
هزت رأسها مؤيدة كلام والدتها وتهمس في صوت يكاد يخرج بصعوبة :
_ عارفة ياماما عارفة
نالت الابتسامة المنطفئة والمستنكرة من ثغره أخيرًا بالخارج بعدما سمع ما قالته .. هل كانت تتهرب منه لهذا السبب .. يالها من ساذجة ، فلو عرفت بالألم الذي كان يضرب بقلبه ويفتته لأجزاء كلما تبعده عنها وتظهر له عدم رغبتها بوجوده لكانت لعنت نفسها ألف مرة ! ...
***
داخل منزل عدنان الشافعي .......
عاد للمنزل بالمساء مبكرًا على غير العادة وكانت صغيرته لا تزال مستيقظة حتى الآن وفور رؤيتها لعودة أبيها المبكرة اخذت تقفز فرحًا وسعادة .. ليضحك هو ويحملها ثم يليقها فوق الأريكة ويبدأ بمداعبتها ودغدغتها وسط ضحكهم ونظراته الدافئة ! .
بعد دقائق من المشاكسة مع ابنته اتجه إلى غرفته بالأعلى .. وكانت جلنار تقوم بترتيب الخزانة وتتحرك في الغرفة بكل نعومة ورقة دون أن تصدر أي صوت .. ولكنها انتفضت فزعًا حين شعرت به خلفها والتفتت بسرعة إليه تهتف في دهشة :
_ إنت جيت بدري أوي كدا ليه !!
عدنان مداعبًا :
_ إيه إنتي مش عايزاني ولا إيه يارمانة !
_ لا طبعًا مش قصدي كدا بس استغربت يعني لانك مش من عادتك ترجع بدري
ابتعد عنها بضع خطواتها وبدأ في نزع ملابسه يجيبها بصوت مرهق :
_ حسيت بإرهاق وتعب فجيت بدري عشان ارتاح شوية
اندفعت نحوه بقلق واضح لتقف أمامه وترفع كفها تتحسس وجنتيه وجبهته .. ثم هدرت براحة تظهر في عيناها :
_ حرارتك مش عالية
ابتسم بعبث وقال في لؤم دفين :
_ لا الحرارة مش بتتقاس كدا
ضيقت عيناها بعدم فهم لتتسع ابتسامته الخبيثة أكثر فوق ثغره وينحنى عليها يلثم وجنتيها واحدة تلو الأخرى هامسًا بوقاحة :
_ كدا .. وكدا .. أو كدا مثلًا
قال جملته الأخيرة وكان على وشك أن يميل بالمنتصف لكنها تراجعت بخجل شديد ولكزته بلطف فوق صدره هاتفة بضحكة مستحية :
_ عدنان الله ! .. البنت صاحية
غمز لها بمشاكسة وتمتم :
_ ننومها !
دفعته من صدره بخفة وهي تبتعد عنه ضاحكة لتسمعه يهتف بعد أن تخطت خطوتين فقط :
_ جهزي نفسك لبكرا بليل
توقفت واستدارت له تحدقه بحيرة وتسأل :
_ ليه في إيه بكرا !
عدنان بهدوء تام :
_ في اجتماع تبع الشغل وهيكون برا الشركة وهتيجي معايا
عادت تقترب منه مرة أخرى لتسأل للمرة الثانية بفضول أكثر وعدم فهم :
_ ليه !
ابتسم لها بحب ورفع انامله يمررها فوق بشړة وجهها برقة هامسًا :
_ لازم يكون في سبب يعني .. هو إنتي مش مراتي ! .. وأنا عايزك تكوني معايا في كل مكان وخصوصًا في شغلي .. يعني اجتماع زي ده مش حلوة اروح وحدي وانا راجل متجوز وسايب رمانتي في البيت
انفرج ثغرها الجميل على اخره .. تتطلعه بهيام وغرام قبل أن توميء برأسها في موافقة وتردف :
_ تمام هجهز نفسي
مال عليها وخطڤ قبلة سريعة من وجنته امتزجت بغمزته المداعبة ثم ابتعد عنها واتجه للحمام .. يتركها في سرور من مشاعر العشق والاهتمام والحب التي تعيشيها لأول مرة معه .. لم تكن تتخيل أن سيحاول من أجلها لهذه الدرجة .. لو كان أخبرها أحد بأنه سيعشقها بهذه الطريقة المذهلة لما كانت صدقته ابدًا !! ......
***
بمساء اليوم التالي ..........
يجلس كل من حاتم ونادين على طاولة متوسطة الحجم من أربعة مقاعد في أحد المطاعم الفاخرة والمشهورة .. ينتظرون قدوم الطرف الآخر حتي يبدأون اجتماع العمل ! .
وكان حاتم يتفقد ساعة يده كل لحظة والأخرى بخنق وقد بدأ يفقد صبره .. وإذا به على حين غرة تقع أنظاره على باب المطعم بتلقائية ليرى عدنان يدخل بصحبة جلنار التي تسير بجواره بثقة وثبات ، تمامًا بنفس نظراتها القوية المعتادة !!!! .............
............ ن
_ الفصل الثالث والأربعون _
بعنوان ( أزمة ثقة ! )
اتسعت عيني حاتم پصدمة فور رؤيته لهم وباللحظة التالية فورًا كان يلتفت برأسه تجاه نادين يحدقها مدهوشًا وبنظرات مشټعلة همس :
_ هي دي المفاجأة !!
كانت نادين تحدق بجلنار في عدم فهم ودهشة حتى أنها لم تنتبه لصوت حاتم وهتفت هي :
_ جلنار شو عم تسوي معه !
ابتسم حاتم في سخرية يحاول التحكم في انفعالاته .. بينما على الطرف الآخر كانت الصدمة الأكبر من نصيب جلنار التي تطلعت بزوجها الذي بدا هادئًا تمامًا برغم تعجبه .
توقف عدنان أمام الطاولة وكانت نظراته هو وحاتم شرارات ڼارية لبعضهم قبل أن يجلس على المقعد المقابل لحاتم وجلست هي أمام نادين التي لم تنزل نظراتها المستغربة عنها .
خرج صوت عدنان الغليظ والذي يظهر فيه غضبه المكتوم بوضوح :
_ ممكن افهم إيه اللي بيحصل هنا بظبط
لم يتفوه حاتم ببنت شفة كانت نظراته القاټلة لعدنان كافية .. كلاهما كالأسود المتربصة للهجوم .. بينما جلنار فكانت تنقل نظرها بينهم پخوف وتوتر على عكس نادين التي مازالت حتى الآن تتساءل عن سبب وجودها ولا تفهم حتى سبب النظرات الڼارية بين زوجها وعدنان .
أظلمت عيني عدنان حين لم يحصل على إجابة وفقط يستمر الجميع في التحديق ببعضهم في صمت .. اغلق على قبضة يده بقوة وقد احتقن وجهه كله بالډماء وبدأت اللحظات الحاسمة في الاقتراب حيث ضړب بقبضة يده على سطح الطاولة في عصبية وهتف بشبة صيحة بسيطة موجهًا أنظاره تجاه حاتم :
_ بتعمل إيه هنا
استند حاتم بكفيه على سطح الطاولة وانحنى بوجهه قليلًا للأمام يهتف في لهجة تحذيرية وڠضب يستحوذه بالكامل :
_ وطي صوتك ولاحظ إني لغاية دلوقتي لسا محتفظ بهدوئي
ظهرت البسمة المتغطرسة على شفتي عدنان وسرعان ما تحولت لضحكة صامتة مستهزئه من تهديده له .. تدخلت نادين بتلك اللحظة قبل أن يجيب عدنان بعدما رأت معالمه تختفي من فوقها البسمة وتصبح أكثر رعبًا ، لتقول بهدوء لا يناسب الأجواء الڼارية :
_ حاتم المدير العام للشركة اللي خبرتك إنه هيكون معنا بالاجتماع ياعدنان
تابع حاتم بنظرات مشټعلة يرسل الإنذار لعدنان :
_ وجوزها
اعتلت الصدمت وجه جلنار وهي تتنقل بنظرها بين نادين وحاتم حتى سمعت نبرة زوجها المتهكمة وهو يجيب على حاتم :
_ مبروك !
جلنار هي الوحيدة التي تجلس بسكون بينهم وتتلقي الصدمات منذ دخولها لذلك المكان .. العديد من الأسئلة تدور بحلقة ذهنها .. وأهمهم متى وكيف تزوجوا ؟!!! .
استقرت نظرات حاتم على جلنار يتطلعها بصمت .. لم تتمكن من فهم نظراته لكنها بدت غريبة بعض الشيء .. ربما كانت متعجبة وربما معاتبة لم تتمكن من تحديد مقصده جيدًا .. لكنها أبدًا لم تكن تحمل المشاعر السابقة التي اعتادت أن تراها بعيناه كلما ينظر إليها .. كانت خالية من المشاعر وبنفس اللحظة عجيبة !! .
التهبت عيني عدنان وأصبحت معالمه مرعبة ، حين انتبه لنظراته لها .. بينما جلنار فتنهدت الصعداء وشعرت بأنها بحاجة لاستنشاق الهواء بعيدًا من تلك الأجواء السلبية فاستقامت واقفة وقالت بخفوت :
_ أنا رايحة الحمام
استغلت نادين الفرصة وقد تملكتها هي الأخرى الغيرة واشټعل الغيظ في صدرها بعدما رأت نظراته زوجها لجلنار .. فهبت من مقعدها وسارت خلف جلنار .
فور اختفائهم عن أنظارهم استقام عدنان ثائرًا وتحرك نحو حاتم لينحنى عليه ويرمقه بعينان تقذف الړعب في قلوب اقوى واعتى الرجال ويغمغم بتحذير حقيقي وغيرة ملتهبة بصدره :
_ لو لمحت عينك بتبصلها تاني صدقني ھدفنك في أرضك .. إنت لسا متعرفنيش احذر مني وبلاش تثير أعصابي عشان أنا مبرحمش
القى عليه نظرة أخيرة منذرة وملتهبة قبل أن يستدير ويسير لخارج المكان بأكمله .. ويترك حاتم يتابعه وهو يشتعل من فرط الڠضب والنقم ! .
***
بينما على الجانب الآخر تحديدًا بحمام السيدات دخلت نادين خلف جلنار .. التي وقفت أمام المرحاض وكانت تغسل يديها وتبلل وجهها بالماء تتنفس الصعداء بحنق ، لوهلة شعرت بالندم لموافقتها على القدوم معه فربما لو لم تكن موجودة لما ساءت الأمور لهذه الدرجة بينهم .. لكن من أين لها أن تعرف بوجود حاتم !! .
التفتت برأسها تجاه الباب بعدما لمحت بطرف عينها دخول نادين .. فحدقتها بسكون حتى سمعتها تهتف بقوة والانزعاج يظهر بوضوح على ملامحها :
_ فيني اعرف شو علاقتك بعدنان يا جلنار !
ابتسمت جلنار مستنكرة من سؤالها وقالت :
_ يعني إنتي متعرفيش !
نادين بحزم واستياء بسيط :
_ لو بعرف أكيد ما راح اسألك
جذبت جلنار حقيبة يدها الصغيرة والفاخرة وأجابت عليها بثبات ونظرة ذات معنى :
_ عدنان جوزي .. واطمني مفيش داعي للعصبية دي يا نادين حاتم صديق ليا ومش هيكون غير كدا وهو كمان اكيد بيعتبرني كدا دلوقتي بما إنكم اتجوزتوا
ثم تابعت وهي تمر من جانبها بابتسامة خاڤتة وصفاء :
_ مبروك .. رغم صدمتي إلا إني فرحتلكم جدًا ربنا يسعدكم مع بعض
بقت نادين تتطلع على أثرها بعد رحيلها وهي تشتعل من الغيرة .. لا تزال نظراته لها عالقة بذهنها ولا تتمكن من محوها .. يستمر الصوت السيء الذي بداخلها في تكرار جملة ( مازال يحبها !!! ) .
***
كان عدنان يسير بخطوات واسعة تجاه سيارته وهو عبارة عن جمرة من النيران .. لكنه توقف حين سمع حاتم من الخلف يهتف :
_ عدنان !
استدار له بجسده وتابعه وهو يقترب منه .. كم يجاهد في تلك اللحظة أن يبقى صامدًا ولا يفقد أعصابه فإن حرر الۏحش الثائر بداخله لن تكون النتائج مرضية لأي أحد وبالأخص ذلك الحاتم .
توقف حاتم أمامه لثواني معدودة تتقابل فيها نظراتهم العدوانية معًا قبل أن يضم قبضة يده ويرفعها ليلكم عدنان في وجهه پعنف ويهتف بغل :
_ كان لازم اعمل كدا من زمان .. بس كنت بعمل حساب لجلنار اللي كنت سايبها ومهملها
تحسس عدنان جانب ثغره ثم انزل أصابعه ورآها ملطخة بنقطة دماء واحدة ! .. ارتفعت الابتسامة الساخرة فوق شفتيه وأظلمت عيناه بشكل مرعب معلنة عن خروج الجانب الأكثر شراسة منه .. حيث انتصب في وقفته ورمق حاتم متهكمًا يهتف في نظرات تنذر بعاصفة مدمرة قادمة :
_ واضح إنك مش بتيجي بالتحذير
غار عليه ومن شدة لکمته له ترنح بوقفته وكاد أن يسقط .. بهذه اللحظات كانت جلنار بطريقها للخارج بعدما تلقت مكالمة منه واخبرها بأنه ينتظرها بالخارج .. ولم تحاول الجدال معه حتى فصوته كان لا يبشر بالخير أبدًا واكتفت بالامتثال لأوامره وغادرت فور خروجها من الحمام .. لكن حين رأتهم بالخارج بهذه الحالة هرولت مسرعة نحوهم وامسكت بعدنان تهتف بانفعال :
_ عدنان بتعمل إيه !
كانت نادين خلفها مباشرة واسرعت تجاه حاتم الذي كان سيهب بالانقضاض مجددًا لولا قدوم زوجته وجلنار .
قبضت جلنار على يد عدنان بقوة حتى تجعله ينزل أنظاره الڼارية عن حاتم ويتطلع إليها وهي تهتف بخنق :
_ عدنان يلا بينا .. عدنان
النظرات الأخيرة بينهم كانت تحمل إشارات الإنذار والحقد والڠضب الذي لم يفهمها سواهم .. ثم استدار وامسك بكف جلنار في تملك واكمل طريقه تجاه سيارته .
تحسست نادين شفتي حاتم الغليظة الملطخة بالډماء وقالت باهتمام حقيقي :
_ إنت منيح ؟
رمقها بنظرة مشټعلة وغاضبة ليبعد يدها عن وجهه بجفاء ويقول بعصبية :
_ اتفضلي على العربية قدامي
لم تفهم سبب غضبه في حين من المفترض أن تكون هي الغاضبة بعد ما حدث بالداخل .. مما جعلها ترمقه بسخط وتتركه وتتحرك أمامه في خطوات سريعة تجاه السيارة ليلحق هو بها .
***
بعد دقائق طويلة توقفت سيارة حاتم داخل حديقة المنزل بمكانها المخصص لها .. وسبقته نادين التي قادت خطواتها السريعة للداخل وهي تشتعل من الغيظ .. نزل هو الآخر وصفع باب السيارة خلفه پعنف ليندفع خلفها ثائرًا .. كانت هي بطريقها للدرج تصعد درجاته بسرعة وڠضب هادر وهو يلحق بها ويصيح مناديًا عليها فتتجاهله وتكمل طريقها .. حتى وصلت لغرفتها وأغلقت الباب خلفها ولم تكن سوى ثواني معدودة ووجدت الباب ينفتح على مصارعيه ويدخل ثم يغلقه خلفه بقوة ويهتف بانفعال :
_ أنا مش بنده عليكي !
استدارت له وصړخت بشراسة :
_ شو بدك !!
اندفع نحوها ورفع سبابته يهتف في قسۏة مزمجرًا :
_ تاني مرة متتصرفيش من دماغك ومن غير ما تقوليلي مفهوووم ولا لا
صاحت به نادين في عصبية :
_ أول شيء انا ما بسمحلك ټعيط عليا هيك .. وأنا ما تصرفت من غير اقلك إنت كنت بتعرف كل شيء من البداية اعتقد
صاح بصوت جهوري :
_ وياترى كنت أعرف إن صاحب الشركة دي عدنان الشافعي كمان !!! .. بس بجد احيكي على المفاجأة دي عملتي كدا قصد رغم إني قولتلك مية مرة أن جلنار مبقتش تفرق معايا وإني بحبك إنتي .. نزلتي من نظري من يا نادين !
كلماته صابتها بالدهشة وبالأخص جملته الأخيرة مما دفعها للصړاخ بصوت مرتفع وسخط :
_ وأنا من وين بدي أعرف أنه عدنان زوجها لجلنار .. ما شفته لزوجها قبل كدا ولا بعرفوا حتى مشان اعرف انو عدنان هاد هو زوجها .. وانا اڼصدمت متلك لما شفتها معو .. أي بس واضح عن جد إنها ما عادت تفرق معك بنوب
_ اعملي حسابك المشروع ده تنسيه تمامًا ومش هيتم حتى لو هو وافق عليه
استاءت اكثر وهتفت بنظرات مشټعلة :
_ وليش بقى !
حاتم بصيحة عارمة :
_ من غير ليه أنا قولت كلمتي
هم بأن يستدير ليغادر لكنها قبضت على ذراعه لتوقفه وهتفت بعناد وڠصب امتزج بغيرتها المتأججة في صدرها :
_ راح يتم ياحاتم .. ولا إنت بدك تتهرب منو مشان جلنار مش عدنان بس .. لك أنا شفتك بعيوني كيف عم تتطلع فيها ونحنا قاعدين
رمقها بنظرة عتاب ولوى فمه في عدم حيلة ليقول بصوت هاديء يحمل الڠضب المكتوم :
_ لو ډخلتي في قلبي هتعرفي إن مفيش غيرك .. بس إنتي اللي واضح إن ثقتك فيا معډومة يا نادين
لحظة صمت مرت قبل أن يتبع بلهجة آمرة ومنذرة :
_ متعانديش معايا وتفكري تعملي حاجة من ورايا لأن ردة فعلي مش هتعجبك أبدًا يانادين
صاحت نادين باحتدام :
_ إنت ما بيحقلك تتحكم فيني وأنا بسوى ياللي بدي ياه
انخفضت نبرة صوته ولم تهدأ حدة نظراته ولا ملامحه المخيفة وهو يجيبها :
_ أنا جوزك ومحدش له الحق فيكي ولا في أي حاجة تخصك غيري .. وطالما قولت انسي المشروع ده يبقى كلامي يتنفذ
نادين بتحدي وشراسة في نظراتها :
_ بنشوف كلام مين ياللي بيتنفذ بالأخير ياحاتم
استفزته بشدة وكان سينفجر بها بشكل سيء هذه المرة لكنه تحكم في أعصابه وغادر وتركها .. فور رحيله انهمرت دموعها فوق وجنتيها بغزارة ومدت يدها تلتقط كأس الماء الذي فوق الطاولة الصغيرة لتلقيه بكامل قوتها على الحائط فيتهشم ويتناثر لأجزاء على الأرض ! ...
***
داخل منزل عدنان الشافعي .......
دخلت هنا للمنزل أولًا قبل والديها بعد أن قضت الساعات السابقة مع الخالة انتصار بمنزلها وخرجا والديها لعملهم .
تحرك عدنان بخطواته الثائرة للأعلى حيث غرفته فعلقت جلنار نظراتها المستاءة عليه حتى اختفي عن انظارها وانحنت برأسها إلى صغيرتها تتطلعها بحنو هاتفة :
_ يلا ياهنون ياحبيبتي اطلعي اوضتك وغيري هدومك عشان تنامي
ردت الصغيرة برقة صوتها الناعم :
_ حاضر يامامي
ثم اندفعت للدرج راكضة ولحقت بها جلنار بعد دقائق قصيرة .. وصلت أمام غرفتها وفتحت الباب لتدخل وتغلقه خلفها بهدوء تام بعكس ڠضبها من تصرفاته .. رأته يخرج من الحمام ممسكًا بمنشفة صغيرة يجفف بها وجهه من الماء وقد نزع قميصه وسترته عنه وبقى فقط بالبنطال .. وقبل أن تهتف كان هو يقول بعصبية متقدمًا إليه :
_ عرف منين المشاكل اللي كانت بينا !
جلنار باستغراب :
_ مين .. حاتم !!!
صاح بزمجرة :
_ امال هيكون مين يعني !
لم تهتز شعرة واحدة منها وبقت ثابتة أمام جموحه تجيب بكل ثقة :
_ أنا حكيتله لما كنت قاعدة معاه
ضحك بشكل مرعب ومسح على ذقنه يحاول تمالك انفعالاته مرددًا :
_ اممممم لما كنتي قاعدة معاه
جلنار بشجاعة مألوفة عليها :
_ طبيعي هحكيله .. كانت صداقتنا قوية وهو كان عايز يساعدني في وقتها
التهبت نظراته ولوهلة شعرت ببعض الارتباك منه حين رأته ينحنى بوجهه عليها ويرد بتهكم وعينان تطلق شرارات ڼارية ووجه متقوسًا بطريقة جعلته مرعبًا :
_ صداقة !! .. احمدي ربك إني مسكت اعصابي النهارده بعد نظراته ليكي لأني للحظة تانية وكنت هدفنه مكانه
تمتمت بثقة بدأت تضمر خلفها الاضطراب من هيئته :
_ حاتم اتجوز خلاص واللي في بالك مستحيل يكون موجود وخصوصًا دلوقتي
عدنان بنظرات مترقبة وابتسامة شيطانية مخيفة :
_ دلوقتي !! .. يعني هو كان في وإنتي عارفة ورغم كدا كنتي قريبة منه
ظهر التوتر الحقيقي فوق معالمها وندمت أنها لم تأخذ حذرها أثناء كلامها فكل الڠضب الذي تراه الآن لن يكون شيء أمام ما سيصبح عليه حين يتأكد من شكوكه .
استجمعت شجاعتها من جديد وردت بثبات مزيف :
_ لا مكنتش اعرف طبعًا
_ جــلــنــار !!
صاحت به بانفعال تقول كل شيء بدون وعي :
_ قولتلك مكنتش اعرف وإلا مكنتش هقبل اخليه يقف جمبي أبدًا .. عرفت بعد ما إنت جيت على كاليفورنيا عشان تاخدنا ورفع هو قضية عليك .. بعدها قطعت أي علاقة بينا ومبقتش حتى بكلمه لإني خۏفت اكون كدا بخونك وفي نفس الوقت كنت عايزاه يدرك غلطه ويطلع الموضوع من دماغه وواضح أن هو ده فعلا اللي حصل
أظلمت عيناه وخرج صوته متحشرجًا يتمتم بسباب لاعنة وألفاظ استطاعت سماعها وهو يشتعل من فرط العصبية والنيران الملتهبة بصدره .. أخذت نفسًا عميقًا وقالت بجدية :
_ عدنان .. حاتم مش وحش ولو كان فعلا شخص سيء كان مستحيل يحترم قراري ويبعد بهدوء كدا عني لما أنا فهمته غلطه
رمقها شزرًا بأعين تنذر ببشائر الطوفان وتمتم :
_ إنت بتدافعي عنه كمان قدامي !!!
جلنار بتأكيد :
_ أيوة بدافع عنه لأنه إنت شايفه غلط
ضحك بسخرية ودمائه تغلي في عروقه ثم صړخ بها بصوت نفضها بأرضها من الفزع :
_ واحد بيبص لمراتي وقدامي المفروض اشوفه إزاي .. وحذاري تدافعي عنه تاني ياجلنار فاهمة ولا لا .. لأن المرة الجاية لو شفته قريب منك بس مش بصلك ، همحيه من على وش الأرض نهائي
ثم ابتعد عنها قبل أن يفقد أعصابه بشكل كامل وفتح باب الخزانة پعنف ليخرج ملابسه بينما هي فبقت مكانها ترمقه بسكوت للحظات قبل أن تبتعد وتغادر الغرفة بأكملها !! ...
***
طرأ آدم عدة طرقات خفيفة على باب غرفة أسمهان وفتح الباب بعد أن سمع صوتها يسمح للطارق بالدخول .. فدخل واغلق الباب خلفه ومعالم وجهه مريبة تعتليها الڠضب والخزي .. لم تكن بالمنزل اليوم كله بالأمس بعد أن ذهبت لشقيقتها حتى تطمئن على ابنتها وتقضي بعض الوقت معه .. ولذلك لم يتمكن من التحدث معها بالأمس .. واليوم جاءت المواجهة المنتظرة ! .
هتفت أسمهان بحيرة فور رؤيتها لملامح وجهه :
_ مالك يا آدم .. حصل حاجة !!
ابتسم بعدم حيلة وخنق .. اتسأل بكل هدوء هكذا وكأنها لم تفعل شيء !! .. اقترب منها بخطوات متريثة هامسًا بهدوء ما قبل العاصفة :
_ ماما أنا سبق وقولتلك ملكيش دعوة بمهرة ومتدخليش في قرارتي صح ولا لا
ظهر الامتعاض والقرف فوق معالمها بعدما سمعت اسم مهرة وفهمت سبب حالته الغريبة هذه .. لتجيب عليه بعد ثواني معدودة :
_ مدخلش في قراراتك لما تكون صح يا آدم .. لكن اللي إنت بتعمله ده غلط يابني
آدم ببشائر انفجار تلوح فوق صفحة وجهه :
_ أنا مش صغير ياماما وعارف الغلط من الصح !
أسمهان پحقد ينبع في عيناها :
_ وإنت فاكر إني هسمح واسيب ابني لبنت بيئة زي دي لا من مستوانا ولا تليق بيك
بدأت نبرة صوته ترتفع قليلًا وهو يجيب پغضب دفين :
_ ماما من فضلك بلاش تغلطي فيها وبالأخص قدامي
أسمهان بعصبية :
_ ومغلطش فيها ليه بقى يا أستاذ آدم .. اخوك غلط قبلك نفس غلطتك وفي الأخر إنت شوفت النتيجة كانت إيه
صاح بانفعال ووجه محتقن :
_ متقارنيش مهرة بفريدة .. ومش معنى إن عدنان غلط يبقى أنا هغلط زيه !
ضحكت أسمهان باستهزاء واقتربت منه أكثر لتقف أمامه مباشرة وتقول ساخرة :
_ ليه وهو إنت ناوي تغلط وتتجوزها زي ما عمل عدنان ولا إيه !
طالت نظرات آدم الساخطة لأمه .. لا يصدق أفعالها ولا تصرفاتها حتى كيف لها أن تكون بكل هذه القسۏة وانعدام الرحمة حتى على أولادها !! .. لم يحاول أن يتكلم ويفصح لها عن داخله بعد محاولاتهم الكثيرة هو وأخيه في إصلاحها وانتهت جميعها بلا جدوي ! .
اكتفى بابتسامته الخاڤتة يرد عليها ببرود ونظرة ثاقبة تمامًا كنظرات أخيه :
_ وليه لا !
رأى الذهول يعتلي وجهها بعد رده بالتأكيد على سؤالها الاستنكاري فاتسعت ابتسامته واستدار لينصرف ثم سمعها تصيح من الداخل پغضب هادر ووعيد :
_ مش هسمح يا آدم لا يمكن اسمح إن ده يحصل سامعني
لم يبالي بكلامها ولم يعيرها اهتمام بل اكمل طريقه لغرفته في هدوء غريب على عكس الجموح الذي كان يستحوذه للتو !! ...
***
حوالي ثلاث ساعات مرت منذ شجارهم وخروجه ليجلس بالحديقة عله يهدأ قليلًا ونيران صدره تنطفيء ، فكلما يتخيل أنها طوال شهرين كاملين كانت بالقرب منه ومعه دائمًا وهو يكنلها المشاعر يلتهب بالغيرة ويرغب لو يذهب ويفصل رقبته على جسده تمامًا .. يجاهد في عدم تخيل نظراته لها كيف كانت .. هل كان ينتظر انفصالهم حتى يستغل الفرصة ويتقرب هو منها !! .. يقسم أنه لو كان أمامه الآن لم يكن ليتركه سوى وهو محمولًا فوق النقالة .
عاد للداخل بعد ساعات وبعد أن شعر بالهدوء بعض الشيء .. وكان بطريقه لغرفته بالأعلى لكنه رآها متسطحة بجسدها الناعم والرشيق فوق الأريكة الصغيرة أمام التلفاز .. فتقدم نحوها وهتف بصوته الغليظ :
_ قاعدة هنا ليه !
ردت بامتعاض دون أن تنظر له :
_ هنام هنا مش عايزة انام فوق
عدنان بخنق وهدوء بات مزيفًا بعد أن نجحت بجملة واحدة أن تعيد جموحه :
_ طيب قومي يا جلنار واطلعي نامي فوق
اعتدلت في نومتها والتفتت برأسها ناحيته تحدقه بغيظ وعناد هاتفة :
_ قولتلك لا !
عض على شفاه السفلي پغضب وجز على أسنانه يحاول تمالك أعصابه .. قبل أن تنتفض بزعر بسيط حين وجدته يندفع نحوها بخطوات مسرعة كالۏحش الثائر .. انكمشت على نفسها في الأريكة لا إراديًا وصاحت به منذرة :
_ إياك تقرب مني فاهم
لم يسمعها من فرط غيظه حيث انحنى عليها وحملها على ظهره ليسير بها تجاه الدرج وهي تركل بقدميها في الهواء وتضربه بغيظ على ظهره هاتفة في صوت منخفض قليلًا حتى لا يصل صوت شجارهم إلى غرفة ابنتهم وتستيقظ :
_ إنت اټجننت ! .. نزلني .. بقولك نزلني .. عـــدنــان !!!
خرج صوته المتحشرج والمريب يسكتها بكلمة واحدة :
_ اخرسي
خشيته قليلًا لكن ذلك لم يكن ليمنعها من الاعتراض مجددًا لولا أن خطواته كانت سريعة ووصلوا لغرفتهم في ظرف لحظات قصيرة .. ورأته ېصفع الباب بطرف قدمه بعد أن دخلوا واقترب من الفراش ثم القاها فوقه برفق وهتف پغضب هادر :
_ مش كل مشكلة الاقيكي نايمة في مكان شكل في البيت .. مكانك هنا فاهمة ولا لا
جلنار بعصبية :
_ لا مش فاهمة ومتكلمنيش كدا تاني كأن أنا اللي غلطانة
عدنان بانفعال :
_ لا العفو أنا اللي غلطان .. أنا اللي اخدت بنتي وهربت بيها وكنت قاعد مع راجل غريب لشهرين .. ولا أنا اللي كنت بدافع عنه من شوية
جلنار بعناد وجفاء :
_ ايوة غلطان .. أنا مهربتش من فراغ إنت السبب
صړخ بها بصوت جهوري :
_ كوني إني السبب ده ميمحيش غلطك اللي إنتي مش عايزة تعترفي بيه لغاية دلوقتي
ضمت شفتيها في استياء شديد واستقامت واقفة تهم بالمغادرة لكنه قبض على ذراعها ودفعها للخلف پغضب صائحًا :
_ رايحة فين أنا قولت مفيش خروج
ألقت عليه نظرة مشټعلة قبل أن تستدير وتتركه متجهة إلى الحمام عنادًا به .. فضم قبضة يده بقوة يبذل قصارى جهده في التحكم بانفعالاته الثائرة ! ...
***
مع صباح واشراقة شمس يوم جديد استيقظت على صوت والدتها وهي تهزها برفق هاتفة :
_ زينة اصحي يابنتي .. زينة
فتحت عيناها بخمول واعتدلت في نومها تجيب بصوت خاڤت :
_ نعم ياماما
ميرفت بابتسامة دافئة ومشرقة :
_ قومي ياحبيبتي اغسلي وشك وفوقي يلا عشان هشام برا وسألني عليكي
اضطربت قليلًا فور سماعها لاسمه وقالت متحججة :
_ لا معلش يا ماما أنا تعبانة وعايزة أنام قوليله نايمة
ميرفت بضيق ملحوظ وبحزم :
_ عيب يازينة .. هو هشام يستاهل تتجاهليه كدا يابنتي بعد اللي بيعمله معاكي ومعانا ! .. ده ليه يومين مش بيجي وبيكلمني في التلفون بس عشان يطمن عليكي
زينة بعبوس واحراج فحتى الآن لم تتمكن من تخطي الأحداث الأخيرة كلها .. وتشعر بالحرج والضيق كلما تتذكر ما حدث .. نظرت ميرفت بتحذير حقيقي :
_ لو مقومتيش انا هطلع واقوله إنك مش عايزة تطلعي تسلمي عليه
ردت مسرعة برفض قاطع :
_ لا لا لا خلاص أنا هقوم اغسل وشي واغير هدومي واطلع
ابتسمت ميرفت بانتصار وقالت ببشاشة :
_ طيب ياحبيبتي يلا قومي وانا هستناكي برا
علقت انظارها على أمها تتابعها وهي تسير مبتعدة حتى غادرت الغرفة تمامًا فأصدرت تأففًا حارًا مغلوبة على أمرها ووقفت من فراشها متجهة إلى الحمام مقتضبة ! ...
بعد دقائق طويلة نسبيًا خرجت من غرفتها بخطوات مرتبكة وسارت لغرفة الصالون فرأته يجلس فوق الأريكة ويمسك بيده كأس الشاي يرتشف منه ببطء وينزله مجددًا .. ظلت واقفة تستجمع ثقتها بنفسها لكي تظهر أمامه ولسوء حظها أنها لم تتمكن من أخذ وقتها عندما لاحظها هو فانزل فورًا الكأس من فمه وانتصب في جلسته يرمقها مبتسمًا بعينان لامعة .. اضطربت وسارت تجاه المقعد المقابل له دون أن تبتسم حتى !! .. كان وجهها لا يزال ذابلًا وعيناها ذهب بريقهم الجميل ولم يعد بعد ! .
جلست فوق المقعد تتفادى النظر إليه ووتعبث بأظافر يديها كدليل على توترها .. ابتسم لها بخفوت وقال :
_ عاملة إيه يا زينة ؟
ردت في صوت يكاد يسمع بصعوبة :
_كويسة
هشام بعبوس يظهر في نبرة صوته :
_ لسا برضوا مش عايزة تشوفيني !!
اتسعت عيناها پصدمة وانفرجت شفتيها لترفع رأسها وترمقه مذهولة قبل أن تسأله بعفوية كطبيعتها :
_ عرفت إزاي !!!
رأته يبتسم بحنو دون أن يجيب فعادت تسأل وبنفس اللحظة ترجح كيفية معرفته الأكيدة بالنسبة لها :
_ ماما قالتلك مش كدا ؟
هز رأسه بالنفي وهمس بدفء وعاطفة :
_ لا واعتقد إنه مش هيفرق عرفت إزاي .. اللي هيفرق هو اللي هقوله دلوقتي
طالعته بحيرة بينما هو قفذف في ذهنه حديثه مع زوجه خاله ! ....
هشام بتوتر بسيط :
_ أنا الصراحة عايز اتكلم معاكي في موضوع يا مرات خالي .. وعارف إنه مش وقته خالص بس أنا حابب إنك تكوني عارفة واقولك
ميرفت بتعجب :
_ قول يابني قلقتني !
_ رجاءًا بس اسمعيني للآخر ومتقاطعنيش
أماءت له بالموافقة قبل أن تسمعه يقول بحزن واحراج بسيط :
_ أنا بحب زينة جدًا ومن زمان أوي وسبب سفري لألمانيا كانت هي لما حسيت إنها مش شيفاني غير صديق ليها ففكرت إن اسافر واكمل مهنتي برا على أمل إني انساها وابدأ حياتي من أول وجديد بس للأسف مقدرتش ومعرفتش انساها .. ولما قررت إني ارجع من ألمانيا مكنتش أعرف إن زينة اتخطبت و كنت ناوي إني اطلب ايدها بس طبعًا تراجعت بعد ما عرفت بخطوبتها .. عارف إنك هتقولي الوقت مش مناسب للكلام ده بس أنا تعبت أوي يامرات خالي من الانتظار صدقيني وعلى الأقل عايزة اعرف ردك إنتي بس حاليًا لو قولتلك إني عايز اطلب إيدها
تملكتها الدهشة بالكامل والسكون التام هيمن عليها لدقيقتين وهي تتطلعه بعدم استيعاب .. لكن سرعان ما ظهرت الابتسامة العذبة والدافئة فوق شفتيها وهي تمد يدها لتربت فوق قدمه بحنو هاتفة :
_ أنا اللي مربياك على أيديا يا هشام .. يعني إنت تربيتي .. تفتكر إني بعد الكلام ده هقولك لا .. لا يمكن الاقي لبنتي راجل يصونها ويحافظ عليها زيك يابني
تهللت اساريره وابتسم بسعادة غامرة يهتف في عدم تصديق :
_ يعني موافقة !
ردت ميرفت ضاحكة على سعادته الحقيقية التي تراها لأول مرة منذ عودته من ألمانيا ! :
_ أنا موافقة لكن القرار في الأول والآخر لزينة وإنت فاهم وضعها دلوقتي
هز رأسه بتفهم وقال في رزانة :
_ فاهم وأنا مش عايزك تقوليلها أي حاجة خالص دلوقتي أساسًا .. يعني الكلام ده هيكون بيني وبينك بس لغاية ما يجي الوقت المناسب واقولها
ميرفت مبتسمة بمكر :
_ وقت المناسب إيه بظبط !
هشام بعينان لامعة بوميض العشق والأمل :
_ بصراحة دي آخر فرصة ليا يامرات خالي وأنا مش عايز اجازف واخسرها لو حصل إيه .. عشان كدا زينة مش هتعرف أي حاجة دلوقتي خالص
استفاق من شروده على صوتها الرقيق وهي تهتف :
_ هشام !!!
كان لاسمه لمسة مختلفة حين يخرج من بين شفتيها بالأخص أنه لم يسمعها تتكلم معه أو تندهه باسمه منذ أيام ! .
ابتسم بحب لتسأله هي بفضول :
_ كنت بتقول إنك هتقول حاجة مهمة !!
هشام بجدية :
_ كنت هقول شيلي الأفكار دي من دماغك .. ده لو مش عايز تضايقيني منك بجد
فهمت أن يلمح إلي خجلها منه وضيقها بأنه رآها بهذه الحالة المزرية في تلك الليلة .. فاكتفت بابتسامة منطفئة فوق فوق ثغرها الناعم وانزوت نظرها عنه بحرج قبل أن تقطع جلستهم ميرفت التي دخلت وهي تحمل بين يديها صحن ممتليء بالحلوي المنزلية التي قامت بتحضيرها هي .. وتدعوهم لتناولها ببشاشة وضحكة عريضة ! .
***
لا يتوقف عقلها عن التفكير منذ ليلة الأمس .. تخشي أن يكون ما يدور بمخيلتها صحيح حينها ستكون النتائج ليست جيدًا أبدًا .
دخلت جلنار الغرفة وأغلقت الباب خلفها لتجده يستعد للخروج ويقف أمام المرآة يهندم ملابسه .. فاقتربت منه ووقفت خلفه تسأله بجدية :
_ عدنان إنت هتوافق على المشروع ولا لا ؟!
رد بحزم دون أن يتطلع إليها :
_ لا
_ ليه !!
رمقها بنظرة ثاقبة في انعكاس المرآة هاتفًا بخشونة :
_ اعتقد إني مش محتاج اقول ليه يعني !
جلنار بثبات تام وملامح متخشبة :
_ كرهك لحاتم ده غيرة بجد ولا عدم ثقة فيا أنا وعشان كدا مش هتوافق على المشروع عشان ميكونش في أي مجال إنه يكون قريب مني رغم إن المشروع ده هيفيدك جدا في شغلك
الټفت بجسده كاملًا لها وحدقها بسكون قبل أن يقول بنظرات ذات معنى كلها خنق وعتاب :
_ إنتي شايفة إني مش واثق فيكي !!!
سكنت للحظات وردت بعبوس وألم :
_ مش عارفة .. بس جايز يكون كدا فعلًا !
............ نه
_ الفصل الرابع والأربعون _
( الجزء الأول من الفصل )
طالت النظرات المتبادلة بينهم بعد جملتها الأخيرة .. ولحظات مرت كالساعات وهو يتأملها مبتسمًا .. عيناه بها نظرة وديعة وساحرة جعلتها تمعن النظر به في حيرة وفضول لسماع رده .. حتى سمعته يهمس بغرام :
_ بعد كل ده ومش واثق فيكي يا جلنار !! .. معقول كل اللي بعمله عشانك ده واكون معنديش ثقة فيكي !
خرج صوتها خاڤت وبنظرة ثاقبة :
_ امال اللي إنت بتعمله مع حاتم ده اسمه إيه رغم إنه اتجوز خلاص !!
ابتسم باتساع في عدم حيلة ثم دنى بوجهه عليها وأكمل همسه غامزًا بعينان امتزجت بها مشاعر العشق بالحزم :
_ غيرة .. اعتقد من حقي اغير على رمانتي ومراتي .. باختصار مش عايز حاتم يكون قريب منك ولا تكون بينكم أي صلة .. أنا بتجنن كل ما اتخيل نظراته ليكي ولا تفكيره فيكي كان ازاي لما كنتي في أمريكيا
اعترافه لأول مرة بغيرته عليها كان له أثر مختلف .. لم تشهد غيرته للوهلة الأولى ولكنها تسمع الأعتراف الأول منه الآن .. حجبت ابتسامتها بصعوبة وتابعت تجيب عليه بحزم أقل من السابق :
_ ده كان في الماضي ياعدنان .. أنا متأكدة إن حاتم دلوقتي بيحب نادين جدًا ونسي كل حاجة .. لأنه مستحيل يظلمها ويتجوزها وهو مش بيحبها
تنهد الصعداء بخنق ملحوظ وهتف :
_ إنتي عايزة إيه دلوقتي ياجلنار !
اقتربت منه أكثر وأصبحت شبه ملتصقة به تتطلع في عيناه بثبات وتقول بثقة :
_ عايزاك توافق على المشروع وتنهوا الخلاف اللي بينكم ده لأنه ملوش لزوم
رمقها بحدة وقال برفض قاطع :
_ قولتلك لا مش هيحصل
جلنار بنظرات قوية وبهدوء يحمل لمسة غريبة :
_ لو بتحبني بجد هتعمل كدا عشاني
هتف پغضب حقيقي بدأ يظهر فوق معالمه :
_ وسبب رفضي هو حبي ليكي بلاش تعقدي الأمور يا جلنار
جلنار بعناد وأصرار :
_ إنت اللي بتعقدها .. أنا بحاول أحلها وابسطها .. لإني مش حابة يكون في خلافات وعداوة بينكم بالشكل ده .. إنت جوزي وهو صديق طفولتي .. وفي وسط خلافاتكم دي بكون أنا اللي في النص بينكم ومش عارفة اتصرف
عدنان بعصبية ونظرات مشټعلة :
_ انسي يا جلنار ومتفتحيش معايا الموضوع ده تاني ولا تجيبي سيرة حاتم قدامي كمان
انهي عبارته وابتعد عنها ليسير خارج الغرفة ويغادر تمامًا فبقت هي بأرضها عاقدة ذراعيها أسفل صدرها وتحدق بأثره في خنق ونفاذ صبر !! ...
***
داخل منزل حاتم الرفاعي ........
يقف بالمطبخ ممسكًا بيده كوب طويل ممتلئ بالمياه ويستند بنصف جسده على المطبخ خلفه محدقًا أمامه بصمت غريب .. نظراته مظلمة وملامحه مريبة .. منذ شجاره بالأمس معها وهو لا يتوقف عن التفكير .. يشتعل غيظًا وغضبًا كلما يتذكر كلماتها وأنها اختارت أن تفضل ذلك المشروع عنه ! .. وفوق كل هذا تتهمه بخيانتها وعدم حبه لها !!! .
كانت نادين بطريقها للمطبخ لكي تقوم بتحضير فنجان القهوة الصباحي الخاص بها .. ووقفت لثانيتين بالضبط التقت فيها أعينهم معًا حين دخلت ورأته لكن سرعان ما تجاهلت وجوده تمامًا كأنها لا تراه واقتربت لتبدأ في تحضير قهوتها دون أن تلقي نظرة واحدة عليه ! .. معالمها اللطيفة كانت تعتليها الانزعاج الملحوظ والمماثل له وهو يتابعها بنظراته الملتهبة .. تتجاهله عمدًا ولا تلقي بنظرها عليه حتى !! .. مما جعله يشتعل من الغيظ أكثر ويضغط على كوب المياه الذي بيده لإ إراديًا في عڼف كاد أن يهشمه بين يديه .
عيناه لا تنزل عنها وهو يراها تتحرك بخفة كالفراشة حوله دون أن تعطيه أي اهتمام كأنه نكره .. وحين وجدها وقفت على مقربة منه اعتدل في وقفته واقترب نحوها ليترك كوب الماء من يده فوق الرخام بقوة مصدرًا صوتًا عاليًا ومزعجًا جعلها بتلقائية تنظر له أخيرًا .. لكنها نظرة ڼارية ومستاءة تقابلت مع خاصته الملتهبة .
تراجعت للخلف خطوة واحدة حين وجدته يتقدم منها وهتفت بتحذير :
_ وقف عندك وما تقرب !
لم يبالي بتحذيرها واقترب أكثر حتى أصبح لا يفصله عنها سوى سنتي مترات معدودة وضړب بقبضة يده على الرخام خلفها هامسًا بصوت متحشرج وهو يجز على أسنانه :
_ برضوا مش هوافق يا نادين .. لو فاكرة إنك كدا هتخليني اوافق يبقى بتتعبي نفسك على الفاضي
ابتسمت ساخرة وببرود ظاهري مزيف ثم إجابته بكل ثبات انفعالي :
_ وأنا مش منتظرة الموافقة منك .. وما تنسي إني شريكة معك بالشركة يعني من حقي استخدم صلاحياتي واسوي صفقات ومشاريع إذا كانت راح تفيد الشركة
ضم قبضته بقوة يحاول تمالك أعصابه ويجيبها بخفوت ونظرات مرعبة امتزجت بنبرته الرجولية الغليظة :
_ لا منسيتش .. بس واضح إن إنتي اللي نسيتي إنك مراتي يعني الكلمة اللي اقولها تتنفذ وبدون اعتراض
نادين بانفعال ونبرة مرتفعة بعض الشيء :
_ وأنا ماني جارية عندك .. وما بسمحلك تفرض رأيك علي .. وما بيخصني إذا كنت ما بدك هاد المشروع مشانها أو لا عم تفهم ولا لا .. إنت بأول اختبار إلنا مع بعضنا فشلت يا حاتم واثبت لألي إنك لسا بتحب جلنار وما بتحبني ولا شيء متل ما فهمتني أو خدعتني بالمعنى الأدق
غضن حاجبيه پصدمة حقيقية اعتلت قسمات وجهه كلها .. وطال صمته وهو مستمر بالتحديق بها قبل أن يهتف بعد تصديق :
_ خدعتك !!! .. إنتي .. عارفة إنتي بتقولي إيه !! .. أنا اللي مصډوم فيكي يا نادين بجد
صړخت به وهي تقاوم حرب عباراتها في السقوط أمامه :
_ وأنا اڼصدمت متلك .. لك أنا كنت معك بكل شيء وكنت بتفرج عليك كيف بتتطلع فيها بحب لما كِنا بكاليفورنيا يعني بعرف نظراتك كتير منيح .. وهاي النظرة ياللي شفتها بعيونك في الاجتماع كانت تمامًا كنظراتك القديمة وإنت عم تتطلع فيها بعشق
لم يتمكن من حجب جموحه عنها حيث صاح بصوت جهوري نفضها بأرضها :
_ ده عقلك اللي صورلك العبط والكلام الفارغ ده .. جلنار متفرقش معايا ومكانتها عندي حاليًا مجرد صديقة .. فحب وعشق إيه اللي هبصلها بيه .. إنتي إيه اللي بيحصلك بظبط !!!
دخلت فاطمة المطبخ على أثر شجارهم وصياحهم المرتفع وهرولت مسرعة إليهم تقف مانع بينهم وتهتف ملتفتة لنادين بالخلف :
_ روحي يا نادين اطلعي فوق يابنتي
حاتم صائحًا :
_ لا وتطلع ليه خليها تكمل السخافة اللي بتقولها دي
فاطمة پغضب :
_ حــاتــم
رمقته نادين بنظرة غاضبة وأعين غارقة بالدموع قبل أن تستدير وتندفع لخارج المطبخ مهرولة أما فاطمة فتطلعت بحاتم الذي ابتعد عنها كالثور الهائج يركل طاولة المطبخ بقدمه ويصيح بسخط هادر :
_ دي لا يمكن تكون طبيعية !
_ مش طبيعية عشان بتحبك !!!
الټفت إلي خالته وضحك باستهجان يجيبها ساخرًا :
_ امممم واضح جدًا الحب والثقة !
فاطمة بجدية وحزم :
_ خط نفسك مكانها يا حاتم .. كنت هتعمل إيه !!
حاتم بنظرات ثاقبة وبثبات تام :
_ كنت هثق فيها وفي حبها ليا .. بس هي اختارت الطريق الأسهل وحتى محاولتش تتفاهم معايا
فاطمة برزانة وهدوء تام على عكس ثورانه هو :
_ حاتم إنت اللي غلطان يابني اتعصبت عليها امبارح واتهمتها إنها عملت كدا قصد .. وبرضوا مكنش ينفع تبص لجلنار نهائي
هتف منفعلًا :
_ هو حتى إنتي كمان ياخالتي هتعملي زيها !! .. نظرتي لجلنار كانت لوم إنها ادت لعدنان فرصة تانية بعد اللي عمله معاها .. لكن الهانم فسرتها حب وعشق وإني مش بحبها أصلًا وأنا خدعتها قال !!!!
اقتربت منه وتمتمت برجاء وصوت لين :
_ وافق ياحبيبي وخليها ترتاح واعملها اللي هي عايزاه .. بلاش تخسر مراتك هي بتحبك بجد
حدقها حاتم بنظرات مظلمة قبل أن يهتف بصوت عالي متعمدًا أن يصل صوته لأذنها بالأعلى :
_ مفيش مشاريع هتتم مع عدنان الشافعي
انهي عبارته واندفع لخارج المطبخ ومنه لخارج المنزل بأكمله .. وكانت هي حبيسة غرفتها بالأعلى تبكي بحړقة وألم .. كلاهما لا يتنازلان عن عنادهم وكبريائهم !! .
***
كان يقود السيارة وبطريقه للعمل قبل أن يصدح صوت رنين هاتفه المرتفع فيرفعه ويتطلع بشاشته في نظرة خاطفة حتى لا تغيب أنظاره عن الطريق أمامه .. ثم ضغط على فتح المكالمة وفتح مكبر الصوت يجيب :
_ الو
أجابت الخادمة بالمنزل على الهاتف في صوت مزعور :
_ عدنان بيه الحق الست هانم تعبانة أوي !!
سرعان ما ظهر القلق والاهتمام بصوته :
_ تعبانة إزاي يعني !
الخادمة بصوت مرتعد :
_ مش قادرة تاخد نفسها وحراراتها عالية
أجابها بإيجاز وقلق :
_ طيب خليكي جنبها وأنا جاي في الطريق حالًا
أنهت المكالمة وانزلت الهاتف من فوق أذنها ثم حدقت بأسمهان المسطحة فوق الفراش وتتطلعها بعينان واهنة لتسألها الخادمة بقلق :
_ يا أسمهان هانم خليني اتصلك بالدكتور لغاية ما يجي عدنان بيه
لمعت عيناها بسعادة وقالت :
_هو قالك جاي ؟
_ أيوة قالي هيجي حالًا
أسمهان بصوت متعب وواهن :
_ أنا بقيت كويسة شوية ولما يجي ابني هبقى زي الفل
دقائق طويلة نسبيًا وتوقفت سيارة عدنان أمام المنزل ونزل منها ليقود خطواته المسرعة للداخل .. رغم خلافاته مع والدته ومقاطعته لها لكنها ستظل أمه ! .
وصل إلى غرفتها بالأعلى ودخل فوجدها متمددة فوق فراشها وملامحها واضح عليها الضعف .. اقترب منها وجلس بجوارها يهتف في قلق :
_ أنا اتصلت بالدكتور وهو جاي في الطريق دلوقتي .. إنتي بقيتي كويسة شوية ولا لسا تعبانة
رفع كفه يتحسس حرارة جبهتها فوجدها مرتفعة بالفعل كما أخبرته الخادمة .. بينما هي فطالعته بحنو وهمست بخفوت :
_ بقيت كويسة ياعدنان ياحبيبي لما شوفتك وحشتني أوي يابني
حدقها بجمود للحظات طويلة دون إن يجيب عليها حتى ارتفع صوت رنين هاتفه فأخرجه فورًا واستقام واقفًا يجيب على الطبيب الذي أخبره بوصوله فغادر الغرفة يتجه لباب المنزل حتى يستقبله .
بعد وقت طويل نسبيًا انتهى الطبيب من فحصه لها وكتب لها العلاج المناسب لحالتها الصحية ثم غادر .. فبقى عدنان واقفًا بجانب فراشها وهتف بخشونة :
_ خدي بالك من نفسك ومتهمليش في صحتك .. إنتي سمعتي الدكتور قال إيه
تطلعته أسمهان بحزن وقالت في رجاء وأمل :
_ مش كفاية يابني عقابك ليا ده .. أنا اتعلمت من غلطي ومش هقرب من جلنار تاني نهائي .. بلاش تعاقبني ببعدك عني ياعدنان إنت عارف أنا مقدرش اعيش من غيرك إنت وآدم
تنهد الصعداء بقوة قبل أن ينحنى عليها ويملس بلطف فوق كتفها هاتفًا في نبرة جافة بعض الشيء :
_ الف سلامة عليكي .. أنا قاعد برا لو احتجتي حاجة خلي بدرية تقولي
لم يهملها الفرصة لتجيب عليه حتى بل انتصب في وقفته فور انتهائه من عبارته واندفع لخارج الغرفة ليتركها تتأفف بخنق وعدم حيلة امتزجت بحزنها وبؤسها ! .
***
قاد خطواته الثابتة تجاه غرفته ووقف أمامها للحظات بسكون ونظرات مظلمة قبل أن يمد يده ويفتح الباب ببطء ثم يدخل .. ليتجول بنظره بين أرجاء الغرفة وكأنه لم يدخلها منذ قرن .. كل شيء بمكانه وموجود باستثنائها هي ! .. يشعر بها في كل ركن من أركان الغرفة وذلك الشعور ېخنقه ويثير أعصابه .
وقعت عيناه على مقعد وثير وهزاز كانت لطالما اعتادت أن تجلس عليه وهي تحتسي شرابها الصباحي الدافيء في الشتاء .. وحين الټفت برأسه تجاه الفراش أظلمت عيناه والتهبت نيران صدره اكثر .. ذلك الفراش شهد على جميع الليالي التي كانت تسكن بها بين ذراعيه .. وحين كان هو يمطرها ويشبعها بحبه وحنانه كانت هي ټطعنه من الظهر وربما بالليلة التالية تصبح بين ذراعيه ذلك الوغد .. كيف تمكنت من فعلها ! .. هل الخېانة هي جزاء الإحسان والحب !!! .
بقى واقفًا يضع يديه بجيبي بنطاله في هدوء تام وجمود ملامح لكن نظراته كانت مريبة وهو يتجول بهم بكل جزء بالغرفة .. ورغمًا عنه استمر عقله في استرجاع الذكريات لتقذف بذهنه ذكرى قديمة لهم منذ سنوات بمنزلهم الثاني جعلته يشرد لدقائق معدودة .
كانت تجلس بين ذراعيه على الأريكة العريضة المطلة على الشرفة الواسعة والسماء الصافية .. تتأمل السماء بشرود وأنامل يده تعبث بخصلات شعرها في رقة .. بعد برهة من الوقت قطعت الصمت وطالعته مطولًا قبل أن تسأله بنظرات دقيقة :
_ عدنان هو إنت بتحبني ليه ؟!
رمقها بحاجبين مقتضبان من سؤالها وطال صمته حتى لاحت ابتسامته المغرمة فوق شفتيه واجابها بخفوت جميل :
_ القلب مش بيتقاله ليه يافريدة .. من أول لقاء بينا وإنتي خطفتي قلبي وجذبتيني بكل تفصيلة فيكي
ابتسمت له بعذوبة قبل أن تعود ملامح وجهها للجدية وهي تعيد سؤاله بترقب :
_ طيب إيه الغلطة اللي لا يمكن تسامحني عليها ؟
اختفى الحنو من فوق معالمه وأصبحت نظراته أكثر ثباتًا وقوة وهو يجيب بعدم فهم :
_ ليه بتسألي السؤال ده يافريدة ؟!!
هزت كتفيها بتلقائية وقالت في خفوت ونبرة طبيعية :
_ يسأل عادي حبيت أعرف يعني
عم الصمت للحظات قبل أن ينحنى عليها ويلثم شعرها بقبلة مطولة ويتمتم بصوت رجولي غليظ يحمل لمسة الدفء :
_ معرفش .. ومعتقدش إنه له لزمة الكلام ده دلوقتي ياحبيبتي
استفاق من شروده وقد تبدلت هيئته من الجمود إلى الڠضب .. بات الكره والنقم الذي بصدره لها يتفاقم أكثر وهو يلعن تلك الصدفة التي جمعتهما ببعضهم .. ليته لم يراها من الأساس ولم ينصاع بسذاجة خلف حبه السخيف لها .
أخرج هاتفه من جيبه وأجرى اتصال بحارس المنزل الذي أجاب عليه فورًا في نبرة رسمية :
_ عدنان بيه ؟!
عدنان بصوت رجولي خشن وصلب :
_ هتجيب عربية نقل كبيرة دلوقتي حالًا وتيجي
لم يمتلك الجرآة ليستفسر عن سبب رغبته بالسيارة ورد عليه بالموافقة في انيصاع تام :
_ حاضر بابيه
انهى معه الاتصال وانزل الهاتف من فوق أذنه ليصدح صوته المرتفع وهو يصيح مناديًا على الخادمة :
_ بدرية
لحظات قصيرة وكانت تهرول إليه راكضة بعدما سمعت صوته العالي ووقفت عند باب الغرفة تهتف :
_ نعم يا بيه
عدنان بلهجة صارمة وصوت يحمل لمسة مخيفة :
_ كل حاجة هنا تتشال وتترمي في الژبالة وعفش الأوضة يتغير كله .. سعيد هيجي دلوقتي وبلغيه باللي هيعمله
اضطربت من نظراته ونبرته فاكتفت بالإماءة في صمت بانصياع لأوامره .. بينما هو فعبر من جانبها ورحل بكل وقار وهيبة .
كانت تسأله ما الخطأ الذي لن يسامحها عليه إذا اقترفته .. لكنها لم تسأله هل الغفران كلمة موجودة بقاموس العُقاب المجروح !!! .
هي لم يعد لها وجود بحياته أساسًا .. مسحها والقاها بمكانها الطبيعي .. فليس بقلبه مكانًا لعشق مدنث وملطخ بالخداع والقذارة !! .
***
استر الليل ستائره وارتفع ضوء القمر بالسماء وسط النجوم الساهرة الجميلة ....
فتح باب المنزل ودخل ثم أغلقه خلفه ببطء وتحرك باتجاه الدرج يصعد للطابق الثاني من المنزل حيث توجد غرفته وغرفة صغيرته .. وكعادته القى نظرة أولًا على ابنته بغرفتها واطمئن عليها ثم ذهب لغرفته .
كان الفراش فارغ ولا أثر لها بالغرفة حين دخل لكن استقرت نظراته بتلقائية على الشرفة فوجدها تقف بها .. ابتسم بدفء وتحرك نحوها بخطوات متريثة يتابع خصلات شعرها المتطايرة حولها بفعل نسمات الهواء الباردة .. حتى وصل إليها ووقف خلفها لينحني عليها ويهمس بدفء :
_ إنتي لسا صاحية !!
لم تفزع ككل مرة بل بدت جامدة تمامًا .. لا تجيب عليه ولا تلتفت له ! .. مما جعله يغضن حاجبيه بحيرة ويسألها بعد أن امتدت يديه لتحاوطها من خصرها من الخلف :
_ مالك ياحبيبتي !
رمقته جلنار نظرة طولة وابتسمت بتهكم تجيبه :
_ يعني مش عارف !!!
سكن للحظات طويلة يحاول فهم مقصدها حتى تذكر بالأخير حديثهم بالصباح فتقوست ملامح وجهه من جديد واحتدمت نظراته وهو يهتف برفض :
_ أنا قولت لا يا جلنار متخلنيش أعيد نفس الكلام تاني
جلنار بإصرار :
_, أنا اللي طلبت منك توافق عشاني .. بس واضح إني مفرقش معاك
مسح على وجهه متأففًا بنفاذ صبر ويجيبها بخنق :
_ لا إله إلا الله احنا دلوقتي هنعمل مشكلة بينا بسبب اللي اسمه حاتم ده
عقدت ذراعيها أسفل صدرها وتمنعت عن النظر إليه بامتعاض لتسمعه يهدر بانزعاج حقيقي :
_ جلنار بلاش عناد
تمتمت بثبات انفعالي غريب :
_ إنت اللي بتعاند ورافض حتى إن علاقتك إنت وحاتم تبقى كويسة وعداوتكم دي تنتهي
عدنان بنظرة قوية :
_ متقلقيش مفيش عداوة ولا خلافات طول ما هو هيفضل بعيد عنك
تنهدت الصعداء بخنق وعدم اقتناع ثم ابتعدت عنه واتجهت إلى الفراش لتتسطح فوقه على حافته وتتدثر بالغطاء .. بينما هو فوصل صوت تأففه من الشرفة إلي أذنها بالداخل ليجعلها تبتسم بتلذذ .. وبعد وقت طويل نسبيًا كان قد انتهى من حمامه المسائي الدافيء وارتدى الملابس المنزلية المريحة ثم دخل بجوارها في الفراش .. بينهم مساحة واسعة تتسع لشخص ثالث وهي توليه ظهرها فأصدر زفيرًا حارًا بعدم حيلة وخنق ليقترب بعد ثواني وېختلس المسافة التي تفصله عنها فيحتضنها من الخلف ويلثم كتفها بعدة قبلات دافئة هامسة :
_ متدنيش ضهرك يا رمانتي !!
بقت صامدة ولم تضعف أمامه حيث لم تلتفت إليه حتى سمعت همسته شبه الراجية :
_ جلنار !!
التفتت إليه لا إراديًا بعد همسته وطالعته بعيناها الساحرة ليغرق هو بتعوذيتها السحرية ويستمر في التمعن بها بغرام قبل أن يميل أكثر ويهمس كالمغيب :
_ وبعدين معاكي
لم تجيب واستمعت إلى متابعته في الكلام وهو يتمتم بهيام وهو يبتسم :
_ أسمهان هانم بجبروتها مكنتش بتقدر تتحكم فيا ولا تمشي كلامها عليا بس للأسف إنتي بتعرفي
لاحت شبه ابتسامة خاڤتة فوق ثغرها تجيبه في أمل :
_ يعني موافق خلاص !
اتسعت ابتسامته وحدقها مطولًا قبل أن يطبع قبلة عميقة فوق وجنتها ويهمس ببحته الرجولية المميزة :
_ لا
اختفت بسمتها فورًا ودفعته بعيدًا عنها وهي ترمقه شزرًا وقبل أن يهتف ضاحكًا كان طرق الباب يرتفع ويأتي صوت هنا من الخارج تهتف :
_ مامي
اجابتها جلنار مسرعة وكأنها وجدت الفرصة لټحرق دمائه :
_ ادخلي يا روحي
فتحت الباب ودخلت تسير تجاه فراش والديها وتفرك عيناها بنعاس وخمول شديد لتهتف في عبوس :
_ مامي أنا خاېفة أنام وحدي تعالي اقعدي معايا
ابتسمت جلنار بلؤم وانحنت على صغيرتها تحملها وتضعها بالمنتصف بينهم هاتفة وهي تلثم وجنتيها بحنو :
_ تاني جمبنا يا حبيبتي أنا وبابي
رفع حاجبه ورمقها بنظرة أثبتت لها أنها نجحت في مبتغاها مما جعلها تشعر بالانتشاء أكثر وتبتسم بانتصار .. أما هنا فقد وجدت طريقها لذراعين والدها حتى تسكن بين ذراعيه وتنام فوق صدره .. فيعلو ثغره البسمة الأبوية الحانية ويميل عليها لاثمًا شعرها وجبهتها بقبلات متتالية هامسًا :
_ نامي يا ملاك بابي
ابتسمت لهم جلنار بحب قبل أن تضع رأسها فوق الوسادة وتغمض عيناها حتى تخلد للنوم .. ودقائق معدودة كانت هي والصغيرة يسبحون في ثبات عميق .. أما هو فالنوم لم يجد لعيناه طريقًا وبقى يحدق بالفراغ في جمود وعقله يستمر في التفكير بكل شيء .. ليستقر عقله في الأخير على " رمانته " فيميل برأسه تجاهها وتطول نظراته إليها .. تلك النظرات كانت مختلفة تمامًا عن المرات السابقة .. امتزجت ما بين الندم والألم والاعتذار والعشق والوعود !! .
ابعد ابنته عن صدره برفق شديد حتى لا يوقظها وقبًَلها بحنو .. ثم مال على جلنار وتمعن النظر في ملامحها الملائكية .. كيف كان اعمى البصيرة لهذه الدرجة .. كيف أبصرت عيناه على الظلام وفقدت بصرها في الضوء .. ليت الزمان يعود ليتمكن من محو ظلامه الدامس ويغير الماضي المؤلم !! .
دنى منها وجعل يلثم جبهتها وشعرها ووجنتها بعمق .. قبلاته لم تكن عاشقة بقدر ما كانت اعتذار منه .. عن كل قبلة يعتذر عن شيء مختلف اقترفه بحقها ! .
قد تكون حقيقة وصلت إليه بوقت متأخر لكن الظروف والأيام جعلته يدرك أن امرأة العُقاب الحقيقية هي زهرته الحمراء ولن يكون غيرها ! ....
_
_ الفصل الرابع والأربعون _
( الجزء الثاني )
في الهواء الطلق ، والظلام الذي يملأ كل مكان من حوله كان هو جالسًا فوق المقعد العريض بالحديقة وعيناه عالقة على زجاج نافذة غرفتها بالأعلى .. الألم يأكل في قلبه دون رحمة .. بيوم وليلة تبدلت حياتهم السعيدة والهادئة إلى أخرى ممتلئة بالڠضب والقسۏة .. وأكثر ما يؤرقه اتهاماتها السخيفة له ! .. هل سنين صداقتهم وعلاقتهم القوية ببعضهم لم تشفع له عندها حتى تظن به السوء ! .
ابعد أنظاره عن زجاج نافذتها حين رأى الضوء البني الخاڤت يملأ الغرفة .. لا تقوم بإضاءة ذلك الضوء إلا قبل النوم .. اخفض رأسه أرضًا وډفنها بين كفيه يشد على خصلات شعره السوداء الغزيرة بقوة .. يكاد عقله ينفجر من كثرة التفكير .. فهو محاصر بين النيران العالية وإما أن يهدأ منها قليلًا أو تحرقه ! .
استقام واقفًا بعد دقائق وسار لداخل المنزل ثم صعد الدرج متجهًا إلى غرفته .. لكن قدماه توقفت لا إراديًا أثناء مروره من أمام غرفتها .. عاند قلبه المشتاق وحاول تجاهله لكنه لم يقوى على الصمود أمام أشواقه حيث أطلق زفيرًا منخفضًا مغلوبًا وتحرك بهدوء نحو غرفتها .. ليقف أمام الباب لبرهة من الوقت قبل أن يحسم قراره ويمد يده ليمسك بالمقبض ويديره ثم يدفع الباب برفق شديد ويدخل ويغلقه خلفه .
تسمر عند الباب عندما رآها نائمة في فراشها وترتدي ثوب قصير وردي اللون بحمالات رفيعة ولا تضع الغطاء فوق جسدها .. اشاح بنظره عنها مسرعًا خشية من أن يفقد زمام تحكمه بنفسه .
حتى في غضبهم لا يتمكن من مقاومتها !! .
اقترب منها بتريث لكي لا تستيقظ وجثى أمام الفراش يجلس القرفصاء يتطلعها بضيق ثم انحنى عليها وطبع قبلة رقيقة فوق جبهتها هامسًا بصوت مهموم :
_ مكنتش اتوقع اسمع منك الكلام ده .. إنتي اكتر حد كنت بقول إنك فهماني وبتفهميني من غير ما اتكلم حتى يا نادين .. بس اتضح إني غلطان .. كلامك كان قاسې أوي وجرحني
اخذ نفسًا عميقًا بعد لحظات طويلة من الصمت وهو يتمعنها ثم هب شبه واقفًا ومال عليها يمد يده ليلتقط الغطاء ويرفعه فوق جسدها ليدثرها وبتلقائية رغم انزعاجه منها يبتسم ويقول برغبة :
_ ربنا يسامحه خالك اللي مش عايز يجي ده عشان نعمل الفرح وارتاح .. بدل العڈاب اللي أنا فيه ده
وكأن عقلها ارسل لها إشارات أثناء نومها بوجود أحد معها حيث فتحت عيناها فجأة بعفوية .. لتنطلق منها صړخة مرتفعة فور رؤيتها له .. اسرع هو وكتم على فمها بقبضة يده العريضة يحدقها منذرًا بعينان متسعة ثم يهتف :
_ هشششش هو أنا ناقص مشاكل مع خالتي كمان
هدأت نبضات قلبها المتسارعة من أثر الفزع ونفرت يده عن فمها بقوة تهتف پغضب :
_ شو عم تسوي هون بغرفتي !
انتصب حاتم في وقفته وقال بخشونة وجدية مغلفة بالكذب :
_ سمعت صوتك وافتكرت في حاجة حصلت فدخلت اشوفك
نادين بغيظ :
_ والله ! .. وشو بتعمل فوق راسي على السرير لكان
حاتم بخنق من أسلوبها :
_ لقيتك مكشوفة وكنت يغطيكي بدل ما تستهوي
نادين ساخرة وبقرف :
_ استهوي .. شو يعني !
مال عليها بنظرات مشټعلة وقال كاتمًا غيظه عنها :
_ يعني اتكلمي مع جوزك بأدب وبلاش تنرفزيني
غمغمت بټهديد صريح وشراسة :
_ اطلع لبرا يا حاتم وإلا والله پصرخ وبسمع الخالة إنك هون بغرفتي وبدك تتحرش فيني
فغرت عيناه بدهشة وسرعان ما أجابها ضاحكًا :
_ أه هتتبلي عليا يعني .. بس مفيش راجل پيتحرش بمراته
مدت يدها خلفها تلتقط رداء ثوبها وترتديه فوقه ثم تهب واقفة وتدفعه للخارج ساخطة وهي تهدر :
_ برا يا حاتم .. برا
اخفض نظره لها وليديها التي تحتضن الرداء بقوة تخفي به ثوبها وجسدها فابتسم بخبث وقال في برود متعمد وعدم اكتراث ليثير چنونها :
_ طيب متكتميش نفسك أوي بالروب كدا .. عشان ما أنا اللي حتة قميص قصير هيغريني ويخليني ابص عليكي
اتسعت عيناها والتهبت بنيران الڠضب والغيظ ولم ينتظر هو لتدفعه مرة أخرى وتطرده بل ارسل لها غمزة عابثة بابتسامة مستفزة قبل أن يستدير ويغادر .. لتركل الأرض بقدمها مغتاظة بعد رحيله مصدرة اصواتًا مكتومة من بين شفتيها تعبر عن فرط استيائها منه !! .
***
بمكانها المفضل أمام مياه النيل تجلس فوق الأريكة الواسعة ويجلس هو بجوارها .. تعقد اصابعها ببعضهم وتتأمل في منظر الماء بشرود وألم .. دموعها متجمعة بعينها وتتصارع على النزول .. قلبها مجروح وروحها متهشمة .. لم تسمح لقلبها أن يتعافى جيدًا بالبداية من ۏجع العشق الغير مكتمل ودخلت بعلاقة جديدة وحين بدأت بالتعافى انتكست بشكل قاسې حطمها لأشلاء .. باتت لا تدري إلى متى ستظل تلاحقها الهموم هكذا !! .
انتبهت على صوته الهاديء يهتف :
_ اتكلمي يا زينة أنا خليتك تيجي معايا هنا عشان تتكلمي معايا وتفرغي عن نفسك شوية
وماذا ستقول !! .. هل ستسرد له كيف عانت من عشق صافي لسنوات وبالأخير أدركت أنها كانت تتبع سراب .. أم ستخبره عن اختياراتها الخطأ المتمثلة في رائد وقراراتها وسذاجتها في فهم البشر .. أم عن قلبها الذي ينبض بدون حياة !! .
حاولت الهروب من طلبه وتلفتت حولها باستغراب من خلو المكان من الناس تمامًا .. وأنه لا يوجد به أحدًا غيرهم .. لتلتفت له وتقول بتصنع الطبيعية :
_ هو المكان فاضي ليه ياهشام ومفيش غيرنا
هشام بصراحة وثبات تام جعلها تحدقه پصدمة :
_ أنا حجزت الكافية لينا بس .. عشان تاخدي راحتك وتتكلمي براحتك من غير ما تحسي بأي توتر من وجود الناس حواليكي
بقت تتطلعه بدهشة لبرهة من الوقت قبل أن تقول بابتسامة منطفئة شبه مازحة :
_ طيب ما أنت موجود !
لم يبادلها مزحتها وقال بجدية ونظرات ثابتة عليها :
_ بس أنا مش أي حد .. مش كدا ولا إيه !!!
ابتعدت بانظارها عنه وأماءت في إيجاب بخفوت عابس :
_ صح .. ومتنساش إنك جبتني هنا يعتبر ڠصب عني
هشام باسمًا برزانة :
_ لا ده مسمهوش ڠصب .. أنا أصريت إني اخرجك من البيت معايا وإنتي في الآخر وافقتي
زينة بنظرة جانبية :
_ بعد اصرارك !
_ بس وافقتي !
تمكن من رسم الابتسامة المغلوبة فوق شفتيها الناعمة .. فتصنع ابتسامتها وعيناها اللامعة بالعبارات مزيجًا جعله يهيم بها في عشق وإشفاق على صاحبة قلبه ! .
رفعت أناملها الرقيقة ومسحت عيناها من الدموع حين انتبهت لنظراته ثم قالت بعد برهة :
_ هو إنت ناوي ترجع المانيا تاني ؟!
رأت ابتسامة عابثة تعتلي ثغره وهو يجيبها بخشوع :
_ إنتي عايزاني ارجع ولا لا !!
أشارت على صدره بسبابتها في حيرة وقالت متعجبة :
_ أنا !!! .. وإنت هتفرق معاك في إيه يعني
هشام بنظرة تحكي الكثير عن غرامه الخفي :
_ هتفرق أوي
ضحكت وقالت بعدم فهم :
_ يعني لو قولتلك مترجعش مش هترجع
هز رأسه بالإيجاب مبتسمًا لتتسع البسمة فوق ثغرها وتقول شبه ساخرة :
_ والله ! .. ولو قولتلك ارجع هترجع يعني
اكتفى بنظرته الثابتة لها يؤكد ما قالته لتضحك وتهز رأسها باستنكار وعدم تصديق حتى تسمعه يقول بثقة ونظرة غريبة عليها :
_ جربي وشوفي لو مش مصدقة
اختفت ضحكتها ورمقته بثقة عمياء تقول :
_ مش هترجع يا هشام !
ضيق عيناه يطلق علامات الاستفهام وعدم الفهم ثم سمعها تستكمل كلامها ببسمة ممتنة وعذبة :
_ عشان عارفة إنك مش هتقدر ترجع وتسيبني في الحالة دي .. من واحنا صغيرين مفيش في مرة سبتني وأنا في موقف صعب ومشيت وأنا كذلك عمري ما سبتك واديتك ضهري
لمعت عيناه بوميض الأمل والسعادة وامتلأت نظراته إليها بالعشق لتتسع ابتسامته وهو يتمتم :
_ اعتبر ده اعتراف إنك محتجاني جمبك
زينة ببساطة وبراءة جميلة :
_ للأسف محتاجة صديقي المقرب
هشام عابسًا بقرف :
_ للأسف !!! .. وياترى للأسف محتاجة الصديق الغتت ده ليه
زينة بعفوية شبه ضاحكة :
_ عشان بيضحكني الصراحة
هز رأسه بتفهم وهو يلوى فمه مقتضبًا ويجيبها :
_ طيب أنا بقول نرجع البيت احسن يا زينة واضح إنك الحمدلله خرجتي شوية من المود والمهرج ضحكك
لا تعرف كيف نست حزنها وعبوسها بهذا الشكل حيث إجابته ضاحكة بتلقائية وحماس طفولي ذكره بطفولتهم تمامًا :
_ صحيح السيرك قرب وهتاخدني ڠصب عنك وتوديني زي ما كنا متعودين واحنا صغيرين
طالت نظراته الهائمة بها في عشق .. فإن كان سيضيف لقائمة انتصاراته شيء فحتمًا سيكون نجاحه في رسم البسمة والبهجة على وجهها مرة أخرى حتى لو للحظات قصيرة .
تلاشت ابتسامتها تدريجيًا بعد صمته ونظراته الغريبة الذي يستمر في التحديق إليها بها منذ بداية جلستهم .. واشاحت بوجهها عنه لتثبت أنظارها فوق المياه متنهدة بقوة وعدم حيلة فور تذكرها لهمومها مرة أخرى وعبوس وجهها من جديد !! .
***
مع صباح اليوم التالي .....
انتهت الصغيرة هنا من ارتداء ملابسها الخاصة بدوامها اليومي في الحضانة وتجلس على السرير وبجوارها أمها التي تقوم بتسريح شعرها بالفرشاة في رفق ويستحوذ قسماتها الغيظ والاستياء من زوجها .. فهو منذ استيقاظهم لا يتطلع إليه ولا يجيب عليها حتى عندما تحدثه .. يتعمد تجاهلها بشكل مثير للأعصاب ومستفز وقد نجح بجدارة في ذلك ! ..
بين كل لحظة والأخرى تلتفت الصغيرة إلى أمها وتطالعها بريبة من ڠضبها الملحوظ فوق صفحة وجهها حتى بالأخير سألتها في براءة :
_ إنتي مضايقة ليه يامامي ؟!
توقفت يدي جلنار بالفرشاة فوق شعرها ورمقتها مطولًا قبل أن تهمس بصوت منخفض وترقب لرد صغيرتها :
_ هو بابي مقالكيش حاجة يا هنون ؟
هزت رأسها بالنفي وسألتها بعفوية في رقة تليق بصوتها الطفولي :
_ حاجة ازاي يعني !!
جلنار بيأس وخنق :
_ خلاص ياحبيبتي متشغليش بالك .. خلينا نخلص يلا عشان متتأخريش على الحضانة
امتثلت لكلمات والدتها وبقت ساكنة أمامها تتركها تكمل تسريح شعرها وصنع تسريحتها الخاصة الجميلة حتى انتهت واستقامت واقفة تجذب حقيبة ظهرها لترتديها وقبل أن تغادر لكي تذهب لأبيها الذي ينتظرها بالأسفل .. توقفت فجأة وقالت صائحة بتذكر :
_ افتكرت
جلنار باستغراب :
_ في إيه !!
أشارت لوالدتها بالاقتراب تطلب منها الانحناء عليها ففعلت جلنار ومالت عليها بحيرة لتقترب هنا من أذن أمها وتهمس بخبث وهي تضحك بخجل طفولي :
_ بابي قالي إنه بيحبك أوي
ارتفعت البسمة تلقائيًا لثغر جلنار لكن سرعان ما كتمتها صغيرتها وهي تكمل ضاحكة بعبث ومكر امتزج بغرورها :
_ بس قالي بيحبني أنا اكتر
فغرت جلنار فمها پصدمة من رد ابنتها وباللحظة التالية كانت تضحك بقوة وتلكزها برقة في ذراعها وسط ضحكهم الذي وصل لأذنه بالأسفل ولم تكن سوى لحظات حتى رأى صغيرته تركض فوق الدرج وخلفها جلنار تنزل على مهلها برقة مبتسمة .. فاستقام واقفًا وحين وجد ابنته تركض نحوه فانحنى ينتظرها حتى تصل إليها ليحملها فوق ذراعيه باسمًا .. لفت هنا ذراعيها حول رقبة والدها هاتفة بضحكة طفولية مرحة :
_ بابي إنت مش قولتلي إنت بتحب مامي وبتحبني اكتر
اعتلت الدهشة ملامح عدنان الذي نقل نظره بين ابنته وزوجته بتردد .. ثم انحنى على أذن صغيرته وهمس بغيظ وهو يضحك :
_ أنا قولتلك روحي قوليها بابي بيحبك مش بيحبني أنا اكتر .. كدا برضوا ياهنايا بتبيعي بابي
كتمت على فمها بكفها الصغير تكتم ضحكتها اللئيمة بينما هو فابتعد قليلًا ولثم وجنة صغيرته مجيبًا بصدق :
_ طبعًا بحبك ياحبيبتي
نزلت الصغيرة من فوق ذراعين أبيها بعد أن أشار لها بأن تسبقه على السيارة في الخارج .. فاسرعت نحو أمها وعانقتها بقوة هاتفة في حب نقي :
_ باي يا مامي .. بحبك
جلنار بسعادة وحنو جارف :
_ وأنا كمان بحبك ياروحي
ابتعدت عن أمها واندفعت لخارج المنزل تقصد سيارة أبيها لكي تنتظره بها كما أخبرها .. وبينما كان سيهم باللحاق بها أوقفته جلنار التي سألت بنظرات قوية :
_ أنا هروح الشركة النهارده مش هتاخدني معاك ولا إيه
عدنان بجمود مشاعر ولامبالاة :
_ أنا مستعجل البسي وتعالي ورايا
التهبت نظراتها له ورمقته شزرًا بغيظ وعينان تطلق شرارات حاړقة .. أما هو فرحل بكل برود أعصاب وعدم اهتمام !!! ....
***
خرجت مهرة من الحمام بعد أن انتهت من حمامها الدافيء .. واثناء وقوفها أمام المرآة لتقوم بتسريح شعرها صك سمعها صوت رنين هاتفها الملقي فوق الفراش .. فابتعدت عن المرآة واقتربت من الفراش لتلتقط الهاتف وتحدق باسم المتصل بعدم حيلة ثم تجيب عليه في حزم :
_ نعم !
آدم بلهجة آمرة وحازمة :
_ أنا رايح الشركة دلوقتي ومستنيكي بالعربية في الشارع الخلفي اللي بوصلك عنده دايمًا .. البسي وانزلي يلا عشان نروح مع بعض
شهقت مهرة پصدمة عند قوله أنه ينتظرها بالسيارة .. لكن سرعان ما هتفت پغضب :
_ وأنا سبت الشغل يا آدم بيه وسبتلك ورقة استقالتي يعني مش هرجع تاني
رد ببرود ونبرة صلبة :
_ أول حاجة بلاش آدم بيه دي .. وقدامك عشر دقايق بالظبط يا مهرة لو منزلتيش هجيلك بنفسي واخدك من قدام بيتكم
مهرة شاهقة پصدمة :
_ إيه ! .. إنت مچنون .. مش هنزل ، وامشي يا آدم
آدم بنبرة جدية وهو يقوم بتشغيل محرك السيارة :
_ تمام أنا حذرتك .. استنيني عشان جايلك وهخليكي تشوفي الجنان بجد
أدركت أنه لا يمزح خاصة عندما سمعت صوت محرك السيارة العالي فقالت متراجعة بسرعة في توتر :
_ خلاص هلبس واجي .. بس امشي وأنا هاجي وراك
آدم بابتسامة انتصار :
_ تؤ هتيجي معايا .. وقدامك عشر دقايق زي ما قولت
لم يمهلها اللحظة لتجيب عليه حيث أغلق الاتصال قبل أن ترد .. فاغلقت هي على قبضة يدها بغيظ شديد متمتمة بوعيد :
_ ماشي يا آدم
أسرعت إلى نافذة غرفتها وبحثت بنظرها عن الصبي الصغير وصديقها فوجدته يجلس على مقعد أمام بقالة والده .. أشارت له بيدها أن يأتي إليها فاستقام هو واقفًا واسرع إليها راكضًا .. خرجت إلى باب المنزل وفتحته ثم انتظرته حتى وصل إليها .
انحنت عليه تملي عليه خطتها وما سيفعله بالضبط .. ثم عادت للداخل مجددًا وشرعت في ارتداء ملابسها .. انتهت في ظرف اثنى عشر دقيقة بالضبط لتخرج من المنزل بعد توديع جدتها التي أخبرتها بأنها ستذهب للعمل حتى تنهي أمر ضروريًا وتعود .
سارت مهرة في الشارع وهي تبتسم باستمتاع وقادت الطريق المختصر الذي يقود للشارع الخلفي الذي ينتظرها به وحين وصلت وتحققت بنظرها من نجاح خطتها ابتسمت أكثر بانتشاء واكملت طريقها حتى وصلت إليه واستقلت بالمقعد المجاور له مكتفية بابتسامة سمجة بينما هو فضحك بصفاء وتمتم :
_ اتأخرتي خمس دقايق بس مش مشكلة
ثبتت نظرها بتركيز وتدقيق عندما وجدته يبدأ بتشغيل محرك السيارة .. وسرعان ما كتمت ضحكتها اللئيمة حين لم تتحرك السيارة ورأت معالم وجهه تتقوس بريبة وعدم فهم .. حاول أكثر من مرة لكن دون فائدة وبعد محاولاته البائسة كأنه أدرك ما يحدث ففتح الباب ونزل ثم القى نظرة على العجلات ليجدها مفرغة من غاز النيتروجين .. اشتعلت نظراته وعاد لمقعده بالسيارة مرة أخرى يرمقها بقوة هاتفًا في دهشة :
_ كل ده عشان متجيش الشركة معايا !!
مهرة بابتسامة جانبية في شراسة ونبرة قوية :
_ لا عشان انا محدش بيجبرني على حاجة ويمشي كلامه عليا .. قولتلك امشي وانا مش جاية الشغل تاني بس إنت اللي صممت
همت بالنزول لولا يده التي قبضت على رسغها تمنعها من التحرك ويهتف بنبرة رجولية :
_ أنا مش هسألك ماما قالتلك إيه ولا عملت إيه لأنه واضح .. وأنا بعتذرلك نيابة عنها .. ممكن بقى ترجعي الشغل عشان أنا عايزك تكوني موجودة وملكيش دعوة بأي حاجة قالتها ماما الأهم اللي أنا بقوله ليكي
طالت نظراتها له قبل أن تسحب يدها من قبضته ببطء وتهتف في عبوس :
_ أنا كرامتي فوق كل شيء يا آدم وبعد اللي قالته والدتك لا يمكن ارجع لشركتكم تاني أو أقبل إني أخد قرش واحد منها
تقابلت نظراتهم لبعض الثواني قبل أن تنزل من السيارة وتسير مبتعدة عنه عائدة إلى منزلها .. لكنها رجعت مجددًا ووقفت أمام نافذة سيارته منحية تهتف بابتسامة :
_ ميدو هيبعتلك سيد من الورشة اللي في المنطقة هنا وهيغيرلك عجلة العربية .. ولعلمك ده على حسابي مبحبش اكون مديونة لحد وزي ما عملت كدا في العربية أنا اللي هتكلف بتكاليفها
ثم تابعت بنظرات كلها قوة وشراسة قبل أن تستدير وتبتعد :
_ أنا حبيت اوريك بس إن مش أنا اللي تقدر تتحكم فيا
رأته يبتسم باتساع في اعين تحمل وميض جديد ومختلف ليهتف عليها بعد أن استدارت وسارت مبتعدة عنه :
_ ومش آدم الشافعي اللي يتخلى عن حاجة عايزها
تسمرت بأرضها في دهشة والتفتت برأسها له تتطلعه مصډومة قبل أن تعيد رأسها فورًا وتسرع في خطاها إلى منزلها مبتسمة بخجل وسعادة ! .
***
توقفت جلنار بسيارتها الحمراء أمام مقر الشركة وترجلت منها .. ثم قادت خطواتها للداخل بوقار وثقة وسط نظرات الإعجاب من الموظفين خاصة الفتيات .. يتهامسون فيما بينهم پصدمة وابتسامات عريضة بعدما رأو السيارة الفاخرة التي أتت بها .. والبعض الأخر منهم يتهامس على ملابسها وأناقتها التي تليق بها وبامرأة قوية مثلها حقًا .
استقلت جلنار بالمصعد الكهربائي ونزعت عنه نظاراتها ثم رفعت أناملها لترجع بخصلات شعرها للخلف وهي تتنهد بخنق فمازالت حتى الآن غاضبة من تصرفه معه بالصباح .
انفتح باب المصعد فخرجت وقادت خطواتها تجاه مكتبها الخاص الذي خصصه لها تحديدًا وحين فتحت الباب ودخلت اڼصدمت بوجود باقة ضخمة من الورد الأحمر فوق سطح المكتب .. ضيقت عيناها بتعجب وأغلقت الباب ثم اقتربت من المكتب وحملت الباقة بين ذراعيها تنحنى عليها بوجهها لتستنشق رائحة الورد الجميلة وهي مبتسمة بنعومة .. وحين رجعت برأسها للخلف لمحت ملاحظة صغيرة بين الزهور فاخرجتها وقرأت ما دوَّن بها ( هتفضل رمانتي أجمل زهرة شافتها عنيا ! )
اتسعت البسمة العاشقة فوق شفتيها .. لا تصدق ما تراه ، الآن فقط فهمت سبب معاملته الجافة معها بالصباح .
التفتت بعفوية تجاه الباب الذي انفتح وظهر هو من خلفه ليدخل ويغلقه مجددًا ثم يقترب منها مبتسمًا بحب وتبادله هي الحب في لحظات قد تكون نادرة الحدوث .. حتى وجدته يقف أمامها ويهمس غامزًا :
_ عجبتك ؟
جلنار بنعومة ساحرة :
_ إنت عارف إني بحب الورد الأحمر
عدنان باسمًا بخبث ويجيبها بعبث :
_ عارف فعلًا .. بس أنا مش بسأل على الورد لأن الورد ده استقبال بسيط مني لمراتي بمناسبة أول يوم ليها في الشركة هنا .. أنا بسأل على دي !
انهى كلماته مشيرًا بعيناه على الملاحظة الصغيرة التي بين يديها .. فاخفضت نظرها إلى مستقر نظراتها لتبتسم باتساع وتقول في رقة وحب :
_ امممم عجبتني أوي
مال عليها يلثم وجنتها بقبلات متتالية في عاطفة متمتمًا :
_ طيب نقول الزعل خلص بقى ولا إيه !
دفعته برفق ضاحكة في استحياء :
_ عدنان في كاميرات هنا في المكتب .. عيب الله
هدر بعبث :
_ نشيلها الكاميرات
ضحكت ووضعت باقة الورق فوق المكتب ثم تمتمت بدلال وهي ترفع أناملها تعبث بلياقة قميصه :
_ عارف أنا كنت ناوية انتقم منك واعذبك وانكد عليك اكتر بعد معاملتك ليا الصبح بس إنت مكار وعرفت تكسبني في صفك
قهقه بقوة هاتفًا :
_ مكار !!! .. وبعدين هتنكدي عليا اكتر من كدا إيه !
ارتمت عليه تعانقه بحرارة وتهمس في غرام :
_ ميرسي يا عدنان .. فرحت أوي بالمفاجأة دي
لف ذراعه حول ظهرها يضمها إليه أكثر هامسًا بالقرب من أذنها :
_ أنا موجود عشان افرح رمانة قلبي بس
دفنت وجهها بين ثنايا رقبته وهي تضحك .. أما هو فأغلق عيناه وترك لنفسه حرية الاستمتاع بهذه اللحظات النادرة ! ...
***
بعد مرور ساعات قليلة منذ وصول جلنار وجلوسها بمكتبها وانتهائها من تفحص كل شيء خاص بالأعمال .. لمعت عيناها بوميض الشراسة والڠضب عندما تذكرتها .. لتمسك بالهاتف المتصل بليلى بالخارج وترفعه لتجيب عليها ليلى فورًا :
_ نعم يا جلنار هانم
جلنار بنبرة حازمة :
_ يلغي جميلة يا ليلى إني مستنياها في مكتبي
ليلى بإيجاب :
_ تحت امرك
انزلت الهاتف من فوق أذنها وبقت بمكانها تحدق بالباب في انتظار دخولها مبتسمة بوعيد ونظرات مريبة وجديدة تظهر في عيناها للوهلة الأولى .
دقائق مرت وأخيرًا انفتح الباب ودخلت جميلة ترسم فوق شفتيها ابتسامة صفراء وتهتف ببرود :
_ ليلى بلغتني إنك عايزاني ياجلنار
طالت النظرات القاټلة في عيني جلنار قبل أن تستقيم من مقعدها بكل غرور واستعلاء وتتحرك بثقة تجاه جميلة هاتفة بصرامة :
_ أولًا اعتقد إن مفيش بينا أي صلة تستدعي إنك تقوليلي يا جلنار كدا كأننا اصدقاء .. أنا هنا بنت نشأت الرازي ومرات عدنان الشافعي .. اللي إنتي واضح جدًا مكنتيش تعرفي هي مين بظبط
عقدت جميلة ذراعيها أسفل صدرها وتمتمت مبتسمة بسماجة :
_ مش فاهمة !
جلنار پغضب ونظرات ممېتة كلها وقار :
_ يعني مش جلنار الشافعي اللي تقارنيها بفريدة .. غلط جدًا اللي عملتيه وإنتي للأسف لسا متعرفنيش كويس .. أنا كنت ناوية اخلي عدنان يطردك بس غيرت رأي وأنا اللي هخليكي تمشي بكامل رغبتك
ضحكت جميلة بتهكم لكن سرعان ما تلاشت ابتسامتها عندما وقع نظرها على باقة الورود الضخمة وقڈف ألف سؤال في ذهنها بالثانية الواحدة .. تابعت جلنار نظراتها المشټعلة تجاه الباقة مبتسمة بسخرية لتبتعد عنها وتعود إلى مقعدها هاتفة بحدة :
_ ارجعي على شغلك
ألقت جميلة نظرة أخيرة على جلنار والباقة بغل قبل أن تستدير وتنصرف بسخط هادر !!! ....
***
كان عدنان جالسًا بغرفة الاجتماعات الخاصة على مقعده الخاص في صدر الطاولة الضخمة .. وعيناه ثابتة على الفراغ أمامه بسكون غريب ينتظر ضيفه المميز حتى يباشر بالعمل ...
دقائق طويلة نسبيًا مرت حتى انفتح باب الغرفة الكبير وظهر من خلفه حاتم (الضيف المنتظر ) !!! .......
..............
_ الفصل الخامس والأربعون _
دقائق طويلة نسبيًا حتى انفتح باب الغرفة الكبير وظهر من خلفه حاتم !!! .. الټفت عدنان برأسه تجاه الباب ليتطلع بحاتم في جمود غريب .. أما الآخر فقد تحرك إلى أقرب مقعد وجده أمام الطاولة ليجلس فوقه وتتلاقى نظراتهم الشرسة معًا لنصف دقيقة قبل أن يتنهد حاتم الصعداء بخنق ويجيب :
_ أنا من رأى نبدأ في الشغل بسرعة أفضل عشان نخلص كل حاجة في اسرع وقت
عدنان بأعين مشټعلة وصوت رجولي غليظ :
_ ياريت
مسح حاتم على وجهه متأففًا بامتعاض .. أما عدنان فكان هادئًا بشكل مريب معادا نظراته القاټلة له .. مرت ثواني أخرى في صمت قبل أن يبتسم عدنان هازئًا ويهدر :
_ وياترى إيه اللي خلاك تغير رأيك بقى ؟!
أجاب حاتم باسمًا بذكاء ساخر :
_ نفس اللي خلاك تغير رأيك
هز رأسه بتفهم وهو يضحك مستنكرًا .. ثم تمتم بنفاذ صبر :
_ اعتقد أن نادين هي اللي كلمتني على المشروع وهي اللي هتمسكه .. ممكن افهم مجتش معاك ليه !
حاتم بنظرة ثاقبة وصوت خشن :
_ أنا اللي هكمل المشروع ياعدنان .. نادين ملهاش شغل معاك
اردف ببرود تام وغطرسة :
_ تمام مش هتفرق المهم نتيجة المشروع بنسبالي في النهاية
كتم غيظه من غطرسته ومال بوجهه للجهة الأخرى يمسح عليه باستياء هامسًا في صوت منخفض :
_ أنا مش فاهم جلنار إزاي أدتك فرصة تانية أصلًا
وصلت همهمته الغير مفهومة لأذن عدنان فاشتدت حدة نظراته وهتف :
_ بتقول حاجة
هدر حاتم في ثبات وأعين ڼارية :
_ بقول إنك متستهلش الفرصة اللي ادتهالك جلنار
احتدمت عيناه وقد خرج عن إطار هدوئه المزيف فضړب بقبضة يده الفولاذية فوق سطح الطاولة هاتفًا بصوت متحشرج :
_ هتتدخل في اللي ميخصكش هتندم وهتشوف ال**** مني بجد .. وأنا متأكد إن ده مش هيعجبك .. عشان كدا خليك في حالك وطلع جلنار من دماغك لأن لو حسيت بس إن عقلك فكر فيها لمجرد التفكير مش هرحمك
ابتسم حاتم بتشفي في إثارة غيظه وللأسف لم يرضيه هذا القدر وقرر سكب المزيد من البنزين فوق النيران حيث رد ساخرًا بثقة وعدم مبالاة :
_ مش هتعرف
أظلمت عيني عدنان لدرجة مرعبة ليستقيم واقفًا ويستند بكفيه فوق سطح الطاولة منحنيًا للأمام بجزعة ويهتف في صوت خرج ببحة ترهب البدن :
_ يبقى لسا متعرفنيش
بتلك اللحظة انفتح الباب ودخلت جلنار بتلقائية ظنًا منها أن زوجها فقط الموجود هنا .. لكنها تسمرت مكانها پصدمة عندما رأت حاتم .. واستغرقت وقتًا تنقل نظرها بينهم في عدم استيعاب لوجودهم معًا وساد الصمت بينهم حتى لمحت الأوراق والملفات الموضوعة فوق الطاولة أمامهم لتدرك أن كلاهما تنازل أخيرًا ووافقوا على العمل .. لتبتسم بخفة في سعادة داخلية وتهتفت متنحنحة برقة :
_ كنت عايزاك ياعدنان .. بس خلاص لما تخلصوا شغلكم نبقى نتكلم
وقبل أن تستدير وتنصرف من جديد انتبهت للأجواء الشرسة المشحونة بينهم وتأهب زوجها كالأسد للانقضاض على حاتم .. فأخذت نفسًا واخرجته زفيرًا متهملًا ثم اقتربت منه ومالت على أذنه تهمس في نعومة وابتسامة ساحرة :
_ اهدى وبلاش تعمل مشكلة عشان خاطري .. وبالمناسبة شكرًا
طالعها عدنان مطولًا بملامح جامدة لكن لا يستطيع الإنكار أنها بجملة واحدة وبنبرتها الناعمة نجحت في امتصاص غضبه قليلًا .
تابعها بنظره وهي تستدير وتبتعد عنه مغادرة الغرفة بأكملها .. وبعد ثلاث ثواني بالضبط رجع بعيناه إلى حاتم الذي كان يتابع ما يحدث ببرود ونظرة متهكمة .. فكتم جموحه بصعوبة وجلس فوق مقعده من جديد هاتفًا في صرامة :
_ اعتقد إن اجتماع زي ده اخد اكتر من وقته وأنا مبحبش ادي حاجة اكتر من حجمها
حاتم باسمًا بخبث :
_ بظبط لازم كل حاجة تاخد على قد حجمها
طالت نظرات عدنان الملتهبة له .. يقسم أن لو بإمكان النظرات أن ټحرق لحرقته مكانه .. تابع حاتم بنبرة جادة وملامح حازمة :
_نبدأ في الشغل !
لم يجيب وفقط استمرت نظراته نفسها يحدقه بها .. يجاهد لتهدأ الطوفان العاتي المندلع في ثناياه .. فقد عزم أنه سيكون هادئًا هذه المرة ولن ينصاع خلف جموحه لكنه يصر على إيقاظ بركانه الخامد !!! .
***
خرجت زينة من غرفتها شبه مجبرة بعدما أخبرتها أمها أن آدم بالخارج جاء ليطمئن عليها .. حاربت أصوات قلبها العالية بأنها نست ذلك العشق منذ زمن وأصرت على الخروج له لتثبت لنفسها أنها لم تعد تكن له المشاعر .
لكنها خرت منهزمة أمام الحقيقة عندما رأته وعلى العكس قلبها هو من أثبت لها أنها مازالت تتأثر به .. إلا أنها رفضت الخضوع واخرست ذلك الصوت الذي بعقلها ودفنت المشاعر الحية تحت التراب .. وجلست على أقرب مقعد منه هو ووالدتها ترسل له ابتسامة منطفئة .. أما آدم فقد رمق خالته بعتاب أنها أخبرتها بوجوده رغم أنه طلب منها ألا تخبرها .
تطلع لزينة وابتسم بعذوبة هامسًا :
_ عاملة إيه يازينة ؟
زينة بهدوء وثبات مزيف :
_ كويسة يا آدم .. إنت عامل إيه وخالتو وعدنان ؟
رد عليها بخفوت جميل :
_كويسين
لم يكن يرغب برؤيتها .. مازال يخشى عليها من الآم العشق وكان ينوي الزيارة فقط ليطمئن عليها من خالته ويرحل لكن هذا ما حدث !! .
نهضت ميرفت من جوارهم واتجهت لباب المنزل بعدما ارتفع صوت رنين الجرس .. ولم تكن سوى لحظات حتى دخلت ميرفت ومعها هشام وهم يضحكون بعفوية .. لكن اختفت البسمة من فوق ملامحه فور رؤيته لآدم وحل محلها الانزعاج المغلف بقناع الجمود .
ظهر القليل من الدهشة على آدم لكنه سرعان ما ابتسم وقال بعذوبة :
_ حمدالله على السلامة يادكتور .. ازيك ؟
ارتفعت ابتسامة متكلفة فوق ثغر هشام وصافح آدم مجيبًا :
_ الله يسلمك
اقترب هشام وتعمد الجلوس على المقعد المجاور لزينة التي كانت تختلس النظرات خلسة إلى آدم بين كل لحظة والأخرى .. مما جعل نيران الجالس بجوارها تلتهب ويصب ذلك اللهيب في نظراته على آدم .. تجاهل آدم نظراته لكنه فشل في كبت ابتسامته الصافية وقرر بالأخير إنهاء تلك الجلسة التي بدأت تأخذ منحني سلبي ليهب واقفًا ويقول معتذرًا :
_ طيب أنا هستأذن بقى يا خالتو عشان ورايا شغل ومش هينفع أتأخر عليه
استقامت ميرفت وعانقته مودعة إياه بحنو :
_ ماشي ياحبيبي روح وخلي بالك من نفسك وسلملي على اخوك وقوله خالتك زعلانة منك
ضحك وقال مازحًا :
_ لو عرفت اتلم عليه بقى .. لاحسن الباشا محدش بيشوفه أساسًا
بادلته الضحك ثم تابعته وهو يسير للخارج تجاه الباب .. وباللحظة التالية كان هشام يستقيم واقفًا ويلحق به للخارج وسط نظرات زينة وميرفت المتعجبة .
_ آدم !
كان صوت هشام الغليظ والذي أوقفه عند الباب تحديدًا قبل أن يخرج .. ليلتفت له بجسده كاملًا ويتطلع باستفهام فيقترب هشام منه ويقف بمقابلته مباشرة هاتفًا في حدة وغيرة ملتهبة :
_ خليك بعيد عن زينة نهائي ومتقربش منها
آدم باسمًا :
_ مقربش منها !! .. هي مش بنت خالتي ولا إيه !
هشام بنظرات مشټعلة :
_ بنت خالتك .. بس تخصني
اتسعت ابتسامته وقال غامزًا بمكر :
_ طب ما أنا عارف
عم السكون بينهم للحظات قبل أن يكمل هو مربتًا فوق كتف هشام برزانة ونظرة صافية :
_ أنا عارف إنك بتحبها .. ومتقلقش زينة زي اختي بنسبالي ومستحيل تكون حاجة تاني .. ومش عايز حاجة غير إنها تكون سعيدة ومرتاحة وأنا واثق إنك هتعرف تعمل كدا
ثلاث دقائق مرت من السكون التام المهيمن على هشام بعد رحيل آدم .. ثم رفع كفه يمسح على وجهه متأففًا پغضب وخنق فور تذكره لنظراتها له .. لن يتحمل ذلك الوضع أكثر إما يضع له الحدود الفاصلة أو ينهيه تمامًا !!! .. فقلبه ليس بحاجة لمزيد من المعاناة ! .
شعر پاختناق صدره فقرر المغادرة في صمت ليخلو بعڈابه وحده .. فتح باب المنزل وغادر وعندما سمعت ميرفت صوت غلق الباب مرة أخرى خرجت ولم تجده فضيقت عيناها بدهشة وتعجب ثم عادت للداخل مرة أخرى حيث تجلس ابنتها وهدرت :
_ هشام مشي !!
زينة باستغراب مماثل لوالدتها :
_ مشي ! .. هو لحق !!!
تبادلوا النظرات بينهم بحيرة وعدم فهم .. ثم اندفعت ميرفت للداخل لتمسك بهاتفها وتجري اتصال به ! .
***
داخل مقر شركة الشافعي تحديدًا بمكتب عدنان ......
فتحت جلنار الباب ودخلت ثم اغلقته خلفها بهدوء .. توقفت لثانية تأخذ نفسًا وهي مبتسمة فتراه يقف أمام النافذة موليًا ظهره للباب وواضعًا قبضتيه في جيبي بنطاله .. تقدمت إليه بخطواتها الناعمة حتى وقفت خلفه مباشرة وهمست برقة :
_ وافقت يعني !!
بعد ثواني معدودة الټفت لها وطالعها مبتسمًا بغرام مجيبًا :
_ عشانك بس
اقتربت أكثر ولفت ذراعها حول رقبته تتمتم في دلال :
_ عارفة
عدنان بانزعاج واضح وغيظ :
_ اظن كدا ملكيش حجة تاني .. ومش عايز اسمعك بتجيبي سيرته بقى لغاية ما يخلص المشروع ده
تدللت أكثر وهي تضحك ثم تجيبه مازحة :
_ طيب وبعد المشروع ؟!
عدنان بحزم حقيقي :
_ جلنار !!!
قهقهت بقوة ومالت عليه تلثم وجنته برقة هامسة بغنج :
_ طيب خلاص متتعصبش .. كفاية إنك وافقت وعملت كدا عشاني
عدنان بدفء وحب :
_ واعمل اكتر من كدا كمان عشانك ياحبيبتي
رفعت كفها تملس فوق لحيته ووجنته بنعومة هامسة في عشق ونظرات هائمة :
_ ربنا يخليك ليا
رأت العشق المتبادل في نظراته قبل أن يغمز لها بلؤم ويتمتم :
_ وحشتيني على فكرة
توردت وجنتيها وحين وجدته يدنو منها فتراجعت للخلف بسرعة هاتفة بدهشة وبابتسامة خجلة :
_ عدنان احنا في المكتب !!!
ضحك بنظرات جريئة ثم أمسك بيدها وجذبها معه ناحية المرحاض الملحق بغرفته هاتفًا :
_ عندك حق ، تعالي
افلتت يدها من قبضته قبل أن يصلوا واستدارت تهم بالفرار منه لكنه اسرع وجذبها من ذراعها ضاحكًا وهتف :
_ إنتي ډخلتي بإرادتك ومش هتطلعي غير بإذني
جلنار بضحكة مكتومة وذهول من جديته في الكلام فقد ظنت بالبداية أنه يمزح :
_ عدنان سيب ايدي .. إنت بتتكلم جد ! .. مينفعش عيب كدا
جذبها إليها أكثر ولف ذراعه حول خصرها هامسًا بابتسامة لعوب وتلذذ :
_ هو إيه ده اللي عيب !
لا تفهم سبب خجلها منها رغم مرور السنوات على زواجهم ولكن ربما لأن مشاعر الحب والرومانسية هذه يشهدونها لأول مرة .. فردت باضطراب بسيط :
_ اللي إنت بتعمله !
عدنان قاطبًا حاجبيه بحيرة مزيفة ويجيب بتصنع البراءة رغم ابتسامته اللعوب :
_ بعمل إيه !!!
جلنار بخجل شديد وهي تحاول الإفلات من قبضته :
_ اوووف ابعد بقى ياعدنان
ضحك ومال عليها يطبع قبلة عميقة فوق وجنتها هامسًا بعشق جارف :
_ بحبك !
رسم البسمة فوق ثغرها بلحظة واحدة .. لتتطلع به بحب ودفء .. وقبل أن تبدأ لحظاتهم الخاصة اقټحمت جميلة الغرفة وهي تمسك بيدها أوراق خاصة بالعمل كانت ستعرضها عليه .
انتفضت جلنار عنه والتفتت خلفها لترى جميلة تقف جامدة الملامح لكن بعيناها نظرة شيطانية .. استاءت وغليت دمائها في عروقها لتصيح بها جلنار في عصبية :
_ إنتي إزاي تدخلي كدا من غير استاذآن
جميلة ببرود مغلف باعتذراها المزيف :
_ بعتذر مكنتش أعرف إنك موجودة يا جلنار
طفح كيلها منها ولم تعد تتحملها لتكمل صياحها منفعلة :
_ إذا كنت موجودة أو لا تستأذني .. بس واضح إنك متعلمتيش الكلام ده
هتف هو بهدوء بالقرب من إذنها :
_ جلنار خلاص صوتك عالي
رمقته بنظرة شرسة ومنذرة ثم قالت :
_ يبقى رد إنت بدل ما اخنقها بإيدي
اكمل عدنان همسه بجدية :
_ الموضوع مش محتاج العصبية دي كلها يا جلنار !
إجابته بسخط وشبه تحذير :
_ هترد إنت وتعرفها حدودها ولا أرد أنا
عدنان بحدة من لهجتها وأسلوبها :
_ جلنار في إيه !!
اشتعلت غيظًا بعد رفضه الغير مباشر لإيقاف تلك الجميلة عند حدودها .. ورمقته شزرًا پغضب حقيقي ثم اندفعت تجاه جميلة وجذبتها من ذراعها معها للخارج .
اندهش هو قليلًا في البداية من ردة فعلها لكن سرعان ما ارتفعت الابتسامة المتلذذة والماكرة فوق شفتيه الغليظة !!! ......
***
تركت جلنار ذراعها فور خروجهم من الغرفة وحدقتها بشراسة هاتفة في ټهديد صريح :
_ واضح إنك نسيتي نفسك أوي .. بس مفيش مشكلة أنا أفكرك ياجميلة
همت بالاستدارة لكنها قبضت على ذراعها توقفها وتهتف في سخرية وشجاعة :
_ عدنان مش بيحبك ولا هيحبك .. هو لسا بيحب فريدة إنتي مجرد ورقة حظ بس كسبها عشان ينسى حبه وخيانتها ليه !
جذبت ذراعها من قبضتها بقوة ووقفت أمامها عاقدة ذراعيها أسفل صدرها تتطلعها مبتسمة بغطرسة وبرود .. فتتابع الأخرى مكملة :
_ بلاش تخدعي نفسك وتدخلي في حرب إنتي عارفة إنك هتطلعي منها خسرانة وحبه لفريدة وهو اللي هيفوز
_ خلصتي !!
كانت كلمة هازئة وغير مكترثة من جلنار التي تابعت بعدها پغضب وتحذير :
_ الإنذار الأول والأخير ليكي .. إياكي تتخطي حدودك معايا تاني وإلا صدقيني هخليكي ټندمي على اليوم اللي فكرتي فيه تقفي قصادي .. فهمتي ولا لا .. اتمنى تكوني فهمتي !
أنهت كلامها والتفتت لتتجه نحو مكتبها الخاص في خطوات قوية وثابتة وعيناها تطلق شرارات حمراء حاړقة ومخيفة !! ......
***
في مساء ذلك اليوم ............
كامنه بمضجعها في غرفتها وعقلها لا يتوقف عن التفكير به منذ أن عاد بالصباح وجاء لها ليعطيها أوراق العقود الخاصة بالمشروع وقال لها بانزعاج وجفاء ( المشروع هيتم زي ما كنتي عايزة .. وأنا وافقت اتمنى تكوني مرتاحة دلوقتي بعد الكلام اللي قولتيه وعدم ثقتك فيا .. لو وافقت عشان حاجة هتكون اني اثتبلك إنك غلطتي في كل كلمة قولتيها ) .
لا تنكر أنه فاجأها فلم تكن تنتظر منه الموافقة بعد الشجارات العڼيفة التي اندلعت بينهم بسبب ذلك الأمر .. وبعدما أهلكت نفسها ليومين من البكاء والحزن على سوء علاقتهم وابتعادهم والقسۏة التي أصبحت بينهم .. باتت لا تدري هل هي على حق أم أن ردة فعلها مبالغة .. لا تعرف لكنها حسمت قرارها أن تنهي ذلك الفتور الذي بينهم خصوصًا بعدما تذكرت كلمات فاطمة لها ( يابنتي متعمليش مشكلة من مفيش بينكم .. حاتم بعتبره ابني أنا اللي مربياه وبفهمه كويس .. والحقيقة إنه محبش جلنار أساسًا مشاعره تجاهها كانت إعجاب وانجذاب أنا متأكدة من ده .. لكن اللهفة والشغف والفرحة اللي بشوفها في عنيه ليكي بتقول ألف كلمة وإنه بيحبك بجد وأوي كمان ) .
استقامت واقفة من فراشها واتجهت إلى الحمام لتفتح صنبور المياه ثم تملأ كفيها بالمياه وترفعها لوجهها لتغسله جيدًا من آثار دموعها ثم خرجت بعدما جففته جيدًا واتجهت إلى خزانتها تخرج فستان قصير نسبيًا يصل لركبيتها وبحاملات عريضة تنزل بفتحة مثلثية عند الصدر دون أن تظهر داخلها .. ووقفت أمام المرآة تسرح شعرها بسرعة ثم أسرعت وغادرت غرفتها .. وقادت خطواتها الحذرة تجاه غرفته متلفتة حولها ثم وقفت أمام غرفته وانحنت تستند بأذنها على الباب تحاول سماع أي صوت يؤكد لها وجوده لكن لم تلتقط أذنها سوى الصمت .. فتنهدت الصعداء بعدم حيلة واغلقت على كفها لترفعه وتطرق برقة فوق الباب .. طرقت مرة ولم يفتح فعادت تطرق من جديد بعد لحظات والنتيجة نفسها لتضيق عيناها بحيرة تتساءل هل نام ؟!! ، مازال الوقت مبكر على موعد نومه .. طرقت للمرة الثالثة واستندت بأذنها على الباب تحاول التقاط إي صوت ، فينفتح الباب فجأة لتميل وتكاد تسقط لولا ذراعيه التي الټفت حولها بإحكام وجعلتها تستقر بإحضانه في الأخير ! .
توترت وارتفع تدفق الإدرينالين في جسدها لتتأمله طويلًا بشرود .. أما هو فقد ضمھا أكثر إليه كأنه يروى شوقه إليها في لحظات أشبه بعناق وعيناه ثابتة على خاصتها بهيام .. عادت لوعيها وانتشلت جسدها من بين ذراعيه لتستقيم واقفة وترفع أناملها ترجع بخصلات شعرها للخلف هاتفة ارتباك :
_ فينا .. نتكلم شوي
طالت نظرته الجامدة من المشاعر إليها ثم افسح لها الطريق للعبور هاتفًا :
_ ادخلي
تصلبت وقالت بتوتر :
_ عندك بالأوضه راح نتكلم !
_ امال هنتكلم فين يعني .. ادخلي قبل ما تطلع خالتي وتشوفك
تنحنحت في خجل ودخلت ببطء واضطراب ثم التفتت برأسها للخلف عندما سمعت صوت الباب ينغلق وتحرك هو ليقترب منها يهتف في جدية امتزجت باستنكاره وضيقه :
_ خير هنتكلم في إيه المرة دي ياترى ! .. ناوية تقوليلي نتطلق ؟!!
نادين بنظرة عتاب :
_ حاتم !
أردف پغضب :
_ ما هو ده اللي ناقص ومقولتهوش يا نادين .. بعد اللي سمعته منك بقيت متوقع أي حاجة
اجفلت نظرها أرضًا بأسى وتمتمت برجاء :
_ فينا ننسى كل شيء صار ونرجع متل أول ؟
_ لا !
كان ردًا جافًا وقاطعًا منه جعلها تتطلعه پصدمة وخيبة أمل ثم تابع هو بضيق وصوت مهموم :
_ بالسهولة دي لا .. أنا لسا ڠضبي مهديش ولا نسيت اللي قولتيه .. ياريتها كانت غيرة وعصبية وخناقة عادية يا نادين لا إنتي مسبتيش كلمة إلا وسمعتهالي من غير ما تفهمي مني ولا تحاولي تتكلمي معايا حتى .. وفوق كل ده اثبتيلي إنك معندكيش ذرة ثقة واحدة في حبي ليكي ولا حبنا لبعض وعلاقتنا
أجابت بندم وحنق :
_ الغيرة عمتني وما كنت دريانة شو عم اقول .. حس فيني شوي طبيعي بعصب بعد نظرتك إلها .. أي بعترف إني زودتها شوي بس كمان إنت اتهمتني إني دبرت هاد الاجتماع عن قصد
_ وأنا مقولتش ملكيش حق تتعصبي ولا تغيري .. بس اللي سمعته منك كان قاسې وجارح بجد
اطرقت رأسها وانهمرت دمعة حاړقة فوق وجنتيها لتجيبه بصوت مبحوح :
_ بعتذر !
استدارت وهمت بالانصراف لكن أوقفها بقبضة يده على رسغها وادارها إليه ليمد أنامله لوجنتيها يمسح دموعها هامسًا برجاء ودفء :
_ متعيطيش .. احنا الاتنين غلطنا في حق بعض ومحتاجين وقت لغاية ما نهدى كويس
هزت رأسها بالإيجاب ترد بخفوت :
_ معك حق
ثم سحبت رسغها من قبضته وقالت بصوت يكاد لا يسمع وهي تلتفت لتتجه إلى خارج الغرفة :
_ تصبح على خير
رد بعبوس ونظرات تائهة بعد رحيلها :
_ وإنتي من أهله
***
_ إنتي هبلة يابت !!!
كانت جملة استنكارية وعڼيفة من سهيلة لمهرة التي تجلس بجوارها فوق الفراش بغرفتها وعابسة الوجه بعدما سردت لها كافة تفاصيل الأيام الأخيرة .. وبعد جملة صديقتها قالت بلوعة :
_ كنتي عايزاني أعمل إيه يعني يا سهيلة
ردت الأخرى هازئة :
_ طيب أمه وطلعت ست ارشانة ولئيمة هو ذنبه إيه !
مهرة بجفاء مزيف وأعين متلألأة بالدموع :
_ ذنبه إنه ابنها .. تيتا كان عندها حق لما قالت إن مينفعش تحصل حاجة بينا
سهيلة بحماس :
_ ليه هي حصلت حاجة !!
رمقتها مهرة بقرف وقالت ساخرة :
_آه حصل والفرح الأسبوع الجاي في قاعة اللؤلؤة .. هو أنا ناقصاكي انتي كمان يعني ليا ساعتين بحكيلك عن مأساتي وإنتي تقوليلي حصل حاجة !! .. أنا اللي هيحصلي حاجة منك
رتبت سهيلة على كتفها ضاحكة بمرح :
_ إن شاء الله عدوينك ياحبيبتي .. ألا هي فين قاعة اللؤلؤة دي صحيح عشان لما اروح متوهش
حدقتها مهرة بنظرة مشټعلة وهبت واقفة لتنقض عليها وسط ضحكات الأخرى وهي تحاول الفرار منها وبالأخير هتفت بأنفاس متقطعة من كثرة الضحك :
_ خلاص هسكت ومش هفتح بقي تاني .. آه يابطني مش قادرة اخد نفسي من الضحك
مهرة بغيظ :
_ يامستفزة
_ الله بحاول افرفشك ياببلاوي في إيه !!
_ إنتي كدا بتفرفشيني ولا يتنقطيني !
رفعت السبابة والبنصر معًا تشير بهم بمعنى الأثنين وهي تبتسم باتساع .. لتتأفف مهرة بنفاذ صبر ثم يعبس وجهها من جديد وتقول ببؤس :
_ تفتكري هو مصمم يرجعني الشغل ومش عايز يحل عني ليه
_ عشان الصنارة غمزت !
كان ردًا سريعًا وواثقًا من سهيلة جعلها ترمقها بدهشة وعدم استيعاب لتكمل الأخرى مبتسمة :
_ إيه مالك اټصدمتي كدا ليه .. بعد اللي حكتهولي ده كله ملوش غير معنى واحد وإنه بدأ يعجب بيكي إن مكنش حبك أصلًا
عم الصمت بينهم للحظات طويلة وعينان مهرة ثبتت على الفراغ أمامها تفكر بما قالته صديقتها للتو .. لكن سرعان ما نفرت الفكرة لسذاجتها وقالت بعدم اقتناع :
_ لا مستحيل إيه الهبل ده .. هو أكيد حاسس بالذنب بسبب عملة أمه وحابب يعتذر مني بطريقة جديدة شوية
سهيلة ضاحكة باستهزاء منها :
_ أنا برضوا اللي ابطل هبل !!!
علقت نظرها على صديقتها لترى الثقة والخبث في نظراتها لتنفر برأسها سريعًا رافضة تصديق فكرتها .. لكنها انهزمت بالأخير حين سمحت لعقلها بالتفكير في توقعها وإن كان بالفعل حقيقة .. فارتفعت الابتسامة الهائمة فوق ثغرها والتفتت برأسها إلى سهيلة تقول بأمل وسعادة غامرة :
_ تفتكري !!
سهيلة بثقة عمياء وغرور :
_ افتكر ونص كمان وبكرا تقولي سهيلة قالت !
شردت بعقلها لعالم آخر تتذكره فيه فقط وهي تبتسم ببلاهة وعاطفة تظهر بوضوح في عيناها المغرمة .. غير عابئة
بضحك صديقتها عليها والتي قالت بالأخير في مرح :
_ لا ده إنتي طلعتي حالتك صعبة بجد !
***
خرجت من الحمام بعدما انتهت من حمامها المسائي الدافيء وكانت ترتدي رداء الحمام وتلف شعرها بالمنشفة البيضاء الصغيرة .. ثم قادت خطواتها إلى المرآة ونزعت المنشفة عن شعرها والتقطت الفرشاة لتبدأ بتسريحه بعدما استخدمت الجهاز. الكهربائي لتجفيف الشعر .
ترفع يدها لأعلى فروة شعرها وتنزل بالفرشاة للأسفل ونظراتها ثابتة على انعكاسها في المرآة بشرود .. رغمًا عنها لا تتمكن من إخراج كلمات تلك الشيطانة من عقلها وتستمر في التردد بتكرار حتى ملت وباتت تشعر أنها تصدقها ( عدنان مش بيحبك ولا هيحبك .. هو لسا بيحب فريدة إنتي مجرد ورقة حظ بس كسبها عشان ينسى حبه وخيانتها ليه ! ) .. يؤلمها قلبها بشدة كلما تتذكر تلك الكلمات لكنها تعود وتسكت صوت عقلها المزعج بأنه يحبها حقًا وإلا لم يكن ليتحمل كل هذا الوقت حتى سامحته .. كان بإمكانه أن يتركها ويحررها من زواجهم لكنه تمسك بها وأثبت حبه ورغبته بها .. قد تكون فريدة بالفعل هي السبب في جمعهم معًا من جديد .. هي الحلقة الفاصلة التي ساعدت على أحياء ما ردمته الرمال أسفل الأنقاض .. ليس بالضرورة أن تكون هي البداية والنهاية لكل شيء مرة أخرى !!! .
انتفضت جالسة على أثر لمسته لها فوق كتفها والتفتت برأسها إليه ترمقه مطولًا في ملامح ونظرات غريبة جعلته يقطب حاجبيه ويسألها بتعجب باسمًا :
_ بتبصيلي كدا ليه ؟!
اشاحت بوجهها عنه وثبتته على المرآة تكمل تسريح شعرها بصمت غريب .. حتى شعرت به ينحنى أكثر عليها ويدفن وجهه بين شعرها يستنشق رائحته ليهمس بلا وعي كالثمل بعدما تخللت أنفه رائحة غسول الشعر الذي برائحة الرمان وتملأ رائحته شعرها كله :
_ رمان يارمانة !
تجمدت مكانها وعلقت انظارها على انعكاسه في المرآة تتطلعه بتدقيق كأنها تستكشف صدق أو كڈب كلمات جميلة ! .
طبع قبلة رقيقة فوق شعرها وتمتم :
_ مالك يا جلنار !!
استقامت واقفة وقالت بجمود وثبات :
_ تعبانة وعايزة أنام .. تصبح على خير
قبض على ذراعها يمنعها من التحرك هاتفًا بجدية :
_ في إيه .. إنتي مضايقة مني في حاجة ؟!
طالت نظراتها الصامتة إليه ثم انتزعت يدها من قبضته وسارت تجاه الفراش .. ليلحق بها ويوقفها مجددًا مردفًا :
_ زعلانة عشان جميلة واللي حصل الصبح ؟
جلنار بإنطفاء :
_ أنا عايزة أنام يا عدنان .. ممكن !
عدنان پغضب بسيط :
_ لا مش ممكن فهميني في إيه الأول !!
صاحت به بعصبية واڼهيار :
_ مفيش حاجة .. وأنا لا جميلة ولا فريدة يهموني خلاص كدا !
اعتلت الدهشة معالمه وارتخت عضلات وجهه المتشنجة ليقول :
_ إيه دخل فريدة بالموضوع !!!
تسطحت فوق الفراش وتدثرت بالغطاء توليه ظهرها هاتفة بخفوت :
_ اطفي النور please عايزة أنام
لم يفهم سبب تحولها الغريب وطريقتها المنفرة منه بشكل مفاجيء لكنه تأفف ماسحًا على شعره نزولًا إلى وجهه بعدم حيلة وغادر الغرفة .
سقطت دمعة حاړقة ومټألمة من عيناها فور مغادرته وتوالت بعدها العبارات .. حتى مرت دقائق وتوقفت عن البكاء فسمعت صوت الباب ينفتح أسرعت بإغلاق عيناها تتصنع النوم .. ولحظات قصيرة أظلمت الغرفة واحست به يدخل بجوارها إلى الفراش ويعانقها من الخلف .. ثواني أخرى وسمعت همسه المبحوح وصوته المغلف بالحنان والحب يقول :
_ ولا أنا يهموني .. كل اللي يهمني هو إنتي وبس معنديش استعداد اخسرك أبدًا .. وعايز اعوض كل حاجة ضيعتها في الأربع سنين اللي فاتوا .. لما شوفتك أول مرة في شركة نشأت وكنتي بټعيطي رغم إني مكنتش اعرفك بس دموعك وشكلك فضلوا محفورين في عقلي لغاية ما شوفتك تاني .. ياريت الصدفة دي كانت حصلت من زمان أوي .. وكنت برضوا هحبك واعشقك اكتر واكتر
فتحت عيناها وسالت دموعها بصمت فشعرت به يوزع قبلات متفرقة على كتفها وشعرها بحنو .. بقت ساكنة دون حركة ولا كلام حتى مرت دقائق طويلة وشعرت بانفاسه هدأت وانتظمت فأدركت أنه نام .. ابعدت ذراعه عن خصرها بحرص واستقامت واقفة لتتجه إلى الشرفة لتقف بها وتتأمل السماء في شرود وعبوس !! ...
***
سمعت أسمهان صوت طرق الباب فضيقت عيناها باستغراب وحيرة فآدم يدخل بالمفتاح الخاص به ولا يحتاج لطرق الباب .
استقامت واقفة وقادت خطواتها الهادئة نحوه ثم امسكت بالمقبض وادارته لتجذب الباب إليها .. فتصيبها الصدمة وهي تتطلع بالطارق في عدم استيعاب لبرهة من الوقت وأخيرًا خرجت همسة هازئة من بين شفتيها :
_ فريدة !!!
............... نهاية الفصل .........